رسالة القدّيس يهوذا
يهوذا ١
رسالة القدّيس يهوذا
مدخل
لربّما حارَ القارئ في عصرنا عند مطالعته رسالة يهوذا، لأنّ تفكيرها يبدو غريبًا عنه، وقد يخفى عليه كثير من التلميحات.
تحذّر هذه الرسالة من معلّمين كذّابين تعسر معرفتهم على نحوٍ دقيق. لقد وُصفَ الخصوم وصفًا فيه ملامح مصطنعة هي كناية عن عبارات مبتذلة من الأدب الجدليّ في الدين اليهوديّ المعاصر فجرَ المسيحيّة، فإنّ هؤلاء الناس منهومون في الأكل فاسقون جشعون مغرضون… يُتَّهمون بدسّ الشقاق في الكنيسة وشتم الملائكة وإنكار الربّ مع يسوع المسيح. أتُراهم أهل العرفان، أي أناس يزعمون أنّهم حصلوا على المعرفة الحقيقيّة (العرفان) التي بها وحدها يُنال الخلاص، فيزدرون باسمها الجسد، ويستسلمون للرذائل المخالفة للطبيعة، ويشكّون في التجسّد؟ فقد يبيّن ذلك لماذا سمّاهم الكاتب متهكّمًا «حيوانيّين» يزعمون أنّهم من طبيعة ساميّة، والحقيقة أنّ غرائزهم هي التي تسيّرهم، لا الروح. ومع ذلك فمن العسير تحديد عقائدهم، ولا يتيسّر لنا من إيضاح سوى ما يتناول بيئة الكاتب.
تبدو هذه البيئة متّصلة اتّصالًا وثيقًا بالأندية التي نشأ فيها الأدب الرؤيويّ منذ القرن الثاني قبل الميلاد والتي خلّفت مؤلّفات أمثال كتاب أخنوخ وارتفاع موسى ووصايا الآباء الاثني عشر. وقد استشهدَ الكاتب بكلام من كتاب أخنوخ (يهو ١/ ١٤ و١٥) بالحرف الواحد، واستعمل كتاب ارتفاع موسى نفسه أو وثيقة مماثلة له (يهو ١/ ٩).
يهوذا ١
تحيّة
١مِن يَهوذا عَبْدِ يسوعَ المسيحِ وأَخي يَعْقوبَ إِلى الَّذينَ دَعاهمُ اللهُ الآبُ وأَحَبَّهم وحَفِظَهم لِيَسوعَ المسيح. ٢علَيكُم أَوفَرُ الرَّحمَةِ والسَّلامِ والمَحبَّة.
الداعي إلى كتابة الرسالة
٣أَيُّها الأَحِبَّاء، كُنتُ شَديدَ الرَّغبةِ في أَن أَكتُبَ إِلَيكم في مَوضوعِ خَلاصِنا المُشتَرَك. فلم يَكُنْ لي بُدٌّ مِن ذٰلك لِكَي أَحُضَّكم على الجِهادِ في سَبيلِ الإِيمانِ الَّذي سُلِّمَ إِلى القِدِّيسينَ تامًّا، ٤لِأَنَّه قد تَسَلَّلَ إِلَيكم أَناسٌ كُتِبَ لَهم هٰذا العِقابُ مُنذُ القِدَم، كُفَّارٌ يَجعَلونَ نِعمَةَ إِلٰهِنا فُجورًا ويُنكِرونَ سَيِّدَنا ورَبَّنا الوَحيدَ يسوعَ المسيح.
المعلِّمون الكذّابون وما يوعدون
٥أُريدُ أَن أُذَكِّرَكم، أَنتمُ الَّذينَ عَرَفوا كُلَّ ذٰلكَ مَعرِفَةً تامَّة، أَنَّ الرَّبَّ، بَعدَما خَلَّصَ شَعبَه مِن أَرضِ مِصْر، أَهلَكَ مَن لم يُؤمِن. ٦أَمَّا المَلائِكَةُ الَّذينَ لم يَحتَفِظوا بِمَنزِلَتِهِمِ الرَّفيعة، بل تَرَكوا مُقامَهم، فإِنَّ اللهَ يَحفَظُهم لِدَينونةِ اليَومِ العَظيم مُوثَقينَ بِقُيودٍ أَبَدِيَّةٍ في أَعماقِ الظُّلُمات. ٧وكَذٰلِكَ سَدومُ وعَمورَةُ والمُدُنُ المُجاوِرَةُ فَحُشَت مِثْلَ ذٰلِكَ الفُحْش وسَعَت إِلى كائِناتٍ مِن طَبيعَةٍ مُختَلِفة، فجُعِلَت عِبرَةً لِغَيرِها ولَقِيَت عِقابَ النَّارِ الأَبَدِيَّة.
كفرهم
٨وعلى ذٰلك فمَثَلُ أُولٰئِك كَمَثَلِها، لِأَنَّهم في هَذَيانِهم يُنَجِّسونَ الجَسَدَ ويَزدَرونَ العِزَّةَ الإِلٰهِيَّةَ ويُجَدِّفونَ على أَصحابِ المَجْد، ٩مع أَنَّ ميخائيلَ رَئيسَ المَلائِكَة، لَمَّا خاصَمَ إِبليسَ وجادَلَه في مَسأَلَةِ جُثَّةِ موسى، لم يَجرُؤْ على أَن يَحكُمَ علَيه حُكمًا فيه شَتيمة، بل قالَ: «خَزاكَ الرَّبّ»! ١٠أَمَّا أُولٰئِكَ فإِنَّهم يُجَدِّفونَ على ما لا يَعرِفون، وما يَعرِفونَه بِطَبيعَتِهم مَعرِفَةَ الحَيَواناتِ العُجْم، فإِنَّهم بِه يَهلِكون.
ضلالهم
١١الوَيلُ لَهم! سَلَكوا طَريقَ قايِن وٱستَسلَموا إِلى ضَلالِ بَلْعامَ مِن أَجْلِ أُجرَةٍ يَنالونَها، وهَلَكوا في تَمَرُّدِ قَورَح. ١٢همُ الَّذينَ يُدَنِّسونَ مآدِبَكُمُ المُشتَرَكة، لا حَياءَ لَهم على المآدِب، يَكتَظُّونَ مِنَ الطَّعام. هم غُيومٌ لا ماءَ فيها تَسوقُها الرِّياح. هم أَشجارٌ خَريفِيَّةٌ لا ثَمَرَ علَيها ماتَت مَرَّتَين وٱقتُلِعَت مِن أُصولِها. ١٣هم أَمواجُ البَحْرِ العاتِيَة زَبَدُها خِزْيُ نُفوسِهم. هم كَواكِبُ شارِدَةٌ أُعِدَّت لِلظُّلُماتِ الحالِكةِ مَدى الأَبَد.
١٤وقد تَنَبَّأَ عَنهم أَخْنوخُ سابِعُ الآباءِ مِن آدَم إِذ يَقول: «هُوَذا الرَّبُّ قد أَتى في أُلوفِ قِدِّيسيه ١٥لِيُجرِيَ القَضاءَ على جَميعِ الخَلْق ويُخزِيَ الكافِرينَ جَميعًا في كُلِّ أَعمالِ الكُفْرِ الَّتي ٱرتَكَبوها وفي كُلِّ كَلِمَةِ سُوءٍ قالَها علَيه الخاطِئُونَ الكافِرون». ١٦همُ الَّذينَ يَتذَمَّرونَ ويَشْكونَ ويَتبَعونَ شَهَواتِهم، تَنطِقُ أَفواهُهم بِالعِباراتِ الطَّنَّانةِ ويَتمَلَّقونَ النَّاسَ طَلَبًا لِلمَنفَعة.
عظة للمؤمنين. تعليم الرسل
١٧أَمَّا أَنتُم أَيُّها الأَحِبَّاء، فٱذكُروا ما أَنبَأَ بِه رُسُلُ رَبِّنا يسوعَ المسيحِ ١٨إِذ قالوا لَكم: «سيَكونُ في آخِرِ الزَّمانِ مُستَهزِئُونَ يَتبَعونَ شَهَواتِ كُفْرِهم». ١٩همُ الَّذينَ يُوجِدونَ الشِّقاق، إِنَّهم بَشَرِيُّونَ لَيسَ الرُّوحُ فيهِم.
ما يُرجى من المحبّة
٢٠أَمَّا أَنْتُم أَيُّها الأَحِبَّاء، فٱبْنوا أَنفُسَكم على إِيمانِكمُ المُقَدَّسِ وصَلُّوا بِالرُّوحِ القُدُس، ٢١وٱحفَظوا أَنفُسَكم في مَحَبَّةِ الله وٱنتَظِروا رَحمَةَ رَبِّنا يسوعَ المسيحِ مِن أَجْلِ الحَياةِ الأَبَدِيَّة. ٢٢أَمَّا المُتَمَرِّدونَ فٱرثوا لَهم، ٢٣بل خَلِّصوهم مُنتَشِلينَ إِيَّاهم مِنَ النَّار، وأَمَّا الآخَرونَ فٱرثوا لَهم على خَوف، وأَبغِضوا حتَّى القَميصَ الَّذي دَنَّسَه جَسدُهم.
تمجيد
٢٤لِلقادِرِ على أَن يَصونَكم مِن كُلِّ زَلَلٍ ويُحضِرَكم لَدى مَجدِه مُبتَهِجين، لا عَيبَ فيكُم، ٢٥للإِلٰهِ الواحِدِ مُخَلِّصِنا بِيَسوعَ المسيحِ رَبِّنا المَجْدُ والجَلالُ والعِزَّةُ والسُّلطان، قَبْلَ كُلِّ زَمانٍ والآنَ ولِأَبَدِ الدُّهور. آمين.