اختر صفحة

رسالة القدّيس بُولُس الثانية إلى أهل قورنتس

إنجيل متّى


الحواشي:

١ تشتمل مقدّمة الإنجيل، بعد نسب يسوع (متى ١/١-١٧)، على خمسة مشاهد تتناوب فيها أحلام يوسف (متى ١/١٨-٢٥؛ متى ٢/١٣-١٥؛ متى ٢/١٩-٢٣) وتدخّلات هيرودس (متى ٢/١-١٢ و١٦-١٨). في روايات الطفولة تقليدان أحدهما يتعلّق بهيرودس والآخر بيوسف، وهما مستقلّان الواحد عن الآخر من حيث الإنشاء والبنية والمضمون.

٢ الترجمة اللفظيّة: كتاب تكوين يسوع المسيح. يقتدي متّى بعنوان رواية سلالة الإنسان الأوّل («هذا كتاب سلالة آدم»: تك ٥/١)، فيوحي بأنّ يسوع يفتتح كتاب تكوين جديد، لأنّه آدم الجديد (راجع لو ٣/٣٨). إلّا أنّ التاريخ المرويّ هنا يفيدنا عن نسب يسوع، في حين أنّ سِفر التكوين يركّز على نسل آدم: ففي يسوع يتمّ معنى تاريخ إسرائيل. عن الفرق القائم بين نسب متّى ونسب لوقا، راجع لو ٣/٢٣+.

قورنتس الثانية ١

قورنتس الثانية ٧

قورنتس الثانية ١٣

قورنتس الثانية ٢

قورنتس الثانية ٨

قورنتس الثانية ٣

قورنتس الثانية ٩

قورنتس الثانية ٤

قورنتس الثانية ١٠

قورنتس الثانية ٥

قورنتس الثانية ١١

قورنتس الثانية ٦

قورنتس الثانية ١٢

قورنتس الثانية ١

قورنتس الثانية ٢

قورنتس الثانية ٣

قورنتس الثانية ٤

قورنتس الثانية ٥

قورنتس الثانية ٦

قورنتس الثانية ٧

قورنتس الثانية ٨

قورنتس الثانية ٩

قورنتس الثانية ١٠

قورنتس الثانية ١١

قورنتس الثانية ١٢

قورنتس الثانية ١٣

 رسالة القدّيس بولس الثانية
إلى أهل قورنتس 

مدخل

إنّ رسالة بولس الثانية إلى أهل قورنتس هي بين رسائله مؤلَّف جدال وإقناع أكثر منه شرح منظّم كالذي في الرسالة إلى أهل رومة. لقد استعمل بولس فيه لهجة حادّة فيها انفعالٌ شديد، ليدافع عن عمله الرسوليّ ردًّا على خصومه، وليؤكّد أنّه لا يخضع إلّا للمسيح. وجمع الرسول بمهارة في إرشاداته بين نبرات مختلفة، نبرات الحبّ والتوبيخ والغضب والحنان: إنّه يريد الحفاظ على وحدة الكنيسة، مهما كلّف الأمر، والمساهمة في ترسيخ بنيانها.

أحسن نموذج لإنشاء القدّيس بولس

تُظهر الرسالة الثانية إلى أهل قورنتس إنشاء بولس ومتانة تعبيره على وجهٍ أحسن ممّا هو عليه في الرسالة إلى أهل رومة من شرح منظّم، أو في الأجوبة عن الأسئلة في الرسالة الأولى إلى أهل قورنتس. تتوالى عبارات التضادّ في الألفاظ والمعاني (٢ قور ١/ ٥ و١٧-٢٢ و٢٤؛ ٢ قور ٢/ ١ و١٦؛ ٢ قور ٣/ ٣ و٦ و٩ و١٣؛ ٢ قور ٤/ ١٠-١١ و١٨؛ ٢ قور ٥/ ١٥ و١٧؛ ٢ قور ٨/ ٩؛ ٢ قور ٩/ ٥؛ ٢ قور ١٢/ ٦-١٠). وهناك أقوال غدت مشهورة بحقّ: «الحرف يميت والروح يحيي» (٢ قور ٣/ ٦)، و«افتقر ربّنا يسوع المسيح وهو الغنيّ، لتغتنوا بفقره» (٢ قور ٨/ ٩). ويعرف الرسول كيف يمزج التهكّم بالحدّة ليقاوم مقاومة شديدة، بل ليقبح أسباب ضعف أهل قورنتس. حسبنا أن نقرأ الفصلين الثامن والتاسع لنكتشف آيتين أدبيّتين صغيرتين. أتراهم أخذوا على الرسول قلّة البلاغة؟ فانظر كيف يحوّل ذلك إلى صالحه، فيقول: «إن كنت غريبًا عن البلاغة، فلست كذلك في المعرفة» (٢ قور ١١/ ٦). وكثيرًا ما تفوق الرسالة الثانية إلى أهل قورنتس سائر رسائل بولس بتنوّع طرق التعبير فيها (راجع على سبيل المثال: ٢ قور ٤/ ٧-١٠ و١٦-١٧؛ ٢ قور ٦/ ٣-١٠).

قورنتس الثانية ١

١. المقدّمة

سلام وشكر

١مِن بولُسَ رَسولِ المسيحِ يسوع بِمَشيئَةِ الله، ومِنَ الأَخِ طيموتاوُس، إِلى كَنيسةِ اللهِ في قورِنتُس، وإِلى جَميعِ القِدِّيسينَ في آخائِيَةَ جَمْعاء، ٢عَليكمُ النِّعمَةُ والسَّلامُ مِن لَدُنِ اللهِ أَبِينا والرَّبِّ يسوعَ المسيح.

٣تَبارَكَ اللهُ أَبو رَبِّنا يسوعَ المسيحِ، أَبو الرَّأفَةِ وإِلٰهُ كُلِّ عَزاء، ٤فهو الَّذي يُعَزِّينا في جَميعِ شَدائِدِنا لِنَستَطيعَ، بما نَتَلقَّى نَحنُ مِن عَزاءٍ مِنَ الله، أَن نُعَزِّيَ الَّذينَ هُم في أَيَّةِ شِدَّةٍ كانَت. ٥فكَما تَفيضُ علَينا آلامُ المسيح، فكَذٰلِكَ بِالمسيحِ يَفيضُ عَزاؤنا أَيضًا. ٦فإِذا كُنَّا في شِدَّةٍ فإِنَّما شِدَّتُنا لِعَزائِكم وخلاصِكم، وإِذا كُنَّا في عَزاءٍ فإِنَّما عَزاؤُنا لِعَزائِكم، فهو يُمَكِّنُكم مِنَ الصَّبْرِ على تِلكَ الآلامِ الَّتي نُعانيها نَحنُ أَيضًا. ٧ورَجاؤُنا فيكُم ثابِت لِأَنَّنا نَعلَمُ أَنَّكم تُشارِكونَنا في العَزاءِ كَما تُشارِكونَنا في الآلام.

٨فإِنَّنا لا نُريدُ، أَيُّها الإِخوَة، أَن تَجهَلوا أَمرَ الشِّدَّةِ الَّتي أَلَمَّت بِنا في آسِيَة، فثَقُلَت علَينا جِدًّا وجاوَزَت طاقَتَنا حتَّى يَئِسْنا مِنَ الحَياةِ نَفْسِها، ٩بل أَحسَسْنا أَنَّه قُضِيَ علَينا بِالمَوت، لِئَلَّا نَتَّكِلَ على أَنفُسِنا، بل على اللهِ الَّذي يُقيمُ الأَموات. ١٠فهو الَّذي أَنقَذَنا مِن أَمْثالِ هٰذا المَوتِ وسَيُنقِذُنا مِنه: وعلَيه جَعَلْنا رَجاءَنا بِأَنَّه سَيُنقِذُنا مِنه أَيضًا، ١١إِذا ساهَمتُم أَنتُم أَيضًا في الدُّعاءِ لَنا، حتَّى إِذا نِلْنا تِلكَ النِّعمَةَ بِشفاعةِ كَثيرٍ مِنَ النَّاس، يَشكُرُ اللهَ في أَمْرِنا كَثيرٌ مِنَ النَّاس. 

٢. عودة إلى الأحداث السابقة

لماذا غيّر بولس خطّة سفره

١٢فإِنَّ فَخرَنا إِنَّما هو شَهادةُ ضَميرِنا بِأَنَّنا سِرْنا في العالَمِ ولا سيَّما في مُعامَلتِنا لَكم سيرةَ الإِخلاصِ والصَّفاءِ اللَّذَينِ مِن لَدُنِ الله، لا بِحِكمَةِ البَشَر، بل بِنِعمَةِ الله. ١٣فإِنَّنا لا نَكتُبُ إِلَيكم إِلَّا ما تَقرَأُونَه وتَفهَمونَه، ولكنِّي أَرْجو أَن تَفهَموا فَهْمًا تامًّا١٤ – وقَد فَهمتُم كَلامَنا بَعضَ الفَهْم – أَنَّنا مَوضوعُ فَخرِكم كما أَنَّكم مَوضُوعُ فَخرِنا في يَومِ الرَّبِّ يسوع.

١٥كُنتُ قد عَزَمْتُ، مُعتَمِدًا على ذٰلك، أَن أَذهَبَ إِلَيكم أَوَّلًا لِتَنالوا نِعمَةً أُخْرى، ١٦فأَمُرَّ بِكُم في طَريقي إِلى مَقْدونِيَة، ثُمَّ أَرجِعَ إِلَيكم مِن مَقْدونِيَة، فتُقَدِّموا ليَ العَونَ على السَّفَرِ إِلى اليَهودِيَّة. ١٧أَفتُراني عَزَمتُ على ذٰلِك لِخِفَّةٍ في العَقْل، أَو عَزَمتُ على ما عَزَمتُ عَزمًا بَشَرِيًّا، فيَكونَ فِيَّ نَعَمْ نَعَمْ ولا لا؟ ١٨صَدَقَ اللهُ وشَهِدَ أَنَّ كَلامَنا لَكم لَيسَ نَعَمْ ولا، ١٩فإِنَّ ٱبنَ اللهِ المسيحَ يسوعَ الَّذي بَشَّرْنا بِه بَينَكم، أَنا وسِلْوانُسُ وطيموتاوُس، لم يَكُنْ نَعَمْ ولا، بل «نَعَمْ» هو الَّذي تمَّ فيه.

٢٠إِنَّ جَميعَ مَواعِدِ اللهِ لَها فيه «نَعَم». لِذٰلِك بِه أَيضًا نَقولُ للهِ: «آمين» إِكرامًا لِمَجْدِه. ٢١وإِنَّ الَّذي يُثَبِّتُنا وإِيَّاكُم لِلمسيح والَّذي مَسَحَنا هو الله، ٢٢وهو الَّذي خَتَمَنا بِخَتمِه وجَعَلَ في قُلوبِنا عُربونَ الرُّوح.

٢٣وأَنا أُشهِدُ اللهَ على نَفْسي أَنِّي لم أَرجِعْ بَعدُ إِلى قورِنتُس إِلَّا شَفَقَةً علَيكُم، ٢٤لا كأَنَّنا نُريدُ التَّحَكُّمَ في إِيمانِكم، بل نَحنُ نُساهِمُ في فَرَحِكُم، فأَنتُم مِن حَيثُ الإِيمانُ ثابِتون.

قورنتس الثانية ٢

١فقَد عَزَمتُ في نَفْسي أَن لا أَعودَ إِلَيكُم في الغَمّ. ٢فإِذا سبَّبتُ لَكمُ الغَمّ، فمَن يَجلِبُ إِليَّ السُّرورَ إِلَّا الَّذي سَبَّبتُ لَه الغَمّ؟ ٣وقَد كَتَبتُ إِلَيكُم ما كَتَبتُ لِئَلَّا يَنالَني، عِندَ قُدومي، غَمٌّ مِن أُولٰئِكَ الَّذينَ كانَ يَجِبُ أَن يَنالَني مِنهُمُ السُّرور. وأَنا مُقتَنِعٌ في شأنِكم أَجمَعينَ بِأَنَّ سُروريَ هو سُرورُكم جَميعًا. ٤ففي شِدَّةٍ عَظيمَةٍ وضِيقِ صَدْرٍ كَتَبتُ إِلَيكُم والدُّموعُ تَفيضُ مِن عَينَيَّ، لا لِأُسَبِّبَ لَكُم غَمًّا، بل لِتَعرِفوا مَبلَغَ حُبِّيَ العَظيمِ لَكم. ٥فإِذا سَبَّبَ أَحَدٌ غَمًّا، فإِنَّه لم يُسبِّبْه لِي، بل لكُم جَميعًا إِلى حَدٍّ ما بِلا مُبالَغَة. ٦ويَكْفي مِثلَ هٰذا الرَّجُلِ العِقابُ الَّذي أَنزَلَته بِه الجَماعة. ٧ولِذٰلك فالأَولى بِكم أَن تَصفَحوا عنه وتُشَجِّعوه، مَخافَةَ أَن يَغرَقَ في بَحْرٍ مِنَ الغَمّ. ٨فأُناشِدُكم أَن تُغَلِّبوا المَحبَّةَ لَه. ٩ومُرادي، وأَنا أَكتُبُ إِلَيكُم، أَن أَختَبِرَكُم فأَرى هَل أَنتُم مُطيعونَ في كُلِّ شَيء. ١٠فمَن صَفَحتُم عنه صَفَحتُ عنه أَنا أَيضًا، وقَد صَفَحتُ أَنا أَيضًا – إِذا كانَ هُناكَ أَمرٌ أَصفَحُ عنه – مِن أَجلِكم في حَضرَةِ المسيح، ١١لِئَلَّا يَخدَعَنا الشَّيطان، ونَحنُ لا نَجهَلُ وَساوِسَه.

من طرواس إلى مقدونية: السعي الرسوليّ

١٢أَتَيتُ طُرُواس مِن أَجلِ بِشارةِ المَسيح، فَٱنفَتَحَ لي بابٌ في الرَّبّ، ١٣على أَنَّ نَفْسي لم تَطمَئِنَّ، لِأَنِّي لم أَجِدْ طيطُسَ أَخي، فوَدَّعتُهم وٱنصَرَفتُ إِلى مَقْدونِيَة.

١٤الشُّكرُ للهِ الَّذي يَسْتَصْحِبُنا دائِمًا أَبَدًا في نَصرِه بِالمَسيح. ويَنشُرُ بِأَيدينا في كُلِّ مَكانٍ شذا مَعرِفَتِه. ١٥فإِنَّنا عِندَ اللهِ رائِحةُ المسيحِ الطَّيِّبَةُ بَينَ الَّذينَ يَسلُكونَ طَريقَ الخَلاصِ وطَريقَ الهَلاك: ١٦لِهٰؤُلاءِ رائِحَةٌ تَسيرُ بِهم مِن مَوتٍ إِلى مَوت، ولِأُولٰئِكَ رائِحَةٌ تَسيرُ بِهم مِن حَياةٍ إِلى حَياة. فمَن تُراهُ أَهْلًا لِهٰذا العَمَل؟ ١٧لَسْنا مِثلَ الكَثرَةِ الَّتي تُتاجِرُ بِكَلِمَةِ الله، بل بالصِّدْقِ ومِن قِبَلِ الله وفي حَضرَةِ اللهِ في المَسيحِ نَتَكلَّم.

قورنتس الثانية ٣

١أَنَعودُ إِلى التَّوصِيَةِ بِأَنفُسِنا أَم تُرانا نَحتاجُ، كَبَعضِ النَّاسِ، إِلى رَسائِلِ تَوصِيَةٍ إِلَيكُم أَو مِنكُم؟ ٢أَنتُم رِسالَتُنا كُتِبَت في قُلوبِنا، يَعرِفُها ويَقرَأُها جَميعُ النَّاس. ٣لَقدِ ٱتَّضَحَ أَنَّكُم رِسالَةٌ مِنَ المسيح، أُنشِئَت عن يَدِنا، ولم تُكتَبْ بِالحِبْر، بل بِرُوحِ اللهِ الحَيّ، لا في أَلواحٍ مِن حَجَر، بل في أَلواحٍ هي قُلوبٌ مِن لَحْم.

٤تِلك ثِقَتُنا بِالمسيحِ عِندَ الله، ٥ولا يَعني ذٰلِكَ أَنَّه بِإِمكانِنا أَن نَدَّعِيَ شَيئًا كأَنَّه مِنَّا، فإِنَّ إِمكانَنا مِنَ الله، ٦فهو الَّذي مَكَّننا أَن نَكونَ خَدَمَ عَهْدٍ جَديد، عَهْدِ الرُّوح، لا عَهْدِ الحَرْف، لِأَنَّ الحَرْفَ يُميتُ والرُّوحَ يُحْيي. ٧فإِذا كانَت خِدمَةُ المَوتِ المَنقوشَةُ حُروفُه في حِجارةٍ قد أُعطِيَت بِالمَجْد، حتَّى إِنَّ بَني إِسرائيلَ لم يَستَطيعوا أَن يُحَدِّقوا إِلى وَجْهِ مُوسى لِمَجْدِ وَجهِه، مع أَنَّه مَجْدٌ زائِل، ٨فكَيفَ بِالأَحْرى لا تُعْطى خِدمَةُ الرُّوحِ بِالمَجْد؟ ٩فإِذا كانَت خِدمَةُ الحُكْمِ على النَّاسِ مَجيدة، فما أَولى خِدمَةَ البِرِّ بِأَن تَفيضَ مَجْدًا! ١٠فإِنَّ ما مُجِّدَ لا يُعَدُّ مُمَجَّدًا من هٰذه الجِهَة، بِالنَّظرِ إِلى ذٰلك المَجدِ الفائِق، ١١لِأَنَّه إِذا كانَ الزَّائِلُ قد زالَ بالمَجْد، فما أَولى الباقِيَ بأَن يَبْقى في المَجْد!

١٢فلمَّا كانَ لَنا هٰذا الرَّجاء، فإِنَّنا نَتَصرَّفُ بِرِباطَةِ جَأشٍ عَظيمة، ١٣لا كَمُوسى الَّذي كانَ يَضَعُ قِناعًا على وَجْهِه لِئَلَّا يَنظُرَ بَنو إِسرائيلَ نِهايَةَ ما يَزول. ١٤ولٰكِن أُعمِيَت بَصائِرُهم، فإِنَّ ذٰلِكَ القِناعَ نَفسَه يَبْقى إِلى اليَومِ غَيرَ مَكْشوفٍ عِندَما يُقرَأُ العَهْدُ القَديم، ولا يُزالُ إِلَّا في المسيح. ١٥أَجَل، إِلى اليَومِ كُلَّما قُرِئَ مُوسى فهُناكَ على قُلوبِهم قِناع، ١٦ولٰكِن لا يُرفَعُ هٰذا القِناعُ إِلَّا بِالِاهتِداءِ إِلى الرَّبّ، ١٧لِأَنَّ الرَّبَّ هو الرُّوح، وحَيثُ يَكونُ رُوحُ الرَّبّ، تَكون الحُرِّيَّة.

١٨ونَحنُ جَميعًا نَعكِسُ صورةَ مَجْدِ الرَّبِّ بِوُجوهٍ مَكشوفةٍ كما في مِرآة، فنَتَحوَّلُ إِلى تِلكَ الصُّورة، ونَزدادُ مَجْدًا على مَجْد، وهٰذا مِن فَضْلِ الرَّبِّ الَّذي هو روح.

قورنتس الثانية ٤

١وأَمَّا وقَد أُعطِينا تِلكَ الخِدمَةَ رَحمَةً، فلا تَفتُرُ هِمَّتُنا، ٢بل نَرفُضُ الأَساليبَ الخَفِيَّةَ الشَّائنة، فلا نَسلُكُ طُرُقَ المَكرِ ولا نُزَوِّرُ كَلِمَةَ الله، بل نُظهِرُ الحَقَّ فنُوَصِّي بِأَنفُسِنا لدى كُلِّ ضَميرٍ إِنسانِيٍّ أَمامَ الله. ٣فإِذا كانَت بِشارتُنا مَحجوبَة، فإِنَّما هي مَحجوبَةٌ عن سالِكي طَريق الهَلاك، ٤عن غَيرِ المُؤمِنينَ الَّذينَ أَعْمى بَصائِرَهم إِلهُ هذِه الدُنْيا، لِئَلَّا يُبصِروا نورَ بِشارةِ مَجْدِ المسيح، وهو صُورةُ الله. ٥فلَسْنا نَدْعو إِلى أَنْفُسنا، بل إِلى يسوعَ المَسيحِ الرَّبّ. وما نَحنُ إِلَّا خَدَمٌ لَكم مِن أَجْلِ يسوع. ٦فإِنَّ اللهَ الَّذي قال: «لِيُشرِقْ مِنَ الظُّلْمَةِ نُور» هو الَّذي أَشرَقَ في قُلوبِنا لِيَشُعَّ نورُ مَعرِفَةِ مَجْدِ الله، ذٰلِكَ المَجْدِ الَّذي على وَجْهِ المسيح.

السعي الرسوليّ وما فيه من شدائد وآمال

٧على أَنَّ هٰذا الكَنْزَ نَحمِلُه في آنِيَةٍ مِن خَزَف لِتَكونَ تِلكَ القُدرَةُ الفائِقَةُ للهِ لا مِن عِندِنا. ٨يُضَيَّقُ علَينا مِن كُلِّ جِهَةٍ ولا نُحَطَّم، نَقَعُ في المآزِقِ ولا نَعجِزُ عنِ الخُروجِ مِنها، ٩نُطارَدُ ولا نُدرَك، نُصرَعُ ولا نَهلِك، ١٠نَحمِلُ في أَجسادِنا كُلَّ حِينٍ مَوتَ المسيح لِتَظهَرَ في أَجسادِنا حَياةُ المسيحِ أَيضًا. ١١فإِنَّنا نَحنُ الأَحياءَ نُسلَمُ في كُلِّ حينٍ إِلى المَوتِ مِن أَجلِ يسوعَ لِتَظهَرَ في أَجسادِنا الفانِيَةِ حَياةُ يسوعَ أَيضًا. ١٢فالمَوتُ يَعمَلُ فينا والحَياةُ تَعمَلُ فيكُم.

١٣ولَمَّا كانَ لَنا مِن رُوحِ الإِيمانِ ما كُتِبَ فيه: «آمَنتُ ولِذٰلكَ تَكَلَّمْتُ»، فنَحنُ أَيضًا نُؤمِنُ ولِذٰلِكَ نَتَكَلَّم، ١٤عالِمينَ أَنَّ الَّذي أَقامَ الرَّبَّ يَسوع سيُقيمُنا نَحنُ أَيضًا مع يسوع ويَجعَلُنا وإِيَّاكُم لَدَيه، ١٥لِأَنَّ ذٰلِكَ كُلَّه مِن أَجْلِكُم، حتَّى إِذا كَثُرَتِ النِّعمَةُ عِندَ عَدَدٍ أَوفَرَ مِنَ النَّاس، أَفاضَتِ الشُّكرَ لِمَجْدِ الله.

١٦ولِذٰلكَ فنَحنُ لا تَفتُرُ هِمَّتُنا: فإِذا كانَ الإِنسانُ الظَّاهِرُ فينا يَخرَب، فالإِنسانُ الباطِنُ يَتَجَدَّدُ يَومًا بَعدَ يَوم. ١٧وإِنَّ الشِّدَّةَ الخَفيفةَ العابِرَةَ تُعِدُّ لَنا قَدْرًا فائِقًا أَبَدِيًّا مِنَ المَجْد، ١٨فإِنَّنا لا نَهدِفُ إِلى ما يُرى، بل إِلى ما لا يُرى. فالَّذي يُرى إِنَّما هو إِلى حِين، وأَمَّا ما لا يُرى فهو لِلأَبَد.

قورنتس الثانية ٥   

القيام بالرسالة

١ونَحنُ نَعلَمُ أَنَّه إِذا هُدِمَ بَيتُنا الأَرْضِيّ، وما هو إِلَّا خَيمَة، فلَنا في السَّمَواتِ مَسكِنٌ مِن صُنعِ الله، بَيتٌ أَبَدِيٌّ لم تَصنَعْه الأَيْدي. ٢وإِنَّنا، ونَحنُ في هٰذه الحال، نَئِنُّ حَنينًا إِلى لُبْسِ مَسكِنِنا السَّماوِيِّ فَوقَ الآخَر، ٣على أَن نَكونَ لابِسينَ لا عُراة. ٤ولِذٰلكَ نَئِنُّ مُثْقَلينَ ما دُمْنا في هٰذِه الخَيمَة، لِأَنَّنا لا نُريدُ أَن نَخلَعَ ما نَلبَس، بل نُريدُ أَن نَلبَسَ ذاك فَوقَ هٰذا، حَتَّى تَبتَلِعَ الحَياةُ ما هو زائِل. ٥والَّذي أَعَدَّنا لِهٰذا المَصير هو اللهُ الَّذي أَعطانا عُربونَ الرُّوح.

٦لِذٰلِكَ فلَمَّا كُنَّا واثِقينَ في كُلِّ حين، على عِلمِنا بِأَنَّنا، ما دُمنا في هٰذا الجَسَد، نَحنُ في هِجرَةٍ عنِ الرَّبّ، ٧لِأَنَّنا نَسيرُ في الإِيمانِ لا في العِيان… ٨فنَحنُ إِذًا واثِقون، ونَرى منَ الأَفضَلِ أَن نَهجُرَ هٰذا الجَسَدَ لِنُقيمَ في جِوارِ الرَّبّ.

٩ولِذٰلِكَ أَيضًا نَطمَحُ إِلى نَيلِ رِضاه، أَأَقَمْنا في هٰذا الجَسَدِ أَم هَجَرْناه، ١٠لِأَنَّه لا بُدَّ لَنا جَميعًا مِن أَن يُكشَفَ أَمرُنا أَمامَ مَحْكَمَةِ المسيح لِيَنالَ كُلُّ واحِدٍ جَزاءَ ما عَمِلَ وهو في الجَسَد، أَخَيرًا كانَ أَم شَرًّا.

١١أَمَّا ونَحنُ عالِمونَ بِمخافَةِ الرَّبّ، فإِنَّنا نُحاوِلُ إِقناعَ النَّاس. وأَمرُنا مَكْشوفٌ للهِ. وأَرجو أَن يَكونَ مَكْشوفًا في ضَمائِرِكُم أَيضًا. ١٢ولا نَعودُ إِلى التَّوصِيَةِ بِأَنفُسِنا في أَعيُنِكُم، بل نَجعَلُ لَكم سَبيلًا لِلٱفتِخارِ بِنا، فيُمكِنَكُم أَن تَرُدُّوا على الَّذينَ يَفتَخِرونَ بِالظَّاهِرِ لا بِالباطِن. ١٣فإِن خَرَجْنا عَن صَوابِنا ففي سَبيلِ الله، وإِن تَعقَّلْنا ففي سَبيلِكم، ١٤لِأَنَّ مَحبَّةَ المسيحِ تَأخُذُ بِمَجامِعِ قَلْبِنا عِندَما نُفَكِّرُ أَنَّ واحِدًا قد ماتَ مِن أَجْلِ جَميعِ النَّاس، فجَميعُ النَّاسِ إِذًا قد ماتوا. ١٥ومِن أَجْلِهِم جَميعًا ماتَ، كَيلا يَحْيا الأَحياءُ مِن بَعدُ لِأَنْفُسِهِم، بل لِلَّذي ماتَ وقامَ مِن أَجْلِهِم.

١٦فنَحنُ لا نَعرِفُ أَحَدًا بَعدَ اليَومِ مَعرِفةً بَشَرِيَّة. فإِذا كُنَّا قَد عَرَفْنا المسيحَ يَومًا مَعرِفةً بَشَرِيَّة، فلَسْنا نَعرِفُه الآنَ هٰذِه المَعرِفَة. ١٧فإِذا كانَ أَحَدٌ في المسيح، فإِنَّه خَلْقٌ جَديد. قد زالتِ الأَشياءُ القَديمة وها قد جاءَت أَشياءُ جَديدة. ١٨وهٰذا كُلُّه مِنَ اللهِ الَّذي صالَحَنا بِالمسيح وأَعْطانا خِدمَةَ المُصالَحَة، ١٩ذٰلك بِأَنَّ اللهَ كانَ في المَسيحِ مُصالِحًا لِلعالَم وغَيرَ مُحاسِبٍ لَهم على زَلَّاتِهم، ومُستَودِعًا إِيَّانا كَلِمَةَ المُصالَحَة. ٢٠فنَحنُ سُفَراءُ في سَبيلِ المَسيح، وكأَنَّ اللهَ يَعِظُ بِأَلسِنَتِنا. فنَسأَلُكُم بِٱسمِ المسيح أَن تَدَعوا اللهَ يُصالِحُكُم. ٢١ذاكَ الَّذي لم يَعرِفِ الخَطيئَة جَعَلَه اللهُ خَطيئَةً مِن أَجْلِنا كَيما نَصيرَ فيه بِرَّ الله.

قورنتس الثانية ٦

١ولمَّا كُنَّا نَعمَلُ معَ الله، فإِنَّنا نُناشِدُكم أَلَّا تَنالوا نِعمَةَ اللهِ لِغَيرِ فائِدَة. ٢فإِنَّه يَقول: «في وَقتِ القَبولِ ٱستَجَبتُكَ، وفي يَومِ الخَلاصِ أَغَثتُكَ». فهاهُوَذا الآنَ وَقتُ القَبولِ الحَسَن، وهاهُوَذا الآنَ يَومُ الخَلاص. ٣فإِنَّنا لا نَجعَلُ لِأَحَدٍ سَبَبَ زَلَّة، لِئَلَّا يَنالَ خِدمَتَنا لَوم، ٤بل نُوَصِّي بِأَنفُسِنا في كُلِّ شَيءٍ على أَنَّنا خَدَمُ اللهِ بِثَباتِنا العَظيمِ في الشَّدائِدِ والمَضايِقِ والمَشَقَّاتِ ٥والجَلْدِ والسِّجْنِ والفِتَنِ والتَّعَبِ والسَّهَرِ والصَّوم، ٦بِالعَفافِ والمَعرِفَة والصَّبرِ واللُّطْفِ، بالرُّوحِ القُدُسِ والمَحبَّةِ بِلا رِياء ٧وكَلِمَةِ الحَقِّ وقُدرَةِ الله، بِسِلاحِ البِرّ، سِلاحِ الهُجومِ وسِلاحِ الدِّفاع، ٨في الكَرامةِ والهَوان، في سُوءِ الذِّكْرِ وحُسنِه. نُحسَبُ مُضِلِّينَ ونَحنُ صادِقون، ٩مَجهولِينَ ونَحنُ مَعروفون، مائِتِينَ وها إِنَّنا أَحْياء، مُعاقَبينَ ولا نُقتَل، ١٠مَحْزونينَ ونَحنُ دائِمًا فَرِحون، فُقراءَ ونُغْني كَثيرًا مِنَ النَّاس، لا شَيءَ عندَنا ونَحنُ نَملِكُ كُلَّ شَيء.

مودّة وتحذير

١١خاطَبْناكُم بِصَراحَةٍ، يا أَهْلَ قورنتُس، وفَتَحْنا لكُم قَلْبَنا. ١٢لَستُم في ضيقٍ عِندَنا، وإِنَّما أَنتُم في ضيقٍ في قُلوبِكم. ١٣عامِلونا بِمِثْلِ ما نُعامِلُكم. إِنِّي أُكَلِّمُكُم كَلامي لِأَبنائي، فٱفتَحوا قُلوبَكم أَنتم أَيضًا. ١٤لا تَكونوا مَقرونينَ بِغَيرِ المُؤمِنينَ في نِيرٍ واحِد. أَيُّ صِلَةٍ بَينَ البِرِّ والإِثْم؟ وأَيُّ ٱتِّحادٍ بَينَ النُّورِ والظُّلْمَة؟ ١٥وأَيُّ ٱئتِلافٍ بَينَ المسيحِ وبَليعار؟ وأَيُّ شَرِكَةٍ بَينَ المُؤمِنِ وغَيرِ المُؤمِن؟ ١٦وأَيُّ وِفاقٍ بَينَ هَيكَلِ اللهِ والأَوثان؟ فنَحنُ هَيكَلُ اللهِ الحَيّ، كما قالَ الله: «سأَسكُنُ بَينَهُم وأَسيرُ بَينَهُم وأَكونُ إِلٰهَهُم وَيَكونونَ شَعْبي. ١٧فٱخْرُجوا إِذًا مِن بَينِهِم وتَنَحَّوا»، يَقولُ الرَّبّ. «ولا تَمَسُّوا نَجِسًا، وأَنا أَتَقَبَّلُكم ١٨وأَكونُ لَكم أَبًا وتَكونونَ لي بَنينَ وبَنات»، يَقولُ الرَّبُّ القَدير.

قورنتس الثانية ٧

١ولَمَّا كانَت لنا، أَيُّها الأَحِبَّاء، هٰذِه المَواعِد، فلْنُطَهِّرْ أَنْفُسَنا مِن أَدناسِ الجَسَدِ والرُّوحِ كُلِّها، مُتَمِّمينَ تَقْديسَنا في مَخافةِ الله.

٢تَفَهَّموا كَلامَنا بِرَحابَةِ صَدْر، فإِنَّنا لم نَظْلِمْ أَحَدًا ولَم نُفقِرْ أَحَدًا ولَم نَستَغِلَّ أَحَدًا. ٣لا أَقولُ ذٰلِكَ ِلِلْحُكْمِ علَيكم، فقَد قُلتُ لَكم مِن قَبلُ إِنَّكم في قُلوبِنا على الحَياةِ والمَوت. ٤لي ثِقَةٌ بِكُم كَبيرة، وأَنا عَظيمُ الِٱفتِخارِ بِكُم. قدِ ٱمتَلأتُ بِالعَزاء وفاضَ قَلْبي فَرَحًا في شَدائِدِنا كُلِّها.

بولس في مقدونية وطيطس يلحق به

٥فلَمَّا قَدِمنا مَقْدونِية، لم يَعرِفْ ضُعفُنا البَشَرِيُّ الرَّاحَة، بل عانَينا الشَّدائِدَ على أَنْواعِها: حُروبٌ في الخارِج ومَخاوفُ في الدَّاخِل. ٦ولٰكِنَّ اللهَ الَّذي يُعَزِّي المُتَواضِعينَ قد عَزَّانا بِمَجيءِ طيطُس، ٧لا بِمَجيئِه فَقَط، بل بِالعَزاءِ الَّذي تَلَقَّاه مِنكم. وقد أَطلَعَنا على شَوقِكُم وحُزنِكُم وحَمِيَّتِكم لي، حَتَّى إِنِّي ٱزدَدتُ فَرَحًا.

٨فإِذا كُنتُ قد أَحزَنتُكُم بِرِسالَتي، فَمَا أَنا بِنادِمٍ على ذٰلِك، وإِذا نَدِمتُ – وأَرى أَنَّ تِلكَ الرِّسالَةَ أَحزَنَتْكُم ولَو حِينًا – ٩فإِنِّي أَفرَحُ الآن، لا لِما نالَكم مِنَ الحُزْن، بل لِأَنَّ حُزنَكُم حَمَلَكُم على التَّوبَة. فقَد حَزِنتُم للهِ، فلَم يَنَلْكُم مِنَّا أَيُّ خُسْران، ١٠لِأَنَّ الحُزْنَ للهِ يُورِثُ تَوبَةً تُؤَدِّي إِلى الخَلاص ولا نَدَمَ عَلَيها، في حِينِ أَنَّ حُزْنَ الدُّنْيا يُورِثُ المَوت. ١١فٱنظُروا ما أَورَثَكم هٰذا الحُزنُ للهِ: فأَيُّ حَمِيَّةٍ، بل أَيُّ ٱعتِذارٍ وغَيظٍ وخَوفٍ وشَوقٍ ونَخْوَةٍ وعِقاب! وقَد بَرهَنْتُم في كُلِّ شَيءٍ على أَنَّكُم أَبْرِياءُ مِن ذٰلِكَ الأَمْر. ١٢فإِذا كَتَبتُ إِلَيكُم، فإِنِّي أَفعَلُ ذٰلك لا مِن أَجْلِ الظَّالِم ولا مِن أَجْلِ المَظْلوم، بل لِيَتَّضِحَ لَكم أَمامَ اللهِ ما أَنتُم علَيه مِنَ الحَمِيَّةِ لَنا، ١٣ولِذٰلك لَقينا العَزاء.

ويُضافُ إِلى عَزائِنا هٰذا أَنَّ فَرَحَنا ٱزْدادَ ٱزدِيادًا فائِقًا بِفرَحِ طيطُس لِلِٱطمِئنانِ الَّذي نالَه مِنكم أَجمَعين. ١٤وإِنِّي، إِذا ٱفتَخَرتُ بِكُم في شَيءٍ أَمامَه، لم أَخجَلْ بِه. فكَما قُلْنا لَكُمُ الحَقَّ في كُلِّ شَيء فكَذٰلكَ كانَ ٱفتِخارُنا بِكُم عِندَ طيطُسَ حَقًّا. ١٥ويَزدادُ حَنانُه علَيكم، عِندَما يَتَذَكَّرُ طاعَتَكم جَميعًا وكَيفَ تَلَقَّيتُموه بِخَوفٍ ورِعدَة. ١٦ويَسُرُّني أَن أَعتَمِدَ علَيكُم في كُلِّ شَيء.

قورنتس الثانية ٨ 

٣. جمع الهبات

ما يدعو إلى السخاء

١نُخبِرُكُم، أَيُّها الإِخوَة، بِنِعمَةِ اللهِ الَّتي مَنَّ بِها على كَنائِسِ مَقْدونِيَة. ٢فإِنَّهُم، معَ كَثْرَةِ الشَّدائِدِ الَّتي ٱمتُحِنوا بِها، قد فاضَ فَرَحُهمُ العَظيمُ وفَقْرُهمُ الشَّديدُ بِكُنوزٍ مِنَ السَّخاء. ٣وأَشهَدُ أَنَّهُم على قَدْرِ طاقَتِهِم، بل فَوقَ طاقَتِهِم، ٤بِدافِعٍ مِن أَنْفُسِهِم سَأَلونا مُلِحِّينَ أَن نَمُنَّ علَيهِم بِالِٱشتِراكِ في هٰذه الخِدمَةِ لِلقِدِّيسين. ٥فتَجاوَزوا ما كُنَّا نَرْجوه، فوَهَبوا أَنفُسَهُم لِلرَّبِّ أَوَّلًا، ثُمَّ لَنا بِمَشيئَةِ الله. ٦فسَأَلْنا طيطُس أَن يُتِمَّ عِندَكُم عَمَلَ الإِحسانِ كَما ٱبتَدَأَ بِه مِن قَبْلُ.

٧وكَما يَفيضُ عِندَكُم كُلُّ شَيء: الإِيمانُ والبَلاغَة والمَعرِفَةُ والحَمِيَّةُ لِكُلِّ شَيء وما أَفَدْناكُم بِه مِنَ المَحبَّة، فلْيَفِضْ كذٰلِك عِندَكم عَمَلُ الإِحسانِ هٰذا. ٨ولا أَقولُ ذٰلِك على سَبيلِ الأَمْر، ولٰكِنِّي أَتَّخِذُ مِن حَمِيَّةِ سِواكُم وَسيلَةً لِٱمتِحانِ صِدْقِ محبَّتِكُم. ٩فأَنتُم تَعلَمونَ جُودَ رَبِّنا يسوعَ المسيح: فقَدِ ٱفتَقَرَ لِأَجْلِكُم وهو الغَنِيُّ لِتَغتَنوا بِفَقْرِه. ١٠فهٰذا رَأيٌ أُبْدِيهِ في هٰذا الأَمْر، وهٰذا يَصلُحُ لَكم. فلَم يَقتَصِرِ الأَمرُ على أَنَّكم كُنتُم أَوَّلَ مَن قامَ بِالعَمَل، بل كُنتُم أَوَّلَ مَن عَزَمَ علَيه مُنذُ العامِ الماضي. ١١أَمَّا الآن فأَتِمُّوا العَمَلَ لِيَكونَ الإِتْمامُ على قَدْرِ طاقَتِكم ووَفقًا لِشِدَّةِ الرَّغبَة، ١٢لِأَنَّه مَتى وُجِدَتِ الرَّغبَة، لَقِيَ المَرءُ قَبولًا حَسَنًا على قَدْرِ ما عِندَه، لا على قَدْرِ ما لَيسَ عِندَه ١٣فلَيسَ المُرادُ أَن يَكونَ الآخَرونَ في يُسْرٍ وتَكونوا أَنتُم في عُسْر، بَلِ المُرادُ هو المُساواة. ١٤فإِذا سَدَّت في الوَقتِ الحاضِرِ سَعَتُكُم ما بِهِم مِن عَوَز، سَدَّت سَعَتُهُم عَوَزَكُم في المُستَقبَل، فحَصَلَتِ المُساواة، ١٥كَما وَرَدَ في الكِتاب: «المُكْثِرُ لم يَفْضُلْ عَنه والمُقِلُّ لم يَنْقُصْه شَيء».

توصية بالموفَدين

١٦الشُّكرُ للهِ الَّذي جَعَلَ في قَلْبِ طيطُسَ هٰذه الحَميَّةَ لَكم، ١٧فقد لَبَّى دَعوَتي، بل ذَهَبَ إِليكُم بِدافِعٍ مِن نَفْسِه لِشِدَّةِ ٱهتِمامِه. ١٨وبَعَثْنا معَه بِالأَخِ الَّذي تُثْني علَيه الكَنائِسُ كُلُّها فيما يَعودُ إِلى البِشارة. ١٩ولا يَقتَصِرُ الأُمرُ على ذٰلك، بل إِنَّ الكَنائِسَ ٱختارَته رَفيقًا لَنا في السَّفَرِ مِن أَجْلِ عَمَلِ الإِحْسانِ هٰذا وهو خِدمةٌ نَقومُ بِها لِمَجْدِ الله وتَلبِيَةً لِرَغبَتِنا. ٢٠وإِنَّنا نَحرَصُ على أَلَّا يلومَنا أَحَدٌ في أَمرِ هٰذا المِقْدارِ العَظيمِ مِنَ المالِ الَّذي نَحنُ مَسْؤُولونَ عنه، ٢١لِأَنَّنا نَهتَمُّ بما هو حَسَن، لا أَمامَ اللهِ وَحدَه، بل أَمامَ النَّاسِ أَيضًا. ٢٢وقد بَعَثنا معَهما بأَخينا الَّذي ٱختَبَرْنا ٱجتِهادَه مَرَّاتٍ كَثيرةً في أَحْوالٍ كَثيرة، وهو الآنَ أَكثَرُ ٱجتِهادًا لِما لَه مِن ثِقَةٍ كَبيرةٍ بِكُم. ٢٣أَمَّا طيطُس فهُو رَفيقي ومُعاوِني عِندَكُم، أَمَّا أَخَوانا فهُما مَنْدوبا الكَنائِسِ ومَجْدُ المسيح. ٢٤فأَبْدُوا لَهم أَمامَ الكَنائِسِ بُرهانَ مَحبَّتِكُم وٱفتِخارِنا بِكُم عِندَهم.

قورنتس الثانية ٩

١وأَمَّا إِسعافُ القِدِّيسين، فمِنَ الفُضولِ أَن أَكتُبَ إِلَيكُم فيه، ٢وأَنا أَعلَمُ رَغبَتَكُم وأَفتَخِرُ بِها عِندَ أَهْلِ مَقْدونِيَة وأَقولُ لَهم إِنَّ آخائِيَةَ مُستَعِدَّةٌ مُنذُ العامِ الماضي. فحَمِيَّتُكم قد حَثَّت أَكثَرَ النَّاس، ٣وقَد بَعَثْتُ إِلَيكُم بِالإِخوَة لِئَلَّا يَكونَ ٱفتِخارُنا بِكُم باطِلًا في هٰذا الأَمْر ولِتَكونوا مُستَعِدِّينَ كَما قُلْت. ٤فلَو جاءَ مَعي بَعضُ المَقدونِيِّينَ ووَجَدوكم غَيرَ مُستَعِدِّين، لَٱنقَلَبَت ثِقَتُنا هٰذه خَجَلًا لَنا، إِن لم أَقُلْ: لَكم. ٥فَرَأَيتُ إِذًا مِنَ اللَّازِمِ أَن نَدعُوَ الإِخوَةَ إِلى أَن يَسبِقونا إِلَيكُم لِيُنَظِّموا ما وَعَدتُم بِه مِن سَخاء، لِيَكونَ مُهَيَّأً تَهيِئَةَ السَّخاء، لا تَهيِئَةَ البُخْل.

منافع الإحسان

٦فٱذكُروا أَنَّه مَن زَرَعَ بِالتَّقْتيرِ حَصَدَ بِالتَّقْتير، ومَن زَرَعَ بِسخاء حَصَدَ بِسَخاء. ٧فلْيُعْطِ كُلُّ ٱمرِئٍ ما نَوى في قَلْبِه، لا آسِفًا ولا مُكْرَهًا. لِأَنَّ اللهَ يُحِبُّ مَن أَعْطى مُتَهَلِّلًا. ٨إِنَّ اللهَ قادِرٌ على أَن يُفيضَ علَيكُم مُختَلِفَ النِّعَمِ فيَكونَ لَكم كُلَّ حينٍ في كُلِّ شَيءٍ ما يَكْفي مَؤُونَتَكُم كُلَّها ويَفضُلَ عنكم لِكُلِّ عَمَلٍ صالِح، ٩على ما وَرَدَ في الكِتاب: «إِنَّه وَزَّعَ وأَعْطى المَساكين، فبِرُّه يَدومُ لِلأَبَد».

١٠إِنَّ الَّذي يَرزُقُ الزَّارِعَ زَرْعًا وخُبْزًا يَقوتُه سيَرزُقُكُم زَرْعَكُم ويُكَثِّرُه ويُنَمِّي ثِمارَ بِرِّكُم. ١١فإِذا ٱغتَنَيتُم في كُلِّ شَيء، جُدتُم كُلَّ جُودٍ يَأتي عن يَدِنا بآياتِ الشُّكرِ للهِ. ١٢فإِنَّ القِيامَ بِهٰذِه الخِدمَةِ لا يَقتَصِرُ على سَدِّ حاجاتِ القِدِّيسين، بل يَفيضُ أَيضًا شُكرًا جَزيلًا للهِ. ١٣فإِنَّهم إِذا قَدَّروا هٰذِه الخِدمةَ حَقَّ قَدرِها، مَجَّدوا اللهَ على طاعَتِكُم في الشَّهادةِ بِبِشارةِ المسيحِ وعلى سَخائِكم في إِشراكِهِم في أَمْوالِكم وإِشراكِ جَميعِ النَّاسِ فيها، ١٤وبِدُعائِهِم لَكم يُعَبِّرونَ عن شَوقِهم إِلَيكم لِما أَفاضَ اللهُ علَيكُم مِنَ النِّعَمِ الوافِرة. ١٥فالشُّكرُ للهِ على عطائِه الَّذي لا يُوصَف.

قورنتس الثانية ١٠

٤. دفاع بولس عن نفسه

الجواب عن التهمة بالضعف

١أَنا بولُسَ أَناشِدُكُم بِوَداعَةِ المسيحِ وحِلْمِه، أَنا المُتَواضِعُ بَينَكم والجَريءُ علَيكُم عَن بُعْد، ٢أَرْجو أَلَّا تُلجِئُوني وأَنا عِندَكُم إِلى تِلكَ الجُرأَةِ الَّتي أَرى أَن أُعامِلَ بِها قَومًا يَظُنُّونَ أَنَّنا نَسيرُ سيرةً بَشَرِيَّة. ٣أَجَل، إِنَّنا نَحْيا حَياةً بَشَرِيَّة، ولٰكِنَّنا لا نُجاهِدُ جِهادًا بَشَرِيًّا. ٤فلَيسَ سِلاحُ جِهادِنا بَشَرِيًّا، ولٰكِنَّه قادِرٌ في عَينِ اللهِ على هَدْمِ الحُصون. ونَهدِمُ الِاستِدْلالاتِ ٥وكُلَّ كِبرِياءٍ تَحولُ دُونَ مَعرِفَةِ الله، ونَأسِرُ كُلَّ ذِهْنٍ لِنَهدِيَه إِلى طاعَةِ المسيح. ٦ونَحنُ مُستَعِدُّونَ لأَن نُعاقِبَ كُلَّ مَعصِيَةٍ مَتى أَصبَحَت طاعَتُكُم كامِلَة.

٧أُنظُروا إِلى حَقائِقِ الأُمور. مَنِ ٱعتَقَدَ أَنَّه لِلمسيحِ فلْيُفَكِّرْ في نَفْسِه أَنَّنا نَحنُ أَيضًا لِلمَسيحِ بِمِقدارِ ما هو لَه. ٨وإِن بالَغتُ بَعضَ المُبالغَةِ في الِٱفتِخارِ بِسُلطانِنا، هٰذا السُّلطانِ الَّذي أَولانا إِيَّاهُ الرَّبُّ لِبُنْيانِكم لا لِخَرابِكُم، فلا أَخجَل. ٩ولا أُحِبُّ أَن يُظَنَّ أَنِّي أَبغي بِرَسائِلي التَّهْويلَ عَلَيكُم. ١٠ورُبَّ قائِلٍ يَقول: «إِنَّ الرَّسائِلَ شَديدةُ الوَقْعِ قَوِيَّةُ العِبارة، ولٰكِن إِذا حَضَرَ بِنَفْسِه، كانَ شَخْصًا هَزيلًا وكَلامُه سَخيفًا». ١١فلْيَعلَمْ مِثْلُ هٰذا القائِلِ أَنَّ ما نَكونُ علَيه بِالكلامِ في الرَّسائِلِ ونَحنُ غائِبون نَكونُ علَيه أَيضًا بِالعَمَلِ ونَحنُ حاضِرون.

الجواب عن التهمة بالطَمع

١٢لَيسَ لَنا مِنَ الجُرأَةِ أَن نُساوِيَ أَو نُشبِّهَ أَنفُسَنا بِقَومٍ يُوَصُّونَ بِأَنفُسِهم. فإِنَّهُم يَقيسونَ أَنْفُسَهُم بِقِياسِ أَنفُسِهم ويُشَبِّهونَ أَنفُسَهُم بِأَنفُسهِم فيَفقِدونَ رُشْدَهم. ١٣أَمَّا نَحنُ فَلَنْ نَفتَخِرَ ٱفتِخارًا يَتَجاوَزُ القِياس، بلِ ٱفتِخارًا يُوافِقُ القِياسَ الَّذي قَسَمَه اللهُ لَنا قاعِدَةً، وهي بُلوغُنا إِلَيكم. ١٤فنَحنُ لا نَتَجاوَزُ الحَدَّ في بَسْطِ أَنفُسِنا، كَما لو كُنَّا لم نَبلُغْ إِلَيكُم، فقَد بَلَغْنا إِلَيكُم حَقًّا ومعَنا بِشارةُ المسيح. ١٥ولا نَتَعدَّى القِياسَ في الِٱفتِخارِ بِأَتعابِ غَيرِنا، بل نَرْجو، إِذا نَما إِيمانُكم، أَن نَتَّسِعَ ٱتِّساعًا مُتَزايِدًا عِندَكم وَفْقًا لِقاعِدَتِنا ١٦فنَحمِلَ البِشارةَ إِلى أَبعَدَ مِنكُم، غَيرَ مُفتخِرينَ بما أَنجَزَه غَيرُنا في حُدودِه. ١٧«ومَنِ ٱفتَخَرَ فلْيَفْتَخِرْ بِالرَّبّ»، ١٨فلَيسَ صاحِبُ الفَضيلَةِ المُجَرَّبَةِ مَن وَصَّى بنَفْسِه، بل مَن وَصَّى بِه الرَّبّ.

قورنتس الثانية ١١ 

إضطرار بولس إلى التمدّح

١لَيتَكُم تَحتَمِلونَ مِن قِبَلي قَليلًا مِنَ الغَباوة، بل تَحَمَّلوني، ٢فإِنِّي أَغارُ علَيكُم غَيرَةَ اللهِ لِأَنِّي خَطَبتُكُم لِزَوْجٍ واحِد، خِطبَةَ عَذْراءَ طاهِرَةٍ تُزَفُّ إِلى المسيح. ٣ولٰكِنِّي أَخشَى علَيكُم أَن يَكونَ مَثَلُكُم مَثَلَ حَوَّاءَ الَّتي أَغوَتْها الحَيَّةُ بِحيلَتِها، فتَفْسُدَ بَصائِرُكُم وتَتَحَوَّلَ عَن صَفائِها لَدى المَسيح. ٤فإِذا جاءَكُم أَحَدٌ يُنادي بِيَسوعَ آخَرَ لم نُنادِ بِه، أَو قَبِلْتُم رُوحًا غَيرَ الَّذي نِلتُموه وبِشارةً غَيرَ الَّتي قَبِلتُموها، اِحتَمَلتُموه أَحسَنَ ٱحتِمال. ٥وأَرى أَنِّي لَستُ أَقَلَّ شَأَنًا مِن أُولٰئِكَ الرُّسُلِ الأَكابِر. ٦وإِنِّي، وإِن كُنتُ جاهِلًا في البَلاغة، فلَستُ جاهِلًا في المَعرِفَة، وفي كُلِّ شَيءٍ أَظهَرْنا لَكم ذٰلِكَ أَمامَ جَميعِ النَّاس.

٧أَتُراني ٱرتَكَبتُ خَطيئَةً إِذ أَعلَنتُ لَكم مَجَّانًا بِشارةَ الله واضِعًا نَفْسي لِتُرفَعوا أَنتُم؟ ٨سَلَبتُ كَنائِسَ أُخْرَى وأَخَذتُ مِنها النَّفَقَةَ لِخِدْمَتِكُم. ٩ولَمَّا كُنتُ بَينَكُم ورَأَيتُ أَنَّ بي حاجَة، لم أُكلِّفْ أَحَدًا شيئًا، فإِنَّ الإِخوَةَ الَّذينَ أَتَوا مِن مَقْدونِيَة سَدُّوا حاجَتي. وقَد حَرِصتُ في كُلِّ شَيءٍ أَلَّا أُثَقِّلَ علَيكُم وسأَحرِصُ أَيضًا. ١٠وَحَقِّ المسيحِ المُقيمِ فيَّ. إِنَّ هٰذِه المَفخَرة لَن تُحجَبَ عَنِّي في بِلادِ آخائِيَة. ١١ولِماذا؟ أَلِأَنِّي لا أُحِبُّكم؟ اللهُ أَعلَم.

١٢وما أَفعَلُه سأفعلُه أَيضًا لِأقطَعَ السَّبيلَ على الَّذينَ يَلتَمِسونَ سَبيلًا لِيَكونوا في ما بِه يُفاخِرونَ على مِثالِنا في ما بِه نُفاخِر: ١٣لِأَنَّ هٰؤُلاءِ القَومَ رُسُلٌ كَذَّابونَ وعَمَلَةٌ مُخادِعونَ يَتَزَيَّونَ بِزِيِّ رُسُلِ المسيح. ١٤ولا عَجَب فالشَّيطانُ نَفْسُه يَتَزَيَّا بِزِيِّ مَلاكِ النُّور، ١٥فلَيسَ بِغَريبٍ أَن يَتزَيَّا خَدَمُه بِزِيِّ خَدَمِ البِرّ. ولٰكِنَّ عاقِبَتَهُم تَكونُ على قَدْرِ أَعمالِهِم.

١٦وأَقولُ ثانِيَةً: لا يَعُدَّني أَحَدٌ غَبِيًّا، وإِلَّا فَٱحسَبوني شِبْهَ غَبِيٍّ لِأَستَطيعَ أَنا أَيضًا أَن أَفتَخِرَ قَليلًا. ١٧وما سَأَقولُه لا أَقولُه وَفْقًا لِروحِ الرَّبّ، ولٰكِنَّه قَوْلُ غَبِيّ، وأَنا على يَقينٍ بِأَنَّ لي ما أَفتَخِرُ بِه. ١٨فلَمَّا كانَ كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ يُفاخِرونَ مُفاخَرَةً بَشَرِيَّة، فسَأُفاخِرُ أَنا أَيضًا. ١٩وبِحُسْنِ الرِّضا تَحتَمِلونَ الأَغبِياء، أَنتُمُ العُقَلاء. ٢٠نَعَم، تَحتَمِلونَ أَن يَستَعبِدَكُمُ النَّاسُ ويَلتَهِموكم ويَسلِبوكم ويَتَعَجرَفوا علَيكم ويُسيئوا مُعامَلَتَكم عَلَنًا. ٢١أَقولُ هٰذا وأَنا خَجِل، كأَنَّنا أَظهَرنا الضُّعْف.

فالَّذي يَجرُؤُونَ علَيه – وكَلامي كَلامُ غَبِيّ – أَجرُؤُ علَيه أَنا أَيضًا. ٢٢هُم عِبرانِيُّون؟ وأَنا عِبرانِيّ، هُم إِسرائيليُّون؟ وأَنا إِسرائيلِيّ، هُم مِن نَسْلِ إِبراهيم؟ وأَنا أَيضًا، ٢٣هُم خَدَمُ المسيح – أَقولُ قَولَ أَحمَق – وأَنا أَفوقُهُم: أَفوقُهُم في المَتاعِب، أَفوقُهُم في دُخولِ السُّجون، أَفوقُهُم كَثيرًا جِدًّا في تَحَمُّلِ الجَلْد، في التَّعرُّضِ لِأَخطارِ المَوتِ مِرارًا. ٢٤جَلَدَني اليَهودُ خَمسَ مَرَّاتٍ أَربَعينَ جَلْدَةً إِلَّا واحِدة، ٢٥ضُرِبتُ بِالعِصِيِّ ثَلاثَ مَرَّات، رُجِمتُ مَرَّةً واحِدة، اِنكَسَرَت بِيَ السَّفينَةُ ثَلاثَ مَرَّات، قَضَيتُ لَيلَةً ونَهارًا في عُرْضِ البَحْر. ٢٦أَسفارٌ مُتَعَدِّدة، أَخْطارٌ مِنَ الأَنهار، أَخطارٌ مِنَ اللُّصوص، أَخطارٌ مِن بَني قَومي، أَخطارٌ مِنَ الوَثَنِيِّين، أَخطارٌ في المَدينة، أَخطارٌ في البَرِّيَّة، أَخطارٌ في البَحْر، أَخطارٌ مِنَ الإِخوَةِ الكَذَّابين، ٢٧جَهْدٌ وكَدّ، سَهَرٌ كَثير، جُوعٌ وَعَطَش، صَومٌ كَثير، بَرْدٌ وعُرْيٌ، ٢٨فَضلًا عن سائرِ الأُمورِ مِن هَمِّي اليَومِيِّ والِاهتِمامِ بِجَميعِ الكَنائِس. ٢٩فمَن يَكونُ ضَعيفًا ولا أَكونُ ضَعيفًا؟ ومَن تَزِلُّ قَدَمُه ولا أَحتَرِقُ أَنا؟

٣٠إِن كانَ لا بُدَّ مِنَ الِٱفتِخار، فسأَفتَخِرُ بِحالاتِ ضُعفي. ٣١إِنَّ اللهَ أَبا الرَّبِّ يسوعَ – تَباركَ لِلأَبَد – عالِمٌ بِأَنِّي لا أَكذِب. ٣٢كانَ عامِلُ المَلِكِ الحارِثِ في دِمَشْقَ يَأمُرُ بِحِراسةِ المَدينةِ لِلقَبْضِ علَيَّ، ٣٣ولٰكِنِّي دُلِّيتُ في زِنْبيلٍ مِن كَوَّةٍ على السُّور فنَجَوتُ مِن يَدَيه.

قورنتس الثانية ١٢

١أَلا بُدَّ مِنَ الِٱفتِخار؟ – إِنَّه لا خَيرَ فيه – ولٰكِنِّي أَنتَقِلُ إِلى رُؤَى الرَّبِّ ومُكاشَفاتِه. ٢أَعرِفُ رَجُلًا مُؤمِنًا بِالمسيحِ ٱختُطِفَ إِلى السَّماءِ الثَّالِثَةِ مُنذُ أَربَعَ عَشرَةَ سَنَة: أَبِجَسَدِه؟ لا أَعلَم، أَم مِن دونِ جَسَدِه؟ لا أَعلَم، اللهُ أَعلَم. ٣وإِنَّما أَعلَمُ أَنَّ هٰذا الرَّجُلَ: أَبِجَسَدِه؟ لا أَعلَم، أَمِن دونِ جَسَدِه؟ لا أَعلَم، اللهُ أَعلَم، ٤ٱختُطِفَ إِلى الفِردَوس، وسَمِعَ كَلِماتٍ لا تُلْفَظُ ولا يَحِلُّ لإِنسانٍ أَن يَذكُرَها. ٥أَمَّا ذاكَ الرَّجُلُ فسأَفتَخِرُ بِه، وأَمَّا أَنا فلَن أَفتَخِرَ إِلَّا بِحالاتِ ضُعْفي. ٦ولَو أَرَدتُ الِٱفتِخار لَما كُنتُ غَبِيًّا، لِأَنِّي لا أَقولُ إِلَّا الحَقَّ. ولٰكِنِّي أُعرِضُ عن ذٰلِكَ لِئَلَّا يَظُنَّ أَحَدٌ أَنِّي فَوقَ ما يَراني علَيه أَو يَسمَعُه مِنِّي.

٧ومَخافَةَ أَن أَتَكَبَّرَ بِسُمُوِّ المُكاشَفات، جُعِلَ لي شَوكَةٌ في جَسَدي: رَسولٌ لِلشَّيطانِ وُكِلَ إِلَيه بِأَن يَلطِمَني لِئَلَّا أَتَكَبَّر. ٨وسَأَلتُ الله ثَلاثَ مَرَّاتٍ أَن يُبعِدَه عَنِّي، ٩فقالَ لي: «حَسبُكَ نِعمَتي، فإِنَّ القُدرَةَ تَبلُغُ الكَمالَ في الضُّعف». فإِنِّي بِالأَحرى أَفتَخِرُ راضِيًا بِحالاتِ ضُعْفي لِتَحِلَّ بي قُدرَةُ المَسيح. ١٠ولِذٰلِك فإِنِّي راضٍ بِحالاتِ الضُّعفِ والإِهاناتِ والشَّدائِدِ والِٱضطِهاداتِ والمَضايِقِ في سَبيلِ المسيح، لِأَنِّي عِندَما أَكونُ ضَعيفًا أَكونُ قَوِيًّا.

١١هاءَنَذا قد صِرتُ غَبِيًّا، وأَنتُم أَلجَأتُموني إِلى ذٰلك. فكانَ مِن حَقِّي علَيكُم أَن تُوَصُّوا بي لِأَنِّي لم أَكُنْ أَقَلَّ شَأنًا مِن أُولٰئِكَ الرُّسُلِ الأَكابِر، وإِن لم أَكُنْ بِشَيء. ١٢إِنَّ العَلاماتِ المُمَيِّزَةَ لِلرَّسول قد تَحقَّقَت بَينَكُم بِصَبْرٍ تامٍّ وآياتٍ وأَعاجيبَ ومُعجِزات. ١٣ففي أَيِّ شَيءٍ كُنتُم دونَ سائِرِ الكَنائِسِ إِلَّا لِأَنِّي أَنا بِنَفْسي لم أُكَلِّفْكم شيئًا؟ فٱصفَحوا لي عن هٰذا الظُّلْم. ١٤هاءَنَذا مُتَأَهِّبٌ لِلقُدومِ إِلَيكُم مَرَّةً ثالِثَة، ولَن أُكَلِّفَكم شَيئًا، لِأَنِّي لا أَطلُبُ ما لَكم، بل إِيَّاكُم أَطلُب. فلَيسَ على البَنينَ أَن يَدَّخِروا لِلوالِدِين، بل على الوالِدِينَ أَن يَدَّخِروا لِلبَنين. ١٥وإِنِّي بِحُسنِ الرِّضا أَبذُلُ المال، بل أَبذُلُ نَفْسي عن نُفوسِكُم. وإِذا كُنتُ أَزيدُكُم مِن حُبِّي، أَأَلْقى حُبًّا أَقَلَّ؟ ١٦ورُبَّ قائِلٍ يَقولُ إِنِّي لم أُثَقِّلْ عَلَيكُم. ولٰكِنِّي، وأَنا ذو مَكرٍ، قد أَخَذتُكُم بِحيلَة. ١٧أَتُراني غَنِمتُ مِنكُم عن يَدِ أَحدٍ مِنَ الَّذينَ أَرسَلتُهم إِلَيكُم؟ ١٨قد أَلْحَحتُ على طيطُسَ وأَرسَلتُ معَه الأَخ. أَفتُرى طيطُسَ قد غَنِمَ مِنكُم؟ أَلَم نَسِرْ بِالرُّوحِ نَفْسِه؟ أَلَم نَقتَفِ الآثارَ نَفْسَها؟

بولس بين الخوف والقلق

١٩أَمُنذُ وَقتٍ طَويلٍ تَظُنُّونَ أَنَّنا نُدافِعُ عن أَنْفُسِنا عِندَكُم؟ إِنَّنا نَتَكَلَّمُ في المسيحِ عِندَ الله. وهٰذا كُلُّه أَيُّها الأَحِبَّاءُ لِأَجْلِ بُنيانِكُم. ٢٠فإِنِّي أَخافُ، إِذا أَتَيتُكُم، أَلَّا أَجِدَكُم على ما أُحِبُّ وأَن تَجِدوني على ما لا تُحِبُّون. أَخافُ أَن يَكونَ بَينَكُم خِصامٌ وحَسَد وسُخْطٌ ومُنازعات ونَميمةٌ وثَرثَرة ووَقاحةٌ وبَلبَلَة. ٢١أَخافُ، إِذا أَتَيتُكُم مَرَّةً أُخرى، أَن يُذِلَّني إِلٰهي عِندَكم، فأَحزَنُ على كَثيرٍ مِنَ الَّذينَ خَطِئُوا فيما مَضى، ولَم يَتوبوا مِمَّا ٱرتَكَبوا مِنَ الدَّعارةِ والزِّنى والفُجور.

قورنتس الثانية ١٣

١هٰذه مَرَّةٌ ثالِثَة آتي إِلَيكُم، «وسيُحكَمُ في كُلِّ قَضِيَّةٍ بِكلامِ شاهِدَينِ أَو ثَلاثة». ٢قُلتُ مِن قَبْلُ عِندَ حُضوري في المَرَّةِ الثَّانِية وأَقولُ اليَومَ وأَنا غائِب، لِلَّذينَ خَطِئُوا في ما مَضى ولِسِواهُم جَميعًا، ما قُلتُه لَهم: إِن عُدتُ إِلَيكُم فلَن أُشفِقَ على أَحَد، ما دُمتُم ٣تُريدونَ بُرهانًا على أَنَّ المسيحَ يَتَكَلَّمُ بِلِساني. إِنَّه غَيرُ ضَعيفٍ في مُعامَلَتِكُم، بل قَوِيٌّ فِيكم. ٤أَجَل، قد صُلِبَ بِضُعفِه، ولٰكِنَّه حَيٌّ بِقُدرَةِ الله. ونَحنُ أَيضًا ضُعَفاءُ فيه، ولٰكِنَّنا سنَكونُ أَحياءً معَه بِقُدرَةِ اللهِ فيكُم.

٥حاسِبوا أَنفُسَكُم وٱنظُروا هَل أَنتُم على الإِيمان. إِختَبِروا أَنفُسَكم. أَلا تَعرِفونَ بِأَنفُسِكم أَنَّ المَسيحَ يَسوعَ فيكُم؟ إِلَّا إِذا كُنتُم مِنَ المَرفوضين، ٦وأَرْجو أَن تَعلَموا أَنَّنا لَسْنا مِنَ المَرفوضين. ٧ونَسأَلُ اللهَ أَلَّا تَفعَلوا شَرًّا. ولَيسَ مُرادُنا أَن نَظهَرَ مِنَ المَقْبولين، بل نُريدُ أَن تَفعَلوا الخيرَ فنكونَ مِنَ المَرفوضين، ٨ولا قُوَّةَ لَنا على ما يُخالِفُ الحَقّ، بل قُوَّتُنا في سَبيلِ الحَقّ. ٩فإِنَّنا نُسَرُّ عِندَما نَكونُ نحنُ ضُعَفاءَ وتَكونونَ أَنتُم أَقوِياء، وما نَسأَلُ في صَلَواتِنا هو إِصلاحُكم.

١٠فقد كَتَبتُ إِلَيكُم بِذٰلِكَ وأَنا غائِب، لِئَلَّا أَستَعمِلَ الشِّدَّةَ وأَنا حاضِر، لِما أَولاني الرَّبُّ مِن سُلطانٍ لِلبُنيانِ لا لِلهَدْم.

٥. الخاتمة

وصايا وتحيّات ودعاء

١١وبعدُ، أَيُّها الإِخوَة، فٱفرَحوا وٱنقادوا لِلإِصلاح والوَعْظ، وكونوا على رَأْيٍ واحِدٍ وعيشوا بِسَلام، وإِلٰهُ المَحبَّةِ والسَّلامِ يَكونُ معَكُم.

١٢لِيُسَلِّمْ بَعضُكُم على بَعضٍ بِقُبلَةٍ مُقدَّسة. يُسلِّمُ علَيكُم جَميعُ القِدِّيسين.

١٣ولْتَكُنْ نِعمةُ رَبِّنا يسوعَ المسيح ومَحبَّةُ اللهِ وشَرِكَةُ الرُّوحِ القُدُسِ معَكُم جَميعًا.