سِفْرُ المكَّابيّين الثّاني
المكّابيّين الثاني ١
المكّابيّين الثاني ٧
المكّابيّين الثاني ١٣
المكّابيّين الثاني ٢
المكّابيّين الثاني ٨
المكّابيّين الثاني ١٤
المكّابيّين الثاني ٣
المكّابيّين الثاني ٩
المكّابيّين الثاني ١٥
المكّابيّين الثاني ٤
المكّابيّين الثاني ١٠
المكّابيّين الثاني ٥
المكّابيّين الثاني ١١
المكّابيّين الثاني ٦
المكّابيّين الثاني ١٢
المكّابيّين الثاني ١
المكّابيّين الثاني ٢
المكّابيّين الثاني ٣
المكّابيّين الثاني ٤
المكّابيّين الثاني ٥
المكّابيّين الثاني ٦
المكّابيّين الثاني ٧
المكّابيّين الثاني ٨
المكّابيّين الثاني ٩
المكّابيّين الثاني ١٠
المكّابيّين الثاني ١١
المكّابيّين الثاني ١٢
المكّابيّين الثاني ١٣
المكّابيّين الثاني ١٤
المكّابيّين الثاني ١٥
مدخل إلى سِفرَي المكَّابيِّين
ليس سِفرا المكَّابيِّين جزءًا من الأسفار القانونيّة اليهوديّة، فلقد عدّهما القدّيس هيرونيمس من الكتب المنحولة، وتبعه في ذلك البروتستانت. ومع ذلك فقد استشهد بهما آباء الكنيسة وأعلوا شأنهما، ودخلا لائحة الكتب القانونيّة في أواخر القرن الرابع، ولكنَّ النقاش في شأنهما لم يَنتهِ في نظر الكاثوليك إلَّا في المجمع التريدنتينيّ. وأَسِفَ لوثر لكون سِفر المكَّابيِّين الأوّل غير قانونيّ.
إنّ هذين السِفريَن وحدهما يُفيداننا عن تاريخ الشعب اليهوديّ في العصر الهلّينستيّ، مع أنّهما لا يتناولان إلَّا نصف قرن عند جلوس يوحنّا هرقانس على العرش (١٧٦ إلى ١٣٤). كانت اليهوديّة في ذلك الزمان تابعة للسلوقيّين، وكانت إمبراطوريّتهم تمتدّ من البحر الأبيض المتوسّط إلى أنجاد إيران وكانت عاصمتها أنطاكية. ولكنّها سُرعان ما ضعفت لضغط الرومانيّين والبرثيّين عليها وأوهنتها النزاعات بين السلالات التي تبتغي الملك.
إنّ موضوع الكتابين متشابه، وهو أنّ يهوذا المكّابيّ وأخوته استعادوا، بعون الله، الحكم الذاتيّ القوميّ وحرّيّة العبادة اللذَيْن حاول أنطيوخس الرابع أبيفانيوس أن يقضي عليهما (١٧٥-١٦٤). لكنّ الروايتين مستقلّتان ولا تتناولان الحقبة الزمنيّة نفسها على نحو تامّ. وكلتا الروايتَين وصلتا إلينا في اليونانيّة، وهي اللغة الأصليّة في الرواية الثانية.
يؤرّخ السِفران الأحداث بحسب التقويم القمريّ الشمسيّ عند السلوقيّين، ولكنّ السِفر الأوّل يتبع عادةً الحساب الخريفيّ الذي يطابق العصر المقدونيّ الأنطاكيّ الموافق لـِ ٧ تشرين الأوّل (أكتوبر) (يوليانيّ) من العام ٣١٢ ق.م، في حين أنّ السِفر الثاني يتبع الحساب الربيعيّ وفيه يُنقل العصر إلى أوّل نيسان (أبريل) (٣ نيسان اليوليانيّ من العام ٣١١ ق.م). كانوا يعملون به في بابل وفي هيكل أورشليم. ويُتبع هذا الحساب الربيعيّ أيضًا في ١ مك ١/ ٥٤؛ ١ مك ٢/ ٧٠؛ ١ مك ٤/ ٥٢؛ ١ مك ٩/ ٣ و٥٤؛ ١ مك ١٠/ ٢١؛ ١ مك ١٣/ ٤١ و٥١؛ ١ مك ١٤/ ٢٧؛ ١ مك ١٦/ ١٤؛ فالكلام في هذه الآيات يجري على الهيكل أو على التاريخ اليهوديّ الداخليّ.
وردَ نصّ سِفر المكّابيّين الأوّل وحده في المجلّد السينائيّ. أمّا نصّ سِفرَي المكَّابيِّين الأوّل والثاني فقد وردَ في المجلّد الإسكندريّ وفي مخطوطات ثانويّة كثيرة. ولقد شرح المؤرّخ اليهوديّ يوسيفس سِفر المكَّابيِّين الأوّل في كتابه الفنون اليهوديّة القديمة (XII-XIII)، ويساعدنا شرحه أحيانًا على ضبط نصّنا. لكنّ يوسيفس لم يعرف سِفر المكَّابيِّين الثاني.
سِفْرُ المَكّابيِّين الثاني
المكّابيّين الثاني ١
١. رسالتان إلى يهود مصر
الرسالة الأولى
١إِلى إِخوَتِهمِ اليَهودِ الَّذينَ في مِصرَ سَلام. مِن إِخوَتِهِمِ اليَهودِ الَّذينَ في أُورَشَليمَ وبِلادِ اليَهودِيَّةِ أَطيَبُ السَّلام. ٢ولْيُحسِنِ اللهُ إِلَيكم ويَذكُرْ عَهدَه مع إِبْراهيمَ وإِسحٰقَ ويَعْقوب، عَبيدِه الأُمَناء. ٣ولْيُؤتِكم جَميعًا قَلبًا لِأَن تَعبُدوه وتَعمَلوا بِمَشيئَتِه بِقَلبٍ كَريمٍ ونَفْسٍ راضِيَة، ٤ويَفتَحْ قُلوبَكم لِشَريعَتِه ووَصاياه ويُحِلَّ السَّلام. ٥ولْيَستَجِبْ لِصَلواتِكم ويُصالِحْكم ولا يَخْذُلْكم في أَوانِ السُّوء. ٦ونَحنُ الآنَ هٰهُنا نُصَلِّي مِن أَجلِكم. ٧كُنَّا نَحنُ اليَهودَ قد كَتَبنا إِلَيكم في عَهدِ ديمِترِيوس، في السَّنَةِ المِئَةِ والتَّاسِعَةِ والسِّتِّين، ما يَلي: «في أَثْناءِ الضِّيقِ والشِّدَّةِ الَّتي نَزَلَت بِنا في تِلكَ السِّنين، بَعدَ ٱرتِدادِ ياسونَ والَّذينَ معَه عنِ الأَرضِ المُقَدَّسةِ والمَملَكَة، ٨فإِنَّهم أَحرَقوا البابَ وسَفَكوا الدَّمَ الزَّكِيَّ، فٱبتَهَلنا إِلى الرَّبِّ فٱستَجابَ لَنا، وقَرَّبْنا الذَّبيحَةَ والسَّميذ، وأَوقَدْنا السُّرُجَ وقَدَّمْنا الخُبْز». ٩فَنَكتُبُ الآنَ إِلَيكم بأَن تُعَيِّدوا أَيَّامَ الأَكْواخِ الَّتي في شَهرِ كِسْلو. ١٠في السَّنَةِ المِئَةِ والثَّامِنَةِ والثَّمانين.
الرسالة الثانية
التوجيه
مِنَ الَّذينَ في أُورَشَليمَ واليَهودِيَّة، والشُّيوخِ ويهوذا، إِلى أَرِسْطوبولُس، مُسْتَشارِ بَطْليمُسَ المَلِكِ والَّذي مِن ذُرِّيَّةِ الكَهَنَةِ المُسَحاء، وإِلى اليَهودِ الَّذينَ في مِصرَ سَلامٌ وعافِيَة.
الحمد على معاقبة أنطيوخس
١١بَعدَ أَن أَنقَذَنا اللهُ مِن أَخْطارٍ جَسيمَة، نَشكُرُه جَزيلَ الشُّكرِ على وُقوفِنا في وَجهِ المَلِك، ١٢فهو الَّذي دَحَرَ الَّذينَ قاتَلونا في المَدينَةِ المُقَدَّسَة. ١٣فإِنَّ قائِدَهم ذَهَبَ إِلى فارِسَ في جَيشٍ يُقالُ إِنَّه لا يُقاوَم فسُحِقوا في هَيكَلِ النَّنايَة، بِحيلَةٍ ٱحْتالَها علَيهم كَهَنَةُ النَّناية. ١٤وذٰلك أَنَّه جاءَ أَنْطِيوخُسُ ومَن معَه مِن أَصدِقائِه إِلى هُناكَ مُتَظاهِرًا بأَنَّه يُريدُ الزَّواجَ مِن الإِلٰهة، وفي نَفسِه أَن يأخُذَ الأَموالَ على سَبيلِ المَهْر. ١٥كانَ كَهَنَةُ النَّنايَةِ قد عَرَضوا الأَموال، فدَخَلَ هو مع نَفَرٍ يَسيرٍ إِلى داخِلِ المَعبَد، فلَمَّا دَخَلَ أَنْطِيوخُس، أَغلَقوا الهَيكل ١٦وفَتَحوا بابًا سِرِّيًّا في السَّقْفِ وصَعَقوا القائِدَ راجِمينَ إِيَّاه بِالحِجارة. ثُمَّ قَطَّعوه قِطَعًا وحَزُّوا رأسَه وأَلقَوه إِلى الَّذينَ كانوا في خارِجِ الهَيكَل. ١٧ففي كُلِّ شيءٍ تَبارَكَ إِلٰهُنا الَّذي أَسلَمَ الكَفَرَةَ إِلى المَوت!
المحافظة على النار المقدّسة
١٨إنَّنا مُزمِعونَ أَن نُعَيِّدَ عيدَ تَطْهيرِ الهَيكل، في اليَومِ الخامِسِ والعِشْرينَ مِن شَهرِ كِسْلو، فرَأَينا مِن واجِبِنا أَن نُعلِمَكم بِأَن تُعَيِّدوا أَنتُم أَيضًا عيدَ الأَكْواخِ والنَّارِ الَّتي ظَهَرَت حينَ أَعادَ نَحَمْيا بِناءَ الهَيكَلِ والمَذبَحِ وقَدَّمَ الذَّبائِح. ١٩فإِنَّه حينَ جُلِيَ آباؤُنا إِلى فارِس، أَخَذَ بَعضُ أَتقِياءِ الكَهَنَةِ مِن نارِ المَذبَح، وخَبَّأُوها سِرًّا في جَوفٍ أَشبَهَ بِبئِرٍ لا ماءَ فيها، وحافَظوا علَيها بِحَيثُ بَقِيَ المَكانُ مَجْهولًا عِندَ جَميعِ النَّاس. ٢٠وبَعدَ ٱنقِضاءِ سِنينَ كَثيرة، حين شاءَ اللهُ، أَرسَلَ مَلِكُ فارِسَ نَحَمْيا إِلى هُنا فأَرسَلَ سَليلي الكَهَنَةِ الَّذينَ خَبَّأُوا النَّارَ لِلبَحثِ عَنها. إِلَّا أَنَّهم، كما شَرَحوا لَنا، لم يَجِدوا نارًا، بل ماءً خائِرًا. فأَمَرَهم أَن يَغرِفوا مِنه ويَأتوا بِه. ٢١ولَمَّا أُحْضِرَ كُلُّ شَيءٍ لِلذَّبائِح، أَمَرَ نَحَمْيا الكَهَنَةَ أَن يَرُشُّوا بِهٰذا الماءِ الخَشَبَ وما وُضِعَ علَيه. ٢٢فصَنَعوا كذٰلك، ولَمَّا أَشرَقَتِ الشَّمسُ، بَعدَ أَن كانَت حينًا مَحْجوبَةً بِالغُيوم، اِتَّقَدَت نارٌ عَظيمة، حَتَّى تَعَجَّبَ جَميعُ الحاضِرين. ٢٣وعِندَ إِحْراقِ الذَّبيحَة، كانَ الكَهَنَةُ يُصَلُّون، فكانَ الكَهَنَةُ معَ يوناتانَ يَبدَأُون، والباقونَ يُجيبونَ مِثلَ نَحَمْيا. ٢٤صَلاةُ نَحَمْيا:
«أَيُّها الرَّبُّ، الرَّبُّ الإِلٰه، خالِقُ الكُلّ، المَرْهوبُ القَوِيُّ العادِلُ الرَّحيم، يا مَن هو وَحدَه المَلِكُ والصَّالِح، ٢٥يا مَن هو وَحدَه الكَريم، وَحدَه العادِلُ القَديرُ الأَزَلِيّ، يا مَن يُخَلِّصُ إِسْرائيلَ مِن كُلِّ شَرّ، يا مَن جَعَلَ مِن آبائِنا مُخْتاريه وقَدَّسَهم، ٢٦تَقَبَّلْ هٰذه الذَّبيحةَ مِن أجلِ كُلِّ شَعبِكَ إِسْرائيل، وٱحفَظْ ميراثَكَ وقَدِّسْه، ٢٧وٱجمَعْ شَتاتَنا وأَعتِقِ المُستَعبَدينَ عِندَ الأُمَم، وٱنظُرْ إِلى المُحتَقَرينَ والمَمْقوتين، ولْتَعلَمِ الأُمَمُ أَنَّكَ إِلٰهُنا، ٢٨وعَذِّبِ الظَّالِمينَ والشَّاتِمينَ بِوَقاحة، ٢٩وٱغرِسْ شَعبَكَ في مَكانِكَ المُقَدَّس، كما قالَ موسى».
٣٠وكانَ الكَهَنَةُ يُرَنِّمونَ بِالأَناشيد. ٣١ولَمَّا أُحرِقَتِ الذَّبيحة، أَمَرَ نَحَمْيا بِأَن يُريقوا ما بَقِيَ مِنَ الماءِ على حِجارَةٍ كَبيرة. ٣٢فلَمَّا فَعَلوا، اِتَّقَدَ لَهيبٌ ٱمتَصَّه النُّورُ المُماثِلُ المُنبَعِثُ مِنَ المَذبَح. ٣٣فشاعَ ذٰلك وأُخبِرَ مَلِكُ فارِسَ أَنَّ المَكانَ الَّذي خَبَّأَ فيه الكَهَنَةُ النَّارَ حينَ جَلائِهم قد ظَهَرَ فيه ماءٌ طَهَّرَ بِه نَحَمْيا والَّذينَ معَه تَقادِمَ الذَّبيحة، ٣٤فسَيَّجَه المَلِكُ بَعدَ التَّحقيقِ وجَعَلَه مَقدِسًا. ٣٥وأَعْطى المَلِكُ الَّذينَ سَلَّمَهم إِيَّاه نَصيبًا مِنَ الدَّخلِ الَّذي كانَ يَجْنيه مِنه. ٣٦وسَمَّى نَحَمْيا والَّذينَ معَه هٰذا السَّائِلَ «نِفْطار» أي تَطْهير. ولَكِنَّه يُعرَفُ عِندَ كَثيرينَ بِالنَّفْط.
المكّابيّين الثاني ٢
إِرمِيا يُخفي أدوات العبادة
١جاءَ في السِّجِلَّاتِ أَنَّ إِرْمِيا النَّبِيَّ أَمَرَ أَهْلَ الجَلاءِ أَن يَأْخُذوا نارًا، كَما ذُكِر، ٢وأَنَّ النَّبِيَّ أَوصى أَهْلَ الجَلاءِ، بَعدَ أَن أَعْطاهمُ الشَّريعة، أَن لا يَنْسَوا وَصايا الرَّبِّ وأَن لا يَضِلُّوا في أَفْكارِهم، إِذا رأَوا تَماثيلَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ وما علَيها مِنَ الزِّينة. ٣ومِمَّا حَثَّهم علَيه أن لا يَدَعوا الشَّريعةَ تَبتَعِدُ عن قُلوبِهم. ٤وجاءَ في هٰذه الكِتابَةِ أَنَّ النَّبِيَّ، بِمُقْتَضى وَحْيٍ صارَ إِلَيه، أَمَرَ أَن يُذهَبَ معَه بِالخَيمَةِ والتَّابوت، عِندَما خَرَجَ إِلى الجَبَلِ الَّذي صَعِدَ إِلَيه موسى ورأَى ميراثَ الله. ٥ولَمَّا وَصَلَ إِرْمِيا، وَجَدَ مَسكِنًا بِشَكلِ مَغارة، فأَدخَلَ إِلَيه الخَيمَةَ والتَّابوتَ ومَذبَحَ البَخور، ثُمَّ سَدَّ الباب. ٦فأَقبَلَ في وَقتٍ لاحِقٍ بَعضُ مَن كانوا معَه لِيَضَعوا عَلامةً في الطَّريق، فلم يَستَطيعوا أَن يَجِدوه. ٧فلَمَّا عَلِمَ بِذٰلِك إِرْمِيا، لامَهم وقال: «إِنَّ هٰذا المَكانَ سَيَبْقى مَجْهولًا، إِلى أَن يَجمَعَ اللهُ شَمْلَ شَعبِه ويَرحَمَهم. ٨وحينَئِذٍ يُظهِرُ الرَّبُّ هٰذه الأَشْياء، ويَظهَرُ مَجدُ الرَّبِّ والغَمامُ، كما ظَهَرَ في أَيَّامِ موسى وحينَ سأَلَ سُلَيمانُ أَن يُقَدَّسَ المَكانُ تَقْديسًا بَهِيًّا». ٩وكانوا يُخبِرونَ أَيضًا كَيفَ أَنَّه قَدَّمَ، بِفَضلِ حِكمَتِه، ذَبيحَةَ تَدْشينِ الهَيكَلِ وإنِجازِه. ١٠وكما أَنَّ موسى دَعا الرَّبَّ فنَزَلَتِ النَّارُ مِنَ السَّماءِ وأَكَلَت مَوادَّ الذَّبيحَة، كذٰلك دَعا سُلَيمانُ فنَزَلَتِ النَّارُ مِنَ السَّماءِ وأَفنَتِ المُحرَقات. ١١وكانَ موسى قد قال: «إِنَّما أُفنِيَت ذَبيحَةُ الخطيئةِ لِأَنَّها لم تُؤكَل». ١٢وكذٰلك عَيَّدَ سُلَيمانُ عيدَ التَّدْشينِ ثَمانِيَةَ أَيَّام.
مكتبة نَحَمْيا
١٣في هٰذِه المُؤَلَّفاتِ وفي ذِكرَياتِ نَحَمْيا، كانوا يُخبِرونَ بِأَنَّ نَحَمْيا أَنشَأَ مَكتَبَةً جَمَعَ فيها الأَسْفارَ المُختَصَّةَ بِالمُلوكِ والأَنْبِياءِ وداوُد، ورَسائِلَ المُلوكِ في التَّقادِم. ١٤وكذٰلك جَمَعَ يَهوذا كُلَّ ما بُعثِرَ مِنَ الأَسفارِ في الحَربِ الَّتي حَدَثَت لَنا، وهو عِندَنا. ١٥فإِن كُنتُم في حاجَةٍ إِلى ذٰلك، فأَرسِلوا مَن يأخُذُه إِلَيكم.
دعوة إلى التدشين
١٦ولَمَّا كُنَّا مُزمِعينَ أَن نُعَيِّدَ عيدَ التَّطْهير، فقَد كَتَبْنا إِلَيكم. وإِنَّكم تُحسِنونَ عَمَلًا، إِذا عَيَّدتُم هٰذه الأَيَّام. ١٧واللهُ الَّذي خَلَّصَ كُلَّ شَعبِه ورَدَّ إِلَيه كُلِّه الميراثَ والمُلْكَ والكَهَنوتَ والتَّقْديسَ، ١٨كَما وَعَدَ في الشَّريعة، نَرْجو مِنه أَن يَرحَمَنا قَريبًا ويَجمَعَنا مِمَّا تَحتَ السَّماءِ إِلى المَكانِ المُقَدَّس، فإِنَّه قد أَنقَذَنا مِن شُرورٍ جَسيمَة وطَهَّرَ المَكانَ المُقدَّس.
٢. مُقدّمة الكاتب
١٩إِنَّ أَخْبارَ يَهوذا المَكَّابِيِّ وإِخوَتِه، وتَطْهيرَ المَقدِسِ العَظيم، وتَدْشينَ المَذبَح، ٢٠والحُروبَ الَّتي وَقَعَت بَينَه وبَينَ أَنْطِيوخُسَ إِبيفانِيوسَ وٱبنِه أَوباطور، ٢١والآياتِ الَّتي ظَهَرَت مِنَ السَّماءِ لِصالِحِ البُسَلاءِ الَّذينَ حارَبوا عن دينِ اليَهود، حَتَّى إِنَّهم مع قِلَّتِهم نَهَبوا البِلادَ بِجُملَتِها وطَرَدوا جَماهيرَ الأَعاجِم، ٢٢وٱستَرَدُّوا المَقدِسَ الَّذي ٱشتَهَرَ ذِكرُه في المَسْكونَةِ بِأَسرِها، وحَرَّروا المَدينَة، وأَحيَوا الشَّرائِعَ الَّتي كادَت تُلْغى، لِأَنَّ الرَّبَّ وَفَّقَهم بِكُلِّ رِفقِه، ٢٣تِلكَ الأُمورَ الَّتي عَرضَها ياسونُ القيرينيُّ في خَمسَةِ كُتُبٍ سنُحاوِلُ ٱختِصارَها في مُجَلَّدٍ واحِد. ٢٤ولَمَّا رأَينا كَثرَةَ الأَرْقامِ والصُّعوبَةَ الَّتي تَعتَرِضُ مَن أَرادَ الخَوضَ في أَخْبارِ التَّاريخِ لِغَزارَةِ المَوادّ، ٢٥كانَ مِن هَمِّنا أَن نُوَفِّرَ المُتعَةَ لِلمُطالِعِ والسُّهولَةَ لِلحافِظِ والفائِدَةَ لِلجَميع. ٢٦فلَم يَكُنْ تَكَلُّفُنا هٰذا التَّلْخيصَ أَمرًا سَهْلًا، بل تَمَّ بِالعَرَقِ والسَّهَر، ٢٧كَما أَنَّ الَّذي يُعِدُّ مأدُبةً ويَبتَغي مَنفَعةَ النَّاسِ لا يَكونُ الأَمرُ علَيه سَهْلًا. غَيرَ أَنَّنا لِمَنفَعَةِ الكَثيرينَ سَنَتَحَمَّلُ هٰذا العَمَلَ الشَّاقَّ عن طيبَةِ نَفْس، ٢٨تارِكينَ التَّدْقيقَ في تَفاصيلِ كُلٍّ مِنَ الأَحداثِ لِأَهلِ التَّاريخ، ومُلتَزِمينَ التَّقَيُّدَ بِقَواعِدِ التَّلْخيص. ٢٩فإِنَّه كَما يَنبَغي لِمَنْ يُهَندِسُ بَيتًا جَديدًا أَن يَهتَمَّ بِمُجمَلِ البِناء، ولِمَن يَقومُ بِتَزْيينِه بِرُسومٍ مَدْهونةٍ أَن يُدَقِّقَ النَّظَرَ في ما يُناسِبُ قَواعِدَ التَّزْيين، فهٰكذا يَكونُ أَمْرُنا، على ما أَرى. ٣٠فإِنَّ تَقَصِّي الأُمورِ والإِحاطَةَ بِالمَسائِلِ والبَحثَ عن جُزْءٍ فجُزْءٍ مِن شأنِ مُصَنِّفِ التَّاريخ. ٣١وأَمَّا المُلَخِّصُ فمُرَخَّصٌ لَه أَن يَسوقَ الحَديثَ بإِيجاز، مع إِهْمالِ ٱستِنْفادِ المَوضوع.
٣٢فلْنَشرَعْ هٰهُنا في رِوايةِ الأَحْداث، مُقتَصِرينَ مِنَ التَّمْهيدِ على ما ذَكَرْناه، إِذ لَيسَ مِنَ الصَّوابِ أَن نُسهِبَ فيما قَبلَ التَّاريخ وأَن نُوجِزَ في التَّاريخ.
المكّابيّين الثاني ٣
٣. قصّة هليودورس
قدوم هَلْيودورس إلى أورشليم
١حينَ كانَتِ المَدينَةُ المُقَدَّسَةُ عامِرَةً آمِنَة، والشَّرائِعُ مَحْفوظَةً غايَةَ الحِفْظ، لِما كانَ علَيه أَونِيَّا عَظيمُ الكَهَنَةِ مِنَ الوَرَعِ والبُغضِ لِلشَّرّ، ٢كانَ المُلوكُ أَنفُسُهم يُعَظِّمونَ المَكانَ المُقَدَّسَ ويُكَرِّمونَ الهَيكَلَ بأَفخَرِ العَطايا، ٣حَتَّى إِنَّ سَلَوقُسَ، مَلِكَ آسِيَة، كانَ يُؤَدِّي مِن دَخلِه الخاصِّ جَميعَ النَّفَقاتِ المُختَصَّةِ بِخِدمَةِ الذَّبائِح. ٤وإِنَّ رَجُلًا ٱسمُه سِمْعان، مِن سِبطِ بِلجَة، كانَ مُقَلَّدًا الوَكالَةَ على الهَيكَل، وَقَعَ بَينَه وبَينَ عَظيمِ الكَهَنَةِ خِلافٌ في أَمرِ المُحافَظَةِ على أَمنِ أَسْواقِ المَدينة. ٥وإِذ لم يُمكِنْه التَّغَلُّبُ على أُونِيَّا، ذَهَبَ إِلى أَبُلُّونِيوسَ، بنِ تَرَساوُس، وكانَ إِذ ذاكَ قائِدًا في بِقاعِ سورِيَةَ وفينيقِيَة، ٦وأَخبَرَه أَنَّ الخِزانَةَ الَّتي في أُورَشَليمَ مَشْحونةٌ بِما لا يُستَطاعُ وَصفُه مِنَ الأَموال، حَتَّى إِنَّ الدَّخْلَ لا يُحْصى لِكَثرَتِه، وأَنَّ ذٰلك لا يَتناسَبُ مع نَفَقَةِ الذَّبائِح، فيُمكِنُ إِدْخالُ ذٰلك كُلِّه في حَوزَةِ المَلِك. ٧فقابَلَ أَبُلُّونِيوسُ المَلِكَ وأَعلَمَه بِالأَمْوالِ الَّتي وُصِفَت لَه، فٱختارَ المَلِكُ هَلْيودورُس، قَيِّمَ المَصالِح، وأَرسَلَه وأَمَرَه بِجَلْبِ الأَمْوالِ المَذْكورة. ٨فتَوَجَّه هَلْيودورُسُ لِساعَتِه، قاصِدًا في الظَّاهِرِ تَفَقُّدَ مُدُنِ بِقاعِ سورِيَةَ وفينيقِيَة، وكانَ في الواقِعِ يَقصُدُ تَنفيذَ إِرادَةِ المَلِك. ٩فلَمَّا قَدِمَ أُورَشَليم، أَحسَنَ عَظيمُ الكَهَنَةِ في المَدينةِ ٱستِقْبالَه، ففاتَحَه بِما كُشِفَ، وصَرَّحَ لَه بِسَبَبِ قُدومِه، وسَأَلَه هل الأَمرُ في الحَقيقَةِ كَما ذُكِرَ لَه. ١٠فذَكَرَ لَه عَظيمُ الكَهَنَةِ أَنَّ المالَ هو وَدائِعُ لِلأَرامِلِ واليَتامى، ١١وأَنَّ قِسْمًا مِنه لِهِرْقانُسَ بنِ طوبِيَّا، أَحدِ كِبارِ الأَشْراف، وأَنَّ الأَمرَ لَيسَ على ما وَشى بِه سِمْعانُ الكافِر، وإِنَّما المالُ كُلُّه أَربَعُ مِئَةِ قِنْطارِ فِضَّةٍ ومِئَتا قِنْطارِ ذَهَب، ١٢فلا يَجوزُ بِوَجهٍ مِنَ الوُجوهِ هَضْمُ حُقوقِ الَّذينَ ٱئتَمَنوا قَداسَةَ المَكانِ وَمَهابَةَ وحُرمَةَ الهَيكَلِ المُكَرَّمِ في المَسْكونَةِ كُلِّها.
المدينة في حالة اضطراب
١٣لٰكِنَّ هَليودورُس، بِناءً على أَمرِ المَلِك، أَصَرَّ على مُصادَرَةِ الأَموالِ إِلى خِزانَةِ المَلِك. ١٤وعَيَّنَ يَومًا دَخَلَ فيه لِوَضعِ قائِمَةٍ عن هٰذه الأَمْوال. فسادَ كُلَّ المَدينَةِ ضيقٌ شَديد. ١٥وٱنطَرَحَ الكَهَنَةُ أَمامَ المَذبَحِ بِحُلَلِهمِ الكَهَنوتِيَّة، يَبتَهِلونَ إِلى السَّماءِ الَّتي سَنَّت في الوَدائِعِ أَن تُصانَ لِمُستَودِعيها. ١٦وكانَ مَن رأَى وَجهَ عَظيمِ الكَهَنَةِ يَتَقَطَّرُ فُؤادُه، لِأَنَّ مَنظَرَه وٱمتِقاعَ لَونِه كانا يُنبِئانِ بِما في نَفسِه مِنَ الضِّيق، ١٧إذ كانَ الرَّجُلُ قد داخَلَه الرُّعبُ والقُشَعْريرة، فكانا يَدُلَّانِ الَّذينَ يَنظُرونَ إِلَيه على ما في قَلبِه مِنَ الأَلَم. ١٨وكانَ النَّاسُ يَتَبادَرونَ مِنَ البُيوتِ أَفْواجًا لِيُصَلُّوا صَلاةً عامَّةً، لِسَبَبِ العارِ الَّذي يُهَدِّدُ المَكانَ المُقَدَّس. ١٩وكانَتِ النِّساءُ يَزدَحِمْنَ في الشَّوارِع، وهُنَّ مُتَحَزِّماتٌ بِالمُسوحِ تَحتَ ثُدِيِّهِنَّ، والفَتَياتُ المُلازِماتُ البُيوتِ يَركُضْنَ بَعْضُهُنَّ إِلى الأَبْواب، وبَعضُهُنَّ إِلى الأَسْوار، وغَيرُهُنَّ يَتَطَلَّعْنَ مِنَ النَّوافِذ، ٢٠وكُلُّهُنَّ باسِطاتٌ أَيدِيَهُنَّ إِلى السَّمَاءِ يَتَضَرَّعنَ بِالِٱبتِهال. ٢١فكانَ إِعْياءُ الجُمْهورِ وٱنتِظارُ عَظيمِ الكَهَنَة، وهو في ضيقٍ شَديد، مِمَّا يُثيرُ الشَّفَقَة. ٢٢وكانوا يَتَضَرَّعونَ إِلى الرَّبِّ القَديرِ أَن يَحفَظَ الوَدائِعَ سالِمَةً وفي أَمانٍ لِمُستَودِعيها. ٢٣أَمَّا هَلْيودورُس، فكانَ يُنَفِّذُ ما قُضِيَ بِه.
عقاب هليودورس
٢٤وحَضَرَ هُناكَ مع شُرَطِه عِندَ الخِزانَة، فتَجَلَّى رَبُّ الأَرْواحِ وكُلِّ سُلْطانٍ تَجَلِّيًا عَظيمًا، حتَّى إِنَّ جَميعَ الَّذينَ ٱجتَرَأوا على الدُّخولِ صَرَعَتهم قُدرَةُ الله، ففَقَدوا كُلَّ قُوَّةٍ وشَجَاعة. ٢٥وذٰلك بِأَنَّه ظَهَرَ لَهم فَرَسٌ علَيه راكِبٌ مُخيفٌ وجِهازُه فاخِر، فوَثَبَ وهَدَّدَ هَلْيودورُسَ بِحَوافِرِه الأَمامِيَّة. وكانَت عُدَّةُ الرَّاكِبِ الحَربِيَّةِ كأَنَّها مِن ذَهَب. ٢٦وتَراءَى أَيضًا لِهَلْيودورُسَ فَتَيانِ عَجيبا القُوَّةِ رائِعا الجَمالِ حَسَنا اللِّباس، فوَقَفا على جانِبَيه يَجلِدانِه جَلدًا مُتواصِلًا ويوسِعانِه ضَربًا. ٢٧فسَقَطَ لِساعَتِه على الأَرضِ وغَشِيَه ظَلامٌ كَثيف، فَرَفَعوه وجَعَلوه على مَحمِل، ٢٨فإِذا بِه، بَعدَ أَن دَخَلَ الخِزانَةَ المَذْكورَةَ في مَوكِبٍ حافِلٍ وكُلِّ حَرَسِه، قد أَصبَحَ مَحْمولًا وغَيرَ قادرٍ على الِٱستِعانَةِ بِنَفْسِه، بِأَيدي أُناسٍ يَعتَرِفونَ عَلانِيَةً بِسِيادَةِ الله.
٢٩وبَينَما هو مَطْروحٌ بِالقُوَّةِ الإِلٰهِيَّة، أَبكَمَ، لا رَجاءَ لَه ولا خَلاص، ٣٠كانَ اليَهودُ يُبارِكونَ الرَّبَّ الَّذي مَجَّدَ مَكانَه المُقَدَّسَ تَمْجيدًا رائِعًا، وقدِ ٱمْتَلَأَ المَقدِسُ ٱبتِهاجًا وتَهَلُّلًا، إِذ تَجَلَّى فيه الرَّبُّ القَدير، بَعدَ ما كانَ قُبَيلَ ذٰلك مَمْلوءًا خَوفًا وٱضطِرابًا. ٣١وبادَرَ بَعضٌ مِن أَصْحابِ هَلْيودورُس وسأَلوا أُونِيَّا أَن يَبتَهِلَ إِلى العَلِيِّ ويَمَنَّ بِالحَياةِ على مَن أَصبَحَ على آخِرِ رَمَق.
٣٢وخافَ عَظيمُ الكَهَنَةِ أَن يَتَّهِمَ المَلِكُ اليَهودَ بِمَكيدَةٍ كادوها لِهَلْيودورُس، فقَدَّمَ ذَبيحَةً مِن أَجلِ خَلاصِ الرَّجُل. ٣٣وبَينَما عَظيمُ الكَهَنَةِ يُقَدِّمُ ذَبيحَةً لِلخَطيئَة، عادَ الفَتَيانِ نَفْسُهما فتَراءَيا لِهَلْيودورُسَ بِلِباسِهِما الأَوَّل، ووَقَفَا وقالا لَه: «عَلَيكَ بِجَزيلِ الشُّكرِ لِأُونِيَّا عَظيمِ الكَهَنَة، فإِنَّ الرَّبَّ قد مَنَّ علَيكَ بِالحَياةِ مِن أَجلِه. ٣٤وأَنتَ الَّذي جَلَدَته السَّماء، أَخبِرِ الجَميعَ بِقُدرَةِ اللهِ العَظيمة». قالا ذٰلك وغابا عنِ النَّظَر.
إهتداء هليودورس
٣٥فقَدَّمَ هَلْيودورُسُ ذَبيحَةً لِلرَّبّ وصَلَّى صَلَواتٍ عَظيمةً إِلى الَّذي مَنَّ علَيه بِالحَياة، ووَدَّعَ أَونِيَّا ورَجَعَ بِجَيشِه إِلى المَلِك. ٣٦وكانَ يَشهَدُ أَمامَ الجَميعِ لِما عايَنَه مِن أَعْمالِ اللهِ العَظيم. ٣٧وسأَلَ المَلِكُ هَلْيودورُسَ مَن تُرى يَكونُ أَهلًا لِأَن يَعودَ فيُرسِلَه إِلى أُورَشَليم، فقال: ٣٨«إِن كانَ لَكَ عَدُوٌّ أَو صاحِبُ دَسيسَةٍ في المَملَكَة، فأَرسِلْه إِلى هُناكَ، فيَرجِعَ إِلَيكَ مَجْلودًا، إِن نَجا. فإِنَّ في ذٰلك المَكانِ المُقَدَّسِ قُدرَةً إِلٰهِيَّةً حَقًّا، ٣٩لِأَنَّ الَّذي مَسكِنُه في السَّماء هو يَسهَرُ على هٰذا المَكانِ ويدافِعُ عنه، فيَضرِبُ الَّذينَ يَقصِدونَه بِالشَّرِّ ويُهلِكُهم». ٤٠هٰذا ما كانَ مِن أَمرِ هَلْيودورُسَ وحِمايَةِ الخِزانَة.
المكّابيّين الثاني ٤
٤. الدعاية الهلِّينستيَّة والاضطهاد
في عهد أنطيوخس أبيفانيوس
مساوئ الوكيل سمعان
١وكانَ سِمْعانُ المَذْكورُ، الَّذي وَشى في أَمرِ الأَموالِ والوَطَن، يَفْتري الكَذِبَ على أُونِيَّا كأَنَّه هو هاجَمَ هَلْيودورُسَ وصَنَعَ لَه ذٰلك الشَّرّ. ٢وبَلَغَ مِن جُرأَتِه أَنَّه وَصَفَ المُحسِنَ إِلى المَدينَةِ وحامِيَ أَهلِ وَطَنِه والغَيورَ على الشَّريعَةِ بِأَنَّه صاحِبُ دَسيسة. ٣فٱشتدَّتِ العَداوةُ حَتَّى إِنَّ أَحَدَ خَواصِّ سِمْعانَ قامَ بِأَعْمالِ القَتْل. ٤فلَمَّا رأَى أُونِيَّا ما في تِلكَ المُنافَسَةِ مِنَ الخَطَر، وأَنَّ أَبُلُّونيوسَ بنَ مَنَسْتَاوُس، قائِدَ بِقاعِ سورِيَةَ وفينيقِيَة، كانَ يَزيدُ سِمْعانَ خُبثًا، ٥قَصَدَ المَلِك، لا مُتَّهِمًا أَهلَ وَطَنِه، بلِ ٱبتِغاءً لِمَصالِحِ الشَّعبِ العامَّةِ والخاصَّة، ٦لِأَنَّه رأَى أَنَّه بِغَيرِ تَدَخُّلِ المَلِكِ لا يُمكِنُ أَن تَكونَ الأَحْوالُ في سَلام، ولا أَن يُقلِعَ سِمْعانُ عن رُعونَتِه.
ياسون عظيم الكهنة يُدخِلُ الحضارة الهلّينستيّة
٧وكانَ أَنَّه بَعدَ أَن فارَقَ سَلَوقُسُ الحَياة، وحَصَلَ أَنْطِيوخُسُ المُلَقَّبُ بأبيفانيوس على المُلْك، حَصَلَ ياسون، أَخو أُونِيَّا، على الكَهَنوتِ الأَعظَم بالتَّدْليس، ٨بَعدَ أَن قابَلَ المَلِكَ ووَعَدَه بِثَلاثِ مِئَةٍ وسِتِّينَ قِنْطارَ فِضَّةٍ وبِثَمانينَ قِنْطارًا مِن دَخْلٍ آخَر. ٩وما عدا ذٰلك ضَمِنَ له مِئَةً وخَمْسينَ قِنْطارًا غَيرَها، إِن رَخَّصَ لَه المَلِكُ في أَن يُقيمَ بِسُلطَتِه مُؤَسَّسَةً لِلرِّياضةِ البَدَنِيَّة ومُؤَسَّسَةً لِلمُراهِقين، وبِأَن يُحْصى أَنطاكِيُّو أُورَشَليم. ١٠فأَجابَ المَلِكُ إِلى طَلَبِه، فٱستَولى ياسونُ على الرِّئاسَة، وما لَبِثَ أَن صَرَفَ أَبناءَ جِنسِه إِلى نَمَطِ حَياةِ اليونانِيِّين. ١١وأَلْقى الإِعْفاءاتِ الَّتي أَنعَمَ بِها الملوكُ عن إِنْسانِيَّةٍ على اليَهود، عن يَدِ يوحَنَّا، أَبي أَوبولِمُسَ الَّذي قُلِّدَ السِّفارَةَ إِلى الرُّومانِيِّينَ في عَقدِ المُصادَقةِ والتَّحالُف. وأَبطَلَ المُؤَسَّساتِ المَشْروعَة، وأَدخَلَ سُنَنًا تُخالِفُ الشَّريعَة. ١٢وكانَ جِدَّ مَسْرورٍ بِإِقامَةِ مَدرَسَةٍ لِلرِّياضَةِ البَدَنِيَّة تَحتَ القَلعَة، وساقَ نُخبَةَ المُراهِقينَ فجَعَلَهم تَحتَ القُبَّعَة. ١٣وتَمَكَّنَ المَيلُ إِلى نَمَطِ حَياةِ اليونانِيِّينَ والتَّخَلُّقُ بِأَخْلاقِ الغُرَباء، بِشِدَّةِ فُجورِ ياسونَ الَّذي هو كافِرٌ لا عَظيمُ كَهَنَة، ١٤حَتَّى إِنَّ الكَهَنَة لم يَعودوا يَحرصونَ على خِدمَةِ المَذبَح، وٱستَهانوا بِالهَيكَلِ وأَهمَلوا الذَّبائِح، لِيُسرِعوا إِلى الٱشتِراكِ في تَمارينِ المَيدانِ الَّتي تُحَرِّمُها الشَّريعَة، حالَ الإِعلانِ عن رَمْيِ القُرْص، ١٥مُستَخِفِّينَ بِكَرامَةِ آبائِهم ومُستَحْسِنينَ مَفاخِرَ اليونانِيِّينَ أَعظَمَ ٱستِحْسان. ١٦فلِذٰلك أَحاقَت بِهم أَوضاعٌ عَسيرة، فإِنَّ الَّذينَ حَسَدوا نَمَطَ حَياتِهم وحَرِصوا على التَّشَبُّهِ بِهم صاروا هم أَعداءً لَهم ومُنتَقِمين. ١٧لِأَنَّ مُخالَفَةَ الشَّرائِعِ الإِلٰهِيَّة لا تَذهَبُ سُدًى، كما يَشهَدُ بِذٰلك الزَّمَنُ القادِم.
١٨ولَمَّا جَرَت في صورَ الأَلْعابُ الَّتي تَجْري كُلَّ أَربَعِ سَنَوات، والمَلِكُ حاضِر، ١٩أَنفَذَ ياسونُ القَذِرُ رُسُلًا، بِصِفَةِ أَنْطاكِيِّينَ مِن أُورَشَليم، ومعَهم ثَلاثُ مِئَةِ دِرهَمِ فِضَّةٍ لِذَبيحَةِ هَرَقليس. لٰكِنَّ هٰؤُلاءِ أَنفُسَهم طَلَبوا أَن لا تُنفَقَ على الذَّبيحَة، لِأَنَّ ذٰلك كانَ غَيرَ لائِق، بل تُنفَقُ على شَيءٍ آخَر. ٢٠فالمالُ الَّذي كانَ، في قَصْدِ مُرسِلِه، لِذَبيحَةِ هَرَقليس، أُنفِقَ، بِسَعْيِ الَّذينَ حَمَلوه، على تَجْهيزِ السُّفُنِ الثُّلاثِيَّة.
يُهتَف لأَنطيوخس أبيفانيوس في أورشليم
٢١كانَ أَبُلُّونِيوسُ بنُ مِنِسْتاوُسَ قد أُرسِلَ إِلى مِصْرَ لِحُضورِ عُرْسِ فيلوميتور المَلِك، فعَلِمَ أَنْطِيوخُسُ أَنَّه قد أَصبَحَ مُعادِيًا لِسِياسَتِه، فوَجَّه ٱهتِمامَه إِلى تَحْصينِ نَفسِه، فَرَجَعَ إِلى يافا ثُمَّ سارَ إِلى أُورَشَليم. ٢٢فٱستَقبَلَه ياسونُ وأَهلُ المَدينَةِ ٱستِقْبالًا فَخْمًا، ودَخَلَ بَينَ المَشاعِلِ والهُتاف. ثُمَّ ٱنصَرَفَ مِن هُناكَ بِالجَيشِ إِلى فينيقِيَة.
مَنَلاوس يُصبح عَظيمَ كهنة
٢٣وبَعدَ مُدَّةِ ثَلاثِ سَنَوات، وَجَّهَ ياسونُ مَنَلاوُس، أَخا سِمْعانَ المَذْكور، لِيَحمِلَ أَمْوالًا إِلى المَلِكِ ويُفاوِضَه في أُمورٍ عاجِلة. ٢٤فأَخَذَ مَنَلاوُسُ تَوصِياتٍ بِنَفسِه إِلى المَلِك وأَبهَرَه بِمَظاهِرِ سُلْطانِه، وحَوَّلَ الكَهَنوتَ الأَعظَمَ إِلى نَفْسِه بِأَن زادَ ثَلاثَ مِئَةِ قِنْطارِ فِضَّةٍ على ما أَعْطى ياسون. ٢٥ثُمَّ رَجَعَ ومعَه أَوامِرُ المَلِك، ولم يَكُنْ على شَيءٍ مِمَّا يَليقُ بِالكَهَنوتِ الأَعظَم، وإِنَّما كانَت لَه أَهْواءُ طاغِيَةٍ عَنيف، وأَحْقادُ وَحْشٍ ضارٍ. ٢٦وهٰكذا فإِنَّ ياسونَ الَّذي أَخَذَ مَكانَ أَخيه، أَخَذَ مَكانَه آخَر، فهَرَبَ إِلى أَرضِ بَني عَمُّون. ٢٧أَمَّا مَنَلاوُس، فكانَ يُمارِسُ السُّلطَة، إِلَّا أَنَّه لم يَدفَعْ شَيئًا مِنَ الأَمْوالِ الَّتي كانَ وَعَدَ بِها المَلِك. ٢٨فكانَ سُسْتَراتُس، رَئيسُ القَلعَةِ، يُطالِبُه، لِأَنَّه كانَ مُوَلًّى أَمرَ الجِبايَة. ولِهٰذا السَّبَبِ ٱستُدعِيا كِلاهما إِلى المَلِك ٢٩فتَرَكَ مَنَلاوُسُ أَخاه ليسيماخُسَ على الكَهَنوتِ الأَعظَم، وتَرَكَ سُسْتَراتُسُ قَراتيس، رَئيسَ القُبرُسِيِّين، مَكانَه.
مقتل أونيّا
٣٠وحَدَثَ بَعدَ ذٰلك أَنَّ أَهلَ طَرَسوسَ ومَلُّوَ تَمَرَّدوا، لِأَنَّهم جُعِلوا هِبَةً لِأَنْطِيوخيس، سُرِّيَّةِ المَلِك. ٣١فبادَرَ المَلِكُ لِلبَتِّ في هٰذا الأَمر، وتَرَكَ مَكانَه أَندَرونِكُس، أَحَدَ ذَوي المَناصِب. ٣٢فرَأَى مَنَلاوُسُ أَنَّه قد أَصابَ فُرصَةً، فسَرَقَ مِنَ المَقدِسِ آنِيَةً مِنَ الذَّهَبِ أَهْدى بَعضَها إِلى أَندرونِكُس، وباعَ بَعضَها في صورَ والمُدُنِ الَّتي بِجِوارِها. ٣٣ولَمَّا تَيَقَّنَ أُونِيَّا مِن ذٰلك، لامَه علَيه، وكانَ قدِ ٱنصَرَفَ إِلى حِمًى بدَفْنَة، بِالقُرْبِ مِن أَنطاكِيَة. ٣٤فَخلا مَنَلاوُسُ بِأَندُرونِكُس، وأَغْراه أَن يَقْتُلَ أُونِيَّا. فذَهَبَ أَندُرونِكُس إِلى أُونِيَّا وٱعْتَمَدَ على المَكْرِ فَمَدَّ إِليه يُمْناه مُقسِمًا وحَمَلَه على الخُروجِ مِن الحِمَى، وإِن بَقِيَ غَيرَ واثِق. ثُمَّ ٱغْتالَه مِن ساعَتِه، ولم يَرْعَ لِلعَدلِ حُرمَةً. ٣٥فوَقَعَ ذٰلك مَوقِعَ السُّخطِ عِندَ اليَهود، بل عِندَ كَثيرٍ مِن سائِرِ الأُمَم، وشَقَّ علَيهم قَتلُ هٰذا الرَّجُلِ ظُلْمًا.
٣٦فلَمَّا رَجَعَ المَلِكُ مِن نَواحي قيليقيَة، ذَهَبَ إِلَيه يَهودُ المَدينَة، مع مَن يُشارِكونَهم مِنَ اليونانِيِّينَ في ٱستِنْكارِهم لِمَقْتَلِ أُونِيَّا بِغَيرِ حَقّ. ٣٧فتَأَسَّفَ أَنطِيوخُسُ ورَقَّ شَفَقَةً وبَكى على حِكمَةِ ذٰلك المَفْقودِ وشِدَّةِ ٱعتِدالِه. ٣٨وٱضطَرَمَ غَضَبًا ونَزَعَ لِساعَتِه الأُرْجُوانَ عن أَندَرونِكُس، ومَزَّقَ حُلَلَه وأَطافَه في المَدينَةِ كُلِّها، ثُمَّ أَبادَ ذٰلك القاتِلَ في المَكانِ الَّذي ٱرتَكَبَ فيه كُفْرَه على أُونِيَّا، فأَنزَلَ بِه الرَّبُّ العِقابَ الَّذي ٱستَوجَبَه.
هلاك ليسيماكس في فتنة
٣٩وكانَ ليسيماكُسُ في المَدينَةِ قد سَلَبَ، بِمُوافَقَةِ مَنَلاوُس، كَثيرًا مِن مالِ الأَقْداس، فذاعَ الخَبَرُ في الخارِجِ بَعدَ أَن تَمَّ تَوزيعُ كَثيرٍ مِنَ الأَشْياءِ الذَّهَبِيَّة إِلى أَماكِنَ مُختَلِفَة، فٱجتَمَعَ الجُمْهورُ على ليسيماكُس. ٤٠فلَمَّا هاجَتِ الجُموعُ وٱشتَدَّ غَضَبُهُم، سَلَّحَ ليسيماكُسُ ثَلاثَةَ آلافِ رَجُلٍ وأَعمَلَ أَيدِيَ الظُّلمِ، تَحتَ قيادَةِ أَورانُس، رَجُلٍ قد طَعَنَ في السِّنِّ وفي الحَماقَةِ معًا. ٤١فلَمَّا رأَوا هُجومَ ليسيماكُس، تَناوَلَ بَعضُهم حِجارَةً وبَعضُهم هَراوى وبَعضُهم رَمادًا مِلءَ أَيديهِم، ورَمَوا بِكُلِّ ذٰلك في شيءٍ مِنَ الفَوضى رِجالَ ليسيماكُس. ٤٢فجَرَحوا كَثيرينَ مِنهم وصَرَعوا بَعضًا وهَزَموا الباقينَ كُلَّهم، وأَمَّا سالِبُ الأَقْداسِ فقَتَلوه عِندَ الخِزانَة.
منلاوس تُبرّأ ساحته بالرشوة
٤٣ورُفِعَت دَعْوى في هٰذه الأُمورِ على مَنَلاوُس. ٤٤فلَمَّا قَدِمَ المَلِكُ صور، أَرسَلَتِ المَشيخَةُ ثَلاثةَ رِجالٍ دافَعوا عن قَضِيَّتِهمِ العادِلَةِ أَمامه. ٤٥ورَأَى مَنَلاوُسُ أَنَّه مَغْلوب، فوَعَدَ بَطْليمُسَ بنَ دوريمانُسَ بِمالٍ جَزيلٍ لِيَستَميلَ المَلِك. ٤٦فذَهَبَ بَطْليمُسُ بِالمَلِكِ إِلى بَعضِ الأَروِقَةِ كمَن يُريدُ تَنَسُّمَ الهَواء، وصَرَفَه عن رأيِه، ٤٧فحَكَمَ لِمَنَلاوُسَ الَّذي هو عِلَّةُ الشَّرِّ كُلِّه بِالبَراءَةِ مِمَّا شُكِيَ بِه، وحَكَمَ بِالمَوتِ على أُولٰئِكَ المَساكينِ الَّذينَ، لَو رَفَعوا دَعْواهم إِلى الإِسكوتِيِّين، لَحُكِمَ لَهم بِالبَراءَة. ٤٨ولم يَلبَثْ أُولٰئِكَ المُدافِعونَ عنِ المَدينَةِ والشَّعبِ والأَقْداسِ أَن حَلَّ بِهمِ العقابُ الجائر. ٤٩فشَقَّ هٰذا الجُرمُ حتَّى على الصُّورِيِّين فبَذَلوا نَفَقاتِ دَفنِهم بِسَخاء. ٥٠وٱستَمَرَّ مَنَلاوُسُ في الرِّئاسَةِ بِجَشَعِ المُقتَدِرين، وكانَ لا يَزْدادُ إِلَّا خُبثًا، ولم يَزَلْ لِأَهلِ وَطَنِه عَدُوًّا لَدودًا.
المكّابيّين الثاني ٥
الحملة الثانية على مصر
١في ذٰلك الزَّمان، كانَ أَنطِيوخُسُ يَستَعِدُّ لِغَزْوِ مِصرَ ثانِيَةً، ٢فحَدَثَ أَنَّه تَراءَى في المَدينَةِ كُلِّها مُدَّةَ أَربَعينَ يَومًا فُرْسانٌ يَعْدونَ في الجَوِّ وعلَيهم مَلابِسُ ذَهَبِيَّة، وجُيوشٌ مُسَلَّحَةٌ مَصْفوفَةٌ على شَكْلِ كَتائِب، ٣وسَرايا مِنَ الخَيَّالَةِ مُصطَفَّةٌ لِلقِتال، وهُجومٌ وكَرٌّ بَينَ الفَريقَين، وتُروس تُهَزّ، وغاباتٌ مِنَ الحِراب، وسُيوفٌ مَسْلولة، ورَشْقُ نِبال، ولَمَعانُ أَسلِحَةٍ ذَهَبيَّة، ودُروعٌ مِن كُلِّ صِنْف. ٤فكانَ الجَميعُ يُصَلُّونَ لِكَي يَكونَ مَآلُ هٰذه الرُّؤيا خَيرًا.
إعتداء ياسون ورَدْع أبيفانيوس
٥وشاعَ خَبَرٌ كاذِبٌ بِأَنَّ أَنْطِيوخُسَ قد فارَقَ الحَياة، فٱتَّخَذَ ياسونُ جَيشًا لَيسَ بِأَقَلَّ مِن أَلفِ نَفْسٍ، وهَجَمَ على المَدينَةِ بَغتَةً، ودَحَرَ الَّذينَ على الأَسْوار وأَخَذَ المَدينَةَ في آخِرِ الأَمْر، فهَرَبَ مَنَلاوُسُ إِلى القَلعَة. ٦فأَخَذَ ياسونُ يَذبَحُ أَهلَ وَطَنِه بِغَيرِ رَحمَة، ولم يَفطَنْ أَنَّ الظَّفَرَ بِالإِخوَةِ هو الفَشَلُ عَينُه، ظَنًّا مِنه أَنَّه يَأخُذُ مَغانِمَ مِن أَعْداءٍ، لا مِن بَني أُمَّتِه. ٧ولٰكِنَّه لم يَستَولِ على الرِّئاسَة، ولَم يَنَلْ أَخيرًا مِن كَيدِه سوى الخِزْيِ، فهَرَبَ ثانِيَةً إِلى أَرضِ بَني عَمُّون. ٨فكانَ لِتَصَرُّفِه السَّيِّئِ خاتِمَة، وذٰلك بأَنَّه وُشِيَ بِه إِلى الحارِث، زَعيمِ العَرَب، فجَعَلَ يَفِرُّ مِن مَدينَةٍ إِلى مَدينة، والجَميعُ يُطارِدونَه ويُبغِضونَه بُغضَهم لِمَنِ ٱرتَدَّ عنِ الشَّريعَة، ويَمقُتونَه مَقتَهم لِمَن هو قَتَّالٌ لِأَهْلِ وَطَنِه، حَتَّى أُطيحَ إِلى مِصْر. ٩فكانَ أَنَّ الَّذي غَرَّبَ كَثيرين، هَلَكَ في الغُربَة، في أَرضِ لَكدَيمونَ، وقَد ذَهَبَ إِلَيها راجِيًا أَن يَجِد فيها مَلجَأً نَظَرًا لِوَحدَةِ الأَصْل. ١٠والَّذي طَرَحَ كَثيرينَ بِغَيرِ دَفْنٍ لم يُبْكَ علَيه ولَم يَحصُلْ على مَأتَمٍ ولا دَفْنٍ مع آبائِه.
١١فلَمَّا بَلَغَتِ المَلِكَ هٰذه الأَحْداثُ، اِستَنتَجَ أَنَّ اليَهودِيَّةَ ٱنتَفَضَت علَيه. فغادَرَ مِصرَ ثائِرًا كالنِّمْرِ وأَخَذَ المَدينَةَ عَنوَةً. ١٢وأَمَرَ الجُنودَ أَن يَقتُلوا بِغَيرِ رَحمَةٍ كُلَّ مَن صادَفوه ويَذبَحوا الَّذينَ يَصعَدونَ إِلى بُيوتِهم. ١٣فكانَت مَجزَرَةُ الشُّبَّانِ والشُّيوخ، وإِبادَةُ النِّساءِ والأَولاد، وذَبْحُ الفَتَياتِ والأَطْفال. ١٤فهَلَكَ ثَمانونَ أَلفَ نَفْسٍ في ثَلاثَةِ أَيَّام، مِنهم أَربَعونَ أَلفًا سَقَطوا في المَعرَكَة، وبيعَ مِنهم عَدَدٌ لَيسَ بِأَقَلَّ مِنَ القَتْلى.
نَهْبُ الهيكل
١٥ولَم يَكتَفِ بِذٰلك، بلِ ٱجتَرَأَ على دُخولِ المَقدِسِ الَّذي هو أَقدَسُ مَكانٍ في الأَرضِ كُلِّها، وكانَ دَليلُه مَنَلاوُسَ الخائِنَ لِلشَّريعَةِ والوَطَن. ١٦وأَخَذَ الآنِيَةَ المُقَدَّسَةَ بِيَدَيه القَذِرَتَين، وقَبَضَ بِيَدَيه الدَّنِسَتَينِ على ما أَهْداه مُلوكٌ آخَرونَ لِتَحْسينِ المَكانِ المُقَدَّسِ ولِمَجدِه وكَرامَتِه.
١٧فتَشامَخَ أَنْطِيوخُسُ في نَفسِه، ولم يَفطَنْ إِلى أَنَّ السَّيِّدَ غَضِبَ إِلى حينٍ بِسَبَبِ خَطايا سُكَّانِ المَدينة. ولِذٰلك أُهمِلَ هٰذا المَكانُ المُقَدَّس. ١٨ولَولا أَنَّهمُ ٱنهَمَكوا بِخَطايا كَثيرة، لَجُلِدَ هو أَيضًا حالَ دُخولِه ورُدِعَ عن جَسارَتِه، كَما جَرى لِهَلْيودورُسَ الَّذي بَعَثَه سَلَوقُسُ المَلِكُ لِٱفتِقادِ الخِزانَة. ١٩ولٰكِنَّ الرَّبَّ لم يَختَرِ الأُمَّةَ لِأَجلِ المَكانِ المُقَدَّس، بلِ المَكانَ المُقَدَّسَ لِأَجلِ الأُمَّة. ٢٠ولِذٰلك، فبَعدَ أَنِ ٱشتَرَكَ المَكانُ المُقدَّسُ في مَصائِبِ الأُمَّة، عادَ فٱشتَرَكَ في النِّعَم، وبَعدَما خُذِلَ عِندَ غَضَبِ القَدير، أُعيدَ إِلى كامِلِ مَجدِه، عِندَ تَصالُحِه مع السَّيِّدِ العَظيم.
٢١وحَمَلَ أَنْطِيوخُسُ مِنَ الهَيكلِ أَلفًا وثَمانِيَ مِئَةِ قِنْطارٍ وبادَرَ إِلى العَودَةِ إِلى أَنْطاكِيَة، وقَد خَيَّلَت إِلَيه كِبرِياؤُه وتَشامُخُ نَفْسِه أَنَّه يُسَيِّرُ السُّفُنَ في البَرّ ويُقَطِّعُ البَحرَ بِالقَدَم. ٢٢وتَرَكَ مُشرِفينَ يُسيئونَ إِلى الأُمَّة، مِنهم فيلِبُّسُ في أُورَشَليم، وهو فَريجِيُّ الأَصْل، وكانَ أَشرَسَ أَخْلاقًا مِنَ الَّذي وَلَّاه، ٢٣وأَندَرونكُسُ في جَرِزِّيم، وأَيضًا مَنَلاوُسُ الَّذي كانَ يَفوقُ كِلَيهما شَرًّا لِأَبْناءِ وَطَنِه.
تدخّل أَبلّونيوس قائد المرتزقة
وكانَ المَلِكُ يُضمِرُ لِليَهودِ أَبْناءِ وَطَنِه عِداءً مُتَأَصِّلًا، ٢٤فأرسَلَ أَبُلُّونِيوس، قائِدَ المُرتَزِقَة، في ٱثنَينِ وعِشْرينَ أَلفَ جُنْدِيّ، وأَمَرَه أَن يَذبَحَ كُلَّ بالِغٍ مِنهم، ويَبيعَ النِّساءَ والأَولاد. ٢٥فلَمَّا وَصَلَ إِلى أُورَشَليم، أَظهَرَ السَّلامَ وٱنتَظَرَ إِلى يَومِ السَّبتِ المُقَدَّس، حتَّى إِذا ٱستَراحَ اليَهود، أَمَرَ مَرؤُوسيه بِعَرضِ تَحِيَّة. ٢٦وذَبَحَ جَميعَ الَّذينَ خَرَجوا لِمُشاهَدَةِ العَرْض، ثُمَّ ٱقتَحَمَ المَدينَةَ بِالسِّلاح وأَهلَكَ خَلْقًا كَثيرًا.
٢٧وكانَ يَهوذا المَكَّابِيُّ قدِ ٱنصَرَفَ إِلى البَرِّيَّةِ مع عَشرَةِ رِجالٍ آخَرين، وكانَ يَعيشُ مع أَصْحابِه في الجِبالِ عيشَةَ الوُحوش ولا يأكُلونَ إِلَّا العُشْب، لِئَلَّا يُصابوا بِنَجاسة.
المكّابيّين الثاني ٦
إقامة الشعائر الوثنيّة
١وبَعدَ ذٰلك بِقَليل، أَرسَلَ المَلِكُ جيرونَ الأَثينيَّ لِيُكرِهَ اليَهودَ على الٱرتِدادِ عن شَريعةِ آبائِهم ولا يَتبَعوا شَرائِعَ الله، ٢ولِيُدَنِّسَ هَيكَلَ أُورَشَليم ويَجعَلَه على ٱسمِ زَوسٍ الأُولَمْبِيّ، ويَجعَلَ هَيكَلَ جَرِزِّيمَ على ٱسمِ زَوسٍ المِضْياف، وَفقًا لِما كانَ يَطلُبُه أَهلُ المَكان. ٣وكانَ تَفَشِّي هٰذا الشَّرِّ شاقًّا وثَقيلًا حتَّى على الجَماهير. ٤وكانَ الوَثَنِيُّونَ يَملَأُونَ الهَيكَلَ عَهْرًا وقُصوفًا، ويَلْهونَ مع الخَليلات ويضاجِعونَ النِّساءَ في الدُّورِ المُقَدَّسة ويُدخِلونَ إِلَيها ما لا يَحِلّ. ٥وكانَ المَذبَحُ مَمْلوءًا بالمُحَرَّماتِ الَّتي نَهَتِ الشَّرائِعُ عَنها. ٦ولَم يَكُنْ لِأَحَدٍ أَن يُعَيِّدَ السَّبْتَ ولا يَرْعى أَعْيادَ الآباء ولا يَعتَرِفَ بِأَنَّه يَهودِيُّ الأَصْل. ٧وكانوا كُلَّ شَهرٍ، يَومَ ذِكْرى مَولِدِ المَلِك، يُساقونَ بِضَرورَةٍ مُرَّةٍ لِلٱشتِراكِ في المَأدُبَةِ الطَّقسِيَّة، وفي عيدِ دِيونيسِيوس، يُضطَرُّونَ إِلى مُرافَقَةِ مَوكِبِه وعلَيهم أَكاليلُ مِنَ اللَّبْلاب. ٨وصَدَرَ أَمرٌ إِلى المُدُنِ اليونانِيَّةِ المُجاوِرة، بإِيعازٍ مِن أَهلِ بَطْلمايِس، أَن يُعامِلوا اليَهودَ بِمِثلِ ذٰلك وبِالٱشتِراكِ في المَأدُبَةِ الطَّقسِيَّةِ، ٩وأَن يُذبَحَ مَن أَبى أَن يَتَّخِذَ السُّنَنَ اليونانِيَّة، فكانَ في إِمْكانِهِم أَن يَتَوَقَّعوا دُنُوَّ الكارِثَة.
١٠فإِنَّ ٱمرَأَتَينِ أُحضِرَتا لِأَنَّهما خَتَنَتا وَلَدَيهما. فعَلَّقوا طِفلَيهما على أَثْديهما وطافوا بِهما في المَدينَةِ عَلانِيَةً، ثُمَّ أَلقَوهما عنِ السُّور. ١١ولَجَأَ قَومٌ إِلى مَغاوِرَ كانَت بِالقُربِ مِنهم، لِلٱحتِفالِ بالسَّبتِ سِرًّا، فوُشِيَ بِهم إِلى فيلِبُّس، فأَحرَقَهم بِالنَّارِ معًا، وهُم يَحتَرِزونَ مِن أَن يُدافِعوا عن أُنفُسِهم، إِجْلالًا لِهٰذا اليَومِ المُقَدَّس.
معنى الاضطهاد في التدبير الإلٰهيّ
١٢وإِنِّي لَأَرْجو مِن مُطالِعي هٰذا السِّفْرِ أَن لا يَستَسلِموا إِلى خَوَرِ عَزائِمِهم بِسَبَبِ هٰذه الضَّرَبات، وأَن يَحسَبوا أَنَّ هٰذه الٱضطِهاداتِ لَيسَت لِهَلاكِ أُمَّتِنا، بل لِتَأديبِها. ١٣فإِنَّه إِذا لم يُهمَلِ الكافِرونَ زَمَنًا طَويلًا، بل عُجِّلَ علَيهم بِالعِقاب، فذٰلك دَليلٌ على رَحمَةٍ عَظيمة. ١٤أَمَّا سائِرُ الأُمَم، فإِنَّ السَّيِّدَ يُمهِلُ عِقابَهم بِطولِ أَناتِه، إِلى أَن يَطفَحَ كَيلُ آثامِهم. ولم يَقضِ بأَن يُعامِلَنا على هٰذا الوَجْه، ١٥لِئَلَّا يُعاقِبَنا أَخيرًا حينَ تَبلُغُ آثامُنا تَمامَها. ١٦فهو لا يَرفَعُ عَنَّا رَحمَتَه أَبَدًا، وإِذا أَدَّبَ شَعبَه بِالشَّدائِد، فلا يَخذُلُه. ١٧حَسبُنا أَنَّنا ذَكَّرْنا بِهٰذا، ولْنَعُدْ، بَعدَ هٰذه الكَلِماتِ الوَجيزة، إِلى حَديثِنا.
إستشهاد أَلِعازار
١٨كانَ رَجُلٌ يُقالُ لَه أَلِعازارُ مِن مُتَقَدِّمي الكَتَبَة، طاعِنٌ في السِّنّ، رائِعُ الطَّلعَة، فأَكرَهوه على فَتْحِ فَمِه قَسْرًا على أَكلِ لَحْمِ الخِنْزير. ١٩فٱختارَ أَن يَموتَ مَجيدًا على أَن يَحْيا حَياةً نَجِسَة. مَشى طوعًا إِلى عَذابِ الدَّولَبَة، ٢٠بَعدَ أَن قَذَفَ لَحمَ الخِنْزيرِ مِن فَمِه، كما يَليقُ بِمَن يَجرُؤُ على قَذْفِ ما لا يَحِلُّ ذَوقُه رَغبَةً في الحَياة. ٢١فخَلا بِه المُشرِفونَ على هٰذه المأدُبَةِ الطَّقسِيَّةِ الَّتي تُحَرِّمُها الشَّريعَة، لِما كانَ بَينَهم وبَينَه مِن قَديمِ المَعرِفَة، وجَعَلوا يَحُثُّونَه أَن يُؤتى بِما يَحِلُّ لَه تَناوُلُه مِنَ اللَّحْمِ مُهَيَّأً بِيَدِه، ويَتَظاهَرَ بِأَنَّه يَأكُلُ مِن لَحمِ الضَّحِيَّةِ الَّتي أَمَرَ بِها المَلِك، ٢٢لِيَنجُوَ مِنَ المَوتِ إِذا فَعَلَ ذٰلك، ويَنالَ مِنهم مُعامَلَةً إِنسانِيَّةً نَظَرًا إِلى صَداقَتِه القَديمَةِ لَهم. ٢٣لٰكِنَّه عَزَمَ عَزْمًا شَريفًا، جَديرًا بِسِنِّه ومَكانَةِ شَيخوخَتِه وما بَلَغَ إِلَيه مِن جَلالِ المَشيب، وبِكَمالِ سيرَتِه الحَسَنَةِ مُنذُ حَداثَتِه، ولا سِيَّما بِالشَّريعَةِ المُقَدَّسَةِ الإِلٰهِيَّة، وأَجابَ لِذٰلك طالِبًا أَن يُرسَلَ عاجِلًا إِلى مَثْوى الأَمْوات، وقال: ٢٤«لا يَليقُ بِسِنِّنا أَن نُرائِيَ، لِئَلَّا يَظُنَّ كَثيرٌ مِنَ الشُّبَّانِ أَنَّ أَلِعازار، وهو ٱبنُ تِسْعينَ سَنَةً، قدِ ٱنحازَ إِلى مَذهَبِ الغُرَباء، ٢٥ويَضِلُّوا هم أَيضًا بِسَبَبي وبِسَبَبِ رِيائي مِن أَجلِ حَياةٍ أَصبَحَت قَصيرَةً جِدًّا، فأَجلُبَ على شَيخوخَتي النَّجاسَةَ والفَضيحة. ٢٦فإِنِّي ولَو نَجَوتُ الآنَ مِن عِقابِ البَشَر، لا أَفِرُّ مِن يَدَي القَدير، حَيًّا كُنتُ أَم مَيتًا. ٢٧ولٰكِن إِن فارَقتُ الحَياةَ بِبَسالَة، فقَد وَفَيتُ بِحَقِّ شَيخوخَتي، ٢٨وأَبقَيتُ لِلشُّبَّانِ قُدوَةَ بُطولَةٍ بِميتَةٍ حَسَنةٍ طَوعِيَّةٍ وسَخِيَّةٍ في سَبيلِ الشَّرائِعِ الجَليلَةِ المُقَدَّسَة».
ولَمَّا قالَ هٰذا، سارَ مِن ساعَتِه إِلى عَذابِ الدَّولَبَة. ٢٩فتَحَوَّلَ أُولٰئِكَ الَّذينَ أَبدَوا لَه الرَّأفَةَ قُبَيلَ ذٰلك إِلى العَداوَة، وقد بَدا لَهم كَلامُه جُنونًا. ٣٠ولَمَّا أَشرَفَ على المَوتِ مِنَ الضَّرْبِ، تَنَهَّدَ وقال: «يَعلَمُ الرَّبُّ، وهو ذو العِلمِ المُقَدَّس، أَنِّي، وأَنا قادِرٌ على التَّخَلُّصِ مِنَ المَوت، أُكابِدُ في جَسَدي عَذابَ الضَّربِ الأَليم، وأَمَّا في نَفْسي فإِنِّي أَحتَمِلُ ذٰلك مَسْرورًا لِأَنِّي أَخافُ الله».
٣١وهٰكذا فارَقَ هٰذا الرَّجُلُ الحَياة، تارِكًا مَوتَه قُدوَةَ بُطولَةٍ وتَذْكارَ فَضيلة، لا لِلشُّبَّانِ فقَط، بل لِلأُمَّةِ بِأَسرِها.
المكّابيّين الثاني ٧
إستشهاد الإخوة السبعة
١وقُبِضَ أَيضًا على سَبعَةِ إِخوَةٍ مع أُمِّهم، فكانَ المَلِكُ يُريدُ أَن يُكرِهَهم على تَناوُلِ لَحمِ الخِنْزيرِ المُحَرَّم، فيُعَذِّبَهم بِالسِّياطِ وأَطْنابِ الثِّيران. ٢وجَعَلَ أَحَدُهم نَفسَه لِسانَ حالِهم فقال: «ماذا تَبتَغي أَن تَسأَلَنا وأَن تَعرِفَ عَنَّا؟ إِنَّنا مُستَعِدُّونَ لِأَن نَموتَ ولا نُخالِفَ شَرائِعَ آبائِنا». ٣فحَنِقَ المَلِكُ وأَمَرَ بِإِحْماءِ المَقالي والقُدور. ٤ولَمَّا أُحمِيَت، أَمَرَ لِساعَتِه بِأَن يُقطَعَ لِسانُ الَّذي جَعَلَ نَفسَه لِسانَ حالِهم، وأَن يُسلَخَ جِلْدُ رأسِه وتُجدَعَ أَطْرافُه على عُيونِ إِخوَتِه وأُمِّه. ٥ولَمَّا أَصبحَ عاجِزًا تَمامًا، أَمَرَ بِأَن يُدْنى مِنَ النَّار، وفيه رَمَقٌ مِنَ الحَياة، ويُقْلى. وفيما كانَ البُخارُ مُنتَشِرًا مِنَ المِقْلاة، كانَ الآخَرونَ هم وأُمُّهم يَحُثُّ بَعضُهم بَعضًا أَن يُقدِموا على المَوتِ بِشَجاعة، قائِلين: ٦«إِنَّ الرَّبَّ الإِلٰهَ ناظِر، وهو يَرأَفُ بِنا حَقًّا، كما صَرَّحَ موسى في النَّشيدِ الَّذي يَشهَدُ أَمامَ الجَميعِ بِقَولِه: وبِعَبيدِه يَرأَف».
٧ولَمَّا فارَقَ الأَوَّلُ الحياةَ على هٰذا الوَجْه، ساقوا الثَّانِيَ إِلى التَّعْذيب، ونَزَعوا جِلدَ رَأسِه مع شَعَرِه، ثُمَّ سَأَلوه: «هَل تَأكُلُ لَحمَ الخِنْزيرِ قَبلَ أَن تُعاقَبَ في جَسَدِكَ عُضْوًا عُضْوًا؟» ٨فأَجابَ بِلُغَةِ آبائِه وقال: «لا»، ولِذٰلك ذاقَ هو أَيضًا بَقِيَّةَ العَذابِ كالأَوَّل. ٩وفيمَا كانَ على آخِرِ رَمَقٍ قال: «إِنَّكَ أَيُّها المُجرِمُ تَسلُبُنا الحَياةَ الدُّنيا، ولَكِنَّ مَلِكَ العالَم، إِذا مُتْنا في سَبيلِ شَرائِعِه، سيُقيمُنا لِحَياةٍ أَبَدِيَّة».
١٠وبَعدَه عَذَّبوا الثَّالِث، وأَمَروه فدَلَعَ لِسانَه لِساعَتِه وبَسَطَ يَدَيه بِقَلبٍ جَليد، ١١وقالَ بِشَجاعة: «إِنِّي مِنَ السَّماءِ أُوتيتُ هٰذه الأَعْضاء، وفي سَبيلِ شَرائِعِها أَستَهينُ بِها، ومِنها أَرْجو أَن أَستَردَّها». ١٢فبُهِتَ المَلِكُ نَفسُه والَّذينَ معَه مِن بَسالَةِ ذٰلك الفَتى الَّذي لم يُبالِ بِالعَذابِ شَيئًا.
١٣ولَمَّا فارَقَ هذا الحَياة، عَذَّبوا الرَّابِعَ ونَكَّلوا بِه بِمِثْلِ ذٰلك. ١٤ولَمَّا أَشرَفَ على المَوتِ، قال: «خَيرٌ أَن يَموتَ الإِنسانُ بِأَيدي النَّاس ويَرجُوَ أَن يُقيمَه الله، فلكَ أَنتَ لن تَكونَ قِيامَةٌ لِلحَياة».
١٥ثُمَّ ساقوا الخامِسَ وعَذَّبوه. ١٦فحَدَّقَ إِلى المَلِكِ وقال: «إِنَّكَ بِما لَكَ مِنَ السُّلطانِ على البَشَر، مع أَنَّكَ قابِلُ الفَساد، تَفعَلُ ما تَشاء. ولٰكِن لا تَظُنَّ اللهَ قد خَذَلَ ذُرِّيَّتَنا. ١٧إِصْبِرْ قَليلًا فتَرى قُدرَتَه العَظيمة، كيفَ يُعَذِّبُكَ أَنتَ ونَسلَكَ».
١٨وبَعدَه ساقوا السَّادِس، فلَمَّا أَشرَفَ على المَوتِ قال: «لا تَغتَرَّ بِالباطِل، فإِنَّنا نَحنُ جَلَبْنا على أَنفُسِنا هٰذا العَذاب، لِأَنَّنا خَطِئْنا إِلى إِلٰهِنا، ولِذٰلك جَرى لَنا ما يَقْضي بِالعَجَب. ١٩وأَمَّا أَنتَ فلا تَحسَبْ أَنَّكَ تَبْقى بلا عِقاب، بَعدَ أَن أَقدَمتَ على مُحارَبَةِ الله».
٢٠وكانَت أُمُّهم أَجدَرَهم جَميعًا بالإِعْجابِ والذِّكْرِ الحَميد، فإِنَّها عايَنَت بَنيها السَّبعَةَ يَهلِكونَ في مُدَّةِ يَومٍ واحِد، وصَبَرَت على ذٰلك بِشَجاعة، بِسَبَبِ رَجائِها للرَّبّ. ٢١وكانَت تُحَرِّضُ كُلًّا مِنهم بِلُغَةِ آبائِها، وهي مُمتَلِئَةٌ مِن المَشاعِرِ الشَّريفة، وقد أَضفَت على كَلامِها الأَنثَوِيِّ بَسالَةً رُجولِيَّة، فكانَت تَقولُ لَهم: ٢٢«لَستُ أَعلَمُ كَيفَ نَشَأتُم في أَحْشائي، ولا أَنا وَهَبتُكمُ الرُّوحَ والحَياة، ولا أَنا نَظَّمتُ عَناصِرَ كُلٍّ مِنكم. ٢٣ولِذٰلك فإِنَّ خالِقَ العالَم، الَّذي جَبَلَ الجِنسَ البَشَرِيّ والَّذي هو أصلُ كُلِّ شَيء، سيُعيدُ إِلَيْكم بِرَحمَتِه الرُّوحَ والحَياة، لِأَنَّكم تَستَهينونَ الآنَ بِأَنفُسِكم في سَبيلِ شَرائِعِه».
٢٤وظَنَّ أَنْطِيوخُسُ أَنَّه يُسخَرُ بِه ورأَى في هٰذا الكَلامِ إِهانَة، فأَخَذَ يُحَرِّضُ بِالكَلامِ أَصغَرَهُمُ الباقِيَ، بل أَكَّدَ لَه بِالقَسَمِ أَنَّه يُغْنيه ويُسعِدُه، إِذا تَرَكَ سُنَنَ آبائِه، ويَتَّخِذُه صَديقًا لَه ويُقَلِّدُه المَناصِب. ٢٥إِلَّا أَنَّ الفَتى لم يُصغِ لِذٰلك البَتَّة، فدَعا المَلِكُ أُمَّه وحَثَّها أَن تُشيرَ على الفَتى بِما يَؤُولُ إِلى خَلاصِه. ٢٦وأَلَحَّ علَيها كَثيرًا حَتَّى قَبِلَت بِإِقناعِ ٱبنِها. ٢٧فٱنحَنَت علَيه وٱستَهزَأَت بِالطَّاغِيَةِ العَنيف، وقالَت بِلُغَةِ آبائها: «يا بُنَيَّ ٱرحَمْني أَنا الَّتي حَمَلَتكَ في أَحْشائِها تِسعَةَ أَشهُر، وأَرضَعَتكَ ثَلاثَ سَنَوات، وعالَتكَ وبَلَّغَتكَ إِلى هٰذه السِّنّ ورَبَّتكَ. ٢٨أَسأَلُكَ يا وَلَدي أَنِ ٱنظُرْ إِلى السَّماءِ والأَرض، وإِذا رأَيتَ كُلَّ ما فيهِما، فٱعلَمْ أَنَّ اللهَ صنَعَهما مِنَ العَدَم، وأَنَّ جِنسَ البَشَرِ هو كذٰلك. ٢٩فلا تَخَفْ مِن هٰذا الجَلَّاد، بل كُنْ جَديرًا بِإِخوَتِكَ وٱقبَلِ المَوتَ لِأَلْقاكَ مع إِخوَتِكَ بالرَّحمَة».
٣٠وما إِنِ ٱنتَهَت مِن كَلامِها حَتَّى قالَ الفَتى: «ماذا أَنتُم مُنتَظِرون؟ إِنِّي لا أُطيعُ أَمرَ المَلِك، وإِنَّما أُطيعُ أَمرَ الشَّريعَةِ الَّتي أُلقِيَت إِلى آبائِنا عن يَدِ موسى. ٣١وأَنتَ أَيُّها المُختَرِعُ كُلَّ شَرٍّ على العِبْرانِيِّين، إِنَّكَ لَن تَنجُوَ مِن يَدَيِ الله. ٣٢فنَحنُ إِنَّما نَتَأَلَّمُ مِن أَجلِ خَطايانا. ٣٣وإِن سَخِطَ علَينا رَبُّنا الحَيُّ حينًا قَليلًا لِمُعاقَبَتِنا وَتأديبِنا، فسيُصالِحُ عَبيدَه مِن بَعدُ. ٣٤وأَمَّا أَنتَ أَيُّها الكافِر، يا أَقذَرَ كُلِّ بَشَر، فلا تَتَشامَخْ باطِلًا ولا تُعَلِّلِ النَّفسَ بِالآمالِ الكاذِبَة وتَرفَعْ يَدَكَ على عَبيدِه، ٣٥لِأَنَّكَ لم تَنجُ إِلى اليَومِ مِن قَضاءِ اللهِ القَديرِ الرَّقيب. ٣٦ولَقَد صَبَرَ إِخوَتُنا على أَلَمِ ساعةٍ، سَعْيًا لِحَياةٍ لا تَزول، وسَقَطوا في سَبيلِ عَهدِ الله. وأَمَّا أَنتَ فسيَحِلُّ بِكَ، بِقَضاءِ الله، العِقابُ الَّذي تَستَوجِبُه بِكِبريائِكَ. ٣٧وأَنا كإِخوَتي أَبذُلُ جَسَدي ونَفْسي في سَبيلِ شَرائِعِ آبائِنا، وأَبتَهِلُ إِلى اللهِ أَن لا يُبطِئَ في تَوفيقِ أُمَّتِنا وأَن يَحمِلَكَ، بالمِحَنِ والضَّرَبات، على الٱعتِرافِ بِأَنَّه هو الإِلٰهُ وَحدَه. ٣٨عَسى أَن يَحِلَّ علَيَّ وعلى إِخوَتي غَضَبُ القَديرِ الَّذي ثارَ على أُمَّتِنا بِالعَدْل!».
٣٩فحَنِقَ المَلِكُ لِمَرارَةِ الِٱستِهْزاء فزادَه تَعْذيبًا على إِخوَتِه. ٤٠وهٰكذا فارَقَ الفَتى الحَياةَ غَيرَ مُدَنَّس، وقد وَكَلَ إِلى الرَّبِّ كُلَّ أَمرِه. ٤١وفي آخِرِ الأَمرِ ماتَتِ الأُمُّ بَعدَ بَنيها.
٤٢وكفى ما رَوَيناه عن المَآدِبِ الطَّقسِيَّةِ والتَّعْذيباتِ المُبَرِّحَة.
المكّابيّين الثاني ٨
٥. إنتصار الدين اليهوديّ. موت المضطهِد وتطهير الهيكل
يهوذا المكّابيّ يثور
١وكانَ يَهوذا المَكَّابيُّ ومَن معَه يَتَسَلَّلونَ إِلى القُرى ويَدْعونَ إِلَيهم أَبْناءَ جِنسِهم ويَضُمُّونَ إِلَيهمِ الَّذينَ ثَبَتوا على دينِ اليَهود، حَتَّى جَمَعوا نَحوَ سِتَّةِ آلاف. ٢وكانوا يَبتَهِلونَ إِلى الرَّبِّ أَن يَنظُرَ إِلى الشَّعبِ الَّذي أَصبَحَ يَدوسُه كُلُّ أَحَد، ويَعطِفَ على الهَيكَلِ الَّذي دَنَّسَه الكافِرون، ٣ويَرحَمَ المَدينَةَ المُتَهَدِّمَة والَّتي أَشرَفَت على الزَّوال، ويُصغِيَ إِلى صَوتِ الدِّماءِ الصَّارِخَةِ إِلَيه، ٤ويَذكُرَ إِهْلاكَ الأَطْفالِ الأَبرِياءِ ظُلمًا والتَّجاديفَ على ٱسمِه، ويُظهِرَ بُغضَه لِلشَّرّ.
٥ولَمَّا أَصبَحَ المَكَّابِيُّ على رَأسِ جَيشٍ، لم تَعُدِ الأُمَمُ تَثبُتُ أَمامَه، إِذِ ٱستَحالَ سُخطُ الرَّبِّ إِلى رَحمَة. ٦فجَعَلَ يُفاجِئُ المُدُنَ والقُرى ويُحرِقُها، حتَّى إِذا ٱستَولى على مَواقِعَ تُوافِقُه، هَزَمَ الأَعْداءَ الكَثيرين. ٧وكانَ أَكثَرُ غاراتِه في جُنحِ اللَّيل، فذاعَ خَبَرُ شَجاعَتِه في كُلِّ مكان.
حملة نِكانور وجُرجيّاس
٨فلَمَّا رأَى فيلِبُّسُ أَنَّ هٰذا الرَّجُلَ آخِذٌ في التَّقَدُّمِ شَيئًا فشَيئًا وأَنَّ ٱنتِصاراتِه تَتَزايَد، كَتَبَ إِلى بَطْليمُس، قائِدِ بِقاعِ سورِيَةَ وفينيقِيَة، يَسأَلُه النَّجدَةَ لِشُؤُونِ المَلِك. ٩فٱختارَ لِساعَتِه نِكانورَ بنَ بَترُكلُس، مِن خَواصِّ أَصدِقاءِ المَلِك، وجَعَلَ تَحتَ يَدِه لا أَقَلَّ مِن عِشْرينَ أَلفًا مِن مُختَلِفِ الأُمَم، لِيَستأصِلَ ذُرِّيَّةَ اليَهودِ عن آخِرِهم، وضَمَّ إِلَيه جُرجِيَّاس، وهو مِنَ القُوَّادِ المُحَنَّكينَ في شؤُونِ الحَرْب. ١٠فعَزَمَ نِكانورُ أَن يُؤخَذَ مِن مَبيعِ اليَهودِ المَسبِيِّينَ جِزيَةَ أَلْفَي القِنطارِ الَّتي كانَت لِلرُّومانِيِّينَ على المَلِك. ١١وأَرسَلَ لِوَقتِه إِلى مُدُنِ السَّاحِلِ يَدْعو إِلى شِراءِ عَبيدٍ يَهود، مُسَعِّرًا كُلَّ تِسْعينَ عَبدًا بِقِنْطار، ولم يَخطُرْ لَه ما سَيَحِلُّ بِه مِن عِقابِ القَدير.
١٢فبَلَغَ يَهوذا خَبَرُ قُدومِ نِكانور، فأَخبَرَ الَّذينَ معَه بِمَجيءِ الجَيش، ١٣فَهَرَبَ الخائِفونَ وقَليلو الإِيمانِ بِبِرِّ اللهِ وهاجَروا إِلى أَماكِنَ أُخْرى. ١٤وباعَ الآخَرونَ كُلَّ ما كانَ باقِيًا لَهم، وكانوا يَبتَهِلونَ إِلى الرَّبِّ أَن يُنقِذَ مِن نِكانورَ الكافِرِ مَن باعَهم قَبلَ المُلْتَقى، ١٥وإِن لم يَكُنْ ذٰلك مِن أَجلِهم، فمِن أَجلِ العُهودِ المَقْطوعةِ مع آبائِهم وحُرمَةِ ٱسمِه العَظيمِ الَّذي أُطلِقَ علَيهم.
١٦فحَشَدَ المَكَّابِيُّ رِجالَه وهم سِتَّةُ آلاف، وحَرَّضَهم أَن لا يَرْتاعوا مِنَ الأَعْداء ولا يَخافوا مِن كَثرَةِ الأُمَمِ المُجتَمِعَةِ علَيهم ظُلمًا، وأَن يُقاتِلوا بِبَأس، ١٧جاعِلينَ نُصبَ عُيونِهِمِ الإِهانةَ الأَثِيمَةَ الَّتي أَلحَقوها بِالمَكانِ المُقدَّس وما أَنزَلوه بِالمَدينَةِ مِن سوءِ المعامَلَةِ والعار، مع القَضاءِ على سُنَنِ الآباءِ. ١٨وقال: «إِنَّ هٰؤُلاءِ إِنَّما يَتَوَكَّلونَ على سِلاحِهم وأَعْمالِهمِ الجَريئة، وأَمَّا نَحنُ فنَتَوَكَّلُ على اللهِ القَديرِ الَّذي يَستَطيعُ بِإيماءَةٍ واحِدَةٍ أَن يَصرَعَ الزَّاحِفينَ علينا، بلِ العالَمَ بِأَسرِه». ١٩ثُمَّ ذَكَرَ لَهمُ النَّجَداتِ الَّتي أُمِدَّ بِها آباؤُهم، وما كانَ مِن إِبادَةِ المِئَةِ والخَمسَةِ والثَّمانينَ أَلفًا على عَهدِ سَنْحاريب، ٢٠وما كانَ مِنَ المَعرَكَةِ الَّتي شَنُّوها على الغَلاطِيِّينَ في بابِل، كَيفَ بَرَزَ اليَهودُ لِلقِتالِ وهُم ثَمانِيَةُ آلافِ رَجُل، ومعَهم أربَعَةُ آلافٍ مِنَ المَقْدونِيِّين، وكَيفَ، حينَ أَصبَحَ المَقْدونِيُّونَ في وَضعٍ حَرِجٍ، أَهلَكَ أُولٰئِكَ الثَّمَانِيَةُ الآلافِ مِئَةً وعِشْرينَ أَلفًا بِالنَّجدَةِ الَّتي أَتَتهم مِنَ السَّماء، وعادوا بِغَنيمةٍ وافِرَة.
٢١وبَعدَما شَدَّدَهم بِهٰذا الكَلامِ حَتَّى أَصبَحوا مُستَعِدِّينَ لِلمَوتِ في سَبيلِ الشَّريعَةِ والوَطَن، قَسَمَهم إِلى أَربَعِ فِرَق. ٢٢وأَقامَ كُلَّ واحِدٍ مِن إِخوَتِه، سِمْعانَ ويوسُفَ ويوناتان، قائِدًا على فِرقَة، وجَعَلَ تَحتَ يَدِه أَلفًا وخَمْسَ مِئَةِ رَجُل. ٢٣ثُمَّ أَمَرَ عَزْرا أَن يَتْلُوَ علَيهمِ الكِتابَ المُقَدَّس، وجَعَلَ لَهم كَلِمَةَ السِّرّ «نَجدَةَ الله»، ثُمَّ ٱتَّخَذَ قِيادَةَ الكَتيبَةِ الأُولى وحَمَلَ على نِكانور. ٢٤فأَيَّدَهمُ القَدير، فذَبَحوا مِنَ الأَعداءِ ما يَزيدُ على تِسعَةِ آلاف، وجَرَحوا وجَدَعوا أَعْضاءَ مُعظَمِ جَيشِ نِكانور، وأَلجَأوا جَميعَ جُنودِه إِلى الهَرَب. ٢٥وغَنِموا أَمْوالَ الَّذينَ جاؤُوا لِشِرائِهم. ثُمَّ تَعَقَّبوهم مَسافةً غَيرَ قَصيرة، إِلى أَنِ ٱستَعجَلَتهمُ السَّاعة، فأَمسكوا وعادوا. ٢٦وكانَ ذٰلك اليَومُ عَشِيَّةَ السَّبْت، ولِذٰلك لم يُطيلوا تَعَقُّبَهم. ٢٧وجَمَعوا أَسلِحَةَ الأَعْداء وأَخَذوا أَسْلابَهم، ثُمَّ حَفِظوا السَّبتَ، وهم يُبارِكونَ الرَّبَّ كَثيرًا ويَحمَدونَه لِأَنَّه حَفِظَ لَهم إِلى ذٰلك اليَومِ أُولى قَطَراتِ نَدى رَحمَتِه. ٢٨ولَمَّا ٱنقَضى السَّبْت، وَزَّعوا على المُعَذَّبينَ والأَرامِلِ واليَتامى قِسمًا مِنَ الغَنائم، وٱقتَسَموا الباقِيَ بَينَهم وبَينَ أَولادِهم. ٢٩وبَعدَما ٱنتَهَوا مِن ذٰلك، أَقاموا صَلاةً عامَّةً، سائِلينَ الرَّبَّ الرَّحيمَ أَن يَعودَ فيُصالِحَ عَبيدَه مُصالَحَةً تامَّة.
هزيمة طيموتاوس وبَكِّيديس
٣٠وبارَزوا رِجالَ طيموتاوُسَ وبَكِّيديس، فقَتَلوا مِنهم ما يَزيدُ على عِشْرينَ أَلفًا وٱستَولَوا على حُصونٍ شامِخة، وٱقتَسَموا كَثيرًا مِنَ الأَسْلابِ جَعَلوها حِصَصًا مُتَساوِيَةً لَهم ولِلمُعَذَّبينَ واليَتامى والأَرامِلِ والشُّيوخ. ٣١وجَمَعوا أَسلِحَةَ الأَعْداء وٱهتَمُّوا بِوَضعِها في أَماكِنَ مُناسِبَة، وحَمَلوا ما بَقِيَ مِنَ الغَنائِمِ إِلى أُورَشَليم. ٣٢وقَتَلوا رَئيسَ سِبطٍ مِن أَصْحابِ طيموتاوُس، وكانَ رَجُلًا شَديدَ الكُفْرِ، أَلحَقَ بِاليَهودِ أَضْرارًا كَثيرة. ٣٣وبَينَما هم يَحتَفِلونَ بِالظَّفَرِ في وَطَنِهم، أَحرَقوا الَّذينَ أَضرَموا النَّارَ في الأَبوابِ المُقَدَّسة، كما أَحرَقوا كُلِّسْتانيسَ الَّذي كانَ قد فَرَّ إِلى بَيتٍ صغير. فنالَ الجَزاءَ الَّذي ٱستَوجَبَه بِكُفْرِه.
هرب نكانور واعترافه
٣٤وأَمَّا نِكانورُ الشَّديدُ الفُجور، الَّذي كانَ قدِ ٱستَصحَبَ أَلفَ تاجِرٍ لِبَيعِ اليَهود، ٣٥فلَمَّا رأَى الَّذينَ كانَ يَحتَقِرُهم قد أَذَلُّوه بِعَونِ الرَّبّ، خَلَعَ ما علَيه مِنَ الثِّيابِ الفاخِرَة، وٱعتَزَلَ عنِ الآخَرينَ جَميعًا وفَرَّ كالعَبدِ الآبقِ في الحُقول، حتَّى وَصَلَ إِلى أَنْطاكِيَة، مَحْفوظًا فَوقَ كُلِّ شَيء، بَعدَ أَنِ ٱنقَرَضَ جَيشُه. ٣٦وبَعدَما كانَ قد وَعَدَ الرُّومانِيِّينَ بِأَن يُؤَدِّيَ لَهمُ الجِزيَةَ مِن ثَمَنِ مَسبِيِّي أُورَشَليم، عادَ يُعلِنُ أَنَّ اليَهودَ لَهم مَن يُحارِبُ عنهم، وأَنَّهم لِذٰلك لا يُغلَبون، لِأَنَّهم يَتَّبِعونَ ما رَسَمَ لَهم مِنَ الشَّرائِع.
المكّابيّين الثاني ٩
وفاة أنطيوخس أبيفانيوس
١وٱتَّفَقَ في ذٰلك الزَّمانِ أَنَّ أَنْطِيوخُسَ عادَ مِن بِلادِ فارِسَ في حالةٍ يُرْثى لَها. ٢وكانَ قد زَحَفَ على مَدينَةٍ ٱسمُها بَرْسابوليس، وشَرَعَ يَنهَبُ هَيكَلَها ويُضيِّقُ الخِناقَ على المَدينة. فثارَتِ الجُموعُ ولَجَأَت إِلى السِّلاحِ وهَزَمَته، فكانَ مِن أَنطِيوخُسَ أَنَّه تَراجَعَ مُخجَلًا. ٣ولَمَّا كانَ عِندَ أَحْمَتا بَلَغَه ما جَرى لِنِكانورَ ورِجالِ طيموتاوُس. ٤فغَضِبَ غَضَبًا شَديدًا وأَزمَعَ أَن يُحيلَ على اليَهودِ ما أَلحَقَه بِه الَّذينَ هَزَموه مِنَ الشَّرّ، فأَمَرَ سائِقَ مَركَبَتِه بِأَن يَجِدَّ في السَّيرِ بِغَيرِ تَوَقُّفٍ حَتَّى نِهايَةِ السَّفَر. ولٰكِنَّ قَضاءَ السَّماءِ كانَ يُرافِقُه، فإِنَّه قالَ في كِبرِيائِه: «لَأَجعَلَنَّ مِن أُورَشَليمَ مَدفِنًا لِليَهودِ، عِندَ وُصولي إِلَيها». ٥لٰكِنَّ الرَّبَّ البَصيرَ بِكُلِّ شَيء، إِلٰهَ إِسْرائيل، ضَرَبَه ضَربَةً مُعضِلَةً غَيرَ مَنْظورة. فإِنَّه ما إِنِ ٱنتَهى مِن كَلامِه ذاكَ حَتَّى أَخَذَه أَلَمٌ في أَحْشائِه لا دَواءَ لَه وعَذاباتٌ أَليمَةٌ في جَوفِه، ٦وكانَ ذٰلك عَينُ العَدلِ في حَقِّه، لِأَنَّه عَذَّبَ أَحْشاءَ كَثيرينَ بِالآلامِ المُتَنَوِّعَةِ الغَريبَة. ٧لٰكِنَّه لم يَكُفَّ عن عَجرَفَتِه، وإِنَّما بَقِيَ مُمتَلِئًا مِنَ الكِبرِياء، يَنفُثُ نارَ الغَضَبِ على اليَهود، ويأمُرُ بِالجَدِّ في السَّير، فٱتَّفَقَ أَنَّه سَقَطَ مِنَ المَركَبَةِ الجارِيَةِ بِصَخَب، فٱنجَرَّت بِتِلكَ السَّقطَةِ الهائِلَةِ جَميعُ أَعْضاءِ جِسمِه وتَرَضَّضَت. ٨فأَصبَحَ، بَعدَ ما خُيِّلَ لَه، بِزَهوِه الَّذي لم يَبلُغْ إِلَيه إِنْسان، أَنَّه يَحكُمُ على أَمواجِ البَحرِ ويَجعَلُ قِمَمَ الجِبالِ في كَفَّةِ الميزان، أَصبَحَ مَصْروعًا على الأَرض، مَحْمولًا في مِحَفَّة، لِيَكونَ شَهادَةً لِلجَميعِ بِقُدرَةِ اللهِ الجَلِيَّة، ٩حَتَّى كانَتِ الدِّيدانُ تَنبَعُ مِن جَسَدِ ذٰلكَ الكافِر، ولَحمُه يَتَساقَطُ، وهو حَيٌّ، بِالآلامِ والأَوجاع، وصارَ الجَيشُ كُلُّه يَتَكَرَّهُ نَتنَ رائِحَتِه. ١٠فبَعدَ ما كانَ، قُبَيلَ ذٰلك، يُخَيَّلُ لَه أَنَّه يَمَسُّ كَواكِبَ السَّمَاء، لم يَكُنْ أَحَدٌ يَستَطيعُ حَملَه لِشِدَّةِ رائِحَتِه الَّتي لا تُطاق.
١١وعِندَئِذٍ، بَعدَما تَحَطَّمَ جِسمُه، أَخَذَ يَنزِلُ عن غَلْواءِ كِبرِيائِه، ويُدرِكُ الحَقيقة، إذ كانَتِ الأَوجاعُ تَتَنازَعُه في كُلِّ حينٍ تَحتَ وَطأَةِ الجَلْدِ الإِلٰهيّ، ١٢حَتَّى إِنَّه أَمْسى هو نَفسُه لا يُطيقُ نَتنَه، فقال: «حَقٌّ على الإِنسانِ أَن يَخضَعَ للهِ وأَن لا يَحسَبَ نَفسَه، وهو فانٍ، مُعادِلًا للهِ. ١٣وكانَ ذٰلك القَذِرُ يَتَضَرَّعُ إِلى السَّيِّد، لٰكِنَّ الرَّبَّ لم يَكُن لِيَرحَمَه مِن بَعدُ: ١٤وَعَدَ بِأَن يَجعَلَ المَدينَةَ المُقَدَّسَةَ، الَّتي كانَ يُسرِعُ في الذَّهابِ إِلَيها لِيَمحُوَ آثارَها ويَجعَلَها مَدفِنًا، مَدينةً حُرَّة، ١٥وأن يَجعَلَ اليَهودَ الَّذينَ كانَ قد قَضى علَيهم بِأَن لا يُدفَنوا، بل يُلقَوا مع أَطْفالِهم مَأْكلًا لِلطُّيورِ والوُحوش، مُساوينَ جَميعًا لِلأثينِيِّين، ١٦وأَن يُزَيِّنَ بِأَفخَرِ التُّحَفِ ذٰلك الهَيكَلَ المُقَدَّسَ الَّذي كانَ قد نَهَبَه، وأن يَرُدَّ جَميعَ الآنِيَةِ المُقَدَّسَةِ أَضْعافًا، ويُؤَدِّيَ النَّفَقاتِ المَفْروضَةَ لِلذَّبائِحِ مِن دَخلِه الخاصّ، ١٧ووَعَدَ فَوقَ ذٰلك أَن يُصبِحَ هو نَفسُه يَهودِيًّا ويَطوفَ كُلَّ مَعْمورٍ في الأَرضِ يُنادي بِقُدرَةِ الله.
رسالة من أنطيوخس إلى اليهود
١٨لٰكِنَّ آلامَه لم تَسكُنْ، لِأَنَّ قَضاءَ اللهِ البارِّ كانَ قد حَلَّ علَيه، فَيئِسَ وكَتَبَ إِلى اليَهودِ رِسالَةً بِلَهجَةِ التَّوَسُّل، وهٰذه صورَتُها:
١٩«مِن أَنْطِيوخُسَ المَلِكِ القائِد، إِلى الرَّعايا اليَهودِ الأَكارِم، السَّلامُ والعافِيَةُ والسَّعادَةُ في كُلِّ شَيء. ٢٠إِذا كُنتُم في سَلامَة وكانَ أَولادُكم وكُلُّ شَيءٍ لَكم على ما تُحِبُّون، فإِنِّي أَشكُرُ اللهَ شُكْرًا جَزيلًا. ٢١أَمَّا أَنا فإِنِّي طَريحُ الفِراشِ عَديمُ القُوَّة، وأَحفَظُ ذِكرًا طَيِّبًا لإِكْرامِكم ووَلائِكم.
في عَودَتي مِن بِلادِ فارِس، أَصابَني داءٌ وَخيم، فرَأَيتُ مِنَ الواجِبِ أَن أَصرِفَ العِنايَةَ إِلى سَلامَةِ الجَميع، ٢٢لا لِأَنِّي يَئِستُ مِن حالَتي، فإِنَّ لي رَجاءً وَثيقًا أَن أَتَخَلَّصَ مِن عِلَّتي، ٢٣بل أَذكُرُ أَنَّ أَبي، حين قامَ بِحَملَةٍ على الأَقاليمِ العُلْيا، عَيَّنَ وَلِيَّ عَهدِه، ٢٤مَخافَةَ أَن يَقَعَ أَمرٌ غَيرُ مُنتَظَرٍ أَو يَذيعَ خَبَرٌ مَشؤوم، فيَضطَرِبَ أَهلُ البِلادِ لِجَهلِهم لِمَن تُرِكَت إِدارةُ الأُمور. ٢٥وقد تَبَيَّنَ لي أَنَّ مَن حَولَنا مِن ذَوي السُّلْطانِ ومُجاوِري المَملَكَةِ يَتَرَصّدونَ الفِرَصَ ويَتَوَقَّعونَ حادِثًا يَحدُث، فلِذٰلك أَقَمتُ لِلمُلْكِ ٱبنِيَ أَنْطِيوخُسَ الَّذي سَلَّمتُه غَيرَ مَرَّةٍ إِلى كَثيرينَ مِنكُم وأَوصَيتُهم بِه، عِندَما كُنتُ أَصعَدُ على عَجَلٍ إِلى الأَقاليمِ العُلْيا. وقد كَتَبتُ إِلَيه الرِّسالةَ الوارِدَةَ أَدْناه. ٢٦فأُناشِدُكم وأَرغَبُ إِلَيكم أَن تَذكُروا ما أَولَيتُكم مِنَ النِّعَمِ العامَّةِ والخاصَّة، وأَن يَبْقى كُلٌّ مِنكم على ما كانَ علَيه مِنَ الوَلاءِ لي ولِٱبْني. ٢٧وإِنِّي لَواثِقٌ بأَنَّه سيُواصِلُ سِياسَتي بِرِفقٍ وإِنسانِيَّة ويَكونُ على ٱتِّفاقٍ معكم».
٢٨وهٰكذا فإِنَّ هٰذا السَّفَّاحَ المُجَدِّفَ الَّذي عانى آلامًا مُبَرِّحَةً شَبيهةً بِالَّتي أَنزَلَها بِالآخَرين قَضَى نَحبَه وماتَ أَشْقى ميتةٍ على الجِبالِ في أَرضِ الغُربَة. ٢٩فنَقَلَ جُثَّتَه فيلِبُّس، رَفيقُ طُفولَتِه، ولَكِنَّه خافَ مِن ٱبنِ أَنْطِيوخُس، فٱنتَقَلَ إِلى مِصرَ إِلى بَطْليمُسَ فيلوميتور.
المكّابيّين الثاني ١٠
تطهير الهيكل
١أَمَّا المَكَّابِيُّ والَّذينَ معه، فٱستَرَدُّوا الهَيكَلَ والمَدينَةَ بِقِيادَةِ الرَّبّ، ٢وهَدَموا المَذابِحَ الَّتي كانَ الأَجانِبُ قد بَنَوها في السَّاحةِ وخَرَّبوا أَماكِنَ العِبادة. ٣وبَعدَ أَن طَهَّروا الهَيكَل، صَنَعوا مَذبَحًا آخَر، وٱقتَرَحوا حِجارَةً ٱقتَبَسوا مِنها نارًا وقَدَّموا ذَبيحةً بَعدَ مُدَّةِ سَنَتَين، وهَيَّأوا البَخورَ والسُّرُجَ وخُبزَ التَّقدِمَة. ٤ولَمَّا أَتَمُّوا ذٰلك، جَثَوا بِصُدورِهم وٱبتَهَلوا إِلى الرَّبِّ أَن لا يُصابوا بِمِثلِ تِلكَ الشُّرور، وأَن يُؤَدِّبَهم هو بِحِلمٍ إِن خَطِئوا، ولا يُسلِمَهم إِلى أُمَمٍ مُجَدِّفَةٍ وَحشِيَّة. ٥وٱتَّفَقَ أَنَّه في مِثلِ اليَومِ الَّذي فيه نَجَّسَ الغُرَباءُ الهَيكَلَ، في ذٰلك اليَومِ عَينِه تَمَّ تَطْهيرُ الهَيكَل، وهو اليَومُ الخامِسُ والعِشْرونَ مِن ذٰلك الشَّهرِ الَّذي هو شَهرُ كِسْلو. ٦فعَيَّدوا ثَمانِيَةَ أَيَّامٍ بِفَرَحٍ، كما في عيدِ الأَكْواخ، ذاكِرينَ كَيفَ قَضَوا عيدَ الأَكْواخِ قُبَيلَ ذٰلك في الجِبالِ والمَغاوِر، مِثلَ وُحوشِ البَرِّيَّة. ٧ولِذٰلك رَفَعوا الأَناشيدَ إِلى الَّذي يَسَّرَ تَطْهيرَ مَكانِه المُقَدَّس، وفي أَيديهم مَزاريقُ وأَغْصانٌ خُضْرٌ وسَعَف. ٨وفَرَضوا فَريضَةً عامَّةً ومُثَبَّتَةً بِالِٱقتِراعِ أَن تُعَيِّدَ جَميعُ أُمَّةِ اليَهودِ هٰذه الأَيَّامَ في كُلِّ سَنَة.
٦. يهوذا يحارب الشعوب المجاورة
وليسيّاس وزير أوباطور
فاتحة ملك أنطيوخس أوباطور
٩تِلكَ كانَت ظُروفُ وَفاةِ أَنْطِيوخُسَ المُلَقَّبِ بأبيفانيوس. ١٠ولْنَشْرَعِ الآنَ في خَبَرِ أَنطِيوخُسَ أوباطورَ ٱبنِ ذاكَ الكافِر، موجِزينَ الشُّرورَ المُلازِمَةَ لِلحُروب. ١١لَمَّا ٱستَولى هٰذا على المُلْك، فَوَّضَ تَدْبيرَ الأُمورِ إِلى أَحَدٍ يُدْعى ليسِيَّاس، وكانَ قائِدَ القُوَّادِ في بِقاعِ سورِيَةَ وفينيقِيَة. ١٢وأَمَّا بَطليمُسُ المُسَمَّى بِمَقْرون، وهو أَوَّلُ مَن أَنصَفَ اليَهودَ مِمَّا كانوا فيه مِنَ الظُّلْم، فقَدِ ٱجتَهَدَ أَن يُدَبِّرَ شُؤُونَهم تَدْبيرًا سِلميًّا. ١٣فلِذٰلك سَعى بِه أَصدِقاءُ المَلِكِ إِلى أَوباطور وكَثُرَ كَلامُ النَّاسِ فيه بِأَنَّه خائِنٌ لِأَنَّه تَخَلَّى عن قُبرُسَ الَّتي كانَ فيلوميتورُ قد وَلَّاه علَيها، وأَنَّه ٱنصَرَفَ إِلى أَنْطِيوخُسَ أبيفانيوس ولم يُشَرِّف كَرامَةَ مَنصِبِه، فسَمَّمَ نَفسَه وفارَقَ الحَياة.
جُرجيّاس وحصون الأدوميّين
١٤ووُلِّيَ جُرجِيَّاسُ قِيادَةَ البِلاد، فشَرَعَ يُجَنِّدُ مِنَ الأَجانِب، ويَنتَهِزُ كُلَّ فُرْصَةٍ لإِلْقامِ نارِ الحَربِ على اليَهود. ١٥وكذٰلك الأَدومِيُّونَ الَّذينَ كانَت لَهم حُصونٌ في مَواقِعَ مُلائِمَةٍ كانوا يُضايِقونَ اليَهودَ ويَقبَلونَ المَنفِيِّينَ مِن أُورَشَليم، ويُحَرِّضونَ على الحَرْب. ١٦فٱبتَهَلَ الَّذينَ مع المَكَّابيِّ في صَلاةٍ عامَّة، وتَضَرَّعوا إِلى اللهِ أَن يَكونَ لَهم حَليفًا، ثُمَّ هَجَموا على حُصونِ الأَدومِيِّين. ١٧وٱندَفَعوا علَيها بِشِدَّة، فٱستَولَوا على تِلكَ المَواقِعِ ورَدُّوا جَميعَ الَّذينَ كانوا يُقاتِلونَ على السُّور وذَبَحوا كُلَّ مَن وَقَعَ في أَيديهم، وأَهلَكوا لا أَقَلَّ مِن عِشْرينَ أَلفًا. ١٨وفَرَّ تِسعَةُ آلافٍ مِنهم إِلى بُرجَين حَصينَينِ جِدًّا مُجَهَّزَينِ بِكُلِّ أَسْبابِ الثَّباتِ لِلحِصار. ١٩فتَرَكَ المَكَّابِيُّ سِمْعانَ ويوسُفَ وزَكَّا وعَدَدًا مِن أَصحابِه كافِيًا لِمُحاصَرَتهما، وٱنصَرَفَ إِلى أَماكِنَ أُخْرى كانَت أَمَسَّ حاجَةً. ٢٠غَيرَ أَنَّ الَّذينَ كانوا مَع سِمْعانَ ٱستَغْواهم حُبُّ المال، فٱرتَشَوا مِن بَعضِ الَّذينَ في البُرجَين، وخَلَّوا سَبيلَهم، بَعدَ أَن أَخَذوا مِنهم سَبْعينَ أَلفَ دِرهَم. ٢١فلَمَّا أُخبِرَ المَكَّابِيُّ بِما حَدَث، جَمَعَ رُؤَساءَ الشَّعبِ وشَكا ما فَعَلوا مِن بَيعِ إِخوَتِهم بِالمال، إِذ أَطلَقوا أَعْداءَهم علَيهم. ٢٢ثُمَّ قَتَلَ أُولٰئِكَ الخَوَنَة، وٱستَولى مِن فَورِه على البُرجَين. ٢٣وقُرِنَت أَسلِحَتُه بِكُلِّ فَوز، فأَهلَكَ في البُرجَينِ ما يَزيدُ على عِشْرينَ أَلفًا.
يهوذا يهزم طيموتاوس ويستولي على جازر
٢٤ثُمَّ إِنَّ طيموتاوُسَ الَّذي كانَ اليَهودُ قد هَزَموه مِن قَبلُ حَشَدَ جَيشًا عَظيمًا مِنَ الغُرَباء وجَمَعَ مِن أَفْراسِ آسِيَةَ عَدَدًا غَيرَ قَليل، وزَحَفَ كمَن يُريدُ الِٱستيلاءَ على اليَهودِيَّةِ بِالسِّلاح. ٢٥فلَمَّا ٱقتَرَبَ، تَوَجَّهَ رِجالُ المَكَّابِيِّ إِلى الِٱبتِهالِ إِلى الله، وقد حَثَوا التُّرابَ على رُؤُوسِهم وشَدُّوا أَوساطَهم بِالمُسوح. ٢٦وجَثَوا عِندَ قاعِدَةِ المَذبَحِ وٱبتَهَلوا إِلى اللهِ أَن يَكونَ مَعَهم ومُعادِيًا لِأَعْدائِهم ومُضايِقًا لِمُضايِقيهِم، كما وَرَدَ صَراحَةً في الشَّريعَة.
٢٧ولَمَّا فَرَغوا مِنَ الصَّلاة، أَخَذوا السِّلاح وتَقَدَّموا حَتَّى صاروا عنِ المَدينَةِ بِمَسافَةٍ بَعيدة، ولَمَّا قارَبوا العَدُوَّ وَقَفوا. ٢٨وعِندَ ٱنتِشارِ نورِ الشَّمْسِ في طُلوعِها، تَلاحَمَ الفَريقان، هٰؤُلاءِ مُتَوَكِّلونَ على الرَّبِّ كَفيلًا بالفَوزِ والنَّصرِ وعلى بَسالَتِهم، وأُولٰئِكَ مُتَّخِذونَ ٱندِفاعَهم قائِدًا في الحُروب. ٢٩فلَمَّا ٱشتَدَّ القِتال، تَراءَى لِلأَعْداءِ مِنَ السَّماءِ خَمسَةُ رِجالٍ رائِعي المَنظَر، على خَيلٍ لَها لُجُمٌ مِن ذَهَب، وتَقَدَّموا اليَهود، ٣٠وأَحاطوا بِالمَكَّابيِّ يَحْمونَه بِأَسلِحَتِهم ويَقِيانِه الجِراح. وكانوا يَرْمونَ الأَعْداءَ بِالسِّهامِ والصَّواعِق، حَتَّى عَمِيَت أَبْصارُهم وجَعَلوا يَتَفَرَّقونَ لِشِدَّةِ ٱضطِرابِهم. ٣١فذُبِحَ عِشْرونَ أَلفًا وخَمْسُ مِئَةٍ ومِنَ الفُرسانِ سِتُّ مِئَة. ٣٢وأَمَّا طيموتاوُس فقد هَرَبَ إِلى الحِصنِ الَّذي يُقالُ لَه جازَر، وهو حِصنٌ مَنيع، وكانَ تَحتَ إِمرَةِ خيراوُس. ٣٣فتَحَمَّسَ رِجالُ المَّكَّابِيِّ مَسْرورينَ وحاصَروا المَعقِلَ أَربَعَةَ أَيَّام، ٣٤وإِنَّ الَّذينَ في داخِلِه، لِثِقَتِهم بِمَناعةِ المَكان، تَمادَوا في التَّجْديفِ وأَفحَشوا في الكَلام. ٣٥فلَمَّا طَلَعَ صَباحُ اليَومِ الخامِس، هَجَمَ عِشْرونَ فَتًى مِن رِجالِ المَكَّابيِّ على السُّور، وهُم مُتَّقِدونَ غَيظًا مِنَ التَّجاديف، وجَعلوا يَذبَحونَ بِبَسالَةٍ رُجولِيَّةٍ وَتَنَمُّرٍ كُلَّ مَن عَرَضَ لَهم. ٣٦وكذٰلك تَسَلَّقَ آخَرونَ مِن خَلْفُ إِلى الَّذينَ في الدَّاخِل، وأَشعَلوا البُرجَينِ وأَحرَقوا أُولٰئِكَ المُجَدِّفينَ أَحْياءً في المَحارِق. وكَسَرَ آخَرونَ الأَبْواب وفَتَحوا مَمَرًّا لِبَقِيَّةِ الجَيش وٱستَولَوا على المَدينَة. ٣٧وكانَ طيموتاوُسُ مُختَفِيًا في جُبّ، فذَبَحوه هو وخَيراوُسَ أَخاه وأَبُلُّوفانيس. ٣٨وبَعدَ ذٰلك، بارَكوا الرَّبَّ بِالأَناشيدِ والتَّسابيحِ على إِحْسانِه العَظيمِ إِلى إِسْرائيلَ ونَصرِه إِيَّاهم.
المكّابيّين الثاني ١١
حملة ليسيّاس الأولى
١وبَعدَ ذٰلك بِزَمانٍ قَليلٍ جِدًّا، إِذ كانَتِ الأَحْداثُ قد شَقَّت كَثيرًا على لَيسِيَّاس، وَصِيِّ المَلِكِ وذي قَرابَتِه والمُقَلَّدِ تَدبيرَ الأُمور، ٢جَمَعَ نَحوَ ثَمانينَ أَلفَ رَجُلٍ وفُرْسانَه كُلَّهم، وزَحَفَ على اليَهود، وفي نِيَّتِه أَن يَجعَلَ المَدينَةَ مَسكِنًا لِليونانِيِّين، ٣ويُخضِعَ الهَيكَلَ لِلضَّريبَةِ كسائِرِ مَعابِدِ الأُمَم، ويَعرِضَ الكَهَنوتَ الأَعظَمَ لِلبَيعِ سَنَةً فسَنَةً، ٤غَيرَ حاسِبٍ حِسابًا لِقُدرَةِ الله، بل مُنتَشِيًا مِن رِبْواتِ مُشاتِه وأُلوفِ فُرْسانِه وأَفْيالِه الثَّمانين.
٥فدَخَلَ اليَهودِيَّةَ وبَلَغَ إِلى بَيتَ صور، وهي مَكانٌ مُحَصَّنٌ على نَحوِ خَمْسِ غَلَواتٍ مِن أُورَشَليم، وضَيَّقَ علَيها الخِناق. ٦فلَمَّا عَلِمَ أَصْحابُ المَكَّابِيِّ أَنَّ ليسِيَّاسَ يُحاصِرُ الحُصون، اِبتَهَلوا إِلى الرَّبِّ مع الجُموعِ بِالنَّحيبِ والدُّموعِ أَن يُرسِلَ مَلاكًا صالِحًا لِيُخَلِّصَ إِسْرائيل. ٧ثُمَّ أَخَذَ المَكَّابِيُّ سِلاحَه أَوَّلًا وحَرَّضَ الآخَرينَ على المُخاطَرَةِ معه لِنَجدَةِ إِخوَتِهم. فٱندَفَعوا كُلُّهم مَعًا مُتَحَمِّسين. ٨وكانوا لا يَزالونَ عِندَ أُورَشَليم، إِذ تراءَى فارِسٌ علَيه لِباسٌ أَبيَضُ يَتَقَدَّمُهم، وهو يُلَوِّحُ بِسِلاحٍ مِن ذَهَب. ٩فجَعَلوا بِأَجمَعِهم يُبارِكونَ اللهَ الرَّحيم وتَشَجَّعوا في قُلوبِهم، حتَّى كانوا مُستَعِدِّينَ لِأَن يَطعَنوا، لا النَّاسَ فقط، بل أَضْرى الوُحوشِ أَيضًا، ويَختَرِقوا أَسْوارَ الحَديد. ١٠وأَخَذوا يَتَقَدَّمونَ مُصطَفِّينَ لِلقِتال، وقد أَتاهم حَليفٌ مِنَ السَّماءِ بِرَحمةِ الرَّبّ. ١١وحَمَلوا على الأَعْداءِ حَملَةَ الأُسود وصَرَعوا مِنهم أَحَدَ عَشَرَ أَلفًا ومِنَ الفُرْسانِ أَلفًا وسِتَّ مِئَة، وأَلْجَأوا سائِرَهم إِلى الفِرار. ١٢وكانَ أَكثَرُ الَّذينَ نَجَوا بِأَنفُسِهم جَرْحى وبِلا سِلاح. وليسِيَّاسُ نَفسُه نَجا بِفِرارٍ مُخجِل.
مصالحة اليهود، وأربع رسائل في المعاهدة
١٣ولم يَكُنْ ليسِيَّاسُ عَديمَ الفِطنَة، فأَخَذَ يُفَكِّرُ فيما أَصابَه مِنَ الهَزيمة، وأَدرَكَ أَنَّ العِبرانِيِّينَ قَومٌ لا يُقهَرون، لِأَنَّ اللهَ القَديرَ يُناصِرُهم، فأَوفَدَ ١٤يَعرِضُ علَيهمِ المُصالَحَةَ في كُلِّ ما هو حَقّ، ويَعِدُهم بِأَن يُرغِمَ المَلِكَ على مُصادَقَتِهم. ١٥فرَضِيَ المَكَّابِيُّ بِكُلِّ ما ٱقتَرَحَ ليسِيَّاس، اِبتِغاءً لِلمَصلحةِ العامَّة. وكُلُّ ما أَبلَغَه المَكَّابيُّ إِلى ليسِيَّاسَ بِالكِتابَةِ في أَمرِ اليهود، أَجابَه المَلِكُ إِلَيه.
١٦وهٰذه فَحْوى الرِّسالَةِ الَّتي كَتَبَ بِها ليسِيَّاسُ إِلى اليَهود: «مِن ليسِيَّاس إِلى شَعبِ اليَهودِ سَلام. ١٧قد سَلَّمَ يوحَنَّا وأَبْشالومُ المُوفَدانِ مِن قِبَلِكمُ الوَثيقةَ المَنْسوخَةَ أَدْناه، وسَأَلانا أَن نُبرِمَ ما تَتَضَمَّنُه. ١٨فشَرَحتُ لِلمَلِكِ ما يَنبَغي أَن يُرفَعَ إِلَيه، ووافَقتُ على ما هو في إِمْكاني. ١٩وإِن بَقيتُم على وَلائِكم لِلدَّولَة، فإِنِّي أَبذُلُ جَهْدي فيما بَعدُ لِأَن أَتَوَخَّى ما فيه خَيرُكم. ٢٠وأَمَّا تَفْصيلُ الأُمور، فقد أَوصَينا الموفَدَينِ ومَن أَرسَلْنا مِن قِبَلِنا بِأَن يُفاوِضوكم فيه. ٢١والسَّلام. في السَّنَةِ المِئَةِ والثَّامِنَةِ والأَربَعين، في الرَّابِعِ مِن شَهرِ دِيوسقورس».
٢٢وهٰذه صورَةُ رِسالَةِ المَلِك: «مِنَ المَلِكِ أَنْطِيوخُس إِلى أَخيه ليسِيَّاس سَلام. ٢٣مُنذُ أَنِ ٱنتَقَلَ والِدُنا إِلى الآلِهَة، لم يَزَلْ هَمُّنا أَن يَكونَ أَهلُ مَملَكَتِنا في مَأمَنٍ مِنَ الِٱضطِراب ومُنصَرِفين إِلى شُؤُونِهم. ٢٤وبَلَغَنا أَيضًا أَنَّ اليَهودَ غَيرُ راضينَ بِما أَمَرَهم والِدُنا مِنَ التَّحَوُّلِ إِلى سُنَنِ اليونانِيِّين، بل إِنَّهم يُفَضِّلونَ مَذهَبَهمُ الخاصّ ويَسأَلونَ أَن يُباحَ لَهمُ العَمَلُ بِسُنَنِهم، ٢٥ونَحنُ نُريدُ لِهٰذا الشَّعبِ أَن يَكونَ كغَيرِه خالِيًا مِنَ الِٱضطِراب. فإِنَّنا نَحكُمُ بِأَن يُرَدَّ لَهمُ الهَيكَل وأَن يَعيشوا بِحَسَبِ عاداتِ آبائِهم. ٢٦فإِنَّكَ تُحسِنُ عَمَلًا إِن أَرسَلتَ إِلَيهم ومَدَدْتَ يُمناكَ إِلَيهم، حتَّى إِذا عَلِموا بِما عَزَمنا علَيه ٱطمَأَنُّوا وٱنصَرَفوا بِسُرورٍ إِلى شُؤُونِهم».
٢٧وهٰذه رسالَةُ المَلِكِ إِلى الأُمَّة: «مِنَ المَلِكِ أَنْطِيوخُسَ إِلى مَشيَخَةِ اليَهودِ وسائِرِ اليَهودِ سَلام. ٢٨إِن كُنتُم في خيرٍ فهٰذا ما نُحِبّ، ونَحنُ أَيضًا في العافِيَة. ٢٩قد أَطلَعَنا مَنَلاوُسُ على رَغبَتِكم في العَودَةِ إِلى مَنازِلِكم. ٣٠فالَّذينَ يَعودونَ إِلى اليَومِ الثَّلاثينَ مِن شَهرِ كَسَنتِكُس يَكونونَ في أَمان. ٣١وقد أَبَحْنا لِليَهودِ أَطعِمَتَهم وشَرائِعَهم، كَما كانوا علَيه مِن قَبلُ. وكُلُّ مَن هَفا مِنهم فيما سَلَف فلا يُضايَقْ. ٣٢وأَنا مُرسِلٌ إِلَيكم مَنَلاوُسَ لِيُطَمئِنَكم. ٣٣والسَّلام. في السَّنَةِ المِئَةِ والثَّامِنَةِ والأَربَعين، في الخامِسَ عَشَرَ مِن شَهرِ كَسَنتِكُس».
٣٤وأَرسَلَ الرُّومانِيُّونَ إِلى اليَهودِ رِسالةً هٰذه صورَتُها: «مِن قُوِنتُسَ مَمِّيوس وطيطُس مَنْلِيوس، رَسولَيِ الرُّومانِيِّين، إِلى شَعبِ اليَهودِ سَلام. ٣٥ما رَخَّص لَكم فيه ليسِيَّاس، نَسيبُ المَلِك، فَمَنحكُم إِيَّاه أَيضًا، ٣٦وما ٱستَحسَنَ أَن يُرفَعَ إِلى المَلِك، أُنظُروا فيه وبادِروا إِلى إِرْسالِ واحِدٍ لِنَعرِضَه على المَلِكِ بِما يُوافِقُكم، لِأَنَّنا ذاهِبونَ إِلى أَنْطاكِيَة. ٣٧فعَجِّلوا في إِرسالِ مَن تُرسِلون، لِنَكونَ على عِلمٍ بِما تَبتَغون. ٣٨والسَّلام. في السَّنَةِ المِئَةِ والثَّامِنَةِ والأَربَعين، في الخامِسَ عَشَرَ مِن شَهرِ كَسَنتِكُس».
المكّابيّين الثاني ١٢
أُموريانا ويَمنِيَّا
١وبَعدَ إِبْرامِ هٰذه المُعاهَدات، رَجَعَ ليسِيَّاسُ إِلى المَلِك، وٱنصَرَفَ اليَهودُ إِلى حَرْثِ أَراضيهم. ٢إِلَّا أَنَّ بَعضَ القُوَّادِ الَّذينَ كانوا في البِلاد، وهم طيموتاوُسُ وأَبُلُّونِيوسُ بنُ جِنَّايوس، وإِيرونيمُس وديمُفون، وكذٰلك نِكانور، حاكِمُ قُبرُس، لم يَدَعوا لَهم راحَةً ولا سَكينَةً.
٣وٱرتَكَبَ أَهلُ يافا جَريمَةً فَظيعة، وذٰلك أَنَّهم دَعَوا اليَهودَ المُقيمينَ عِندَهم إِلى أَن يَركَبوا هم ونِساؤُهم وأَولادُهم قَوارِبَ كانوا أَعَدُّوها لَهم، كأَن لا عَداوةَ بَينَهم. ٤وبِناءً على قرارٍ أَصدَرَه شَعبُ المَدينة، قَبِلَ اليَهودُ الدَّعوَةَ رَغبَةً في السَّلام وبَعيدًا عن كُلِّ حَذَر. فلَمَّا صاروا في عُرضِ البَحْر، أَغرَقوهم ولَم يَكُنْ عَدَدُهم أَقَلَّ مِنَ المِئَتَين.
٥فلَمَّا عَلِمَ يَهوذا ما ٱرتُكِبَ على بَني أُمَّتِه مِن غَدرٍ وَحْشِيّ، أَخبَرَ به مَن معَه مِنَ الرِّجال ٦ودَعا اللهَ الدَّيَّانَ العادِل وسارَ إِلى الَّذينَ أَهلَكوا إِخوَتَه. وأَشعَلَ النَّارَ في المَرفَإِ لَيلًا وأَحرَقَ القَوارِب وطَعَنَ الَّذينَ لَجَأُوا إِلى هُناك. ٧ولَمَّا كانَتِ المَدينَةُ قد أُغلِقَت، اِنصَرَفَ وفي نِيَّتِه الرُّجوعُ لِيَمحُوَ مَدينَةَ اليافِيِّينَ مِن أَصلِها. ٨ولٰكِنَّه عَلِمَ أَنَّ أَهلَ يَمنِيَّا ناوونَ أَن يَصنَعوا مِثلَ ذٰلك بالمُقيمينَ عِندَهم مِنَ اليَهود، ٩فهَجَمَ على أَهلِ يَمْنِيَّا لَيلًا وأَحرَقَ المَرفَأَ مع الأُسْطول، حَتَّى رُؤِيَ ضَوءُ النَّارِ مِن أُورَشَليم، على بُعدِ مِئَتَينِ وأَربَعينَ غَلْوَة.
حَملة على أرض جلعاد
١٠وكانوا قدِ ٱبتَعَدوا مِن هُناكَ تِسعَ غَلَوات، زاحِفينَ على طيموتاوُس، فتَصَدَّى لَهم قَومٌ مِنَ العَرَبِ يَبلُغونَ خَمسَةَ آلاف، ومعَهم خَمسُ مِئَةِ فارِس. ١١فٱقتَتَلوا قِتالًا شَديدًا، وكانَ الفَوزُ لِرِجالِ يَهوذا بِعَونِ الله، فٱنكَسَرَ عَرَبُ البادِيَةِ وسَأَلوا يَهوذا أَن يَمُدَّ إِلَيهم يُمْناه، على أَن يُؤَدُّوا لَه مواشِيَ ويَقوموا بِخَدَماتٍ في سائِرِ الأُمور. ١٢وأَدرَكَ يَهوذا أَنَّه يَحصُلُ مِنهم حَقًّا على مَنافِعَ كَثيرة، فرَضِيَ بِمُصالَحَتِهم، فأَخَذوا بِيُمْناه وٱنصَرَفوا إِلى خِيَمِهم.
١٣وأَغارَ يَهوذا على مَدينَةٍ تَحْميها سُدودٌ مِن تُرابٍ وتُحيطُ بِها الأَسْوار ويَسكُنُها خَليطٌ مِنَ الأُمَم، وٱسمُها كَسْفيس. ١٤وكانَ الَّذينَ فيها واثِقينَ بِمَناعةِ الأَسْوارِ ووَفرَةِ الميرَة، فأَبدَوا خُشونَةً لِيَهوذا والَّذينَ معه، وشَتَموهم وجَدَّفوا ونَطَقوا بِما لا يَحِلّ. ١٥فدَعا الَّذينَ مع يَهوذا مَلِكَ العالَمِ العَظيمَ الَّذي أَسقَطَ أَريحا على عَهدِ يَشوعَ بِغَيرِ كِباشٍ ولا مَجانيق، ثُمَّ وَثَبوا إِلى السُّورِ كالأُسود. ١٦وفَتَحوا المَدينَةَ بِمَشيئَةِ الله وقَتَلوا مِنَ الخَلقِ ما لا يُحْصى، حَتَّى إِنَّ البُحَيرةَ الَّتي هُناكَ، وعَرضُها غَلْوَتان، ظَهَرَت كَأَنَّها ٱمتَلَأَت وطَفَحَت بِالدِّماء.
معركة قَرنَيم
١٧ثُمَّ ساروا مِن هُناكَ مَسيرَةَ سَبعِ مِئَةٍ وخَمْسينَ غَلوَة، حتَّى ٱنتَهَوا إِلى الكَرَك، إِلى اليَهودِ الَّذينَ يُعرَفونَ بِالطُّوبِيِّين. ١٨فلَم يَجِدوا طيموتاوُسَ في تِلكَ الأَماكِن، لِأَنَّه قد غادَرَها مِن دونِ أَن يَصنَعَ شَيئًا، لٰكِنَّه تَرَكَ في بَعضِ الأَماكِنِ حَرَسًا مَنيعًا. ١٩فخَرَجَ دوسيتاوُسُ وسوسيباطير، مِن قُوَّادِ المَكَّابِيِّ وأَهلَكا الرِّجالَ الَّذينَ تَرَكَهم طيموتاوُسُ في الحِصْن، وكانَ عَدَدُهم يُنيفُ على عَشرَةِ آلاف. ٢٠وقَسَمَ المَكَّابِيُّ جَيشَه فِرَقًا وأَقامَ مَن يَكونونَ على رأسِها وحَمَلَ على طيموتاوُس، وكانَ معَه مِئَةٌ وعِشْرونَ أَلفَ راجِلٍ وأَلْفانِ وخَمسُ مِئَةٍ مِنَ الفُرْسان. ٢١فلَمَّا بَلَغَ طيموتاوُسَ قُدومُ يَهوذا، وَجَّهَ النِّساءَ والأَولادَ وسائِرَ الأَمتِعَةِ إِلى مَكانٍ يُسَمَّى قَرنَيم، وكانَ مَوضِعًا مَنيعًا يَصعُبُ الوُصولُ إِلَيه لِضِيقِ جَميعِ المَمَرَّات. ٢٢ولَمَّا بَدَت أَوَّلُ فِرقَةٍ مِن جَيشِ يَهوذا، داخَلَ الأَعْداءَ الرُّعبُ والرِّعدَة، إِذ تَراءَى لَهم مَن يَرى كُلَّ شَيء، فأَسرَعوا إِلى الفِرارِ مِن كُلِّ جِهَة، حَتَّى إِنَّ بَعضَهم كان يُؤذي بَعضًا، وطَعَنَ بَعضُهم بَعضًا بِحَدِّ السُّيوف. ٢٣وتَعَقَّبَهم يَهوذا تَعَقُّبًا شَديدًا وأَخَذَ يَطعَنُ أُولٰئِكَ الأَثَمَة، حتَّى أَهلَكَ مِنهم ثَلاثينَ أَلفَ رَجُل. ٢٤ووَقَعَ طيموتاوُسُ في أَيدي رِجالِ دوسيتاوُسَ وسوسيباطير، فجَعَلَ يَتَضَرَّعُ إِلَيهم بِكُلِّ حيلَةٍ أَن يُطلِقوه سالِمًا، بِحُجَّةِ أَنَّ آباءً وإِخوَةً لِكثيرينَ مِنهم قد يَهلِكون. ٢٥وأقنَعَهم بِكَلامٍ كثيرٍ بِأَنَّه يُطلِقُهم سالِمين، فخَلَّوا سَبيلَه لِيُنقِذوا إِخوَتَهم.
٢٦ثُمَّ أَغارَ يَهوذا على قرنَيمَ وأَتَرجَتيون وقَتَلَ خَمسَةً وعِشْرينَ أَلفَ نَفْس.
العودة من طريق عفرون ومدينة بَيتَ شان
٢٧وبَعدَ ٱنكِسارِ أُولٰئِكَ وهَلاكِهم، زَحَفَ يَهوذا على عَفْرون، إِحْدى المُدُنِ الحَصينة، وكان ليسيَّاسُ يُقيمُ فيها. وكانَ على أَسْوارِها شُبَّانٌ مِن ذَوي البَأس، يُقاتِلونَ بِشِدَّة، ومعَهم كَثيرٌ مِنَ المجانيقِ والقَذائِف. ٢٨فدَعا اليَهودُ الرَّبَّ الَّذي يُحَطِّمُ بِقُدرَتِه بَأسَ الأَعْداء، فأَخَذوا المَدينَة وصَرَعوا مِنَ الَّذينَ في داخِلِها نَحوَ خَمسَةٍ وعِشْرينَ أَلفًا. ٢٩ثُمَّ رَحَلوا مِن هُناكَ وهَجَموا على مَدينةِ بَيتَ شان، وهي على سِتِّ مِئَةِ غَلوَةٍ مِن أُورَشَليم. ٣٠إِلَّا أَنَّ اليَهودَ المُقيمينَ هُناكَ شَهِدوا بِأَنَّ أَهلَ بَيتَ شانَ عَطَفوا علَيهم وعامَلوهم بِإِنسانِيَّةٍ في وَقتِ الضِّيق. ٣١فشَكَرهم يَهوذا وأَصْحابُه على صَنيعِهم وأَوصَوهم أَنْ يَبقَوا على عَطفِهم على جِنسِهم وعادوا إِلى أُورَشَليم لِٱقتِرابِ عيدِ الأَسابيع.
الحملة على جرجيّاس
٣٢وبَعدَ العيدِ المَعْروفِ بِعيدِ الخَمْسين، أَغاروا على جُرجِيَّاس، قائِدِ أَرضِ أَدوم. ٣٣فخَرَجَ إِلَيهم في ثَلاثَةِ آلافِ راجِلٍ وأَربَعِ مِئَةِ فارِس. ٣٤وٱقتَتَلَ الفَريقان، وكانَ أَن سَقَطَ مِنَ اليَهودِ نَفَرٌ قَليل.
٣٥وكانَ فيهم فارِسٌ ذو بَأسٍ يُقالُ لَه دوسيتاوُس، مِن رِجالِ بَكينور، فأَمسَكَ جُرجِيَّاسَ وقَبَضَ على رِدائِه وٱجتَذَبَه بِقُوَّةٍ، يُريدُ أَن يَأسِرَ ذٰلك اللَّعينَ حَيًّا. فَهَجَمَ علَيه فارِسٌ مِنَ الطَّراقِيِّينَ وقَطَعَ كَتِفَه، فَفَرَّ جُرجِيَّاسُ إِلى مَريشَة. ٣٦وتَمادى القِتالُ بالَّذينَ مع أَشُدَرينَ حَتَّى كَلُّوا، فدَعا يَهوذا الرَّبَّ لِيَكونَ حَليفَهم وقائِدَهم في القِتال. ٣٧وجَعَلَ يَهتِفُ بِالأَناشيدِ بِلِسانِ آبائِه، ثُمَّ صَرَخَ، وَوَثَبَ على رِجالِ جُرجِيَّاسَ بَغْتَةً وهَزَمَهم.
الذبيحة على الأموات
٣٨ثُمَّ جَمَعَ يَهوذا جَيشَه وسارَ بِه إِلى مَدينةِ عَدُلَّام. ولَمَّا كانَ اليَومُ السَّابِع، اِطَّهَروا بِحَسَبِ العادة واحتَفَلوا بالسَّبتِ هُناكَ. ٣٩وفي الغَدِ جاؤُوا إِلى يهوذا – عِندَما كانَت تَقتَضيه الحاجَة – لِيَحمِلوا جُثَثَ القَتْلى ويَدفِنوهم مع ذَوي قَرابَتِهم في مَقابِرِ آبائِهم. ٤٠فَوجَدوا تَحتَ ثِيابِ كُلِّ واحِدٍ مِنَ القَتْلى أَشْياءَ مُكَرَّسَةً لِأَصْنامِ يَمنِيَّا، مِمَّا تُحَرِّمُه الشَّريعَةُ على اليَهود. فتَبَيَّنَ لَهم جَميعًا أَنَّ ذٰلك كانَ سَبَبَ قَتْلِهم. ٤١فبارَكوا كُلُّهم تَصَرُّفَ الرَّبِّ الدَّيَّانِ البارّ، الَّذي يَكشِفُ الخَفايا، ٤٢ثُمَّ أَخَذوا يُصَلُّونَ ويَبتَهِلونَ أَن تُمْحى تِلكَ الخَطيئَةُ المُرتَكَبَةُ مَحوًا تامًّا. ثُمَّ وَعَظَ يَهوذا الباسِلُ القَومَ أَن يَصونوا أَنفُسَهم مِنَ الخَطيئة، إِذ رَأَوا بِعُيونِهم ما حَدَثَ بِسَبَبِ خَطيئَةِ الَّذينَ سَقَطوا. ٤٣ثُمَّ جَمَع مِنْ كُلِّ واحِدٍ تَقْدِمَةً، فَبَلَغَ الْمَجموعُ أَلْفَي دِرهَمٍ مِنَ الفِضَّة، فأرسَلَها إِلى أُورَشَليم لِتُقَدَّمَ بِها ذَبيحَةٌ عنِ الخَطيئة. وكانَ عَمَلُه مِن أَحسَنِ الصَّنيعِ وأَسْمَاه على حَسَبِ فِكرَةِ قِيامَةِ المَوتى، ٤٤لِأَنَّه لَو لَم يَكُنْ يَرْجو قِيامَةَ الَّذينَ سَقَطوا، لَكانَت صَلاتُه مِن أَجلِ المَوتى أَمْرًا سَخِيفًا لا طائِلَ تَحتَه. ٤٥وإِن عَدَّ أَنَّ الَّذينَ رَقَدوا بِالتَّقْوى قدِ ٱدُّخِرَ لَهم ثَوابٌ جَميل، كانَ في هٰذا فِكْرٌ مُقَدَّسٌ تَقَوِيّ. ولِهٰذا قَدَّمَ ذَبيحَةَ التَّكفيرِ عنِ الأَمْوات، لِيُحَلُّوا مِنَ الخَطيئة.
المكّابيّين الثاني ١٣
حملة أنطيوخس الخامس وليسيّاس. تعذيب منلاوس
١في السَّنَةِ المِئَةِ والتَّاسِعَةِ والأَربَعين، بَلَغَ أَصْحابَ يَهوذا أَنَّ أَنْطِيوخُسَ أَوباطورَ زاحِفٌ على اليَهودِيَّةِ في جَيشٍ جَرَّار، ٢ومعَه ليسِيَّاسُ وَصِيُّه وقَيِّمُ المَصالِح، ومعَهما جَيشٌ يونانِيٌّ مُؤَلَّفٌ مِن مِئَةٍ وعَشرَةِ آلافِ راجِلٍ وَخَمْسَةِ آلافٍ وَثَلاثِ مِئَةِ فارِسٍ وٱثنَينِ وعِشْرينَ فيلًا وثَلاثِ مِئَةِ مَركَبَةٍ ذاتِ مَناجِل.
٣فٱنضَمَّ إِلَيهم مَنَلاوُس، وجَعَلَ يُحَرِّضُ أَنْطِيوخُسَ بِكُلِّ نَوعٍ مِنَ الحِيَل، غَيرَ مُبالٍ بِخَلاصِ وَطَنِه، بل ساعِيًا لِأَن يُعادَ إِلى مَنصِبِه، ٤ولٰكِنَّ مَلِكَ المُلوكِ أَثارَ سُخطَ أَنْطِيوخُسَ على ذٰلك المُجرِم، فإِنَّ ليسِيَّاسَ أَظهَرَ لَه أَنَّ الرَّجُلَ كانَ هو السَّبَبَ في تِلكَ الشُّرورِ بِأَسرِها. فأَمَرَ المَلِكُ بِأَن يُذهَبَ بِه إِلى بيرِيَة لِيُقتَلَ على عادَةِ البِلاد. ٥وهُناكَ بُرجٌ عُلُوُّه خَمْسونَ ذِراعًا مَمْلوءٌ رَمادًا، وفيه آلةٌ مُستَديرةٌ تَهْوي بِراكِبِها مِن جَميعِ جِهاتِها إِلى الرَّماد. ٦ففي ذٰلك المَكانِ يُصعَدُ المُذنِبُ بِنَهَبِ المُقَدَّساتِ أَو بِبَعضِ الجَرائِمِ الفَظيعَةِ الأُخْرى، ويُدفَعُ بِه لِهَلاكِه. ٧وبِهٰذا التَّعذِيبِ هَلَكَ الأَثيمُ مَنَلاوُس، ولم يَحصُلْ على تُربَةٍ يُوارى فيها، ٨وحَدَثَ ذٰلك بِكُلِّ عَدْلٍ، فإِنَّه قدِ ٱرتَكَبَ جَرائِمَ كَثيرةً على المَذبَحِ الَّذي نارُه ورَمادُه مُقَدَّسان، وفي الرَّمادِ ذاقَ مَوتَه.
صلوات اليهود وانتصاراتهم بالقرب من مودَين
٩وأَمَّا المَلِك، فما زالَ يَتَقَدَّمُ وروحُه مَمْلوءٌ مَقاصِدَ بَربَرِيَّة، وهو يَتَوَعَّدُ اليَهودَ بأَمَرَّ مِمَّا حَدَثَ على عَهدِ أَبيه. ١٠فلَمَّا عَلِمَ يَهوذا بِذٰلك، أَمَرَ الشَّعبَ بِالِٱبتِهالِ إِلى الرَّبِّ نَهارًا ولَيلًا أَن يَنصُرَهم في ذٰلك اليَومِ أَيضًا، كما كانَ يَفعَلُ مِن قَبلُ، فإِنَّهم قد أَوشَكوا أَن يُحرَموا مِنَ الشَّريعَةِ والوَطَنِ والهَيكَلِ المُقَدَّس، ١١وأَن لا يَدَعَ هٰذا الشَّعبَ الَّذي لم يُفَرَّجْ عنه إِلَّا مِن أَمَدٍ قَريبٍ يَقَعُ في أَيدي الوَثَنِيِّينَ الحَقيرين. ١٢ففَعَلوا كُلُّهم وتَضَرَّعوا إِلى الرَّبِّ الرَّحيمِ بِالبُكاءِ والصَّومِ والسُّجودِ مُدَّةَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ بِلا ٱنقِطاع. ثُمَّ حَرَّضَهم يَهوذا وأَمَرَهم أَن يَكونوا مُتَأَهِّبينَ. ١٣وخَلا بِالشَّيوخ وعَزَمَ أَلَّا يَنتَظِرَ دُخولَ جَيشِ المَلِكِ إِلى اليَهودِيَّةِ والِٱستيلاءِ على المَدينة، بل أَن يَخرُجَ ويَقضِيَ الأَمرَ بِتأييدِ الرَّبّ.
١٤ففَوَّضَ الأَمرَ إِلى خالِقِ العالَم وحَضَّ أَصْحابَه على أَن يُقاتِلوا بِبَسالَةٍ حَتَّى المَوتِ في سَبيلِ الشَّريعَةِ والهَيكَلِ والمَدينَةِ والوَطَنِ والمُؤَسَّسات، ونَصَبَ مُعَسكَرَه عِندَ مودَين. ١٥وجَعَلَ لَهم كَلِمَةَ السِّرّ «نَصرُ الله». ثُمَّ ٱختارَ قَومًا مِن نُخَبِ الشُّبَّان وهَجَمَ بِهم لَيلًا على خَيمَةِ المَلِك. وقَتَلَ نَحوَ أَربَعَةِ آلافِ رَجُلٍ في المُعَسكَر، وطَعَنَ أَوَّلَ الأَفْيالِ مَعَ الَّذي كانَ في بُرجِه. ١٦وأَخيرًا فقَد مَلَأُوا المُعَسكَرَ رُعْبًا وبَلبَلَةً وٱنصَرَفوا في فَوزٍ تامّ ١٧عِندَ طُلوعِ الفَجْر. وتَمَّ ذٰلك بِحِمايَةِ الرَّبِّ الَّتي كانَت تَكتَنِفُ يَهوذا.
أَنطيوخس يفاوض اليهود
١٨فلَمَّا خَبَرَ المَلِكُ ما عِندَ اليَهودِ مِنَ الجُرأَة، حاوَلَ أَن يَأخُذَ المَعاقِلَ بِالحيلة. ١٩فزَحَفَ على بَيتَ صور، وهي قَلعَةٌ لِليَهودِ مَنيعَة، فهُزِمَ وأَعادَ الكَرَّةَ فكُسِر.
٢٠وأَمَدَّ يَهوذا الَّذينَ في القَلعَةِ بِما يَحْتاجونَ إِلَيه. ٢١وإِنَّ رَجُلًا مِن جَيشِ اليَهودِ ٱسمُه رودُقُس كانَ يَكشِفُ الأَسْرارَ لِلعَدُوّ، فبَحَثوا عنه وقَبَضوا علَيه وأَعدَموه. ٢٢فعادَ المَلِكُ وفاوَضَ أَهلَ بَيتَ صور ومَدَّ يُمْناه إِلَيهم وأَخَذَ بِيُمْناهم وٱنصَرَفَ، وهاجَمَ يَهوذا وأَصْحابَه وكُسِر. ٢٣وبَلَغَه أَنَّ فيلِبُّسَ الَّذي كانَ قد تَرَكَه في أَنْطاكِيَةَ لِتَدبيرِ الأُمورِ قد تَمَرَّدَ علَيه، فوَقَعَ في ٱضطِرابٍ ففاوَضَ اليَهودَ وخَضَعَ وأَقسَمَ لَهم بِأَن يُوافِقَ على جَميعِ شُروطِهمِ المَشْروعَة. وبَعدَ أَن صالَحَهم، قَدَّمَ ذَبيحةً وأَكرَمَ الهَيكَل وأَحسَنَ إِلى المَكانِ المُقَدَّس.
٢٤ورَحَّبَ بِالمَكَّابيّ وتَرَكَ هيجِمونيدُسَ قائِدًا مِن بَطُلْمايِس إِلى حُدودِ الجَرَّانِيِّين. ٢٥ثُمَّ جاءَ إِلى بَطُلْمايِس، وكانَ أَهلُ المَدينَةِ قد شَقَّت علَيهم هٰذه المُعاهَدَة، فإِنَّهم كانوا ساخِطينَ على تِلكَ الِٱتِّفاقِيَّاتِ يُريدونَ نَقضَها. ٢٦فصَعِدَ ليسِيَّاسُ إِلى المِنَصَّة ودافَعَ ما ٱستَطاعَ عن تِلكَ الِٱتِّفاقِيَّات، فأَقنَعَهم وهَدَّأَهم وٱستَمالَهم إِلى الرِّفْقِ وذَهَبَ إِلى أَنْطاكِيَة.
وهٰكذا كانَت حَملَةُ المَلِكِ ورُجوعُه.
المكّابيّين الثاني ١٤
٧. محاربة نِكانور قائد ديمتريوس الأوّل
يوم نكانور
تدخّل عظيم الكهنة أَلْكيمس
١وبَعدَ مُدَّةِ ثلاثِ سَنَوات، بَلَغَ أَصْحابَ يَهوذا أَنَّ ديمِترِيوسَ بنَ سَلَوقُسَ قد نَزَلَ في مَرفإِ طَرابُلُسَ بِجَيشٍ جَرَّارٍ وأُسْطول، ٢وٱستَولى على البِلاد وقَتَلَ أَنْطِيوخُسَ وليسِيَّاسَ وَصِيَّه. ٣وإِنَّ أَحَدًا يُدعى أَلْكيمُسَ الَّذي كانَ قد قُلِّدَ الكَهَنوتَ الأَعظَم، ثُمَّ تَنَجَّسَ عَمْدًا أَيَّامَ التَّمَرُّد، أَيقَنَ أَن لا خَلاصَ لَه البَتَّةَ ولا سَبيلَ إِلى ٱرتِقاءِ المَذبَحِ المُقَدَّس. ٤فقَصَدَ ديمِترِيوسَ المَلِكَ في السَّنَةِ المِئَةِ والحادِيَةِ والخَمْسين، وأَهْدى إِلَيه إِكْليلًا مِن ذَهَبٍ وسَعَفَةً وأَهْدى إِلَيه، بالإِضافةِ إِلى ذٰلك، أَغْصانَ زَيتونٍ جَرَتِ العادَةُ بِأَن تُقَدَّمَ لِلهَيكَل، وبَقِيَ في ذٰلك اليَومِ ساكِتًا.
٥ولٰكِنَّه سَنَحَت لَه فُرصَةٌ تُناسِبُ رُعونَتَه، حينَ دَعاه ديمِترِيوسُ إِلى ديوانِه وسَأَلَه عن أَحْوالِ اليَهودِ ومَقاصِدِهم. فقال: ٦«إِنَّ الحَسيدِيِّينَ مِنَ اليَهود، الَّذينَ يَقودُهم يَهوذا المَكَّابِيّ، يُلقِمونَ نارَ الحَربِ والفِتنَة، ولا يَدَعونَ لِلمَملَكَةِ راحَة. ٧فبَعدَ أَن جُرِّدتُ مِن مَنصِبي المَوروث، أَي مِنَ الكَهَنوتِ الأَعظَم، قَدِمتُ إِلى هُنا، ٨أَوَّلًا لِٱهتِمامي الصَّادِقِ بِمَصلَحَةِ المَلِك، وثانِيًا سَعْيًا مِنِّي لِخَيرِ قَومي، لِأَنَّ رُعونَةَ أُولٰئِكَ الَّذينَ عَنَيتُهم قد أَنزَلَتْ بِأُمَّتِنا جَميعِها مُصيبَةً غَيرَ صَغيرة. ٩فإِذا ٱطَّلَعتَ، أَيُّها المَلِك، على كُلٍّ مِن هٰذه الشَّكاوى، تَنازَلْ وٱرْعَ شُؤُونَ بِلادِنا وأُمَّتِنا المُهَدَّدةِ مِن كُلِّ جِهَة، بِما فيكَ مِنَ الإِنسانِيَّةِ والإِحْسانِ إِلى الجَميع، ١٠فإِنَّه ما دامَ يَهوذا باقِيًا، فمِنَ المُحالِ أَن تَنعَمَ الدَّولَةُ بِالسَّلام».
١١ولَمَّا أَتَمَّ كَلامَه، أَسرَعَ سائِرُ أَصدِقاءِ المَلِك، وهُم أَعْداءٌ لِيَهوذا، إِلى ٱستِفْزازِ ديمِترِيوس. ١٢فٱخْتارَ مِن ساعَتِه نِكانور، وكانَ قد أَصبَحَ مُرَوِّضَ الأَفْيال، وأَقامَه قائِدًا على اليَهودِيَّةِ وأَرسَلَه. ١٣وأَمَرَه أَن يَقتُلَ يَهوذا ويُبَدِّدَ أَصْحابَه ويُقيمَ أَلْكيمُسَ عَظيمَ كَهَنَةٍ لِلهَيكَلِ الكَبير. ١٤وأَخَذَ الوَثَنِيُّونَ الَّذينَ في اليَهودِيَّة، والَّذينَ فَرُّوا عن يَهوذا، يَنضَمُّونَ أَفْواجًا إِلى نِكانور، ظَنًّا مِنهم أَنَّ نَكَباتِ اليَهودِ وبَلاياهُم ستَنقَلِبُ إِلى خَيرِ أَنفُسِهم.
نكانور يصادق يهوذا
١٥ولَمَّا بَلَغَ اليَهودَ قُدومُ نِكانورَ وٱعتِداءُ الوَثَنِيِّين، حَثَوا التُّرابَ على رُؤُوسِهم وٱبتَهَلوا إِلى الَّذي أَقامَ شَعبَه لِيَبْقى لِلأَبَد والَّذي لم يَزَل يُؤَيِّدُ ميراثَه بِآياتٍ مُبينَة. ١٦ثُمَّ أَمَرَهمُ القائِد فَرَحَلوا مِن ساعَتِهم مِن هُناك، وٱلتَحَمَ القِتالُ بَينَهم عِندَ قَريَةِ دَسَّاو. ١٧وكانَ سِمْعان، أَخو يهوذا، قد شَنَّ القِتالَ على نِكانور، ففوجِئَ بِقُدومِ الأَعداء، وأُصيبَ بِبَعضِ الفَشَل، ١٨ولٰكِن، لَمَّا سَمِعَ نِكانورُ بِما أَبْداه أَصْحابُ يَهوذا مِنَ البَأسِ والبَسالةِ في دِفاعِهم عنِ الوَطَن، خافَ أَن يُفصَلَ الأَمرُ بِالدَّم. ١٩فأَرسَلَ بوسيدونِيوس وتاودوتُس ومَتَّتْيا لِمَدِّ اليُمْنى إِلى اليَهودِ والأَخْذِ بِيُمْناهم.
٢٠فبَحَثوا في الأَمرِ طَويلًا وعَرَضَ القائِدُ ذٰلك على رِجاله، فأَجمَعوا كُلُّهم على رَأْيٍ واحِد ووافَقوا على الِٱتِّفاقِيَّات. ٢١وعَيَّنوا يَومًا يَتَلاقى فيه الرُّؤَساءُ على ٱنفِراد. وتَقَدَّمَت مَركَبَةٌ مِنَ الجانِبَين وجيءَ بِالكَراسيّ، ٢٢وأَقامَ يَهوذا رِجالًا مُسَلَّحينَ مُتأَهِّبينَ في المَواضِعِ المُوافِقَة، مَخافَةَ أَن يَدهَمَهُمُ الأَعْداءُ بِشَرّ، ثُمَّ تَفاوَضوا وٱتَّفَقوا. ٢٣وأَقامَ نِكانورُ في أُورَشَليمَ لا يَأتي مُنكَرًا، لا بَل أَطلَقَ الجُموعَ الَّتي ٱحتَشَدَت إِلَيه أَفْواجًا. ٢٤وكثيرًا ما كانَ يَهوذا عِندَه، وكانَ قَلبُ نِكانورَ يَميلُ إِلَيه. ٢٥وحَثَّه على الزَّواجِ وعلى إِنْجابِ الأَولاد، فتَزَوَّجَ يَهوذا وذاقَ الرَّاحَةَ وتَنَعَّمَ بِالحَياة.
أَلْكيمس يُشعل نار العداء ثانية ونكانور يهدّد الهيكل
٢٦ولَمَّا رأَى أَلْكيمُس ما هما علَيه مِنَ التَّفاهُم، أَخَذَ ما عُقِدَ مِنِ ٱتِّفاقاتٍ وذَهَبَ إِلى ديمِترِيوسَ وقالَ لَه إِنَّ نِكانورَ يَرى رَأيًا يُخالِفُ مَصالِحَ الدَّولَة، فإِنَّه عَيَّنَ في مَنصبِه يَهوذا، عَدُوَّ المَملَكَة. ٢٧فغَضِبَ المَلِكُ غَضَبًا شَديدًا وٱستَفَزَّه ٱفتِراءُ ذٰلك الفاجِر، فكَتَبَ إِلى نِكانورَ يَقولُ إِنَّه مُستاءٌ مِن تِلكَ الِٱتِّفاقِيَّات، ويأمُرُه بِأَن يُبادِرَ إِلى إِرْسالِ المَكَّابِيِّ مُقَيَّدًا إِلى أَنْطاكِيَة.
٢٨فلَمَّا وَقَفَ نِكانورُ على ذٰلك، وَقَعَ في ٱضطِرابٍ وصَعُبَ علَيه أَن يَنقُضَ الِٱتِّفاقِيّات، ولم يَرَ مِنَ الرَّجُلِ ظُلْمًا. ٢٩ولٰكِنَّه لم يَجِدْ سَبيلًا إِلى مُقاوَمَةِ المَلِك، فتَرَبَّصَ لِيُنَفِّذَ الأَمرَ بِالمَكيدة. ٣٠ورأَى المَكَّابيُّ أَنَّ نِكانور قد تَغَيَّرَ علَيه، وأَمْسى يَتَلَقَّاه عادةً بِخُشونة. ففَطِنَ أَنَّ هٰذا التَّغَيُّرَ لَيسَ لِلخَير. فجَمَعَ عَدَدًا كَثيرًا مِن أَصْحابِه وتوارى عن نِكانور. ٣١فلَمَّا رأَى نِكانورُ أَنَّ الرَّجُلَ خَدَعَه على أَكمَلِ وَجْه، ذَهَبَ إِلى الهَيكَلِ العَظيمِ المَقَدَّس، وكانَ الكَهَنَةُ يُقَدِّمونَ الذَّبائِحَ على عادَتِهم، فأَمَرَهم أَن يُسَلِّموا إِلَيه الرَّجُل. ٣٢فأَقسَموا وقالوا إِنَّهم لا يَعلَمونَ أَينَ الرَّجُلُ المَطْلوب. فمَدَّ نِكانورُ يَمينَه نَحوَ الهَيكَل، ٣٣وأَقسَمَ قائِلًا: «إِن لم تُسَلِّموا إِلَيَّ يَهوذا موثَقًا، لَأَهدِمَنَّ بَيتَ اللهِ هٰذا إِلى الأَرض، ولَأَقلَعَنَّ المَذبَحَ وأُشَيِّدَنَّ هُنا هَيكلًا رائعًا لِدِيونيسِيوس». ٣٤قالَ هٰذا وٱنصَرَف. فَرَفَعَ الكَهَنَةُ أَيدِيَهم إِلى السَّماء ودَعَوا مَن لم يَزَلْ يُحارِبُ عن أُمَّتِنا قائِلين: ٣٥«يا مَن هو رَبُّ الجَميع والغَنِيُّ عن كُلِّ شَيء، لقَد حَسُنَ لَدَيكَ أَن يَكونَ هَيكَلُ سُكْناكَ فيما بَينَنا. ٣٦فالآن، أَيُّها الرَّبُّ القُدُّوس، يا قُدُّوسَ كُلِّ قَداسة، صُنْ هٰذا البَيتَ الَّذي قد طُهِّرَ عن قَليل، وٱحفَظْه طاهِرًا لِلأَبَد».
موت رازيس
٣٧وكانَ في أُورَشَليمَ شَيخٌ كَبيرٌ ٱسمُه رازيس، وهو رَجُلٌ مُحِبٌّ لِأَبناءِ وَطَنِه، مَحْمودُ السُّمعَة، يُسَمَّى بِأَبي اليَهودِ لِما كانَ عِندَه مِنَ العَطْفِ علَيهم، فوُشِيَ بِه إِلى نِكانور. ٣٨وكانَ فيما سَلَفَ مِن أَيَّامِ التَّمَرُّدِ قدِ ٱتُّهِمَ بِالتَّمَسُّكِ بِدينِ اليَهود، ولم يَزَلْ يُظهِرُ غَيرَةً تامَّةً ويَبذُلُ جِسمَه ونَفسَه في سَبيلِ الدِّين. ٣٩وأَرادَ نِكانورُ أَن يُبدِيَ ما عِندَه مِنَ العَداوَةِ لِليَهود، فأَرسَلَ أَكثَرَ مِن خَمسِ مِئَةِ جُندِيٍّ لِيَقبِضوا علَيه، ٤٠لِٱعتِقادِه أَنَّه إِن أَمسَكَه، فقد أَنزَلَ بِهم مُصيبَةً جَسيمَة. ٤١فلَمَّا رأَى رازيسُ أَنَّ الجُنودَ قد أَوشَكوا أَن يَستَولوا على البُرْجِ ويَكسِروا بابَ الدَّارِ، وقَد أُمِروا بإِضْرامِ النَّارِ وإِحْراقِ الأَبْواب، وأَنَّه أَصبَحَ مُحاطًا مِن كُلِّ جانِب، ضَرَبَ نَفسَه بِسَيفِه. ٤٢وٱختارَ أَن يَموتَ بِكَرامَةٍ ولا يَصيرَ في أَيدي المُجرمين ويُشتَمَ بِما لا يَليقُ بِأَصلِه الكَريم. ٤٣ولٰكِنَّه، بِسَبَبِ سُرعَةِ القِتال، أَخطَأَ الضَّربَة، وكانَ الجُنودُ قد هَجَموا إِلى داخِلِ الأَبْواب، فصَعِدَ راكِضًا إِلى السُّورِ بِقَلبٍ جَليد وأَلْقى بِنَفسِه مِن فَوقِ الجَمْع. ٤٤فتَراجَعوا مِن ساعَتِهم فسَقَطَ في وَسَطِ المَكانِ الفارِغ. ٤٥وكانَ فيه رَمَقٌ وقدِ ٱشتَعَلَت فيه الحَمِيَّة، فنَهَضَ ودَمُه يَتَفَجَّرُ كاليَنْبوع، وجِراحُه تُؤلِمُه كَثيرًا، فٱختَرَقَ الجَمعَ راكِضًا، وٱنتَصَبَ قائمًا على صَخْرَةٍ شَديدةِ الِٱنحِدار، ٤٦وكانَ قد نَزَفَ دَمُه، فأَخرَجَ أَمْعاءَه وحَمَلَها بِيَدَيه وطَرَحَها على الجُمهور، وَدَعا رَبَّ الحَياةِ والرُّوح أَن يَرُدَّهما إِلَيه، وهٰكذا فارَقَ الحَياة.
المكّابيّين الثاني ١٥
تجديف نكانور
١وبَلَغَ نِكانورَ أَنَّ أَصْحابَ يَهوذا في نَواحي السَّامِرَة، فعَزَمَ على مُهاجَمَتِهم يَومَ السَّبتِ دونَ التَّعَرُّضِ لِلخَطَر. ٢فقالَ لَه اليَهودُ الَّذينَ رافَقوه مُضطَرِّين: «لا تُهلِكِ القَومَ بِهٰذه القَسوَةِ والبَربَرِيَّة، بَلِ ٱرْعَ حُرمَةَ يَومٍ قد أَكرَمَه وقَدَّسَه الرَّقيبُ على كُلِّ شَيء». ٣فسَأَلَ ذٰلك الشَّديدُ الفُجورِ هل في السَّماءِ مَلِكٌ أَمَرَ بِحِفْظِ السَّبْت. ٤فقالوا: «إِنَّ الرَّبَّ الحَيَّ والمَلِكَ في السَّماءِ هو الَّذي أَوصى بِحِفظِ اليَومِ السَّابِع». ٥فقال الرَّجُل: «وأَنا أَيضًا مَلِكٌ في الأَرض، فآمُرُ بِأَخْذِ السِّلاحِ والقِيامِ بِخِدمةِ المَلِك». ولٰكِنَّه لم يَتَمَكَّنْ مِن تَحْقيقِ مَقصِدِه الوَخيم.
تحريض يهوذا وحُلمه
٦ورَفَعَ نِكانورُ رأسَه بِزَهْوٍ وصَلَف، وعَزَمَ على نَصْبِ تَذْكارٍ مُشْتَرَكٍ مِن أَسْلابِ يَهوذا وأَصْحابِه. ٧وأَمَّا المَكَّابيُّ فلَم يَزَلْ يَثِقُ كُلَّ الثِّقَةِ ويَأمَلُ كُلَّ الأَمَلِ أَنَّ الرَّبَّ سيُؤْتيه النَّصْر. ٨فحَرَّضَ أَصْحابَه على أَلَّا يَخافوا مِن غارةِ الوَثَنِيِّين، بل يَذكُروا النَّجَداتِ الَّتي طالَ ما أُمِدُّوا بِها مِنَ السَّماء، ويَنتَظِروا الظَّفَرَ الَّذي سيُؤتَونَه الآنَ مِن عِندِ القَدير. ٩ثُمَّ شَدَّدَ عَزائِمَهم بِالشَّريعَةِ والأَنْبِياء، وذَكَّرَهم بِالمَعارِكِ الَّتي قاموا بِها، حَتَّى أَذْكى حَماسَهم. ١٠وبَعدَما ٱستَنهَضَ هِمَمَهم، شَرَحَ لَهم كَيْفَ نَقَضَ الوَثَنِيُّونَ عُهودَهم وحَنِثوا بِأَيمانِهم.
١١وسَلَّحَ كُلًّا مِنهم بِتَشْجيعِ كَلامِه الصَّالِح أَكثَرَ مِمَّا سَلَّحَهم بالتُّروسِ والرِّماح. ثُمَّ قَصَّ علَيهم نَوعًا مِنَ الرُّؤيا تَجَلَّت لَه في حُلمٍ جَديرٍ بِأَن يُصَدَّق، فَشَرَحَ بِها صُدورَهم أَجمَعين. ١٢وهٰذه هي الرُّؤيا، قال: «رَأَيتُ أُونِيَّا عَظيمَ الكَهَنَةِ السَّابِق، رَجُلَ الخَيْرِ والصَّلاح، المُتواضِعَ المَنظَرِ الحَليمَ الأَخْلاق، صاحِبَ الأَقْوالِ الطَّريفة، المُواظِبَ مُنذُ صِباه على جَميعِ أَعْمالِ الفَضيلة، باسِطًا يَدَيه يُصَلِّي مِن أَجلِ جَماعَةِ اليَهودِ بِأَسرِها. ١٣ثُمَّ تراءَى كذٰلِكَ رَجُلٌ كَريمُ المَشيب، أَغَرُّ البَهاء، علَيه جَلالٌ عَجيبٌ سامٍ. ١٤فتَكَلَّمَ أُونِيَّا وقال: «هٰذا مُحِبُّ الإِخوَة، المُكثِرُ مِنَ الصَّلَواتِ لِأَجلِ الشَّعْبِ والمَدينَةِ المُقَدَّسَة، إِرْمِيا، نَبِيُّ الله». ١٥ثُمَّ إِنَّ إِرْمِيا مَدَّ يَمينَه وناوَلَ يَهوذا سَيفًا مِن ذَهَبٍ فقال: ١٦«خُذْ هٰذا السَّيفَ المُقَدَّسَ هِبَةً مِن عِندِ الله، بِه تُحَطِّمُ الأَعْداء».
أحوال المحاربين
١٧فطابَت قُلوبُهم بِأَقْوالِ يَهوذا الرَّائِعَةِ الَّتي حَرَّكَت بِقُوَّتِها حماسَتَهم وجَعَلَت نُفوسَ الشُّبَّانِ كنُفوسِ الرِّجال، وعَقَدوا عَزمَهم على أَن لا يُعَسكِروا، بل يَهجُموا بِشَجاعةٍ ويَخوضوا المَعرَكَةَ بِكُلِّ بَسالة، حتَّى يَفصِلوا الأَمرَ، بِما أَنَّ المَدينَةَ والأَقْداسَ والهَيكَلَ في خَطَر. ١٨وكانَ قَلَقُهم على النِّساءِ والأَولادِ والإِخوَةِ وذَوي القَراباتِ أَخَفَّ وَقْعًا مِن خَوفِهم على الهَيكَلِ المُقَدَّسِ الَّذي كانَ هو الخَوفَ الأَعظَمَ والأَوَّل. ١٩وكانَ الباقونَ في المَدينَةِ في قَلَقٍ شَديدٍ في أَمرِ القِتالِ الَّذي كانوا يَتَوَقَّعونَه في العَراء. ٢٠وبَينَما كانَ الجَميعُ يَنتَظِرونَ ما يَؤُولُ إِلَيه الأَمْر، وقدِ ٱحتَشَدَ العَدُوُّ وٱصطَفَّ الجَيشُ وأُقيمَتِ الأَفْيالُ في مَواضِعِها وٱصطَفَّتِ الفُرْسانُ على الجَناحَين، ٢١تَفَرَّسَ المَكَّابِيُّ في كَثرَةِ الجُيوشِ وتَوَفُّرِ الأَسلِحَةِ المُختَلِفَةِ وضَراوَةِ الأَفْيال، فرَفَعَ يَدَيه إِلى السَّماءِ ودَعا الرَّبَّ صانِعَ المُعجِزات، لِعِلمِه أَنْ لَيسَ الظَّفَرُ بِالسِّلاح، ولٰكِنَّه بِقَضائِه يُؤتي الظَّفَرَ مَن يَستَحِقُّه. ٢٢وصَلَّى قائِلًا: «إِنَّكَ، يا سَيِّدُ، قد أَرسَلتَ مَلاكَكَ في عَهدِ حِزقِيَّا، مَلِكِ يَهوذا، فقَتَلَ مِن جُندِ سَنْحاريبَ مِئَةً وخَمْسَةً وثَمانينَ أَلفًا. ٢٣والآنَ يا مَلِكَ السَّمَوات، أَرسِلْ مَلاكًا صالِحًا أَمامَنا يُوقِعُ الرُّعبَ والرِّعْدَة. ٢٤وبِعَظَمةِ ذِراعِكَ لِيُرَوَّعِ الَّذينَ خَرَجوا على شَعبِكَ المُقَدَّسِ مُجَدِّفين». وسَكَتَ بَعدَ هٰذا الكَلام.
هزيمة نكانور وموته
٢٥وكانَ أَصْحابُ نِكانورَ يَتَقَدَّمونَ بِالأَبْواقِ والأَغانِيِّ الحَربِيَّة، ٢٦فنازَلَهم أَصْحابُ يَهوذا بِالدُّعاءِ والصَّلوات. ٢٧وفيما هم يُقاتِلونَ بِالأَيدي، كانوا يُصَلُّونَ إِلى اللهِ في قُلوبِهم، فصَرَعوا لا أَقَلَّ مِن خَمْسَةٍ وثَلاثينَ أَلفًا، وهُم في غايَةِ التَّهَلُّلِ مِن ظُهورِ الله. ٢٨ولَمَّا ٱنتَهَوا مِن هٰذا العَمَل، ورَجَعوا مُبتَهِجين، تَبيَّنوا أَنَّ نِكانورَ صُرِعَ مع سِلاحِه.
٢٩حينَئِذٍ ٱرتَفَعَتِ الهُتافاتُ وعَمَّتِ البَلبَلَة، وبارَكوا المَلِكَ العَظيمَ بِلِسانِ آبائِهم. ٣٠ثُمَّ إِنَّ يَهوذا، الَّذي لم يَزَلْ في مُقَدَّمَةِ أَهلِ وَطَنِه، باذِلًا عنهم جَسَدَه ونَفسَه، حافِظًا لِبَني أُمَّتِه المَوَدَّةَ الَّتي كَنَّها لَهم مُنذُ حداثَتِه، أَمَرَ بِقَطْعِ رَأسِ نِكانورَ ويَدِه حتَّى الكَتِف، وحَملَهمَا إِلى أُورَشَليم. ٣١ولَمَّا وَصَلَ إِلَيها، دَعا بَني أُمَّتِه وأَقامَ الكَهَنَةَ أَمامَ المَذبَح، وٱستَحضَرَ الَّذينَ في القَلعَة. ٣٢وأَراهم رَأسَ نِكانورَ القَذِر ويَدَ ذٰلك المُجَدِّفِ الَّتي مَدَّها مُتَكَبِّرًا على بَيتِ القَديرِ المُقَدَّس. ٣٣ثُمَّ قَطَعَ لِسانَ نِكانورَ الكافِر، وأَمَرَ بِأَن يُقَطَّعَ قِطَعًا ويُطرَحَ إِلى الطُّيور وتُعَلَّقَ أُجرَةُ ذٰلك الأَحمَقِ تُجاهَ الهَيكل. ٣٤وكانوا جميعًا يَرفَعونَ إِلى السَّماءِ بَرَكاتٍ إِلى الرَّبِّ الَّذي تَجَلَّى ويَقولون: «تَبارَكَ الَّذي حَفِظَ مَكانَه المُقَدَّسَ مُنَزَّهًا عن كُلِّ دَنَس».
٣٥ورَبَطَ يَهوذا رَأسَ نِكانورَ على القَلعَة، لِيَكونَ دَليلًا بَيِّنًا مَنْظورًا على نَجدَةِ الرَّبّ. ٣٦ثُمَّ فَرَضوا جَميعًا بِٱقتِراعٍ عامٍّ أَن لا يُترَكَ ذٰلك اليَومُ بِدونِ ٱحتِفال، بل يَكونُ عيدًا، وهو اليَومُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنَ الشَّهرِ الثَّاني عَشَر، الَّذي يُقالُ لَه آذارُ بِلِسانِ أَرام، قَبلَ يَومِ مَرْدَكايَ بِيَومٍ واحِد.
خاتمة المؤلِّف
٣٧هٰذا ما تَمَّ مِن أَمرِ نِكانور. وبِما أَنَّه مُنذُ تِلكَ الأَيَّامِ بَقِيَتِ المَدينَةُ في حَوزَةِ العِبْرانِيِّين، فأَنا أَيضًا أَجعَلُ هُنا خاتِمَةَ كَلامي. ٣٨فإِن كُنتُ قد أَحسَنتُ التَّأليفَ ووُفِّقتُ مِنه، فذٰلك ما كُنتُ أَتَمَنَّى. وإِن كانَ ضَعيفًا ودونَ الوَسَط، فإِنِّي قد بَذَلْتُ وُسْعي. ٣٩وكَما أَنَّ شُربَ الخَمرِ وَحدَها أَو شُربَ الماءِ وَحدَه مُضِرٌّ، وإِنَّما تَطيبُ الخَمرُ مَمْزوجَةً بِالماء وتُعْطي لَذَّةً وطَرَبًا، كذٰلك تَنْميقُ الكَلامِ يُطرِبُ مَسامِعَ مُطالِعي السِّفر. إِنتَهى.