اختر صفحة

سِفْرُ القُضاة

إنجيل متّى


الحواشي:

١ تشتمل مقدّمة الإنجيل، بعد نسب يسوع (متى ١/١-١٧)، على خمسة مشاهد تتناوب فيها أحلام يوسف (متى ١/١٨-٢٥؛ متى ٢/١٣-١٥؛ متى ٢/١٩-٢٣) وتدخّلات هيرودس (متى ٢/١-١٢ و١٦-١٨). في روايات الطفولة تقليدان أحدهما يتعلّق بهيرودس والآخر بيوسف، وهما مستقلّان الواحد عن الآخر من حيث الإنشاء والبنية والمضمون.

٢ الترجمة اللفظيّة: كتاب تكوين يسوع المسيح. يقتدي متّى بعنوان رواية سلالة الإنسان الأوّل («هذا كتاب سلالة آدم»: تك ٥/١)، فيوحي بأنّ يسوع يفتتح كتاب تكوين جديد، لأنّه آدم الجديد (راجع لو ٣/٣٨). إلّا أنّ التاريخ المرويّ هنا يفيدنا عن نسب يسوع، في حين أنّ سِفر التكوين يركّز على نسل آدم: ففي يسوع يتمّ معنى تاريخ إسرائيل. عن الفرق القائم بين نسب متّى ونسب لوقا، راجع لو ٣/٢٣+.

القضاة ١

القضاة ٢

القضاة ٣

القضاة ٤

القضاة ٥

القضاة ٦

القضاة ٧

القضاة ٨

القضاة ٩

القضاة ١٠

القضاة ١١

القضاة ١٢

القضاة ١٣

القضاة ١٤

القضاة ١٥

القضاة ١٦

القضاة ١٧

القضاة ١٨

القضاة ١٩

القضاة ٢٠

القضاة ٢١

القضاة ١

القضاة ٧

القضاة ١٣

القضاة ١٩

القضاة ٢

القضاة ٨

القضاة ١٤

القضاة ٢٠

القضاة ٣

القضاة ٩

القضاة ١٥

القضاة ٢١

القضاة ٤

القضاة ١٠

القضاة ١٦

القضاة ٥

القضاة ١١

القضاة ١٧

القضاة ٦

القضاة ١٢

القضاة ١٨

سِفْرُ القُضاة

مدخل

ا من مجموعة «الأنبياء الأوَّلين». إنّه يعطينا لمحة عن حياة الأسباط في مرحلةٍ من أشدّ مراحل الشعب الإسرائيليّ غموضًا، وهي المرحلة التي تلي الفتح وتسبق ظهور النظام الملكيّ.

تصميم الكتاب

تصميم الكتاب أمرٌ يمكنُ الاهتداءُ إليه بسهولة. فهناك مدخل أوّل (قض ١/ ١-٣٦) فيه عَرض لإقامة الأسباط في كنعان ولوجوه نجاحهم وفشلهم. فأوضاع الأسباط، ويبدو أنّ عملهم لا تَوافق فيه بينهم، هي أوضاع حياة يهدّدها وجودُ مدنٍ كنعانيّة في الأرض التي حُدّدت لكلّ من الأسباط. لهذه الأوضاع التي تناقض ما وعد الله به تفسير أوّل (قض ٢/ ١-٥). وبعد هذا العرض التمهيديّ الذي يعود بنا إلى زمن الفتح، يبتدئ زمن القضاة بحصر المعنى (قض ٢/ ٦-١٦/ ٣١). ولهذا الزمن فاتحة تفيدنا عن المعنى الدينيّ الذي تتّسمُ به هذه المرحلة من تاريخ الأسباط (قض ٢/ ٦-٣/ ٦). كانت أيّام يشوع أيّام أمانة في حين أنّ أيّام القضاة تعرض لنا أيّام خيانة، ثمّ تُروى لنا، على وجهٍ متقطّع، أعمال القضاة، وهم اثنا عشر، مع أنّ النُبذَ عنهم مختلفة الطول: عُتنيئيل (قض ٣/ ٧-١١) وأهود (قض ٣/ ١٢-٣٠) وشَمجَر (قض ٣/ ٣١) ودَبورة وباراق (قض ٤/ -٥/ ٣١) وجدعون وأبيملك (قض ٦/ ١-٩/ ٥٧) وتولَع (قض ١٠/ ١-٢) ويائير (قض ١٠/ ٣-٥) ويفتاح (قض ١٠/ ٦-١٢/ ٧) وإبصان (قض ١٢/ ٨-١٠) وأَيلون (قض ١٢/ ١١-١٢) وعبدون (قض ١٢/ ١٣-١٥) وشمشون (قض ١٣/ ١-١٦/ ٣١).

ينتهي الكتاب بمُلحقَين يُظهران الفوضى التي كانت تسود إسرائيل قبل قيام المَلَكيّة. يروي الملحق الأوّل هجرة سبط دان ونشأة معبد دان (قض ١٧/ ١-١٨/ ٣١)، ويروي الملحق الثاني الجريمة التي ارتكبها سكّان جَبْع والحرب التي شنّها الأسباط على سبط بنيامين لأنّه رفض معاقبة المجرمين (قض ١٩/ ١-٢١/ ٢٥).

القضاة ١

المقدِّمة الأولى

رواية موجزة للإقامة في كنعان

إقامة يهوذا وشمعون وكالب وبني القيني

١وكانَ بَعدَ وَفاةِ يَشوعَ أَنَّ بَني إِسْرائيلَ سألوا الرَّبَّ قائلين: «مَن مِنَّا يَصعَدُ أَوَّلًا لِمُحارَبَةِ الكَنْعانِيِّين؟» ٢فقالَ الرَّبّ: «يَهوذا يَصعَد، لِأَنِّي إِلى يَدِه أَسلمتُ الأَرْض». ٣فقالَ يَهوذا لِشِمْعونَ أَخيه: «إِصعَدْ معي إِلى نَصيبي لِنُحارِبَ الكَنْعانِيِّين، وأَنا أَصعَدُ مَعكَ أَيضًا إِلى نَصيبِكَ». فٱنطَلَقَ شِمْعونُ معه. ٤فصَعِدَ يَهوذا، فأَسلَمَ الرَّبُّ الكَنْعانِيِّينَ والفَرِزِّيِّينَ إِلى أَيديهم، فضَرَبوا مِنهم في بازَقَ عَشرَةَ آلافِ رَجُل. ٥وصادَفوا في بازَقَ أَدوني بازَق فحارَبوه وضَرَبوا الكَنْعانِيِّينَ والفَرِزِّيِّين. ٦فَهَرَبَ أَدوني بازَق، فطارَدوه وقَبَضوا عَليه وقَطَعوا أَباهيمَ يَدَيه ورِجلَيه. ٧فقالَ أَدوني بازَق: «إِنَّ سَبْعينَ مَلِكًا مَقْطوعةً أَباهيمُ أَيديهم وأَرجُلِهم كانوا يَلتَقِطونَ تَحتَ مائِدَتي. فكَما صَنَعتُ كافَأَني الله». فأَتَوا بِه إِلى أُورَشَليمَ فماتَ هُناك. ٨ (وحارَبَ بَنو يَهوذا أُورَشَليم، فٱستَولَوا علَيها وضَرَبوها بِحَدِّ السَّيفِ وأَحرَقوا المَدينةَ بِالنَّار).

٩ومِن بَعدِ ذٰلك نَزَلَ بَنو يَهوذا لِيُحارِبوا الكَنْعانِيِّينَ المُقيمينَ بِالجَبَلِ والنَّقَبِ والسَّهْل. ١٠وخَرَجَ على الكَنْعانِيِّينَ المُقيمينَ بِحَبْرون، وكانَ ٱسمُ حَبْرونَ قَبْلًا قِريَةَ أَربَع، وضَرَبوا شيشايَ وأحيمانَ وتَلْماي. ١١وزَحَفوا مِن هُناكَ على سُكَّانِ دَبير، وكانَ ٱسمُ دَبيرَ قَبلًا قِريَةَ سِفْر. ١٢فقالَ كالِب: «مَن ضَرَبَ قِريَةَ سِفْرَ وأَخَذَها أُعْطيه عَكسَةَ ٱبنَتي زَوجَةً». ١٣فأَخذها عُتْنيئيلُ بنُ قَناز، أَخو كالِبَ الأَصغَر، فأَعْطاه عَكسَةَ ٱبنَتَه زَوجَةً. ١٤فاتَّفَقَ بَينَما كانَت آتِيَةً معَه أَنَّها أَغرَته بِطَلَبِ حَقلٍ مِن أَبيها، فقَفَزَت مِن على الحِمار. فقالَ لَها كالِب: «ما لَكِ؟» ١٥فقالَت: «هَب لي نِعمَةً، بما أَنَّكَ أَعطَيتَني أَرضًا في النَّقَبِ فأَعطِني أَحْواضَ ماء». فأَعْطاها كالِبُ أَحْواضَ ماءٍ عُلويَّةً وأَحْواضَ ماءٍ سُفلِيَّة. ١٦وصَعِدَ بَنو القَينِيِّ، حَمي موسى، مِن مَدينَةِ النَّخلِ مع بَني يَهوذا إِلى بَرِّيَّةِ يَهوذا الَّتي في نَقَبِ عَرادَ ومَضَوا وسَكَنوا معَ الشَّعْب. ١٧وٱنطَلَقَ يَهوذا مع شِمْعونَ أَخيه، فضَرَبوا الكَنْعانِيِّينَ المُقيمينَ بِصَفاة، وحَرَّموها وسَمَّوا المَدينةَ حُرمَة. ١٨وٱستَولى يَهوذا على غَزَّةَ وأَرضِها وأَشقَلونَ وأَرضِها وعَقْرونَ وأَرضِها. ١٩وكانَ الرَّبُّ مع يَهوذا، فوَرِثَ الجَبَل. أَمَّا سُكَّانُ السَّهْلِ فلَم يَطرُدوهم، لِأنَّهم كانَت لَهم مَركَباتٌ مِن حَديد.

٢٠وأَعطَوا كالِبَ حَبْرون، كما أَوصى موسى، فطَرَدَ مِن هُناكَ بَني عَناقَةَ الثَّلاثَة. ٢١فأَمَّا اليَبوسِيُّونَ المُقيمونَ بِأُورَشَليم، فلَم يَطرُدْهم بَنو بَنْيامين. فأَقامَ اليَبوسِيُّونَ مع بَني بَنْيامينَ بِأُورَشَليمَ إِلى هٰذا اليَوم.

الاستيلاء على بَيتَ إيل

٢٢وصَعِدَ آلُ يوسُفَ أَيضًا إِلى بَيتَ إِيل، وكانَ الرَّبُّ معَهم. ٢٣وتَجَسَّسَ آلُ يوسُفَ بَيتَ إِيل (وكانَ ٱسمُ المَدينةِ قَبْلًا لوز). ٢٤فرَأَى الجواسيسُ رَجُلًا خارِجًا مِنَ المَدينة. فقالوا لَه: «دُلَّنا على مَدخَلِ المَدينة، فنَصنَعَ إِلَيكَ رَحمَةً». ٢٥فدَلَّهم على مَدخَلِ المَدينة، فضَرَبوا المَدينةَ بِحَدِّ السَّيف. وأَمَّا الرَّجُل، فأَطلَقوه هو وكُلَّ عَشيرَتِه. ٢٦فٱنطَلَقَ ذٰلك الرَّجُلُ إِلى أَرضِ الحِثِّيِّين، وبَنى مَدينةً وسَمَّاها لوز، وهو ٱسمُها إِلى اليَوم.

أسباط الشمال

٢٧ولم يَطرُدْ مَنَسَّى أَهلَ بَيتَ شانَ وتَوابِعَها وتَعْناكَ وتَوابِعَها وسُكَّانَ دورَ وتَوابِعَها ويِبْلاعامَ وتَوابِعَها ومَجِدُّوَ وتَوابِعَها. فأَصَرَّ الكَنْعانِيُّونَ على الإِقامةِ في تِلكَ الأَرض. ٢٨ولَمَّا قَوِيَ بَنو إِسْرائيل، أَخضَعوا الكَنْعانِيِّينَ لِلسُّخرَة ولم يَطرُدوهم. ٢٩ولم يَطرُدْ أَفْرائيمُ الكَنْعانِيِّينَ المُقيمينَ بِجازَر، فبَقِيَ الكَنْعانِيُّونَ في وَسْطِهِم بِجازَر. ٣٠ولم يَطرُدْ زَبولونُ سُكَّانَ قِطْرونَ ونَهْلول، فبَقِيَ الكَنْعانِيُّونَ في وَسْطِهم خاضِعينَ لِلسُّخرَة. ٣١ولم يَطرُدْ أَشيرُ أَهلَ عَكَّاءَ وصَيدونَ وأَحلَبَ وأَكْزيبَ وحَلبَةَ وأَفيقَ ورَحوب. ٣٢فأَقامَ الأَشيرِيُّونَ في وَسْطِ الكَنْعانِيِّينَ، سُكَّانِ الأَرْض، لِأَنَّهم لم يَطرُدوهم. ٣٣ولم يَطرُدْ نَفْتالي سُكَّانَ بَيتَ شَمسَ وبَيتَ عَنات، ولٰكن أَقاموا في وَسْطِ الكَنْعانِيِّين، سُكَّانِ الأَرْض. وكانَ سُكَّانُ بَيتَ شَمْسَ وبَيتَ عَناتَ يُؤَدُّونَ إِلَيهمِ السُّخرَة. ٣٤وضَيَّقَ الأَمورِيُّونَ على بَني دانٍ في الجَبَل، ولم يَدَعوهم يَنزِلونَ إِلى السَّهْل. ٣٥وأَصَرَّ الأَمورِيُّونَ على الإِقامةِ في جَبَلِ حارَس، في أَيَّالونَ وفي شَعَلْبيم. وثَقُلَت يَدُ آلِ يوسُفَ علَيهم، فخَضَعوا لِلسُّخرَة. ٣٦ (وكانت حُدودُ الأَمورِيِّينَ مِن عَقَبَةِ العَقارِب، مِنَ الصَّخرَة، إِلى ما فَوق).

القضاة ٢

ملاك الرَّبّ يُنذر إِسرائيل بالويلات

١وصَعِدَ مَلاكُ الرَّبِّ مِنَ الجِلْجالِ إِلى باكيمَ وقال: «إِنِّي أَصعَدتُكم مِن مِصرَ وأَدخَلتُكُم الأَرضَ الَّتي أَقسَمتُ عَليها لِآبائِكم وقُلتُ إِنِّي أَنقُضُ عَهْدي معَكم لِلأَبَد. ٢وأَنتُم لا تَقطَعوا عَهدًا مع أَهلِ هٰذه الأَرْض، ودَمِّروا مَذابِحَهم، فلَم تَسمَعوا لِقَولي. فماذا فَعَلتُم؟ ٣فلِذٰلك قُلتُ أَيضًا إِنِّي لا أَطرُدُهم مِن أَمامِكم، بل يَكونونَ على جُنوبِكم، وتَكونُ آلِهَتُهم لَكم فَخًّا». ٤فلَمَّا قالَ مَلاكُ الرَّبِّ لِجَميعِ بَني إِسْرائيلَ هٰذا الكَلام، رَفَعَ الشَّعبُ أَصْواتَهم بِالبُكاء، ٥ودَعَوا ذٰلك المَكانَ باكيم، وذَبحوا هُناكَ لِلرَّبّ.

المقدِّمة الثانية

إعتبارات عامّة في عصر القضاة

نهاية حياة يشوع

٦وصَرَفَ يَشوعُ الشَّعْب، فٱنطَلَقَ بَنو إِسْرائيل، كُلُّ رَجُلٍ إِلى ميراثِه، لِيَرِثوا الأَرْض. ٧وعَبَدَ الشَّعبُ الرَّبَّ كُلَّ أَيَّامِ يَشوعَ وكُلَّ أَيَّامِ الشُّيوخِ الَّذينَ ٱمتَدَّت أَيَّامُهم إِلى ما بَعدَ يَشوع، ورَأَوا كُلَّ أَعْمالِ الرَّبِّ العَظيمةِ الَّتي صَنَعَها إِلى إِسْرائيل. ٨وتُوُفِّيَ يَشوعُ بنُ نون، عَبدِ الرَّبّ، وهو ٱبنُ مِئَةٍ وعَشرِ سِنين. ٩ودُفِنَ في أَرضِ ميراثِه في تِمنَةَ حارسَ، في جَبَلِ أَفْرائيم، إِلى شَمالِ جَبَلِ جاعَش. ١٠وٱنضَمَّ ذٰلك الجيلُ كُلُّه إِلى آبائِه، ونَشَأَ مِن بَعدِه جيلٌ آخَرُ لا يَعرِفُ الرَّبَّ ولا ما صَنَعَ إِلى إِسْرائيل.

التفسير الدينيّ لعصر القضاة

١١ففَعَلَ بَنو إِسْرائيلَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبِّ وعَبَدوا البَعْل. ١٢وتَرَكوا الرَّبَّ، إِلٰهَ آبائِهمِ، الَّذي أَخرَجَهم مِن أَرضِ مِصرَ، وتَبِعوا آلِهَةً أُخْرى مِن آلِهَةِ الشُّعوبِ الَّتي حَولَهم وسَجدوا لَها فأَسخَطوا الرَّبّ. ١٣وتَرَكوا الرَّبَّ وعَبدوا البَعلَ والعَشْتاروت. ١٤وغَضِبَ الرَّبُّ على إِسْرائيلَ فأَسلَمَهم إِلى أَيدي السَّالِبينَ فسَلَبوهم، وباعَهم إِلى أَيدي أَعْدائِهمِ الَّذينَ حَولَهم، ولم يَقدِروا بَعدَ ذٰلك أَن يَثبُتوا أَمامَ أَعْدائهم. ١٥فكانوا حَيثُما خَرَجوا تَكونُ يَدُ الرَّبِّ علَيهم لِلشَّرّ، كما قالَ لَهمُ الرَّبّ، وكما أَقسَمَ الرَّبُّ لَهم، فضاقَ بِهمِ الأَمرُ جِدًّا.

١٦فأَقامَ الرَّبُّ علَيهم قُضاة، فخَلَّصوهم مِن أَيدي السَّالِبين. ١٧ولٰكِن لِقُضاتِهم أَيضًا لم يَسمَعوا، بل زَنَوا بٱتِّباعِهم آلِهَةً أُخْرى وسَجَدوا لَها، وسُرْعانَ ما حادوا عنِ الطَّريقِ الَّتي سَلَكها آباؤُهم طائعينَ وَصايا الرَّبّ، ولم يَصنَعوا مِثلَهم. ١٨فلَمَّا أَقامَ الرَّبُّ علَيهم قُضاة، كانَ الرَّبُّ مع القاضي. فكانَ يُخَلِّصُهم مِن أَيدي أَعْدائِهم كُلَّ أَيَّامِ القاضي، لِأَنَّ الرَّبَّ رَئِفَ بأَنينِهم مِن ظالِميهم ومُضايِقيهم. ١٩وإِذا ماتَ القاضي، كانوا يَرجِعونَ إِلى الفَسادِ أَكثَرَ مِن آبائِهم بِٱتِّباعِهم آلِهَةً أُخْرى لِيَعبُدوها ويَسجُدوا لَها، ولم يَكُفُّوا عن مُمارَساتِهم وقَساوَةِ طَريقِهم.

سبب استمرار الأمَم الغريبة

٢٠فغَضِبَ الرَّبُّ على إِسْرائيلَ وقال: «بما أَنَّ هٰذه الأُمَّةَ قد تَعَدَّت عَهْدِيَ الَّذي أَوصَيتُ به آباءَها ولم تَسمَعْ لِصَوتي، ٢١فلا أَعودُ أَنا أَيضًا أَطرُدُ أَحَدًا مِن أَمامِها، مِنَ الأُمَمِ الَّتي تَرَكَها يَشوعُ عِندَ وفاتِه، ٢٢لِأَمتَحِنَ بِها إِسْرائيلَ فأَعلَمَ هل يَحفَظونَ طَريقَ الرَّبّ ويَسلُكونَها كما حَفِظَها آباؤُهم، أَم لا». ٢٣فتَرَكَ الرَّبُّ تِلكَ الأُمَم ولم يَطرُدْها سَريعًا، ولم يُسلِمْها إِلى يَدِ يَشوع.

القضاة ٣

١وتِلكَ هي الأُمَمُ الَّتي تَرَكَها الرَّبُّ لِيَمتَحِنَ بِها إِسْرائيل، جَميعَ الَّذينَ لم يَعرِفوا حُروبَ كَنْعان ٢(لِتَعْليمِ أَجْيالِ بَني إِسْرائيلَ فَقَط، لِتَعْليمِ الحَربِ لِلَّذينَ لم يَعْرِفوها قَبلًا فَقَط): ٣خَمْسَةُ أَقْطابِ الفَلِسطينِيِّين وجَميعُ الكَنْعانِيِّينَ والصَّيدونِيِّينَ والحُوِّيِّينَ المُقيمينَ بِجَبَلِ لُبْنان، مِن جَبَلِ بَعلَ حَرْمونَ إِلى مدخَلِ حَماة. ٤ولَم يَكونوا إِلَّا لِٱمتِحانِ إِسْرائيلَ بِهم، هَل يَسمَعونَ لِوَصايا الرَّبِّ الَّتي أَوصى بَها آباءَهم على لِسان موسى. ٥فأَقامَ بَنو إِسْرائيلَ بَينَ الكَنْعانِيِّينَ والحِثِّيِّينَ والأَمورِيِّينَ والفَرِزِّيِّينَ والحُوِّيِّينَ واليَبوسِيِّين. ٦وٱتَّخَذوا بَناتِهم زَوجاتٍ لَهم وأَعْطَوا بَناتِهم لِبَنيهم، وعَبَدوا آلِهَتَهم.

تاريخ القضاة

١. عُتنيئيل

٧وصَنَعَ بَنو إِسْرائيلَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ، ونَسوا الرَّبَّ إِلٰهَهم، وعَبَدوا البَعْلَ والعَشْتاروت. ٨فغَضِبَ الرَّبُّ على إِسْرائيل، وباعَهم إِلى يَدِ كوشانَ رِشَعْتائيم، مَلِكِ أَدوم، وٱستُعبِدَ بَنو إِسْرائيلَ لِكوشانَ رِشَعْتائيمَ ثَمانِيَ سِنين.

٩فَصَرَخَ بَنو إِسْرائيلَ إِلى الرَّبّ، فأقامَ الرَّبُّ لِبَني إِسْرائيلَ مُخَلِّصًا فَخَلَّصَهم، وهو عُتْنيئيلُ بنُ قَناز، أَخو كالِبَ الأَصغَر. ١٠وكانَ روحُ الرَّبِّ علَيه، فَتَوَلَّى القَضاءَ لإِسْرائيل، وخَرَجَ لِلحَرْب، فأَسلَمَ الرَّبُّ إِلى يَدِه كوشانَ رِشَعْتائيم، مَلِكَ أَدوم، وٱشتَدَّت يَدُه على كوشانَ رِشَعْتائيم. ١١وهَدَأَتِ الأَرضُ أَربَعينَ سَنَة. وتُوُفِّيَ عُتْنيئيلُ بنُ قَناز.

٢. أَهود

١٢فعادَ بَنو إِسْرائيلَ إِلى عَمَلِ الشَّرِّ في عَينَيِ الرَّبّ، فقَوَّى الرَّبُّ عَجْلون، مَلِكَ موآب، على إِسْرائيل، لِأَنَّهم صَنَعوا الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ. ١٣فضَمَّ إِلَيه بَني عَمُّونَ وعَماليق، ومضى وضَرَبَ إِسْرائيل، وأَخَذَ مَدينَةَ النَّخْل. ١٤وٱستُعبِدَ بَنو إِسْرائيلَ لِعَجْلون، مَلِكِ موآب، ثَمَانِيَ عَشرَةَ سَنَة.

١٥فصَرَخَ بَنو إِسْرائيلَ إِلى الرَّبّ، فأَقامَ الرَّبُّ لَهم مُخَلِّصًا، أَهودَ بنَ جيرا البَنْيامينِيّ، وكانَ رَجُلًا أَيسَر. فأَرسَلَ بَنو إِسْرائيلَ عن يَدِه جِزيَةً إِلى عَجْلون، مَلِكِ موآب ١٦فعَمِلَ أَهودُ لِنَفْسِه سَيفًا ذا حَدَّين، طولُه ذِراع، وتَقَلَّدَه تَحتَ ثَوبِه على فَخذِه اليُمْنى. ١٧وقَدَّمَ الجِزيَةَ إِلى عَجْلون، مَلِكِ موآب، وكانَ عَجْلونُ رَجُلًا سَمينًا جِدًّا. ١٨فلَمَّا ٱنتَهَى مِن تَقْديمِ الجِزْيَة، صَرَفَ القَومَ حامِلي الجِزْيَة. ١٩ثُمَّ رَجَعَ مِن عِندِ الأَوثانِ الَّتي عِندَ الجِلْجالِ وقال: «لي إِلَيكَ كَلامُ سِرٍّ أَيُّها المَلِك». فقال: «صَه!». فخَرَجَ مِن عِندِ المَلِكِ جَميعُ الواقِفينَ لَدَيه. ٢٠فتَقَدَّمَ إِلَيه أَهود، وكانَ جالِسًا في غُرفَةِ السَّطْحِ الَّتي كانَت لَه وَحدَه. وقالَ أَهود: «لي إِلَيكَ كَلامٌ مِن عِندِ الله». فنَهَضَ عَجْلونُ عن سَريره. ٢١فمَدَّ أَهودُ يَدَه اليُسْرى، وأَخَذَ السَّيفَ عن فَخذِه اليُمْنى، وضَرَبَه في بَطنِه». ٢٢فغاصَ المِقبَضُ أَيضًا وَراءَ النَّصْل، وأَطبَقَ الشَّحْمُ وَراءَ النَّصْل، لِأَنَّه لم يَنزِعِ السَّيفَ من بَطنِه، وخَرَجَ مِنَ النَّافِذَة ٢٣بَعدَ أَن أَغلَقَ أَبْوابَ الغُرفَةِ وَراءَه وأَقفَلَها.

٢٤فلَمَّا خَرَجَ أَهود، دَخَلَ خَدَمُ المَلِكِ ونَظَروا، فإِذا أَبْوابُ الغُرفَةِ مُقفَلة. فقالوا: «لَعَلَّه يَقْضي حاجَةً في مُخدَعِ غُرفَةِ السَّطْح». ٢٥فٱنتَظَروا حتَّى ٱحْتاروا في أَمرِه، ورَأَوا أَنَّه لم يَفتَحْ أَبْوابَ الغُرْفَة، فأَخذوا المِفْتاحَ وفَتَحوا، فإِذا سَيِّدُهم صَريعٌ على الأَرضِ مَيتًا.

٢٦وفيما هم كانوا يَنْتَظِرون، أَفلَتَ أَهودُ ومَرَّ على الأَوثان ونَجا إِلى سَعيرة. ٢٧وعِندَ وُصولِه، نَفَخَ في البوقِ في جَبَلِ أَفْرائيم. فنَزَلَ بَنو إِسْرائيلَ معَه مِنَ الجَبَل، وهو أَمامَهم. ٢٨فقالَ لَهم: «إِتْبَعوني، فإِنَّ الرَّبَّ قد أَسلَمَ إِلى أَيديكم أَعْداءَكمُ المُوآبِيِّين». فنَزَلوا وَراءَه وٱستَولَوا على مَعابِرِ الأُردُنِّ إِلى موآب، ولَم يَدَعوا أَحَدًا يَعبُر. ٢٩فضَرَبوا مِنَ المُوآبِيِّينَ في ذٰلك الوَقتِ نَحوَ عَشَرَةِ آلافِ رَجُل، كُلَّ شُجاعٍ وكُلَّ رَجُلِ بَأس، ولم يَنجُ مِنهم أَحد. ٣٠فذَلَّ المُوآبِيُّونَ تَحتَ يَدِ إِسْرائيلَ في ذٰلك اليَوم، وهَدَأَتِ الأَرضُ ثَمانينَ سَنَة. 

٣. شَمجَر

٣١وقامَ مِن بَعدِه شَمجَرُ بنُ عَنات، فضَرَبَ مِن أَهلِ فَلِسْطينَ سِتَّ مِئَةِ رَجُلٍ بِمِنخَسِ البَقَر، وخَلَّصَ هو أَيضًا إِسْرائيل.

القضاة ٤

٤. دَبورة وباراق

الكنعانيّون يظلمون بني إِسْرائيل

١وعادَ بَنو إِسْرائيلَ فصَنَعوا الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبِّ بَعدَ مَوتِ أَهود. ٢فباعَهمُ الرَّبُّ إِلى يَدِ يابين، مَلِكِ كَنْعانَ، الَّذي كانَ مَلِكًا بِحاصور. وكانَ قائِدُ جَيشِه سيسَرا، وهو مُقيمٌ بِحَروشَتِ الأُمَم. ٣فصَرَخَ بَنو إِسْرائيلَ إِلى الرَّبّ، لِأَنَّه كانَت له تِسعُ مِئَةِ مَركَبَةٍ مِن حَديد، وقد ضَيَّقَ على بَني إِسْرائيلَ بِشِدَّةٍ عِشْرينَ سَنَة.

دبورة

٤وكانَت دَبورةُ، وهي نَبِيَّةٌ وزَوجَةٌ لَفيدوت، مُتَوَلِّيَةً قَضاءَ بَني إِسْرائيلَ في ذٰلك الزَّمان. ٥وكانَت تَجلِسُ تَحتَ نَخْلَةِ دَبورَة، بَينَ الرَّامةِ وبَيتَ إِيل، في جَبَلِ أَفْرائيم، وكانَ بَنو إِسْرائيلَ يَصعَدونَ إِلَيها لِتَقضِيَ لَهم. ٦فأَرسَلَت ودَعَت باراقَ بنَ أَبينوعَم، مِن قادَشَ نَفْتالي، وقالَت له: «أَلَيسَ أَنَّ الرَّبَّ إِلٰهَ إِسْرائيلَ قد أَمَرَ أَن: ٱمْضِ وجَنِّدْ في جَبَلِ تابور وخُذْ معَكَ عَشَرَةَ آلافِ رَجُلٍ مِن بَني نَفْتالي ومِن بَني زَبولون؟ ٧وأَنا أَستَدرِجُ إِلَيكَ سيسَرا، قائِدَ جَيشِ يابينَ ومَركَباتِه وجُندَه إِلى نَهرِ قيشون، وأُسلِمُه إِلى يَدِكَ». ٨فقالَ لَها باراق: «إِن أَنتِ ٱنطَلَقتِ معي ٱنطَلَقتُ، وإِن لم تَنطَلِقي فلا أَنطَلِق». ٩فقالَت لَه: «أَنطَلِقُ مَعكَ، غَيرَ أَنَّه لا يَكونُ لَكَ فَخْرٌ في الطَّريقِ الَّذي أَنتَ سالِكُه، فإِنَّ الرَّبَّ إِلى يَدِ ٱمرَأَةٍ يُسلِمُ سيسَرا». وقامَت دَبورةُ فٱنطَلَقَت مع باراقَ إِلى قادَش. ١٠ودَعا باراقُ زَبولونَ ونَفْتالِيَ إِلى قادَش وصَعِدَ ووَراءَه عَشَرَةُ آلافِ رَجُل، وصَعِدَت دَبورةُ معَه.

حابَر القَينيّ

١١وكانَ حابَرُ القَينِيُّ قد ٱنْفَصَلَ عنِ القَينِيِّينَ وعن بَني حوباب، حَمي موسى، ونَصَبَ خَيمَتَه إِلى جانِبِ شَجَرَةِ بَلُّوطٍ في صَعْتَنِّيمَ الَّتي عِندَ قادَش.

هزيمة سيسَرا

١٢فأُخبِرَ سيسَرا أَنَّ باراقَ بنَ أَبينوعَمَ صَعِدَ إِلى جَبَلِ تابور. ١٣فٱستَدْعى سيسَرا جَميعَ مَركَباتِه، وهي تِسعُ مِئَةِ مَركَبةٍ مِن حَديد، وكُلَّ الشَّعبِ الَّذي عِندَه مِن حَروشَتِ الأُمَمِ إِلى نَهرِ قيشون. ١٤فقالَت دَبورةُ لِباراق: «قُمْ، فإِنَّ الرَّبَّ يُسلِمُ اليَومَ سيسَرا إِلى يَدَيكَ، وهُوَذا الرَّبُّ يَخرُجُ أَمامَكَ». فنَزَلَ باراقُ مِن جَبَلِ تابور، ووَراءَه عَشَرَةُ آلافِ رَجُل. ١٥وأَلْقى الرَّبُّ رُعبًا على سيسَرا وجَميعِ مَركَباتِه، وقَتَلَ جَميعَ جَيشِه بِحَدِّ السَّيفِ أَمامَ باراق. فتَرَجَّلَ سيسَرا عن مَركَبَتِه وهَرَبَ راجِلًا. ١٦فطارَدَ باراقُ مَركَباتِه وجَيشَه إِلى حَروشَتِ الأُمَم، وسَقَطَ كُلُّ مَن كانَ في جَيشِه بِحَدِّ السَّيف، ولم يَبْقَ مِنهم باقٍ.

موت سيسرا

١٧وهَرَبَ سيسَرا راجِلًا نَحوَ خَيمَةِ ياعيل، ٱمرَأَةِ حابَرَ القَينِيّ، لِأَنَّه كانَت مُسالَمَةٌ بَينَ يابين، مَلِكِ حاصور، وآلِ حابَرَ القَينِيّ. ١٨فخَرَجَت ياعيلُ لِٱستِقْبالِ سيسَرا وقالَت له: «مِلْ يا سَيِّدي، مِلْ إِلَيَّ ولا تَخَفْ». فمالَ إِلَيها ودَخَلَ خَيمَتَها، فغَطَّته بِغِطاء. ١٩فقالَ لَها: «إِسْقيني قَليلًا مِنَ الماء، فإِنِّي عَطْشان». ففَتَحَت زِقَّ اللَّبَنِ وسَقَته، ثُمَّ غَطَّته. ٢٠فقالَ لَها: «قِفي على بابِ الخَيمَة، فإِن أَتاكِ أَحَدٌ وسأَلَكِ: أَهٰهُنا أَحَد؟، فقولي: لا». ٢١لٰكِنَّ ياعيلَ، ٱمرَأَةَ حابَر، أَخَذَت وَتَدًا مِن أَوتادِ الخَيمَة، وأَخَذَتِ المِطرَقَةَ بِيَدِها وسارَت إِلَيه بِهُدوء وضَرَبَتِ الوَتَدَ في صُدغِه حَتَّى ٱنغَرَزَ في الأَرْض، وكانَ نائِمًا مُنهَكًا فمات. ٢٢وإِذا بِباراقَ يُطارِدُ سيسَرا، فخَرَجَت ياعيلُ لِٱستِقْبالِه وقالَت لَه: «تَعالَ، أُرِكَ الرَّجُلَ الَّذي أَنتَ طالِبُه». فدَخَلَ فإِذا بِسيسرا ساقِطٌ مَيتًا والوَتَدُ في صُدْغِه.

نجاة إسرائيل

٢٣وأَذَلَّ اللهُ في ذٰلك اليَومِ يابين، مَلِكَ كَنْعان، أَمامَ بَني إِسْرائيل. ٢٤وأَخَذَت يَدُ بَني إِسْرائيلَ تَقْسو على يابين، مَلِكِ كَنْعان، حتَّى قَضَوا علَيه.

القضاة ٥

نشيد دَبورة وباراق

١فأَنشَدَت دَبورةُ وباراقُ بنُ أَبينوعَمَ في ذٰلك اليَومِ وقالا:

٢إِذا ما ٱستَرسَلَ الشَّعَرُ في إِسْرائيل

وتَطَوَّعَ الشَّعبُ، بارِكوا الرَّبّ

٣إِستَمِعوا أَيُّها المُلوك

وأَصْغوا أَيُّها العُظَماء.

إِنِّي لِلرَّبِّ أُنشِد

ولِلرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرائيلَ أَعزِف

٤حينَ خَرَجتَ يا رَبُّ مِن سِعير

وزَحَفتَ مِن حُقولِ أَدوم

رَجَفَتِ الأَرضُ وقَطَرَتِ السَّماء

قَطَرَتِ الغَمائِمُ ماءً

٥تَزَعزعَتِ الجِبالُ مِن وَجهِ الرَّبِّ

رَبِّ سيناء، أَمامَ الرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرائيل.

٦في أَيَّامِ شَمجَرَ بنِ عَنات

وفي أَيَّامِ ياعيل غابَتِ القَوافِل

وسَلَكَ عابرو الطريقِ دُروبًا مُتَلَوِّيَة.

٧إِنقَطَعَت حَياةُ الرِّيفِ في إِسْرائيل

اِنقَطَعَت حتَّى قُمتِ، يا دَبورة

قُمتِ أُمًّا في إِسْرائيل.

٨إِخْتاروا لِأَنفُسِهم آلِهَةً جَديدة

فكانَتِ الحَربُ على الأَبْواب.

ما كُنتَ تُبصِرُ تُرسًا ولا رُمحًا

في أَربَعينَ أَلفًا مِن إِسْرائيل.

٩قَلْبي إِلى قادةِ إِسْرائيل

إِلى المُتَطَوِّعينَ في الشَّعْب!

باركوا الرَّبّ!

١٠أَيُّها الرَّاكِبونَ أُتُنًا بَيضاء

والجالِسونَ على طَنافِس

وأَنتُم أَيُّها السَّائِرونَ في الطَّريقِ أَنشِدوا

١١بصَوتٍ أَعْلى مِن أَصْواتِ مُوَزِّعي الماءِ

عِندَ المَوارِد

هُناكَ يُشيدونَ بِمَبَرَّاتِ الرَّبّ

بِمَبَرَّاتِ قُوَّتِه في إِسْرائيل.

(حينَئذٍ نَزَلَ شَعبُ الرَّبِّ إِلى الأَبْواب).

١٢إِستَيقِظي ٱستَيقِظي يا دَبورة

اِستَيقِظي ٱستَيقِظي وٱهتِفي بِنَشيد.

إِنهَضْ يا باراق

وٱسبِ سَبيَكَ يا ٱبنَ أَبينوعَم.

١٣حينَئِذٍ نَزَلَ النَّاجي إِلى الأَشْراف

نَزَلَ شَعبُ الرَّبِّ إِلَيَّ كالمُحارِبينَ البَواسِل.

١٤مِن أَفْرائيمَ نَزَلَ المُتَأَصِّلونَ في عَماليق

وَراءَكَ بَنْيامينُ بَينَ قَومِكَ.

ومِن ماكيرَ نَزَلَ رُؤَساء

ومِن زَبولونَ حامِلو صَولجانِ القِيادَة.

١٥رُؤَساءُ يَسَّاكَرَ مع دَبورَة

وكيَسَّاكَرَ ٱندَفَعَ باراقُ

على رِجلَيه إِلى الوادي

في عَشائِرِ رَأُوبين

نِيَّاتُ القَلبِ عَظيمة.

١٦ما بالُكَ جالِسًا في الحَظائِر

تَسمَعُ صَفيرَ الرُّعاة؟

في عَشائِرِ رأُوبين

نِيَّاتُ القَلْبِ عَظيمة.

١٧جِلْعادُ سَكَنَ في عِبرِ الأُردُنّ

ودانٌ فلِماذا يُقيمُ على سُفُن؟

أَشيرُ على سَواحِلِ البِحارِ لَبِث

وفي مَوانيه سَكَن.

١٨زَبولونُ شَعبٌ خاطَرَ بِنَفْسِه لِلمَوت

وكذا نَفْتالي على مَشارِفِ الحُقول.

١٩أَتى المُلوكُ وقاتَلوا

قاتَلوا مُلوكَ كَنْعانَ

في تَعْناكَ عِندَ مِياهِ مَجِدُّو

وغَنيمَةَ فِضَّةٍ لم يَغنَموا.

٢٠مِنَ السَّماءِ قاتَلَتِ الكَواكِب

ومِن مَدارِها قاتَلَت سيسَرا.

٢١نَهرُ قيشونَ جَرَفَهم

نَهرُ القِدَمِ نَهرُ قيشون.

سيري بِبَأسٍ يا نَفْسي.

٢٢حينَئذٍ حوافِرُ خَيلِهم تَضرِبُ الأَرض

بِعَدْوِ جِيادِهم، بِعَدْوِ جِيادِهم.

٢٣إِلعَنوا ميروزَ، يَقولُ مَلاكُ الرَّبّ

إِلعَنوا سُكَّانَها لَعنَةً

لِأَنَّهم لم يأتوا لِنُصرَةِ الرَّبّ

لِنُصرَةِ الرَّبِّ بَينَ الأَبْطال.

٢٤ولْتُبارَكْ بَينَ النِّساءِ ياعيل

(اِمرَأَةُ حابَرَ القَينِيّ)

لِتُبارَكْ بَينَ جَميعِ السَّاكِناتِ في الخِيام!

٢٥طَلَبَ ماءً فأَعطَته لَبَنًا حَليبًا

في كوبِ الأَشْرافِ قَدَّمَت زُبدَة.

٢٦مَدَّت يَدَها إِلى وَتَدٍ

ويَمينَها إِلى مِطرَقَةِ الصُّنَّاع

وضَرَبَت سيسَرا وكَسَّرَت رَأسَه

وحَطَّمَت وخَرَقَت صُدغَه.

٢٧بَينَ قَدَمَيها ٱنْهارَ وسَقَطَ وٱنطَرَح

وعِندَ قَدَمَيها ٱنْهارَ وسَقَط

وحَيثُ ٱنهارَ سَقَطَ صَريعًا.

٢٨مِنَ الكُوَّةِ أَشرَفَت أُمُّ سيسَرا

ومِن وَراءِ الشُّبَّاكِ راقَبَت.

لِماذا بَطُئَت مَركَبَتُه عنِ المَجيء؟

لِماذا تَأَخَّرَ سَيرُ عَجَلاتِه؟

٢٩فأَجابَتْها أَحكَمُ سَيِّداتِها

بل هي أَجابَت نَفْسَها:

٣٠أَلَيسَ أَنَّهم يَقتَسِمونَ غَنيمةً أَصابوها:

فَتاةٌ، فَتاتانِ لِكُلِّ مُحارِب

لِسيسَرا غَنيمةُ أَقمِشَةٍ مُزَخرَفة

غَنيمةُ أَقمِشَةٍ مُزَخرَفَة مُطَرَّزةٌ

مُطَرَّزتانِ لِأَعْناقِهنَّ.

٣١هٰكذا فلْيَبِدْ جَميعُ أَعْدائِكَ يا رَبّ

ولْيَكُنْ مُحِبُّوكَ كالشَّمسِ المُشرِقَةِ في قُوَّتِها.

وهَدَأَتِ الأَرضُ أَربَعينَ سَنَة.

القضاة ٦

٥. جِدعون وأَبيملك

أ – دعوة جِدعون

بنو مِديَن يظلمون إسرائيل

١وصَنَعَ بَنو إِسْرائيلَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ، فأَسلَمَهمُ الرَّبُّ إِلى أَيدي مِديَنَ سَبعَ سِنين. ٢وقَوِيَت أَيدي مِديَنَ على إِسْرائيل، فٱتَّخَذَ بَنو إِسْرائيلَ لِأَنفُسِهمِ الشُّقوقَ الَّتي في الجِبالِ والكُهوفَ والمَلاجِئَ بِسَبَبِ مِديَن. ٣وكانَ، إِذا زَرَعَ إِسْرائيل، يَصعَدُ المِديَنِيُّونَ والعَمالِقَةُ وبَنو المَشرِق، ويَخرُجونَ علَيهم، ٤ويُعَسكِرونَ علَيهم، ويُتلِفونَ غَلَّةَ الأَرْض، إِلى مَدْخَلِ غَزَّة، ولا يُبقونَ ميرَةً في إِسْرائيل، ولا غَنَمًا ولا بَقَرًا ولا حَميرًا، ٥لِأَنَّهم كانوا يَصعَدونَ بماشِيَتِهم وخِيامِهم، ويأتونَ في عَدَدِ الجَرادِ كَثرَةً، لا يُحصَونَ هم ولا جِمالُهم، ويأتونَ الأَرضَ ويُتلِفونَها. ٦فٱفتَقَرَ إِسْرائيلُ جِدًّا بِسَبَبِ مِديَن، وصَرَخَ بَنو إِسْرائيلَ إِلى الرَّبّ.

تدخّل أحد الأنبياء

٧وكانَ، لَمَّا صَرَخَ بَنو إِسْرائيلَ إِلى الرَّبِّ بِسَبَبِ المِديَنِيِّين، ٨أَنَّ الرَّبَّ أَرسَلَ إِلى بَني إِسْرائيلَ رَجُلًا نَبِيًّا، فقالَ لَهم: «هٰكذا يَقولُ الرَّبُّ، إِلٰهُ إِسْرائيل: إِنِّي قد أَصعَدتُكم مِن مِصْرَ، وأَخرَجتُكُم مِن دارِ العُبودِيَّة، ٩وأَنقَذتُكم مِن يَدِ المِصرِيِّينَ ومن يَدِ جَميعِ ظالِميكم، وطَرَدتُهم مِن أَمامِكم وأَعطَيتُكم أَرضَهم، ١٠وقُلتُ لَكم: إِنِّي أَنا الرَّبُّ إِلٰهُكم، فلا تَخافوا آلِهَةَ الأَمورِيِّينَ الَّذينَ أَنتُم مُقيمونَ بِأَرضِهم، فلَم تَسمَعوا لِصَوتي».

ترائي ملاك الربّ لجدعون

١١وجاءَ مَلاكُ الرَّبِّ وجَلَسَ تَحتَ البُطمَةِ الَّتي في عُفرَةَ الَّتي لِيُوآشَ الأَبيعَزَرِيّ، وكانَ جِدْعُونُ ٱبنُه يَدوسُ الحِنطَةَ في المَعصَرَة، لِتَهْريبِها مِن أَمامِ المِديَنِيِّين. ١٢فتَراءَى لَه مَلاكُ الرَّبِّ وقالَ لَه: «الرَّبُّ مَعَكَ، أَيُّها المحارِبُ الباسِل». ١٣فقالَ لَه جِدْعُون: «ناشَدتُكَ، يا سيِّدي، إِن كانَ الرَّبُّ مَعَنا، فلِماذا أَصابَنا هٰذا كُلُّه؟ وأَينَ جَميعُ مُعجِزاتِه الَّتي حَدَّثَنا بِها آباؤُنا، قائِلينَ لَنا: إِنّ الرَّبَّ أَصعَدَنا مِن أَرضِ مِصْر؟ والآنَ قد تَرَكَنا الرَّبُّ وجَعَلَنا في قَبضَةِ مِديَن».

١٤فٱلتَفَتَ إِلَيه الرَّبُّ وقال: «إِنطَلِقْ بِقُوَّتِكَ هٰذه وخَلِّصْ إِسْرائيلَ مِن قَبضَةِ مِديَن، أَفلَم أُرسِلْكَ؟» ١٥فقالَ لَه جِدْعُون: «ناشَدتُكَ يا سَيِّدي. بماذا أُخَلِّصُ إِسْرائيل؟ هٰذه عَشيرَتي أَضعَفُ عَشيرةٍ في منَسَّى، وأَنا الأَصغَرُ في بَيتِ أَبي». ١٦فقالَ لَه الرَّبّ: «أَنا أَكونُ مَعَكَ، وستَضرِبُ مِديَنَ كأَنَّه رَجُلٌ واحِد». ١٧فقالَ لَه: «إِن كُنتُ قد نِلتُ حُظوَةً في عَينَيكَ، فأَعطِني عَلامةً على أَنَّكَ أَنتَ الَّذي كَلَّمَني. ١٨لا تَبتَعِدْ مِن هٰهُنا، حتَّى آتِيَكَ وأُخرِجَ تَقدِمَتي وأَضَعَها أَمامَك». فقالَ لَه: «إِنِّي مُقيمٌ حتَّى تَعود».

١٩فدَخَلَ جِدْعُونُ وأَعَدَّ جَديًا مِنَ المَعِزِ وإِيفَةَ دَقيقٍ فَطيرًا، وجَعَلَ اللَحمَ في سَلَّة، ووَضَعَ مَرَقَ اللَّحْمِ في قِدرٍ، وخَرَجَ بِذٰلكَ إِلَيه تَحتَ البُطمَةِ وقَدَّمَه. ٢٠فقالَ لَه مَلاكُ الله: «خُذِ اللَّحمَ والفَطير، وضَعْهما على هٰذه الصَّخرَة، وصُبَّ المَرَق». ففَعَلَ هٰكذا. ٢١فمَدَّ مَلاكُ الرَّبِّ طَرَفَ العَصا الَّتي بِيَدِه ومَسَّ اللَّحمَ والفَطير، فصَعِدَت نارٌ مِنَ الصَّخرَةِ وأَكَلَتِ اللَّحمَ والفَطير، وغابَ مَلاكُ الرَّبِّ عن عَينَيه. ٢٢فعَلِمَ جِدْعُونُ أَنَّه مَلاكُ الرَّبّ. فقالَ جِدْعُون: «آهِ أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ، إِنِّي رأَيتُ مَلاكَ الرَّبِّ وَجهًا لِوَجه». ٢٣فقالَ لَه الرَّبّ: «السَّلامُ عَليكَ، لا تَخَفْ فإِنَّكَ لا تَموت». ٢٤فبَنى جِدْعُونُ هُناكَ مَذبَحًا لِلرَّبّ، ودَعاه «الرَّبُّ سَلام»، وهو إِلى هٰذا اليَومِ لا يَزالُ في عُفرَةِ الأَبيعَزَرِيِّين.

جدعون يهدم مذبح البَعل

٢٥وكانَ في تِلكَ اللَّيلَةِ عَينِها أَنَّ الرَّبَّ قالَ لَه: «خُذْ ثَورَ أَبيكَ، الثَّورَ الَّذي أَتَت علَيه سَبعُ سِنين، وقَوِّضْ مَذبَحَ البَعْلِ الَّذي لِأَبيكَ، وقَطِّعِ الوَتَدَ المُقَدَّسَ الَّذي بِقُربِه، ٢٦وٱبنِ مَذبَحًا لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ على رأسِ هٰذه القَلعَةِ على النِّظامِ المألوف، وخُذِ الثَّورَ الثَّانِيَ وأَصعِدْه مُحرَقَةً على حَطَبِ الوَتَدِ المُقَدَّسِ الَّذي تُقَطِّعُه». ٢٧فأَخَذَ جِدْعُونُ عَشَرَةَ رِجالٍ من خَدَمِه، وفَعَلَ كما أَمَرَه الرَّبّ، وخافَ مِن بَيتِ أَبيه ومِن رِجالِ المَدينَةِ أَن يَعمَلَ ذٰلك نَهارًا، فعَمِلَه لَيلًا. ٢٨وبَكَّرَ رِجالُ المَدينَةِ صَباحًا، فإِذا مَذبَحُ البَعلِ قد هُدِم، والوَتَدُ المُقَدَّسُ الَّذي كانَ بِقُربِه قد قُطِّع، وقَد أُصعِدَ الثَّورُ الثَّاني على المَذبَحِ المَبنِيّ. ٢٩فقالَ بَعضُهم لِبَعْض: «مَن فَعَلَ هٰذا الأَمْر؟» وبَحَثوا وٱستَخبَروا فقالوا: «إِنَّ جِدْعُونَ بنَ يوآشَ هو الَّذي فَعَلَ هٰذا الأَمْر» ٣٠فقالَ أَهلُ المَدينَةِ لِيُوآش: «أَخرِجِ ٱبنَكَ لِيُقتَل، لِأَنَّه هَدَمَ مَذبَحَ البَعلِ وقَطَّعَ الوَتَدَ المُقَدَّسَ الَّذي بِقُربِه». ٣١فقالَ يوآشُ لِجَميعِ الواقِفينَ بِالقُرْبِ مِنه: «أَعلَيكم أَنتُم أَن تُدافِعوا عنِ البَعْل؟ أَعلَيكم أَنتُم أن تُخَلِّصوه؟ (مَن أَرادَ أَن يُدافِعَ عَنه فإِنَّه إِلى الصَّباحِ مَقْتول). إِن كانَ هو إِلٰهًا، فلْيُدافِعْ عن نَفْسِه مِمَّن هَدَمَ مَذبَحَه». ٣٢ودُعِيَ جِدْعُونُ في ذٰلك اليَومِ يَرُبَّعْل، وقيلَ: «لِيَنتَقِمْ مِنه البَعْلُ، لِأَنَّه هَدَمَ مَذبَحَه».

الاستنفار

٣٣وٱنضَمَّ جَميعُ مِديَنَ وعَماليقَ وبَني المَشرِقِ معًا، وعَبَروا الأُردُنّ، وعَسكَروا في سَهلِ يِزْرَعيل. ٣٤وحَلَّ روحُ الرَّبِّ على جِدْعُون، فنَفَخَ في البوق، فخَرَجَ أَهلُ أَبيعَزَرَ وتَبِعوه. ٣٥وأَرسَلَ رُسُلًا إِلى جَميعِ مَنَسَّى وٱستَدْعاهم لِيَتبَعوه. وأَرسَلَ رُسُلًا إِلى أَشيرَ وإِلى زَبولونَ وإِلى نَفْتالي، فصَعِدوا لِمُلاقاتِه.

إمتحان جُزاز الصوف

٣٦وقالَ جِدْعُونُ لله: «إِن كُنتَ مُخَلِّصَ بَني إِسْرائيلَ عن يدي، كما قُلتَ، ٣٧فهاءَنَذا واضِعٌ جُزازَ صوفٍ في البَيدَر. فإِذا سَقَطَ النَّدى على الجُزازِ وَحدَه، وعلى سائِرِ الأَرضِ جَفاف، عَلِمتُ أَنَّكَ تُخلِّصُ إِسْرائيلَ عن يَدي، كما قُلتَ». ٣٨فكانَ كذٰلك. وبَكَّرَ في الغَد، فعَصَرَ الجُزاز، فخَرَجَ مِنه مِنَ النَّدى مِلءُ كوبِ ماء. ٣٩فقالَ جِدْعُونُ لله: «لا تَغضَبْ علَيَّ، فأَتكَلَّمَ ثانِيةً أَيضًا وأُجَرَّبَ مَرَّةً أُخْرى فَقَط بِالجُزاز: لِيَكُنْ على الجُزازِ وَحدَه جَفاف وعلى سائِرِ الأَرضِ نَدى». ٤٠فصَنَعَ الرَّبُّ كذٰلك في تِلكَ اللَّيلَة، فكانَ على الجُزازِ وَحدَه جَفافٌ وعلى سائِرِ الأَرضِ نَدى.

القضاة ٧

ب – حملة جدعون غربيَّ الأردنّ

الربّ ينقّص جيشَ جدعون

١فبَكَّرَ يَرُبَّعلُ، وهو جِدْعُون، وجَميعُ القَومِ الَّذينَ معَه، وعَسكَروا في عَينِ حَرود، وكانَ مُعَسكَرُ مِديَنَ إِلى الشَّمال، نَحوَ تَلِّ المورةِ في السَّهْل. ٢فقالَ الرَّبُّ لِجدْعُون: «إِنَّ القَومَ الَّذينَ مَعَكَ هم أَكثَرُ مِن أَن أُسلِمَ مِديَنَ إِلى أَيديهم، فيَفتَخِرَ عَلَيَّ إِسْرائيلُ ويقول: يَدي خَلَّصَتني. ٣فالآنَ نادِ على مسامِعِ الشَّعبِ وقُلْ: مَن كانَ خائِفًا مُرتَعِشًا، فلْيَرجِعْ ويَنصَرِفْ مِن جَبَلِ جِلْعاد». فرَجَعَ مِنَ الشَّعبِ ٱثْنانِ وعِشرونَ أَلفًا، وبَقيَ معَه عَشَرَةُ آلاف.

٤فقالَ الرَّبُّ لِجِدْعُون: «إِنَّ الشَّعبَ لا يَزالُ كَثيرًا، فأَنزِلْهم إِلى الماء وأَنا أُمَحِّصُهم هُناكَ مِن أَجلِكَ. فالَّذي أَقولُ لَكَ: هٰذا يَنطَلِقُ معَكَ، فذٰلك يَنطَلِقُ مَعَكَ، وكُلُّ مَن قُلتُ لكَ: هٰذا لا يَنطَلِقُ مَعَكَ، فهو لا يَنطَلِق». ٥فأَنزَلَ الشَّعبَ إِلى الماء. فقالَ الرَّبُّ لِجِدْعُون: «كُلُّ مَن وَلَغَ في الماءِ بلِسانِه كما يَلَغُ الكَلْب، فأَقِمْه جانبًا، وكَذا كُلُّ مَن جَثا على رُكبَتَيه لِيَشرَب». ٦فكانَ عَدَدُ مَن وَلَغَ في الماءِ مِن راحَتِه إِلى فَمِه ثَلاثَ مِئَةِ رَجُل، وسائِرُ الشَّعبِ أَجمعُ جَثَوا على رُكَبِهم لِيَشرَبوا. ٧فقالَ الرَّبُّ لِجِدْعُون: «بِهٰؤُلاءِ الثَّلاثِ مِئَةِ رَجُلٍ، الَّذينَ وَلَغوا، أُخَلِّصُكم وأُسلِمُ مِديَنَ إِلى يَدِكَ. وأَمَّا سائِرُ القَوم، فلْيَرجِعْ كُلُّ واحِدٍ إِلى مَكانِه». ٨فأَخَذَ القَومُ زادًا في أَيديهم وأَخَذوا أَبْواقَهم. وأَمَّا سائِرُ بَني إِسْرائيل، فصَرَفَهم كُلَّ واحِدٍ إِلى خَيمَتِه، وأَخَذَ الثَّلاثَ مِئَةِ رَجُل. وكانَ مُعَسكَرُ مِديَنَ دونَهم في السَّهْل.

بشائر نصر

٩فكانَ في تِلكَ اللَّيلةِ أَنَّ الرَّبَّ قالَ لِجِدْعُون: «قُمْ فٱنزِلْ إِلى المُعَسكَر، لِأَنِّي قد أَسلَمتُه إِلى يَدِكَ. ١٠وإِن كُنتَ تَخافُ أَن تَنزِلَ وَحدَك، فٱنزِلْ أَنتَ وفورَةُ خادِمُكَ إِلى المُعَسكَر، ١١وٱسمَعْ ما يَقولون. وبَعدَ ذٰلك تَشتَدُّ يَدُكَ، وتَنزِلُ على المُعَسكَر». فنَزَلَ هو وفورَةُ خادِمُه إِلى آخِرِ المَراكِزِ الأَمامِيَّةِ الَّتي في المُعَسكَر.

١٢وكانَ المِديَنِيُّونَ والعَمالِقَةُ وجَميعُ بَني المَشرِقِ مُنتَشِرينَ في السَّهْل، وكانوا كالجَرادِ كَثرَةً، ولم يَكُنْ لِجِمالِهم عَدَد، لِأَنَّها كانَت كالرَّملِ على شاطِئِ البَحرِ كَثرَةً. ١٣فلَمَّا وَصَلَ جِدْعُون، إِذا بِرَجُلٍ يَقُصُّ على صاحِبِه حُلمًا قائِلًا: «حَلَمتُ حُلمًا كأَنِّي بِرَغيفِ خبزٍ مِن شَعيرٍ يَتَقَلَّبُ في مُعَسكَرِ مِديَن، حتَّى صارَ إِلى الخَيمَةِ وصَدَمَها فأَسقَطَها وقَلَبها رَأسًا على عَقِب». ١٤فأَجابَ صاحِبُه وقال: «إِنَّما هٰذا سَيفُ جِدْعُونَ بنِ يوآش، الرَّجُلِ الإِسْرائيليِّ الَّذي أَسلَمَ اللهُ إِلى يَدِه مِديَنَ وكُلَّ المُعَسكر». ١٥فلَمَّا سَمِعَ جِدْعونُ قِصَّةَ الحُلمِ وتَفْسيرَه، سَجَدَ ورَجَعَ إِلى مُعَسكَرِ إِسْرائيلَ وقال: «قوموا لِأَنَّ الرَّبَّ قد أَسلَمَ مُعَسكَرَ مِديَنَ إِلى أَيديكم».

المباغتة

١٦وقَسَّمَ الثَّلاثَ مِئَةِ رَجُلٍ إِلى ثَلاثِ فِرَق، وجَعَلَ أَبْواقًا في أَيديهم كُلِّهم وجِرارًا فارِغَةً في داخِلِها مَشاعِل، ١٧وقالَ لَهم: «كَما تَرَونَني أَصنَع، فٱصنَعوا أَنتُم أَيضًا. وهاءَنَذا واصِلٌ إِلى طَرَفِ المُعَسكَر، فيَكونُ أَنَّكم تَصنَعونَ كما أَصنَع. ١٨ومَتى نَفَختُ في البوقِ أَنا وكُلُّ مَن مَعي، فٱنفُخوا في الأَبْواقِ أَنتُم أَيضًا حَولَ المُعَسكَرِ كُلِّه وقولوا: لِلرَّبِّ ولِجِدْعون».

١٩ووَصَلَ جِدْعونُ والرِّجالُ المِئَةُ الَّذينَ معَه إِلى طَرَفِ المُعَسكَرِ في أَوَّلِ الهَجيعِ الأَوسَط، وكانوا إِذ ذاكَ قد بَدَّلوا الحُرّاس، فنَفَخوا في الأَبْواقِ وحَطَّموا الجِرارَ الَّتي في أَيديهم. ٢٠ونَفَخَتِ الفِرَقُ الثَّلاثُ في الأَبْواق، وَضَربوا الجِرارَ وأَخَذوا المَشاعِلَ بِأَيديهمِ اليُسْرى والأَبْواقَ بِأَيديهمِ اليُمْنى لِيَنفُخوا فيها وهَتَفوا: «السَّيفُ لِلرَّبِّ ولِجِدْعون». ٢١ووَقَفَ كُلُّ رَجُلٍ في مَكانِه حَولَ المُعَسكَر. ورَكَضَ عَسكَرُ مِديَنَ كُلُّه وصَرَخوا وهَرَبوا. ٢٢ونَفَخَ الثَّلاثُ مِئَةٍ في الأَبْواق، فجَعَلَ الرَّبُّ كُلَّ واحِدٍ يُوَجِّه سَيفَه إِلى صاحِبِه في المُعَسكَرِ كُلِّه. فهَرَبَ العَسكَرُ إِلى بَيتَ شِطَّة، إِلى صَريرة حَتَّى ٱنتَهَوا إِلى جانِبِ آبَلَ مَحولَةَ الَّتي عِندَ طَبَّات.

المطاردة

٢٣وٱستُدعِيَ رِجالُ إِسْرائيلَ مِن نَفْتالِيَ وأَشيرَ ومِن كُلِّ مَنَسَّى، وطارَدوا المِديَنِيِّين. ٢٤وأَرسَلَ جِدْعونُ رُسُلًا إِلى كُلِّ جَبَلِ أَفْرائيمَ وقال: «إِنزِلوا لِمُلاقاةِ مِديَن، وٱستَوْلوا قَبلَهم على عُيونِ المِياهِ إِلى بَيتَ بارةَ والأُردُنّ». فٱستُدعِيَ رِجالُ أَفْرائيمَ كُلُّهم وٱستَولَوا على المِياهِ إِلى بَيتَ بارةَ والأُردُنّ. ٢٥وقَبَضوا على قائِدَي مِديَن، وهُما عوريبُ وزيب، وقَتَلوا عوريبَ على صَخرَةِ عوريب، وقَتَلوا زيبًا على مَعصَرَةِ زيب، وطارَدوا المِديَنِيِّينَ، وأَتَوا برَأْسِ عوريبَ وزيبٍ إِلى جِدْعونَ في عِبرِ الأُردُنّ.

القضاة ٨

شكوى بَني أَفرائيم

١فقالَ لَه رِجالُ أَفرائيم: «لِماذا صَنَعتَ بِنا هٰكذا، ولم تَدعُنا حينَ ذَهَبتَ لِقِتالِ المِديَنيِّين؟» وخاصَموه خِصامًا شَديدًا. ٢فقالَ لَهم: «ماذا فَعَلتُ أَنا الآنَ بِالنَّظَرِ إِلى ما فَعَلتُم أَنتُم؟ أَلَيسَ أَنَّ خُصاصَةَ أَفْرائيمَ أَفضَلُ مِن قِطافِ أَبيعَزَر؟ ٣فإِنَّما إِلى أَيديكم أَسلَمَ اللهُ قائِدَيِ المِديَنِيِّين، عوريبَ وزيبًا. فماذا كانَ يُمكِنُني أَن أَفعَلَ بِالنَّظَرِ إِلى ما فَعَلتُم؟» فسَكَنَ غَضَبُهم عنه، حينَ قالَ لَهم هٰذا الكَلام.

ج – حملة جدعون في عبر الأردُنّ ووفاته

جدعون يطارد العدوّ إلى عبر الأردنّ

٤ووَصَلَ جِدْعونُ إِلى الأُردُنّ، وعَبَرَ هو والثَّلاثُ مِئَةِ رَجُلٍ الَّذينَ معَه، وهم قد أَعيَوا مِنَ المُطارَدة. ٥فقالَ لِأَهلِ سُكُّوت: «أَعْطوا القَومَ الَّذينَ يَتبَعونَني أَرغِفَةَ خُبزٍ، لِأَنَّهم قد أَعْيَوا، وأَنا جادٌّ في طَلَبِ زاباحَ وصَلْمُنَّاع، مَلِكَي مِديَن». ٦فقالَ لَه رُؤَساءُ سُكُّوت: «أَلَعَلَّ أَكُفَّ زاباحَ وصَلْمُنَّاعَ في يَدِكَ حتَّى نُعطِيَ عَسكَرَكَ خُبزًا؟» ٧فقالَ جِدْعون: «لِذٰلك، فإِذا جَعَلَ الرَّبُّ في يدي زاباحَ وصَلْمُنَّاع، لَأَدوسُ أَجْسادَكم بِأَشواكِ البَرِّيَّةِ والنَّوارِج». ٨وصَعِدَ مِن هُناكَ إِلى فَنوئيل وقالَ لَهم مِثلَ ذٰلك. فأَجابَه أَهلُ فَنوئيلَ كما أَجابَه أَهلُ سُكُّوت. ٩فقالَ لِأهلِ فَنوئيلَ أَيضًا: «إِذا ما رَجَعتُ ظافِرًا لَأُدَمِّرَنَّ هٰذا البُرْج».

هزيمة زاباح وصَلْمُنَّاع

١٠وكانَ زاباحُ وصَلْمُنَّاعُ في القَرقَر، ومَعهما جيشُهما نَحوُ خَمسَةَ عَشَرَ أَلفَ رَجُل، وهم كُلُّ مَن بَقِيَ مِن جَيشِ بَني المَشرِقِ كُلِّه. وكانَ الَّذينَ سَقَطوا مِئَةَ أَلفٍ وعِشْرينَ أَلفَ رَجُلٍ مُستَلِّ سَيف. ١١فصَعِدَ جِدْعونُ في طَريقِ ساكِني الخِيامِ شَرقِيَّ نوبَحَ ويُجبَهَة، وضرَبَ الجَيشَ وكانَ الجَيشُ مُطمَئِنًّا. ١٢فهَرَبَ زاباحُ وصَلْمُنَّاع، فطارَدوهما، فقَبَضَ على مَلِكَي مِديَن، زاباحَ وصَلْمُنَّاع، وضَرَبَ كُلَّ الجَيش.

إنتقامات جدعون

١٣ورَجَعَ جِدْعونُ بنُ يوآشَ مِنَ القِتال، مارًّا بِعَقَبَةِ حارَس. ١٤وقَبَضَ على فَتًى مِن أَهلِ سُكُّوت وٱستَجوَبَه، فكَتَبَ لَه أَسْماءَ رُؤَساءِ سُكُّوتَ وشُيوخِها، سَبعَةً وسَبْعينَ رَجُلًا. ١٥ثُمَّ عادَ إِلى أَهلِ سُكُّوتَ وقال: «هُوَذا زاباحُ وصَلْمُنَّاعُ اللَّذانِ عَيَّرتُموني بِهما وقُلتُم: أَلَعَلَّ أَكُفَّ زاباحَ وصَلْمُنَّاعَ في يَدِكَ، حتَّى نُعطِيَ رِجالَكَ المُعْيينَ خُبزًا؟» ١٦وقَبَضَ على شُيوخِ المَدينة، وأَخَذَ أَشْواكًا مِنَ البَرِّيَّةِ والنَّوارِجَ ومَزَّقَ بِها أَهلَ سُكُّوت. ١٧ودَمَّرَ بُرجَ فَنوئيل، وقَتَلَ رِجالَ المَدينة. ١٨وقالَ لِزاباحَ وصَلْمُنَّاع: «كَيفَ كانَ الرِّجالُ الَّذينَ قَتَلتُماهم بِتابور؟» فقالا لَه: «كانوا مِثلَكَ، وهَيئَةُ كُلِّ واحِدٍ منهم هَيئَةُ ٱبنِ مَلِك». ١٩فقال: «هم إِخوَتي وأَبْناءُ أُمِّي. حَيٌّ الرَّبّ! لو أَبقَيتُما علَيهم، لَما كُنتُ أَقتُلُكما». ٢٠ثُمَّ قالَ لِياثَرَ بِكرِه: «قُمْ فاقتُلْهما»، فلَم يَستَلَّ الصَّبِيُّ سَيفَه خَوفًا، لِأَنَّه ما زالَ صَبِيًّا. ٢١فقالَ زاباحُ وصَلْمُنَّاع: «قُمْ أَنتَ وٱضرِبْنا، لِأَنَّ الرَّجُلَ بِبَأْسِه». فقامَ جِدْعونُ وقَتَلَ زاباحَ وصَلْمُنَّاع، وأَخَذَ أَهِلَّةَ الفِضَّةِ الَّتي كانَت في أَعْناقِ جِمالِهما.

وفاة جدعون

٢٢وقالَ رِجالُ إِسْرائيلَ لِجِدْعون: «تَسَلَّطْ علَينا، أَنتَ وٱبنُكَ وٱبنُ ٱبنِكَ، لِأَنَّكَ خَلَّصتَنا مِن أَيدي مِديَن». ٢٣فقالَ لَهم جِدْعون: «لا أَنا أَتَسَلَّطُ علَيكم ولا ٱبْني يَتَسَلَّطُ علَيكم، بلِ الرَّبُّ هو يَتَسَلَّطُ علَيكم». ٢٤ثُمَّ قالَ لَهم جِدْعون: «إِنِّي أَطلُبُ مِنكم طَلَبًا: يُعْطيني كُلُّ واحِدٍ مِنكم خاتَمًا مِن غَنيمَتِه»، فقَد كانَ لَهم خاتَمانِ مِن ذَهَب، لِأَنَّهم إِسْماعيليُّون. ٢٥فقالوا: «لَكَ ذٰلك». وبَسَطوا رِداءً، فأَلْقى علَيه كُلٌّ مِنهم خاتَمًا مِن غَنيمَتِه. ٢٦وكانَ وَزنُ الخَواتِمِ الذَّهَبِ الَّتي طَلَبَها أَلفًا وسَبعَ مِئَةِ مِثْقالِ ذَهَب، ما عَدا الأَهِلَّةَ والأَشْنافَ والثِّيابَ الأُرجُوانِيَّةَ الَّتي كانَت على مُلوكِ مِديَن، وما عَدا القَلائِدَ الَّتي كانَت في أَعْناقِ جِمالِهم. ٢٧فصاغَ جِدْعُونُ ذٰلك أَفودًا، وجعَلَه في مَدينَتِه عُفرَة. فزَنى كُلُّ إِسْرائيلَ بٱتِّباعِه الأَفود، فكانَ ذٰلك فَخًّا لِجِدْعونَ وبَيتِه.

٢٨وذَلَّ مِديَنُ أَمامَ بَني إِسْرائيل، ولم يَعودوا يَرفَعونَ رُؤُوسَهم، وهَدَأَتِ الأَرضُ أَربَعينَ سَنةً أَيَّامَ جِدْعون. ٢٩وٱنصَرَفَ يَرُبَّعلُ بنُ يوآش، وأَقامَ في بَيتِه. ٣٠وصارَ لِجِدْعونَ سَبْعونَ ٱبنًا خَرَجوا مِن صُلبِه، لِأَنَّه تَزَوَّجَ نِساءً كَثيرات. ٣١ووَلَدَت لَه أَيضًا سُرِّيَّتُه الَّتي في شَكيمَ ٱبنًا وسَمَّاه أَبيمَلِك. ٣٢وماتَ جِدْعونُ بنُ يوآشَ بِشَيبَةٍ سَعيدة، ودُفِنَ في قَبرِ يوآشَ أَبيه في عُفرَةِ أَبيعَزَر.

إِسرائيل يسقط مرّة أُخرى

٣٣وكانَ بَعدَ مَوتِ جِدْعونَ أَنَّ بَني إِسْرائيلَ عادوا إِلى الزِّنى بٱتِّباعِهمِ البَعْل وٱتَّخَذوا لِأَنفُسِهم بَعلَ بَريتَ إِلٰهًا. ٣٤ولَم يَذكُرْ بَنو إِسْرائيلَ الرَّبَّ إِلْهَهُمُ الَّذي أَنقَذَهم مِن أَيدي جَميعِ أَعْدائِهمِ المُحيطينَ بِهم. ٣٥ولم يَصنَعوا رَحمةً إِلى بَيتِ يَرُبَّعْلَ جِدْعونَ، مُقابِلَ الخَيرِ الَّذي صَنَعَه إِلى إِسْرائيل.

القضاة ٩

د – مُلك أبيملك

١فٱنطَلَقَ أَبيمَلِكُ بنُ يَرُبَّعْلَ إِلى شَكيمَ إِلى أَخْوالِه وكَلَّمهم وكُلَّ عَشيرَةِ بَيتِ أَبي أُمِّه، قائِلًا: ٢«تَكَلَّموا على مَسامِعِ جَميعِ أَعيانِ شَكيمَ أَن: أَيُّ الأَمرَينِ خَيرٌ لَكم: أَن يَتَسَلَّطَ علَيكم سَبْعونَ رَجُلًا، أَي جَميعُ بَني يَرُبَّعْلَ، أَمَ يَتَسَلَّطَ علَيكم رَجُلٌ واحِد؟ وٱذكُروا أَنِّي أَنا عَظمُكم ولَحمُكم». ٣فتَكَلَّمَ أَخْوالُه عَنه على مَسامِعِ كُلِّ أَعْيانِ شَكيمَ بِكُلِّ هٰذا الكَلام، فمالَت قُلوبُهم نَحوَ أَبيمَلِك، لِأَنَّهم قالوا: «إِنَّه أَخونا». ٤وأَعطَوه سَبْعينَ مِنَ الفِضَّة، مِن بَيتِ بَعلَ بَريت، فٱستَأجَرَ بِها أَبيمَلِكُ رِجالًا لا خَيرَ فيهم مُغامِرين، فتَبِعوه. ٥فجاءَ بَيتَ أَبيه في عُفرَة، وقَتَلَ إِخوَتَه بَني يَرُبَّعْلَ، سَبْعين رَجُلًا، على صَخرَةٍ واحدة. وبَقِيَ يوتام، أَصغَرُ بَني يَرُبَّعْل، لِأَنَّه ٱختَبَأ. ٦وٱجتَمَعَ كُلُّ أَعْيانِ شَكيمَ وكُلُّ بَيتَ مِلُّو، ومَضَوا فأَقاموا أَبيمَلِكَ علَيهم مَلِكًا عِندَ بَلُّوطَةِ النُّصبِ الَّتي في شَكيم.

مَثَل يوتام

٧فأُخبِرَ يوتامُ بِذٰلك، فٱنطَلَقَ ووَقَفَ على قِمَّةِ جَبَلِ جَرِزِّيم، ورَفَعَ صَوتَه ونادى وقالَ لَهم:

«إِسمَعوا لي يا أَعيانَ شَكيم

فيَسمَعَ اللهُ لَكم.

٨ذَهَبَتِ الأَشجارُ ذَهابًا

لِيَمسَحنَ علَيهِنَّ مَلِكَة.

فقُلنَ لِشَجَرةِ الزَّيتون:

كوني علَينا مَلِكَة

٩فقالَت لَهُنَّ الزَّيتونة:

أَأَتَخَلَّى عن زَيتِيَ الَّذي بِواسِطتي

يُكرَمُ بِه الآلِهَةُ والنَّاس

فأَذهَبَ لِأَتَرَنَّحَ فَوقَ الأَشْجار؟

١٠فقالَتِ الأَشجارُ لِلتِّينة:

تَعالَي أَنتِ فكوني علَينا مَلِكَة.

١١فقالَت لَهُنَّ التِّينة:

أَأَتَخَلَّى عن حَلاوتي وثَمَرَتي الطَّيِّبة

فأَذهَبَ لِأَتَرَنَّحَ فَوقَ الأَشْجار؟

١٢فقالَتِ الأَشْجارُ لِلكَرمَة:

تَعالَي أَنتِ فكوني علَينا مَلِكَة.

١٣فقالَت لَهُنَّ الكَرمَة:

أَأَتَخَلَّى عن نَبيذي

الَّذي يُفرِحُ الآلِهَةَ والبَشَر

فأَذهَبَ لِأَتَرَنَّحَ فَوقَ الأَشْجار؟

١٤فقالَتِ الأَشجارُ كُلُّها لِلعَوسَجة:

تَعالَي أَنتِ فكوني علَينا مَلِكَة.

١٥فقالَتِ العَوسَجَةُ لِلأَشْجار:

إِن كُنتُنَّ حَقًّا تَمسَحنَني مَلِكَةً علَيكُنَّ

فتَعالَينَ ٱستَظلِلْنَ بِظِلِّي

وإِلَّا فلْتَخرُجْ نارٌ مِنَ العَوسَجَة

وتأكُلْ أَرزَ لُبْنان.

١٦والآنَ إِن كُنتُم أَنتُم فَعَلتُم بِالحَقِّ والِٱستِقامة، فمَلَّكتُم أَبيمَلِك، وأَحسَنتُم إِلى يَرُبَّعْلَ وبَيتِه، وكافَأتُموه على ما صَنَعَت يَداه – ١٧مع أَنَّ أَبي قاتَلَ عنكم وخاطَرَ بِنَفسِه في المُقَدِّمَة، وأَنقَذَكم مِن يَدِ مِديَن، ١٨فقُمتُمُ اليَومَ على بَيتِ أَبي، وذَبَحتُم بَنيه سَبْعينَ رَجُلًا على صَخرَةٍ واحِدة، ومَلَّكتُم أَبيمَلِك، ٱبنَ أَمَتِه، على أَعْيانِ شَكيمَ لِأَنَّه أَخوكم – ١٩فإِن كُنتُم قد عَمِلتُم بِالحَقِّ والِٱستِقامةِ مع يَرُبَّعلَ ومع بَيتِه في هٰذا اليَوم، فٱفرَحوا أَنتُم بأَبيمَلِك، ولْيَفْرَحْ هو أَيضًا بِكم. ٢٠وإِلَّا فلْتَخرُجْ نارٌ مِن أَبيمَلِكَ وتَأكُلْ أَعْيانَ شَكيمَ وبَيتَ مِلُّو، ولْتَخرُجْ نارٌ مِن أَعيانِ شَكيمَ ومِن بَيتَ مِلُّو وتَأكُلْ أَبيمَلِك». ٢١وهَرَبَ يوتامُ ونَجا وٱنطَلَقَ إِلى بِئْرَ فأَقامَ هُناكَ، بَعيدًا عن وَجهِ أَبيمَلِكَ أَخيه.

تمرّد أهل شكيم على أبيملك

٢٢ومَلَكَ أَبيمَلِكُ على إِسْرائيلَ ثَلاثَ سَنَوات. ٢٣وبَعَثَ اللهُ روحَ شَرٍّ بَينَ أَبيمَلِكَ وأَعْيانِ شَكيم، فغَدَرَ أَعيانُ شَكيمَ بأَبيمَلِك، ٢٤لِيَرُدُّوا علَيه العُنفَ الَّذي عامَلَ به بَني يَرُبَّعلَ السَّبْعين، ويَجلُبوا دَمَهم على أَبيمَلِكَ أَخيهمِ الَّذي قَتَلَهم وعلى أَعْيانِ شَكيمَ الَّذينَ أَخَذوا بِيَدِه في قَتلِ إِخوَتِه. ٢٥فأَقامَ لَه أَعْيانُ شَكيمَ كَمينًا على رُؤُوسِ الجِبال، فكانوا يَنهَبونَ كُلَّ مَن عَبَرَ بِهم في الطَّريق، فأُخبِرَ أَبيمَلِكُ بِذٰلك. ٢٦وجاءَ جاعَلُ بنُ عابِدَ مع إِخوَتِه، فمَرُّوا بِشَكيم، فتَوَكَّلَ علَيه أَعْيانُ شَكيم. ٢٧وخَرَجوا إِلى الحُقولِ وقَطَفوا كُرومَهم وعَصَروا وأَقاموا فَرَحًا ودَخَلوا بُيوتَ آلِهَتِهم وأَكَلوا وشَرِبوا ولَعَنوا أَبيمَلِك. ٢٨فقالَ جاعَلُ بنُ عابِد: «مَن هو أَبيمَلِكُ ومَن هو شَكيمُ حتَّى نَخدُمَه؟ أَليسَ أَنَّه ٱبنُ يَرُّبَّعلَ ووَكيلُه زَبول؟ أُخدموا رِجالَ حَمورَ أَبي شَكيم. وأَمَّا ذاكَ فلِماذا نَخدُمُه؟ ٢٩مَنِ الَّذي يَجعَلُ هٰذا الشَّعبَ في يَدي فأَعزِلَ أَبيمَلِك؟» وقالَ مُوَجِّهًا كَلامَه إِلى أَبيمَلِك: «كثِّرْ جُندَكَ وٱخرُجْ».

٣٠وسَمِعَ زَبول، والي المَدينة، بِكَلامِ جاعَلَ بنِ عابِد، فغَضِبَ. ٣١وأَنفَذَ رُسُلًا إِلى أَبيمَلِكَ بِطَريقِ الِٱحتِيالِ وقالَ لَه: «إِنَّ جاعَلَ بنَ عابِدَ وإِخوَتَه قد أَتَوا شَكيم، وهم يُثيرونَ علَيكَ المَدينَة. ٣٢فقُمْ أَنتَ والقَومُ الَّذينَ معَكَ لَيلًا وٱكمُنوا في الحُقول. ٣٣وبَكِّرْ صَباحًا نَحوَ طُلوعِ الشَّمْس، وٱهجُمْ على المَدينة، فإِنَّه يَخرُجُ هو وأَصْحابُه إِلَيكَ، فٱصنَعْ بِهم ما تَستَطيعُه يَدُكَ».

٣٤فقامَ أَبيمَلِكُ وجَميعُ الَّذينَ معَه لَيلًا وكَمَنوا عِندَ شَكيمَ أَربَعَ فِرَق. ٣٥فخَرَجَ جاعَلُ بنُ عابِد وأَقامَ عِندَ مَدخَلِ بابِ المَدينَة، فقامَ أَبيمَلِكُ والقَومُ الَّذينَ معَه مِنَ المَكمَن. ٣٦ورأى جاعَلُ القَومَ فقالَ لِزَبول: «إِنِّي أَرى شَعبًا يَنزِلُ مِن رُؤُوسِ الجِبال». فقالَ لَه زَبول: «إِنَّما تَرى ظِلَّ الجِبالِ فتَحسَبُه رِجالًا». ٣٧فعادَ جاعَلُ وتَكَلَّمَ وقال: «هُوَذا شَعبٌ نازِلٌ مِن عِندِ سَنامِ الأَرْض، وفِرقَةٌ واحِدَةٌ آتِيَةٌ مِن طَريقِ بِلُّوطَةِ المُنَجِّمين». ٣٨فقالَ لَه زَبول: «أَينَ الآنَ فَمُكَ الَّذي كُنتَ تَقولُ به: مَن هو أَبيمَلِكُ حتَّى نَخدُمَه؟ أَلَيسَ هٰذا هو الشَّعبُ الَّذي ازدَرَيتَه، فٱخرُجِ الآنَ إِلَيه وقاتِلْه». ٣٩فخَرَجَ جاعَلُ أَمامَ أَعْيانِ شَكيم وحارَبَ أَبيمَلِك. ٤٠فطارَدَه أَبيمَلِكُ فهَرَبَ جاعَلُ مِن وَجهِه. وسَقَطَ جَرْحى كَثيرونَ حتَّى مَدخَلِ الباب. ٤١وأَقامَ أَبيمَلِكُ في أَرومة، وطَرَدَ زَبولُ جاعَلَ وإِخوَتَه ومَنَعَهم مِنَ الإِقامَةِ في شَكيم.

تدمير شكيم والاستيلاء على مجدال شكيم

٤٢وكانَ في الغَدِ أَنَّ الشَّعبَ خَرَجَ إِلى الحُقول، فأُخبِرَ أَبيمَلِكُ بِذٰلك. ٤٣فأَخَذَ قَومَه وقَسَّمَهم إِلى ثَلاثِ فِرَق، وكَمَنَ في الحُقول. ونَظَرَ فإِذا الشَّعبُ خارِجٌ مِنَ المَدينَة، فقامَ علَيهم وضَرَبَهم. ٤٤وٱندَفَعَ أَبيمَلِكُ والفِرقَةُ الَّتي معَه ووَقَفوا عِندَ مَدخَلِ بابِ المَدينة. وأَمَّا الفِرقَتانِ فهَجَمَتا على كُلِّ الَّذينَ في الحُقولِ وضَرَبَتاهم. ٤٥وحارَبَ أَبيمَلِكُ المَدينَةَ ذٰلك اليَومَ كُلَّه، وٱستَولى على المَدينَةِ وقَتَلَ الشَّعبَ الَّذي فيها، ودَمَّرَ المَدينةَ وزَرَعَها مِلْحًا.

٤٦فسَمِعَ جَميعُ أَعْيانِ مِجْدالَ شكيم، فذَهَبوا إِلى سِرْدابِ بَيتَ إِيلِ بَريت. ٤٧وأُخبِرَ أَبيمَلِكُ أَنَّ أَعْيانَ مِجْدالَ شَكيمَ قدِ ٱجتَمَعوا. ٤٨فصَعِدَ أَبيمَلِكُ إِلى جَبَلِ صَلْمون، هو وجَميعُ القَومِ الَّذينَ معَه، وأَخَذَ أَبيمَلِكُ فَأسًا بِيَدِه وقَطَعَ غُصْنًا مِنَ الشَّجَرِ وحَمَلَه على عاتِقِه وقالَ لِلقَومِ الَّذينَ معَه: «ما رَأَيتُموني أَفعَلُ فٱفعَلوه أَنتُم سَريعًا». ٤٩فقَطَعَ جَميعُ القَومِ الَّذينَ معَه كُلُّ واحِدٍ غُصْنًا، وتَبِعوا أَبيمَلِكَ ووضَعوها على السِّرْداب، وأَحرَقوا علَيهمِ السِّرْدابَ بِالنَّار. فماتَ أَيضًا جَميعُ أَهلِ مِجْدالَ شَكيم، نَحوُ أَلفِ نَسَمَةٍ مِن رَجُلٍ وٱمرَأَة.

حِصار تاباص ووفاة أبيملك

٥٠ثُمَّ زَحَفَ أَبيمَلِكُ على تاباص، وعَسكَرَ وٱستَولى علَيها. ٥١وكانَ في وَسَطِ المَدينةِ بُرجٌ مَنيع، فهَرَبَ إِلَيه جَميعُ الرِّجالِ والنِّساءِ وجَميعُ أَعْيانِ المَدينة، وأَغلَقوا وَراءَهم وصَعِدوا إِلى سَطحِ البُرْج. ٥٢فوَصَلَ أَبيمَلِكُ إِلى البُرْجِ فهاجَمَه، وتَقَدَّمَ إِلى بابِ البُرْجِ لِيُحرِقَه بِالنَّار. ٥٣فأَلقَتِ ٱمرَأَةٌ رَحى طاحونٍ على رَأسِ أَبيمَلِك، فحَطَّمَت جُمجُمَتَه. ٥٤فدَعا لِساعَتِه بِالفَتى حامِلِ سِلاحِه وقالَ لَه: «إِستَلَّ سَيفَكَ وٱقتُلْني، لِئَلَّا يُقالَ عنِّي: إِنَّ ٱمرَأَةً قَتَلَته». فطَعَنَه الفَتى فمات. ٥٥فلَمَّا رَأَى رِجالُ إِسْرائيلَ أَنَّ أَبيمَلِكَ قد مات، اِنصَرَفَ كُلُّ واحِدٍ إِلى بَيتِه.

٥٦ورَدَّ اللهُ على أَبيمَلِكَ الشَّرَّ الَّذي صَنَعَه بِأَبيه مِن قَتْلِ إِخوَتِه السَّبْعين. ٥٧وكُلُّ شَرِّ أَهلِ شَكيمَ رَدَّه اللهُ على رُؤُوسِهم، وأَتَت علَيهم لَعنَةُ يوتامَ بنِ يَرُبَّعْل.

القضاة ١٠

يفتاح وصغار القضاة

٦. تولَع

١وقامَ بَعدَ أَبيمَلِكَ لِخَلاصِ إِسْرائيلَ تولَعُ ٱبنُ فوأَةُ بنِ دودو، رَجُلٌ مِن يَسَّاكَر، وكانَ مُقيمًا بِشاميرَ في جَبَلِ أَفْرائيم. ٢فتَوَلَّى قَضاءَ إِسْرائيلَ ثَلاثًا وعِشْرينَ سَنَة، وماتَ ودُفِنَ في شَامير.

٧. يائير

٣وقامَ بَعدَه يائيرُ الجِلْعادِيّ، فتَوَلَّى القَضاءَ في إِسْرائيلَ ٱثنَتَينِ وعِشْرينَ سَنَة. ٤وكانَ لَه ثَلاثونَ ٱبنًا يَركَبونَ ثَلاثينَ جَحشًا، وكانَ لَهم ثَلاثونَ مَدينَةً تُسَمَّى مَزارِعَ يائيرَ إِلى هٰذا اليَوم، وهي في أَرضِ جِلْعاد. ٥وماتَ يائيرُ ودُفِنَ في قامون.

٨. يَفْتاح

ظلم بني عَمّون

٦وعادَ بَنو إِسْرائيلَ فصَنَعوا الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ، وعَبَدوا البَعْلَ والعَشْتاروتَ وآلِهَةَ أَرام وآلِهَةَ صَيدون وآلِهَةَ موآب وآلِهَةَ بَني عَمُّون وآلِهَةَ الفَلِسطينيِّين، وتَرَكوا الرَّبَّ ولَم يَعبُدوه. ٧فغَضِبَ الرَّبُّ على إِسْرائيلَ فباعَهم إِلى أَيدي الفَلِسطينِيِّينَ وإِلى أَيدي بَني عَمُّون. ٨فحَطَّموا بَني إِسْرائيلَ وعامَلوهم بِقَسوَةٍ مُنذُ تِلكَ السَّنةِ إِلى ثَمانِيَ عَشرَةَ سَنَة، جَميعَ بَني إِسْرائيلَ الَّذينَ كانوا في عِبرِ الأُردُنّ، في أَرضِ الأَمورِيِّينَ الَّذينَ في جِلْعاد. ٩وعَبَرَ بَنو عَمُّونَ الأُردُنَّ لِيُحارِبوا أَيضًا يَهوذا وبَنْيامينَ وبَيتَ أَفْرائيم، وكانَ ضيقٌ عَظيمٌ على إِسْرائيل.

١٠فصَرَخَ بَنو إِسْرائيلَ إِلى الرَّبِّ وقالوا: «قد خَطِئْنا إِلَيكَ وتَرَكْنا إِلٰهَنا وعَبَدْنا البَعْل». ١١فقالَ الرَّبُّ لِبَني إِسْرائيل: «أَلَم يَكُنْ أَنِّي خَلَّصتُكم مِنَ المِصرِيِّينَ والأَمورِيِّينَ وبَني عَمُّونَ والفَلِسطينِيِّين، ١٢وقد ضايَقَكمُ الصِّيدونِيُّونَ والعَمالِقَةُ والمَعوزِيُّون، فصَرَختُم إِلَيَّ فخلَّصتُكم مِن يَدِهم. ١٣فتَرَكتُموني أَنتُم وعَبدَتُم آلِهَةً أُخْرى؟ فلِذٰلك لا أَعودُ أُخَلِّصُكم. ١٤إِذهَبوا فٱستَغيثوا بِالآلِهَةِ الَّتي ٱختَرتُموها، فلْتُخَلِّصْكم في أَوانِ شِدَّتِكم». ١٥فقالَ بَنو إِسْرائيلَ لِلرَّبّ: «قد خَطِئْنا، فٱصنَعْ بِنا كُلَّ ما يَحسُنُ في عَينَيكَ، ولٰكِن أَنقِذْنا في هٰذا اليَوم». ١٦وأَزالوا الآلِهَةَ الغَريبَةَ مِن وَسْطِهم وعَبَدوا الرَّبّ، فضاقَت نَفْسُه أَمامَ عَناءِ إِسْرائيل. ١٧وٱجتَمَعَ بَنو عَمُّونَ وعَسكَروا في جِلْعاد، وٱجتَمَعَ بَنو إِسْرائيلَ وعَسكَروا في المِصْفاة. ١٨فقالَ الشَّعبُ ورُؤَساءُ جِلْعادَ بَعضُهم لِبَعْض: «أَيُّ رَجُلٍ ٱبتَدَأَ الحَربَ على بَني عَمُّون؟ فهو يَكونُ رَئيسًا على سُكَّانِ جِلْعادَ كُلِّهم».

القضاة ١١

يَفتاح يَعْرِض شروطه

١وكانَ يَفْتاحُ الجِلْعادِيُّ مُحارِبًا باسِلًا، وهو ٱبنُ ٱمرَأَةٍ زانِيَةٍ ولَدَتَه لِجِلْعاد. ٢ثُمَّ وَلَدَت لِجِلْعادَ زَوجَتُه بَنين. فلَمَّا كَبِرَ بَنو هٰذه المَرأَة، طَرَدوا يَفْتاحَ وقالوا لَه: «لَيسَ لَكَ ميراثٌ في بَيتِ أَبينا، لِأَنَّكَ ٱبنُ ٱمرَأَةٍ أُخْرى». ٣فهَرَبَ يَفْتاحُ مِن وَجهِ إِخوَتِه وأَقامَ بِأَرضِ طوب. فٱجتَمَعَ إِلَيه قومٌ لا خَيرَ فيهم، وكانوا يَقومونَ بِحَمَلاتٍ معَه.

٤وكانَ بَعدَ أَيَّامٍ أَنَّ بَني عَمُّونَ حارَبوا إِسْرائيل. ٥فلَمَّا حارَبَ بَنو عَمُّونَ إِسْرائيل، اِنطَلَقَ شُيوخُ جِلْعادَ لِيَأتوا بِيَفْتاحَ مِن أَرضِ طوب. ٦وقالوا لِيَفْتاح: «تَعالَ وكُنْ لَنا قائِدًا، فنُحارِبَ بَني عَمُّون». ٧فقالَ يَفْتاحُ لِشُيوخِ جِلْعاد: «أَلَم تُبغِضوني أَنتُم وطَرَدتُموني مِن بَيتِ أَبي؟ فلِماذا أَتَيتُموني الآن في شِدَّتِكم؟» ٨فقالَ شُيوخُ جِلْعادَ لِيَفْتاح: «لِهٰذا عُدْنا إِلَيكَ الآن، فسِرْ مَعنا وحارِبْ بَني عَمُّونَ وكُنْ رَئيسًا علَينا وعلى جَميعِ سُكَّانِ جِلْعاد». ٩فقالَ يَفْتاحُ لِشُيوخِ جِلْعاد: «إِذا أَرجَعتُموني لِمُحارَبَةِ بَني عَمُّون، فأَسلَمَهمُ الرَّبُّ إِلَيَّ، أَكونُ رَئيسًا علَيكم». ١٠فقالَ شُيوخُ جِلْعادَ لِيَفْتاح: «لِيَكُنِ الرَّبُّ شاهِدًا بَينَنا، إِن كُنَّا لا نَفعَلُ كما تَقول». ١١فمَضى يَفْتاحُ مع شُيوخِ جِلْعاد، فأَقامَه الشَّعبُ علَيهم رَئيسًا وقائِدًا. فكَرَّرَ يَفْتاحُ جَميعَ أَقوالِه أَمامَ الرَّبِّ في المِصْفاة.

يَفتاح يفاوض بني عمّون

١٢وأَنفَذَ يَفْتاحُ رُسُلًا إِلى مَلِكِ بَني عَمُّونَ قائِلًا: «ماذا بَيني وبَينَكَ حتَّى أَتَيتَني لِلحَربِ في أَرْضي؟» ١٣فقالَ مَلِكُ بَني عَمُّونَ لِرُسُلِ يَفْتاح: «لِأَنَّ إِسْرائيلَ، حينَ صَعِدَ مِن مِصرَ، أَخَذَ أَرْضي مِن أَرْنونَ إِلى اليَبُّوقِ والأُردُنّ، فرُدَّها الآنَ بِسَلام». ١٤فعادَ يَفْتاحُ أَيضًا وأَنفَذَ رُسُلًا إِلى مَلِكِ بَني عَمَّونَ ١٥وقالَ لَه: «هٰكذا يَقولُ يَفْتاح: إِنَّ إِسْرائيلَ لم يأخُذْ أَرضَ موآبَ ولا أَرضَ بَني عَمُّون، ١٦لِأَنَّه، حينَ صَعِدَ مِن مِصرَ، سارَ في البَرِّيَّةِ إِلى بَحرِ القَصَب، ووَصَلَ إِلى قادِش. ١٧فأَنفَذَ إِسْرائيلُ رُسُلًا إِلى مَلِكِ أَدومَ يَقولون: دَعْني أَمُرُّ بِأَرضِكَ. فلَم يَسمَعْ مَلِكُ أَدوم. فأَرسَلَ إِلى مَلِكِ موآبَ أَيضًا، فأَبى. فأقامَ إِسْرائيلُ في قادِش. ١٨ثُمَّ سارَ في البَرِّيَّة، وطافَ حَولَ أَرضِ أَدومَ وأَرضِ موآب، وأَتى أَرضَ موآبَ مِن جِهَةِ الشَّرْق، وخَيَّمَ عِبرَ أَرْنون، ولم يَدخُلْ أَرضَ موآب، فإِنَّ أَرنونَ هي حُدودُ موآب.

١٩ثُمَّ أَرسَلَ إِسْرائيلُ رُسُلًا إِلى سيحون، مَلِكِ الأَمورِيِّين، مَلِكِ حَشْبون، وقالَ لَه: دَعْنا نَمُرُّ بِأَرضِكَ إِلى مَكانِنا. ٢٠فلم يَثِقْ سيحونُ بِإِسْرائيل ولم يَدَعْه يَمُرُّ بِأَرضِه. وجَمَعَ سيحونُ كُلَّ شَعبه وعَسكَروا في ياهَص، وحارَبوا إِسْرائيل. ٢١فأَسلَمَ الرَّبُّ، إِلٰهُ إِسْرائيل، سيحونَ وكُلَّ شَعبِه إِلى يَدِ إِسْرائيل، فضَرَبَهم ووَرِثَ إِسْرائيلُ كُلَّ أَرضِ الأَمورِيِّين، سُكَّانِ تِلكَ الأَرْض. ٢٢ووَرِثوا جَميعَ أَراضي الأَمورِيِّين، مِن أَرْنونَ إِلى اليَبُّوق، ومِنَ البَرِّيَّةِ إِلى الأُردُنّ. ٢٣والآنَ فإِنَّ الرَّبَّ، إِلٰهَ إِسْرائيل، قد طَرَدَ الأَمورِيِّينَ مِن أَمامِ شَعبِه إِسْرائيل، أَفأَنتَ تَطرُدُهم؟ ٢٤أَلَيسَ أَنَّ ما يورِثُكَ إِيَّاه كَموشُ إِلٰهُكَ، إِيَّاه تَرِث، وكُلَّ ما أَورَثَنا الرَّبُّ إِلٰهُنا، إِيَّاه نَرِث؟ ٢٥أَلَعَلَّكَ حَقًّا خَيرٌ مِن بالاقَ بنِ صِفُّور، مَلِكِ موآب؟ فهَل خاصَمَ بَني إِسْرائيل أو أَثارَ علَيهم حَربًا؟ ٢٦وعِندَما أَقامَ إِسْرائيلُ بِحَشبونَ وتَوابِعِها وعَروعيرَ وتَوابِعِها وجَميعِ المُدُنِ الَّتي عِندَ أَرْنونَ مُدَّةَ ثَلاثِ مِئَةِ سَنَة، لِماذا لم تَستَرجِعوها في تِلكَ المُدَّة؟ ٢٧إِنِّي لم أَخطَأْ إِلَيكَ، وإِنَّما أَنتَ تَسيءُ إِلَيَّ بِمُحارَبَتِكَ لي. فَلْيَقْضِ اليَومَ الرَّبُّ الدَّيَّانُ بَينَ بَني إِسْرائيلَ وبَني عَمُّون». ٢٨فلم يَسمَعْ مَلِكُ بَني عَمُّونَ لِكَلامِ يَفْتاحَ الَّذي أَرسَلَ بِه إِلَيه.

نذر يفتاح وانتصاره

٢٩وكانَ روحُ الرَّبِّ على يَفْتاح، فعَبَرَ جِلْعادَ ومَنَسَّى ومَرَّ بِمِصفاةِ جِلْعاد، ومِن مِصفاةِ جِلْعادَ عَبَرَ إِلى بَني عَمُّون. ٣٠ونَذَرَ يَفْتاحُ نَذرًا لِلرَّبِّ وقال: «إِن أَسلَمتَ بَني عَمُّونَ إِلى يَدي، ٣١فكُلُّ خارِجٍ يَخرُجُ مِن بابِ بَيتي إِلى لِقائي، حينَ عَودَتي بِسَلامٍ مِن عِندِ بَني عَمُّون، يَكونُ لِلرَّبِّ فأُصعِدُه مُحرَقَةً». ٣٢وعَبَرَ يَفْتاحُ إِلى بَني عَمُّونَ لِيُحارِبَهم، فأَسلَمَهمُ الرَّبُّ إِلى يَدِه. ٣٣فضَرَبَهم مِن عَروعيرَ إِلى مَدخَلِ مِنِّيت (عِشْرينَ مَدينة) وإِلى آبَلَ كَراميم، ضَربَةً عَظيمةً جِدًّا، فذَلَّ بَنو عَمُّونَ أَمامَ بَني إِسْرائيل.

٣٤وعادَ يَفْتاحُ إِلى المِصْفاةِ إِلى بَيتِه، فإِذا ٱبنَتُه خارِجَةٌ لِلِقائِه بِالدُّفوفِ والرَّقْصِ، وهي وَحيدةٌ لَه، ولم يَكُنْ لَه ٱبنٌ أَوِ ٱبنَةٌ سِواها. ٣٥فلَمَّا رَآها، مَزَّقَ ثِيابَه وقال: «آه، يا ٱبنَتي، قد صَرَعتِني صَرعًا وصِرتِ مِن جُملَةِ مَن أَشْقاني، لِأَنِّي فَتَحتُ فَمي أَمامَ الرَّبّ، ولا أَستَطيعُ أَن أَتَراجَع». ٣٦فقالَت لَه: «يا أَبَتِ، قد فَتَحتَ فَمَكَ أَمامَ الرَّبّ، فٱصنَعْ بي بِحَسَبِ ما خَرَجَ مِن فَمِكَ، بَعدَما ٱنتَقَمَ لَكَ الرَّبُّ مِن أَعْدائِكَ بَني عَمُّون». ٣٧ثُمَّ قالَت لِأَبيها: «لِيُصنَعْ لي هٰذا الطَّلَب: أَمهِلْني شَهرَينِ فأَنطَلِقَ وأَتيهَ في الجِبالِ وأَبْكي بَتولِيَّتي، أَنا وصَديقاتي». ٣٨فقالَ: «إِذهَبي»، وصَرَفَها شَهرَين. فٱنطَلَقَت هي وصَديقاتُها وبَكَت بَتولِيَّتَها على الجِبال. ٣٩وكانَ، عِندَ نِهايَةِ الشَّهرَين، أَنَّها رَجَعَت إِلى أَبيها، فأَتَمَّ بِها النَّذرَ الَّذي نَذَره، وهي لم تَعرفْ رَجُلًا. فجَرَتِ العادَةُ بَينَ بَني إِسْرائيلَ ٤٠أَنَّ بَناتِ إِسْرائيلَ يَمْضينَ مِن سَنَةٍ إِلى سَنَة ويَنُحنَ على ٱبنَةِ يَفْتاحَ الجِلْعادِيِّ أَربَعَةَ أَيَّامٍ في السَّنَة.

القضاة ١٢

حرب بين إفرائيم وجلعاد. وفاة يفتاح

١وٱجتَمَعَ رِجالُ أَفرائيم وعَبَروا الأُردُنّ إِلى جِهَةِ صافون، وقالوا لِيَفْتاح: لِماذا عَبَرتَ لِمُحارَبَةِ بَني عَمُّون، ولم تَدعُنا لِنَنطَلِقَ معَكَ؟ لَنُحرِقَنَّ علَيكَ بَيتَكَ بِالنَّار». ٢فقالَ لَهم يَفْتاح: «كانَت لي ولِشَعْبي مُخاصَمَةٌ شَديدةٌ مع بَني عَمُّون، ودَعَوتُكم فلَم تُخَلِّصوني مِن يَدِهم. ٣ورَأَيتُ أَنَّكَ لم تُخَلِّصْني، فخاطَرتُ بِنَفْسي وعَبَرتُ إِلى بَني عَمُّون، فأَسلَمَهمُ الرَّبُّ إِلى يدي. فلِماذا صَعِدتُم إِلَيَّ لِتُحاربوني اليَوم؟».

٤وجَمَعَ يَفْتاحُ جَميعَ رِجالِ جِلْعاد، فحارَبَ أَفْرائيمَ وضَرَبَ رِجالُ جِلْعادَ أَفرائيم، لِأَنَّ بَني أَفْرائيمَ قالوا: «إِنَّما بِفَضلِ أَفْرائيمَ نَجَوتُم، يا رِجالَ جِلْعادَ الَّذينَ لَجَأُوا بَينَ أَفْرائيمَ ومَنَسَّى». ٥وٱستَولى الجِلعادِيُّونَ على مَعابِرِ الأُردُنِّ في ٱتِّجاهِ أَفْرائيم، فكانَ إِذا أَحَدُ النَّاجينَ مِن أَفْرائيمَ قال: «دَعوني أَعبُر»، يَقولُ لَه الجِلْعادِيُّون: «أَأَفرائيمِيٌّ أَنت؟» فيقول: «لا». ٦فيَقولونَ لَه: «إِذَن قُلْ: «شِبُّولَت»، فيَقول: «سِبُّولَت» غَيرَ قادِرٍ على لَفظِها لَفظًا صَحيحًا، فيَقبِضونَ علَيه ويَذبَحونَه عِندَ مَعابِرِ الأُردُنّ. فقُتِلَ في ذٰلك الوَقتِ مِن أَفْرائيمَ ٱثْنانِ وأَربَعونَ أَلفًا. ٧وتَوَلَّى يَفْتاحُ القَضاءَ على إِسْرائيلَ سِتَّ سِنين. وماتَ يَفْتاحُ الجِلْعادِيّ، ودُفِنَ في مَدينَتِه في جِلْعاد.

٩. إِبصان

٨وتَوَلَّى القَضاءَ بَعدَه على إِسْرائيلَ إِبْصانُ مِن بَيتَ لَحْم. ٩وكانَ لَه ثَلاثونَ ٱبنًا وثَلاثونَ ٱبنَةً، فزَوَّجَ بَناتِه الثَّلاثينَ إِلى غُرَباء، وأَدخَلَ ثَلاثينَ كَنَّةً زوجاتٍ لِبَنيه. وكانَت مُدَّةُ قَضائِه في إِسْرائيل سَبعَ سَنَوات. ١٠وماتَ إِبْصانُ ودُفِنَ في بَيتَ لَحْم.

١٠. أَيلون

١١فتَوَلَّى قَضاءَ إِسْرائيلَ بَعدَه أَيلونُ الزَّبولونِيّ. وكانَت مُدَّةُ قَضائِه في إِسْرائيلَ عَشرَ سِنين. ١٢وماتَ أَيلونُ الزَّبولونِيُّ ودُفِنَ في أَيَّالون، في أَرضِ زَبولون.

١١. عَبْدون

١٣فتَوَلَّى القَضاءَ في إِسْرائيلَ بَعدَه عَبْدونُ بنُ هِلِّيلَ الفِرعَتونِيّ. ١٤وكانَ لَه أَربَعونَ ٱبنًا وثَلاثونَ حَفيدًا، وكانوا يَركَبونَ سَبْعينَ جَحْشًا. كانَت مُدَّةُ قَضائِه في إِسْرائيلَ ثَمانِيَ سِنين. ١٥وماتَ عَبْدونُ بنُ هِلِّيلَ الفِرعَتونِيّ، ودُفِنَ في فِرعَتون، في أَرضِ أَفْرائيم، في جَبَلِ العَمالِقَة.

القضاة ١٣

١٢. شِمشون

التبشير بمولد شِمشون

١وعادَ بَنو إِسْرائيلَ فصَنَعوا الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّبّ. فأَسلَمهمُ الرَّبُّ إِلى يَدِ الفَلِسطينِيِّينَ أَربَعينَ سَنَة. ٢وكانَ رَجُلٌ مِن صُرْعَة، مِن عَشيرةِ دانٍ ٱسمُه مَنوح، وكانَتِ ٱمرَأَتُه عاقِرًا لا تَلِد. ٣فتَراءَى مَلاكُ الرَّبِّ لِلمَرأَةِ وقالَ لَها: «إِنَّكِ عاقِرٌ لم تَلِدي، ولٰكِنَّكِ ستَحمِلينَ وتَلِدينَ ٱبنًا. ٤فٱنتَبِهي الآنَ ولا تَشرَبي خَمرًا ولا مُسكِرًا، ولا تأكُلي شَيئًا نَجِسًا، ٥لِأَنَّكِ ستَحمِلينَ وتَلِدينَ ٱبنًا لا يَعْلو رأسَه موسًى، لِأَنَّ الصَّبِيَّ يَكونُ نَذيرًا للهِ مِنَ البَطْن، وهو يَبدأُ بِخَلاصِ إِسْرائيلَ مِن يَدِ الفَلِسطينِيِّين». ٦فجاءَتِ المَرأَةُ وكَلَّمَت زَوجَها وقالَت لَه: «جاءَني رَجُلُ الله، ومَنظَرُه كمَنْظَرِ مَلاكِ الله، لَه هَيبَةٌ عَظيمة، وأَنا لم أَسأَلْه مِن أَينَ هو، وهو لم يُخْبِرني بِٱسمِه. ٧وقالَ لي: إِنَّكِ ستَحمِلينَ وتَلِدينَ ٱبنًا. فلا تَشرَبي الآنَ خَمرًا ولا مُسكِرًا ولا تأكُلي شَيئًا نَجِسًا، لِأَنَّ الصَّبِيَّ يَكونُ نَذيرًا للهِ مِن البَطنِ إِلى يَومِ وَفاتِه».

الظهور الثاني للملاك

٨فٱبتَهَلَ مَنوحُ إِلى الرَّبِّ وقال: «أَسأَلُكَ يا رَبُّ أَن يَعودَ إِلَينا رَجُلُ اللهِ الَّذي أَرسَلتَه ويُعَلِّمَنا ما نَصنَعُ بِالصَّبِيِّ المَولود». ٩فسَمِعَ اللهُ صَوتَ مَنوح، فأَتى مَلاكُ اللهِ ثانِيَةً إِلى المَرأَةِ وهي في الحَقْلِ، ولم يَكُنْ مَنوحُ زوجُها معَها. ١٠فأسرَعَتِ المَرأَةُ راكِضَةً وأَخبَرَت زَوجَها وقالَت لَه: «لقَد تَراءَى لِيَ الرَّجُلُ الَّذي أَتاني في ذٰلك اليَوم». ١١فقامَ مَنوحُ وٱنطَلَقَ وَراءَ زَوجَتِه وأَقبَلَ على الرَّجُلِ وقالَ لَه: «أَأَنتَ الرَّجُلُ الَّذي تَكَلَّمَ معَ المَرأة؟» قال: «أَنا هو». ١٢فقالَ مَنوح: «والآنَ، إِذا تَمَّ قَولُك، فكَيفَ يَكونُ التَّصَرُّفُ في أَمرِ الصَّبِيِّ وماذا يُعمَلُ بِه؟» ١٣فقالَ مَلاكُ الرَّبِّ لِمَنوح: «لِتَحتَرِزِ المَرأَةُ من كُلِّ ما قُلتُ لَها: ١٤مِن كُلِّ ما يَخرُجُ مِن كَرمَةِ الخَمرِ لا تَأكُل، وخَمرًا ومُسكِرًا لا تَشْرَبْ، ولا تَأكُلْ شَيئًا نَجِسًا، بل تَحفَظْ كُلَّ ما أَمرتُها بِه» ١٥فقالَ مَنوحُ لِمَلاكِ الرَّبّ: «دَعْنا نَستَبقيكَ ونُعِدُّ لَكَ جَديًا مِنَ المَعِز». ١٦فقالَ مَلاكُ الرَّبِّ لِمَنوح: «إِن أَنتَ ٱستَبقَيتَني، لم آكُلْ مِن خُبزِكَ، أَمَّا إِن صَنَعتَ مُحرقَةً فلِلرَّبِّ أَصعِدْها». (لِأَنَّ مَنوحَ لم يَكُنْ يَعلَمُ أَنَّه مَلاكُ الرَّبّ). ١٧فقالَ مَنوحُ لِمَلاكِ الرَّبّ: «ما ٱسمُكَ، حتَّى إِذا تَمَّ قَولُكَ نُكرِمَك؟» ١٨فقالَ لَه مَلاكُ الرَّبّ: لِمَ سُؤالُكَ عنِ ٱسْمي، وٱسْمي عَجيب؟».

١٩فأَخَذَ مَنوحُ جَديَ المَعِزِ والتَّقدِمة، وأَصعَدَهما على الصَّخرةِ لِلرَّبّ، لَلَّذي يَعمَلُ عَمَلًا عَجيبًا، ومَنوحُ وزَوجَتُه يَنظُران. ٢٠فكانَ، عِندَ ٱرتِفاعِ اللَّهيبِ عن المَذبَحِ نَحوَ السَّماء، أَنَّ مَلاكَ الرَّبِّ صَعِدَ في لَهيبِ المَذبَح، ومَنوحُ وزَوجَتُه يَنظُران، فسَقَطا على وَجهَيهما إِلى الأَرْض. ٢١ولَم يَعُدْ مَلاكُ الرَّبِّ يَتَراءَى لِمَنوحَ وزَوجَتِه. فَعلِمَ مَنوحُ حينَئِذٍ أَنَّه مَلاكُ الرَّبّ. ٢٢فقالَ مَنوحُ لِٱمرَأَتِه: «إِنَّنا مَوتًا سَنَموت، لِأَنَّنا عايَنَّا الله». ٢٣فقالَت لَه ٱمرَأَتُه: «لو أَنَّ الرَّبَّ أَرادَ أَن يُميتَنا، لَما قَبِلَ مِن أَيدينا مُحرَقَةً وتَقدِمةً، ولا كانَ أَرانا ذٰلك كُلَّه، ولَما أَسمَعَنا مِثلَ ذٰلك في هٰذا الوَقْت». ٢٤ووَلَدَتِ المَرأَةُ ٱبنًا وسَمَّته شِمْشون. وكَبِرَ الصَّبِيُّ وبارَكَه الرَّبّ. ٢٥وبَدَأَ رُوحُ الرَّبِّ يُحَرِّكُه في مُعَسكَرِ دان، بَينَ صُرعَةَ وأَشْتاؤُول.

القضاة ١٤

زواج شمشون

١ونَزَلَ شِمْشونُ إِلى تِمنَة، فرَأَى في تِمنَةَ ٱمرَأَةً مِن بَناتِ فَلِسْطين. ٢فصَعِدَ وأَخبَرَ أَباه وأُمَّه وقال: «رَأَيتُ في تِمنَةَ ٱمرَأَةً مِن بَناتِ الفَلِسطينِيِّين، فٱتَّخِذاها الآنَ لي زَوجَةً». ٣فقالَ لَه أَبوه وأُمُّه: «أَلَيسَ في بَناتِ إِخوَتِكَ وفي شَعْبي كُلِّه ٱمرَأَةٌ، حتَّى تَذهَبَ وتَأخُذَ ٱمرَأَةً مِنَ الفَلِسطينِيِّينَ القُلْف؟» فقالَ شِمْشونُ لِأَبيه: «بل إِيَّاها تَأخُذُ لي، لِأَنَّها حَسُنَت في عَينَيَّ». ٤ولَم يَعلَمْ أَبوه وأُمُّه أَنَّ هٰذا كانَ مِن قِبَلِ الرَّبّ وأَنَّه كانَ يَطلُبُ عِلَّةً على الفَلِسطينِيِّين، وكانَ الفَلِسطينِيُّونَ في ذٰلك الزَّمانِ مُتَسَلِّطينَ على إِسْرائيل.

٥فنَزَلَ شِمْشونُ وأَبوه وأُمُّه إِلى تِمنَة. ولَمَّا بَلَغوا إِلى كُرومِ تِمنَة، إِذا شِبلُ لَبُؤَةٍ يَزأَرُ في وَجهِه. ٦فانقَضَّ على شِمْشونَ روحُ الرَّبّ، فشَقَّ الشِّبلَ كما يُشَقُّ الجَدْيُ ولَم يَكُنْ في يَدِه شَيء. ولَم يُخبِرْ أَباه وأُمَّه بما فَعَل. ٧ثُمَّ نَزَلَ وخاطَبَ المَرأَة، فحَسُنَت في عَينَي شِمْشون. ٨ورَجَعَ بَعدَ أَيَّامٍ لِيَأخُذَها، فمالَ لِيَرى جُثَّةَ الأَسَد، فإِذا في جَوفِ الأَسَدِ فِرْقٌ مِنَ النَّحلِ وعَسَل. ٩فأَخَذَ مِنه على كَفَّيه ومَضى وهو يأكُل. وجاءَ إِلى أَبيه وأُمِّه وأَعْطاهما فأَكَلا، ولَم يُخبِرْهما أَنَّه مِن جَوفِ الأَسَدِ أَخَذَ العَسَل. ١٠ونَزَلَ أَبوه إِلى المَرأَة، وصَنَعَ هُناكَ شِمْشونُ وَليمَةً، لِأَنَّه هٰكذا كانَ يَصنَعُ الفِتْيان. ١١فلَمَّا رَأَوا شِمْشون، أَخَذوا لَه ثَلاثينَ وصيفًا، فكانوا معَه.

لُغز شمشون

١٢فقالَ لَهم شِمْشون: «إِنِّي عارِضٌ علَيكم لُغزًا. فإِن حَلَلتُموه لي في سَبعَةِ أَيَّامِ الوَليمةِ وأَصَبتُم، أَعطَيتُكم ثَلاثينَ قَميصًا وثَلاثينَ حُلَّةً مِنَ الثِّياب. ١٣وإِن لم تَقدِروا أَن تَحُلُّوه لي، أَعطَيتُموني ثَلاثينَ قَميصًا وثَلاثينَ حُلَّةً مِن الثِّياب». فقالوا لَه: «إِعرِضْ لُغزَكَ لِنَسمَعَه». ١٤فقالَ لَهم: «خَرَجَ مِنَ الآكِلِ أَكْلٌ ومِنَ القَوِيِّ حَلاوة». فلَم يَستَطيعوا في ثَلاثةِ أَيَّامٍ أَن يَحُلُّوا اللُّغْز.

١٥فلَمَّا كانَ اليَومُ السَّابِع، قالوا لِٱمرَأَةِ شِمْشون: «أَغْري زَوجَكِ حتَّى يَحُلَّ لَنا اللُّغْز، وإِلَّا نُحرِقُكِ مع بَيتِ أَبيكِ بِالنَّار. أَلِتَسلُبونا دَعَوتُمونا؟» ١٦فَبَكَتِ ٱمرَأَةُ شِمْشونَ لَدَيه وقالَت: «إِنَّما أَنتَ تُبغِضُني ولا تُحِبُّني. قد عَرَضتَ على بَني شَعْبي لُغزًا ولم تُطلِعْني علَيه». فقالَ لَها: «إِنِّي لم أُطلِعْ علَيه أَبي وأُمِّي، أَفإِيَّاكِ أُطلِعُ علَيه؟» ١٧فبَكَت لَدَيه سَبعَةَ أَيَّامِ الوَليمة. فلَمَّا كانَ اليَومُ السَّابِع، أَطلَعَها علَيه، لِأَنَّها كانَت قد ضايَقَته. فأَطلَعَت بَني شَعبِها على اللُّغْز.

١٨ففي اليَومِ السَّابِع، قَبلَ غُروبِ الشَّمْس، قالَ رِجالُ المَدينة: «أَيُّ شَيءٍ أَحْلى مِنَ العَسَل، وأَيُّ شَيءٍ أَقْوى مِنَ الأَسَد؟» فقالَ لَهم: «لَولا أَنَّكم حَرَثتُم مع عِجلَتي، لم تَجدوا لُغْزي».

١٩وٱنقَضَّ على شِمْشونَ روحُ الرَّبّ، فنَزَلَ إِلى أَشقَلون، وقَتَلَ مِنهم ثَلاثينَ رَجُلًا، وأَخَذَ أَسْلابَهم وأَعْطى الحُلَلَ لِكاشِفي اللُّغْز. وغَضِبَ وصَعِدَ إِلى بَيتِ أَبيه. ٢٠وصارَتِ ٱمرَأَةُ شِمْشونَ لِوَصيفِه الَّذي كانَ يُرافِقُه.

القضاة ١٥

شمشون يُحرق حصاد الفلسطينيّين

١وكانَ بَعدَ أَيَّامٍ، في أَوانِ حِصادِ الحِنطَة، أَنَّ شِمْشونَ زارَ ٱمرَأَتَه وحَمَلَ إِلَيها جَدْيًا مِنَ المَعِزِ وقال: «أَدخُلُ على ٱمرَأَتي في حُجرَتِها». ولٰكِنَّ أَباها لم يَدَعْه يَدخُل. وقالَ أَبوها: ٢«قُلتُ في نَفْسي: إِنَّكَ أَبغَضتَها، فزَوَّجتُها مِن وَصيفِكَ. ولٰكِن أَلَيسَت أُختُها الصُّغْرى أَحسَنَ مِنها؟ فلْتَكُنْ لَكَ بَدَلًا لَها». ٣فقالَ لَهم شِمْشون: «أَنا بَريءٌ الآنَ مِنَ الفَلِسطينِيِّينَ إِذا أَنزَلتُ بِهم شَرًّا». ٤وٱنطَلَقَ شِمْشونُ وقَبَضَ على ثَلاثِ مِئَةِ ثَعلَب، وأَخَذَ مَشاعِل، فجَعَلَ الثَّعالِبُ ذَنَبًا إِلى ذَنَب، وجَعَلَ بَينَ كُلِّ ذَنَبَينِ مِشعَلًا. ٥وأَوقَدَ المَشاعِلَ وأَرسَلَها في زَرْعِ الفَلِسطينِيِّين، وأَحرَقَ الحُزَمَ والزَّرْعَ، حتَّى الكُرومَ والزَّيتون.

٦فقالَ أَهْلُ فَلِسْطين: «مَن صَنَعَ هٰذا؟» فقيل: «شِمْشون، صِهرُ التِّمِنيّ، لِأَنَّ أَباها أَخَذَ زَوجَته وأَعْطاها لِوَصيفِه». فصَعِدَ أَهلُ فَلِسْطينَ وأَحرَقوا المَرأَةَ وأَباها بِالنَّار. ٧فقالَ لَهم شِمْشون: «بما أَنَّكم فَعَلتُم هٰذا، فإِنِّي أَنتَقِمُ مِنكم، ثُمَّ أَكُفُّ عنكم». ٨وضَرَبَهم فسَحَقَهم سَحقًا عَظيمًا، ثُمَّ نَزَلَ وأَقامَ بِكَهْفِ صَخرَةِ عَيطَم.

فكّ الحمار

٩فصَعِدَ الفَلِسطينِيُّونَ وعَسكروا في يَهوذا وٱنتَشَروا في لَحْي. ١٠فقالَ لَهم رِجالُ يَهوذا: «لِماذا صَعِدتُم علَينا؟» فقالوا: «صَعِدْنا لِنوثِقَ شِمْشونَ ونَصنَعَ بِه كما صَنَعَ بِنا». ١١فنَزَلَ ثَلاثَةُ آلافِ رَجُلٍ مِن يَهوذا وأَتَوا كَهْفَ صَخرَةِ عَيطَم وقالوا لِشِمْشون: «أَما تَعلَمُ أَنَّ الفَلِسطينِيِّينَ مُتَسَلِّطونَ علَينا؟ فلِماذا فَعَلتَ بِنا ذٰلك؟» فقالَ لَهم: «كما صَنَعوا بي صَنَعتُ بِهم». ١٢فقالوا لَه: «قد نَزَلْنا لِنوثِقَكَ ونُسلِمَكَ إِلى يَدِ الفَلِسطينِيِّين». فقالَ لَهم شِمْشون: «إِحلِفوا أَنَّكم أَنتُم لا تَقتُلونَني». ١٣فقالوا لَه: «لا، بل نوثِقُكَ ونُسلِمُكَ إِلى يَدِهم، ولا نُميتُكَ نَحنُ». فأَوثَقوه بِحَبلَينِ جَديدَين، وأَصعَدوه مِن الصَّخرَة.

١٤ولَمَّا ٱنتَهى إِلى لَحْيَ، صاحَ الفَلِسْطينِيُّونَ عِندَ لِقائِه فٱنقَضَّ علَيه روحُ الرَّبّ، فإِذا الحَبْلانِ اللَّذانِ على ذِراعَيه كأَنَّما هما كَتَّانٌ أُحرِقَ بِالنَّار. فانحَلَّتِ القُيودُ عن يَدَيه. ١٥ووَجَدَ فَكَّ حِمارٍ طَريئًا، فمَدَّ يَدَه وتَناوَلَه وقَتَلَ بِه أَلفَ رَجُل. ١٦وقالَ شِمْشون: «أَوسَعتُهم ضَربًا وبِفَكِّ حِمارٍ قَتَلتُ أَلفَ رَجُل».

١٧ولَمَّا أَتَمَّ كَلامَه، رَمى بِالفَكِّ مِن يَدِه ودَعا ذٰلك المَكانَ رامةَ لَحْيَ. ١٨ثُمَّ إِنَّه عَطِشَ جِدًّا، فصَرَخَ إِلى الرَّبِّ وقال: «قد جَعَلتَ بِيَدِ عَبدِكَ هٰذا النَّصرَ العَظيم، والآنَ فإِنِّي أَهلِكُ عَطَشًا وأَقَعُ في يَدِ القُلْف». ١٩فشَقَّ اللهُ الجَوفَ الَّذي في لَحْيَ، فخَرَجَت مِنه مِياهٌ فشَرِبَ وعادَت إِلَيه روحُه وعاش. ولِذٰلك دَعا ذٰلك المَكانَ عَينَ هاقوري، وهي في لَحْيَ إِلى هٰذا اليَوم. ٢٠وكانَ قاضِيًا في إِسْرائيلَ في أَيَّامِ الفَلِسطينِيِّينَ عِشْرينَ سَنَة.

القضاة ١٦

حادثة أبواب غَزَّة

١ثُمَّ ٱنطَلَقَ شِمْشونُ إِلى غَزَّة، فرأَى هُناكَ ٱمرَأَةً زانِيَة، فدَخَلَ علَيها. ٢فقيلَ لِأَهلِ غَزَّةَ: «إِنَّ شِمْشونَ هٰهنا». فطافوا وكَمَنوا لَه كُلَّ اللَّيلِ عِندَ بابِ المَدينَة، وصَمَتوا اللَّيلَ كُلَّه وقالوا: «عِندَ ضَوءِ الصُّبحِ نَقتُلُه». ٣فرَقَدَ شِمْشونُ إِلى نِصفِ اللَّيل، وقامَ عِندَ نِصفِ اللَّيلِ فأَخَذَ مِصْراعَي بابِ المَدينة بدِعامَتَيه، وقَلَعَها مع المِزْلاج، وحَمَلَ كُلَّ ذٰلك على مَنكِبَيه وصَعِدَ بِه إِلى رَأسِ الجَبَلِ الَّذي قُبالَةَ حَبْرون.

دليلة تخون شمشون

٤وكانَ بَعدَ ذٰلك أَنَّه أَحَبَّ ٱمرَأَةً في وادي سوريقَ ٱسمُها دَليلة. ٥فصَعِدَ إِلَيها أَقْطابُ الفَلِسطينِيِّينَ وقالوا لَها: «أَغْريه وٱنظُري أَينَ تَكمُنُ قُوَّتُه العَظيمة، وكَيفَ نَتَمَكَّنُ مِنه فنوثِقَه ونُسَيطِرَ علَيه، ونَحنُ نَدفَعُ إلَيكِ كُلٌّ مِنَّا أَلفًا ومِئَةً مِنَ الفِضَّة».

٦فقالَت دَليلةُ لِشِمْشون: «أَخبِرْني أَينَ تَكمُنُ قُوَّتُكَ العَظيمة. وبماذا توثَقُ لِيُسَيطَرَ علَيكَ؟» ٧فقالَ لَها شِمْشون: «إِذا أَوثَقوني بِسَبعَةِ حِبالٍ طَريئَةٍ لم تَجِفَّ بَعدُ، فإِنِّي أَضعُفُ وأَصيرُ كواحِدٍ مِنَ النَّاس». ٨فجاءَها أَقْطابُ الفَلِسطينِيِّينَ بِسَبعَةِ حِبالٍ طَريئَةٍ لم تَجِفَّ بَعدُ، فأَوثَقَته بِها، ٩والكَمينُ رابِضٌ عِندَها في المُخدَع. ثُمَّ قالَت لَه: «الفَلِسطينِيُّونَ عَليكَ، يا شِمْشون». فقَطَّعَ الحِبالَ كما يُقطَعُ خَيطُ المُشاقَةِ إِذا أُحرِقَ بِالنَّار. ولم يُعلَمْ أَينَ تَكمُنُ قُوَّتُه.

١٠فقالَت لَه دَليلَة: «قد خَدَعتَني وكَذَبتَ علَيَّ، فأَخبِرْني الآنَ بِماذا توثَق». ١١فقالَ لَها: «إن أَوثَقوني بِحِبالٍ جَديدةٍ لم تُستَعمَلْ قطّ، فإِنِّي أَضعُفُ وأَصيرُ كواحِدٍ مِنَ النَّاس». ١٢فأَخَذَت دَليلَةُ حِبالًا جَديدةً وشَدَّته بِها وقالَت لَه: «الفَلِسطينِيُّونَ علَيكَ، يا شِمْشون»، والكَمينُ رابِضٌ في المُخدَع. فقَطَّعَ الحِبالَ عن ذِراعَيه، كما يُقطَعُ الخَيط.

١٣فقالَت دَليلةُ لِشِمْشون: «إِلى الآنَ خَدَعْتَني وكَذَبتَ عَلَيَّ، فأَخبِرْني بماذا توثَق». فقالَ لَها: «إِذا ضَفَرتِ سَبعَ خُصَلِ رَأسي مع السَّدى، وغَرَستِها بِالوَتَدِ في الحائِط، فإِنِّي أَضعُفُ وأَصيرُ كواحِدٍ مِنَ النَّاس». ١٤وبَينَما هو راقِد، أَخَذَت دَليلَةُ خُصَلَ رَأْسِه السَّبعَ وضَفَرَتها مع السَّدى وغَرَسَتها بِوَتَدِ النَّولِ وقالَت: «الفَلِسطينِيُّونَ علَيكَ، يا شِمْشون». فاستَيقَظَ مِن نَومِه وقَلَعَ وَتَدَ النَّولِ والسَّدى.

١٥فقالَت لَه: «كَيفَ تَقولُ: إِنِّي أُحِبُّكِ، وقَلبُكَ لَيسَ معي، وهٰذه ثَلاثُ مَرَّاتٍ وأَنتَ تَخدَعُني ولم تُخْبِرْني أَينَ تَكمُنُ قُوَّتُكَ العَظيمة». ١٦ولَمَّا كانَت تُضايِقُه بِكَلامِها كُلَّ يَومٍ وتُزعِجُه ضاقَت نَفْسُه حتَّى المَوت. ١٧فأَطلَعَها على كُلِّ ما في قَلبِه وقالَ لَها: «لم يَعلُ رَأْسي موسًى، لِأَنِّي نَذيرٌ للهِ مِن بَطنِ أُمِّي. فإِن حُلِقَ رَأْسي، فارَقَتني قُوَّتي وضَعُفتُ وصِرتُ كواحِدٍ مِنَ النَّاس». ١٨ورَأَت دَليلَةُ أَنَّه قد أَطلَعَها على كُلِّ ما في قَلبِه، فأَرسَلَت ودَعَت أَقْطابَ الفَلِسطِينِيِّينَ وقالَت: «إِصعَدوا هٰذه المَرَّة، فإِنَّه قد أَطلَعَني على كُلِّ ما في قَلبِه». فصَعِدَ إِلَيها أَقْطابُ الفَلِسطينِيِّين، والفِضَّةُ بِيدهم. ١٩فنَوَّمَته على رُكبَتَيها ودَعَت رَجُلًا، فحَلَقَ سَبعَ خُصَلِ رأسِه. وأَخَذَت تُسَيطِرُ علَيه، وقد فارَقَته قُوَّتُه. ٢٠وقالَت لَه: «الفَلِسطينِيُّونَ عَلَيكَ، يا شِمْشون». فٱستَيقَظَ مِن نَومِه وقالَ في نَفْسِه: «أَنْجو كما كُنتُ أَصنَعُ كُلَّ مَرَّةٍ وأَتَخَلَّص»، وهو لا يَعلَمُ أَنَّ الرَّبَّ قد فارَقَه. ٢١فقَبَضَ علَيه الفَلِسطينِيُّون وفَقَأُوا عَينَيه ونَزَلوا بِه إِلى غَزَّة، وأَوثَقوه بِسِلسِلَتَينِ مِن نُحاس. وكانَ يُديرُ الرَّحى في السِّجْن.

إنتقام شمشون وموته

٢٢وأَخَذَ شَعَرُ رَأسِه يَنبُتُ بَعدَ أَن حُلِق. ٢٣وأَمَّا أَقْطابُ الفَلِسطينِيِّين، فٱجتَمَعوا لِيَذبَحوا ذَبيحةً عَظيمةً لِداجون إِلٰهِهم فَرَحًا، وقالوا: «قد أَسلَمَ إِلٰهُنا عَدُوَّنا إِلى أَيدينا». ٢٤ولَمَّا رَآه الشَّعبُ، سَبَّحوا إِلٰهَهم لِأَنَّهم قالوا: «قد أَسلَمَ إِلٰهُنا إِلى أَيدينا عَدُوَّنا ومُخَرِّبَ أَرضِنا، الَّذي كَثَّرَ قَتْلانا».

٢٥فلَمَّا طابَت نُفوسُهم قالوا: «هَلُمَّ بِشِمْشون، فيُسَلِّيَنا». فدَعَوا شِمْشونَ مِنَ السِّجْنِ، فسَلَّاهم، وأَقاموه بَين الأَعمِدَة. ٢٦فقالَ شِمْشونُ لِلصَّبِيِّ الآخِذِ بِيَده: «دَعْني أَلمُسُ الأَعمِدَةَ القائِمَ علَيها البَيتُ حَتَّى أَتَّكِئَ علَيها». ٢٧وكانَ البَيتُ غاصًّا بِالرِّجالِ والنِّساء، وكانَ هُناكَ جَميعُ أَقْطابِ الفَلِسطينِيِّين، وعلى السَّطحِ نَحوُ ثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ يَتَفَرَّجونَ على شِمْشونَ وهو يُسَلِّيهم. ٢٨فدَعا شِمْشونُ الرَّبَّ وقال: «أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ، اُذكُرْني وشَدِّدْني هٰذه المَرَّةَ أَيضًا، يا أَلله، لِأَنتَقِمَ لِعَينَيَّ مِنَ الفَلِسطينِيِّينَ ٱنتِقامًا واحِدًا». ٢٩ثُمَّ تَلَمَّسَ شِمْشونُ العَمودَينِ اللَّذَينِ في الوَسَط، والقائِمِ علَيهما البَيت. وٱتَّكَأَ علَيهما، آخِذًا أَحَدَهما بِيَمينِه والآخَرَ بِشِمالِه، ٣٠وقال: «لِتَمُت نَفْسي مع الفَلِسطينِيِّين». ودَفَعَ بِشِدَّة، فسَقَطَ البَيتُ على الأَقْطابِ وعلى كُلِّ الشَّعبِ الَّذي في البَيت. فكانَ المَوتى الَّذينَ قَتَلهم في مَوتِه أَكثَرَ مِنَ الَّذينَ قَتَلَهم في حَياتِه. ٣١فنَزَلَ إِخوَتُه وكُلُّ بَيتِ أَبيه، فحَمَلوه وصَعِدوا بِه ودَفَنوه بَينَ صُرعَةَ وأَشْتاؤُول، في قَبرِ مَنوحَ أَبيه. وكانَ قد تَوَلَّى القَضاءَ في إِسْرائيلَ عِشْرينَ سَنَة.

القضاة ١٧

مُـلْحَــقـــان

١. مَعبَد ميخا ومعبد دان

المعبد الخاصّ بميخا

١وكانَ رَجُلٌ مِن جَبَلِ أَفْرائيمَ ٱسمُه ميخا. ٢فقالَ لِأُمِّه: «إِنَّ الأَلْفَ والمِئَةَ مِثْقالِ الفِضَّةِ الَّتي أُخِذَت مِنكِ، ولَعَنتِ بِسَبَبِها وتَكَلَّمتِ على مَسمَعٍ مِنِّي هي معي، فأَنا أَخَذتُها». فقالَت أُمُّه: «بَرَكَةُ الرَّبِّ عَلَيكَ يا بُنَيَّ». ٣فأَعادَ إِلى أُمِّه الأَلْفَ والمِئَةَ مِثْقالِ الفِضَّة. فقالَت أُمُّه: «قَدَّستُ الفِضَّةَ لِلرَّبِّ مِن يَدي في سَبيلِ ٱبْني، لِيُعمَلَ مِنها تِمْثالٌ مَنْحوتٌ وصورَةٌ مَسْبوكة. والآنَ أُعيدُها إِلَيكَ». ٤غَيرَ أَنَّه أَعادَ الفِضَّةَ إِلى أُمِّه.

فأَخَذَت أُمُّه مِئَتي مِثْقالٍ مِنَ الفِضَّة وأَعطَتها لِلصَّائِغ، فعَمِلَها تِمْثالًا مَنْحوتًا (وصورةً مَسْبوكة)، وكانا في بَيتِ ميخا. ٥وكانَ لِميخا بَيتٌ للهِ، فصَنَعَ أَفودًا وتَرافيمًا وكَرَّسَ أَحَدَ بنيه، فصارَ لَه كاهِنًا. ٦وفي تِلكَ الأَيَّام، لم يَكُنْ لِإِسْرائيلَ مَلِك، فكانَ كُلُّ واحِدٍ يَعمَلُ ما يَحسُنُ في عَينَيه.

٧وكانَ فَتًى مِن بَيتَ لَحمِ يَهوذا مِن عَشيرةِ يَهوذا، وهو لاوِيّ، وكانَ نَزيلًا هُناك. ٨فذَهَبَ الرَّجُلُ مِنَ المَدينَة، مِن بَيتَ لَحمِ يَهوذا، لِيَسكُنَ حَيثُ يَجِدُ مَنزِلًا. فٱنتَهى إِلى جَبَلِ أَفْرائيم، إِلى بَيتِ ميخا، وهو سائِرٌ في طَريقِه. ٩فقالَ لَه ميخا: «مِن أَينَ أَقبَلتَ؟» فقالَ لَه: «أَنا لاوِيٌّ مِن بَيتَ لَحمِ يَهوذا، ذَهَبتُ لِأَسكُنَ حَيثُ أَجِدُ مَنزِلًا». ١٠فقالَ لَه ميخا: «أَقِمْ عِنْدي وكُنْ لي أَبًا وكاهِنًا، وأَنا أُعْطيكَ كُلَّ سَنَةٍ عَشَرَةً مِنَ الفِضَّة، ومَجْموعةً مِنَ الثِّياب، وقوتَكَ». فذَهَبَ اللَّاوِيّ. ١١ثُمَّ رَضِيَ اللَّاوِيُّ أَن يُقيمَ مع الرَّجُل. فكانَ الفَتى عِندَه كأحَدِ بَنيه. ١٢فكَرَّسَ ميخا ذٰلك اللَّاوِيَّ، فكانَ الفَتى لَه كاهِنًا. وأَقامَ في بَيتِ ميخا. ١٣فقالَ ميخا: «عَلِمتُ الآنَ أَنَّ الرَّبَّ يُحسِنُ إِلَيَّ، لِأَنَّه قد صارَ اللَّاوِيُّ لي كاهِنًا».

القضاة ١٨

بنو دان يبحثون عن أرض

١وفي تِلكَ الأَيَّام، لم يَكُنْ لِإِسرائيلَ مَلِك. وكانَ حينَئِذٍ سِبطُ دانٍ يَطلُبُ ميراثًا لِلسُّكْنى، لِأَنَّه إِلى ذٰلك اليَومِ لم يَكُنْ قد وَقَعَ لَه ميراثٌ يَرِثُه بَينَ أَسْباطِ إِسْرائيل. ٢فأَرسَلَ بَنو دانٍ مِن عَشيرَتِهم خَمسَةَ رِجالٍ مِن حُدودِ أَرضِهم، مِنَ المُحارِبينَ البَواسل، مِن صُرعَةَ وأَشْتاؤُول، لِيَتَجَسَّسوا الأَرضَ ولِيَتَقَصَّوا أَمرَها، وقالوا لَهم: «إِنطَلِقوا وتَقَصَّوا أَمرَ الأَرْض». فأَتَوا إِلى جَبَلِ أَفْرائيم، إِلى بَيتِ ميخا، وباتوا هُناك. ٣وبَينما كانوا بِالقُربِ مِن بَيتِ ميخا، عَرَفوا صَوتَ الفَتى اللَّاوِيّ. فمالوا إِلى هُناكَ وقالوا لَه: «مَن جاءَ بِكَ إِلى هٰهُنا، وماذا تَصنَعُ هٰهُنا، وما لَكَ هٰهُنا؟» ٤فقالَ لَهم: «صَنَعَ لي ميخا كَذا وكَذا وٱستَأجَرَني، فصِرتُ لَه كاهِنًا». ٥فقالوا لَه: «إِسأَلْ لَنا اللهَ فنَعلَمَ هل نَنْجَحُ في طَريقِنا الَّتي نَحنُ سائِرونَ فيها». ٦فقالَ لَهمُ الكاهِن: «سيروا بِسَلام، فإِنَّ الطَّريقَ الَّتي أَنتُم سالِكوها هي أَمامَ الرَّبّ». ٧فمَضَى الرِّجالُ الخَمسَةُ وجاؤُوا إِلى لاييش، ورَأَوا الشَّعبَ السَّاكِنينَ فيها آمِنينَ على عادةِ الصَّيدونِيِّين، مُطْمئِنِّينَ آمِنين، ولا يَلومُ أَحَدٌ في أَرضِهم مَن لَه السُّلْطان. وكانوا بَعيدينَ مِنَ الصِّيدونِيِّين، ولَيسَ لَهم بَينَهم وبَين أَحَدٍ عَلاقة. ٨فرَجَعوا إِلى إِخوَتِهم، إِلى صُرعَةَ وأَشْتاؤُول، فقالَ لَهم إِخوَتُهم: «ما وَراءَكم؟» ٩فقالوا لَهم: «قوموا بِنا نَصعَدُ علَيهم، لأَنَّنا رأَينا الأَرضَ، وهي طَيِّبَةٌ جِدًّا، وأَنتُم ساكِتون، فلا تَتَأَخَّروا عنِ المَسيرِ لِتَذهَبوا وتَرِثوا الأَرض». ١٠فإِنَّكم، عِندَ وُصولِكم، تَجِدونَ شَعبًا آمِنًا، والأَرضُ واسِعَة، وقَد أَسلَمَها الرَّبُّ إِلى يَدِكم، وهي مَكانٌ لا حاجَةَ إِلى شَيءٍ مِمَّا في الأَرض».

هجرة بني دان

١١فرَحَلَ مِن عَشيرةِ دان، مِن صُرعَةَ وأَشْتاؤُول، سِتُّ مِئَةِ رَجُل، وهم مُسَلَّحونَ بِأَدَواتِ الحَرْب. ١٢وصَعِدوا وعَسكَروا عِندَ قِريَةَ يَعاريمَ في يَهوذا. ولِذٰلك دُعِيَ ذٰلك المَكانُ مُعَسكَرَ دانٍ إِلى هٰذا اليَومِ، وهو غَربِيَّ قِريَةَ يَعاريم. ١٣وعَبَروا مِن هُناكَ إِلى جَبَلِ أَفْرائيم، ووَصَلوا إِلى بَيتِ ميخا.

١٤فتَكَلَّمَ الرِّجالُ الخَمسَةُ الَّذينَ ٱنطَلَقوا لِيَتَجَسَّسوا أَرضَ لاييش، وقالوا لإِخوَتِهِم: «أَتَعلَمونَ أَنَّ في هٰذه البُيوتِ أَفودًا وتَرافيمًا وتِمْثالًا مَنْحوتًا وصورَةً مَسْبوكة؟ فٱنظُروا الآنَ ماذا تَصنَعون». ١٥فمالوا إِلى هُناكَ وجاؤُوا إِلى بَيتِ الفَتى اللَّاوِيِّ في بَيتِ ميخا وسَلَّموا علَيه. ١٦ووَقَفَ السِّتُّ مِئَةِ رَجُلٍ المُسَلَّحونَ بِأَدَواتِ الحَرْب، عِندَ مَدخَلِ الباب، وهم مِن بَني دان ١٧وصَعِدَ الرِّجالُ الخَمسَةُ الَّذينَ تَجَسَّسوا الأَرْض، ودَخَلوا إِلى هُناكَ وأَخَذوا التِّمْثالَ المَنْحوتَ والأَفودَ والتَّرافيمَ والصورَةَ المَسْبوكة، والكاهِنُ واقِفٌ عِندَ مَدخَلِ البابِ مع السِّتِّ مِئَةِ رَجُلٍ المُسَلَّحينَ بأَدواتِ الحَرْب. ١٨ودَخَلَ أُولٰئِكَ بَيتَ ميخا وأَخَذوا التِّمْثالَ المَنحوتَ والأَفودَ والتَّرافيمَ والصورَةَ المَسْبوكة. فقالَ لَهمُ الكاهن: «ماذا تَفعَلون؟» ١٩فقالوا لَه: «أُسكُتْ، ضَعْ يَدَكَ على فَمِكَ، وٱنطَلِقْ معَنا وكُنْ لَنا أَبًا وكاهِنًا. أَخَيرٌ لَكَ أَن تَكونَ كاهِنًا لِبَيتِ رَجُلٍ واحِدٍ أَم أَن تَكونَ كاهِنًا لِسِبطٍ وعَشيرةٍ في إِسْرائيل؟» ٢٠فطابَت نَفسُ الكاهِن، وأَخَذَ الأَفودَ والتَّرافيمَ والتِّمثالَ المَنْحوت، ودَخَلَ بَينَ الشَّعْب.

٢١ثُمَّ رَجَعوا أَدْراجَهم وذَهَبوا وجَعَلوا الأَطْفالَ والماشِيَةَ والأَمتِعَةَ أَمامَهم. ٢٢فلَمَّا ٱبتَعَدوا عن بَيتِ ميخا، تَجَمَّعَ الرِّجالُ الَّذينَ كانوا في البُيوتِ بِالقُربِ مِن بَيتِ ميخا وجَدُّوا في إِثرِ بَني دان. ٢٣وصاحوا بِبَني دان. فٱلتَفَتوا وقالوا لِميخا: «ما لَكَ تَصرُخ؟» ٢٤فقال: «آلِهَتي الَّتي صَنَعتُها أَخَذتُموها مع الكاهِن، وٱنطَلَقتُم، فما الَّذي بَقِي لي؟ وتَقولونَ لي: ما لَكَ؟» ٢٥فقالَ لَه بَنو دان: «لا تُسمِعْ صَوتَكَ علَينا، لِئَلَّا يُهاجِمَكم رِجالٌ أَمْرارُ النُّفوس، فتُهلِكَ نَفْسَكَ ونُفوسَ أَهلِ بَيتِكَ». ٢٦ومَضى بَنو دانٍ في سَبيلِهم. ورأَى ميخا أَنَّهم أَشَدُّ مِنه، فٱرتَدَّ ورَجَعَ إِلى بَيتِه.

الاستيلاء على لاييش. إنشاء دان ومعبدها

٢٧وأَمَّا هم فأَخَذوا ما صَنَعَ ميخا والكاهِنَ الَّذي كانَ لَه، وذَهَبوا إِلى لاييش، إِلى شَعبٍ هادِئٍ آمِن، فضَرَبوه بِحَدِّ السَّيف، وأَحرَقوا المَدينَةَ بِالنَّار. ٢٨ولَم يَكُنْ لَهم مُنقِذ، لِأَنَّ المَدينةَ بَعيدةٌ مِن صَيدون، ولَم يَكُنْ بَينَهم وبَينَ أَحَدٍ عَلاقة. وكانَتِ المَدينَةُ في الوادي الَّذي لِبَيتَ رَحوب، فأَعادوا بناءَ المَدينةِ وسَكَنوها. ٢٩وسَمَّوا المَدينَةَ دان، بِٱسمِ دانٍ أَبيهِم الَّذي وُلِدَ لِإِسْرائيل، وكانَ ٱسمُ المَدينةِ قَبلَ ذٰلك لاييش. ٣٠ونَصَبَ بَنو دانٍ التِّمْثالَ المَنْحوت، وكانَ يوناثانُ بنُ جِرْشومَ بنِ موسى هو وبَنوه كَهَنَةً لِسِبطِ الدَّانِيِّينَ إِلى يومِ الجَلاءِ عنِ الأَرْض. ٣١وجَعَلوا لَهم تِمْثالَ ميخا المَنْحوتَ الَّذي كانَ قد صَنَعَه، جَميعَ الأَيَّامِ الَّتي كانَ فيها بَيتُ اللهِ في شيلو.

القضاة ١٩

٢. جريمة جَبْع والحرب ضدّ بنيامين

لاويّ أفرائيم وسرّيّته

١وفي تِلكَ الأَيَّام، لم يَكُنْ في إِسْرائيلَ مَلِك. وكانَ رَجُلٌ لاوِيٌّ مُقيمًا في أَقْصى جَبَلِ أَفْرائيم، فٱتَّخَذَ ٱمرَأَةً سُرِّيَّةً مِن بَيتَ لَحمِ يَهوذا. ٢فغَضِبَت علَيه سُرِّيَّتُه وخَرَجَت مِن عِندِه إِلى بَيتِ أَبيها، إِلى بَيتَ لَحمِ يَهوذا، ومَكَثَت هُناكَ مُدَّةَ أَربَعَةِ أَشهُر. ٣ثُمَّ قامَ زَوجُها وسارَ في طَلَبِها لِيُطَيِّبَ قَلبَها ويَرُدَّها إِلَيه. وأَخَذَ معَه خادِمًا لَه وحِمارَين. فأَدخَلَته بَيتَ أَبيها. فلَمَّا رآه أَبو المَرأَة، فَرِحَ بِلِقائِه. ٤وأَمسَكَه حَموه، أَبو الفَتاة، فمَكَثَ عِندَه ثَلاثَةَ أَيَّام، وأَكَلوا وشَرِبوا وباتوا هُناك.

٥وفي اليَومِ الرَّابِع، بَكَّروا في الصَّباح، وقامَ اللَّاوِيُّ لِيَنْصَرِف. فقالَ أَبو الفَتاةِ لِصِهرِه: «أَسنِدْ قَلبَكَ بِكِسرَةِ خُبْز، ثُمَّ تَنصَرِفان». ٦فجَلَسا وأَكَلا معًا وشَرِبا. فقالَ أَبو الفَتاةِ لِلرَّجُل: «أَسأَلُكَ أَن تَقبَلَ وتَبيتَ عِندَنا، ولْتَطِبْ نَفْسُكَ». ٧ولَمَّا نَهَضَ الرَّجُلُ لِيَنْصَرِف، أَلَحَّ علَيه حَموه، فعادَ وباتَ هُناك. ٨وبَكَّرَ في صَباحِ اليَومِ الخامِسِ لِيَنْصَرِف، فقالَ لَه أَبو الفَتاة: «أَسِندْ قَلبَكَ، وأَبطِئا إِلى أَن يَميلَ النَّهار»، فأَكلا كِلاهُما. ٩ونَهَضَ الرَّجُلُ لِيَنْصَرِفَ هو وسُرِّيَّتُه وخادِمُه. فقالَ لَه حَموه، أَبو الفَتاة: «إِنَّ النَّهارَ قد مالَ إِلى الغُروب، فبيتوا هُنا، هُوذا النَّهارُ قد مال، فبِتْ هٰهُنا ولْتَطِبْ نَفْسُكَ. وغَدًا تُبَكِّرونَ في سَيرِكم، وتَمْضي إِلى خَيمَتِكَ». ١٠فلَم يَرضَ الرَّجُلُ أَن يَبيت، بل قامَ وٱنصَرَف، حتَّى ٱنتَهى إِلى مُقابِلِ يَبوسَ الَّتي هي أُورَشَليم، ومعه حِمارانِ مَشْدودانِ وسُرِّيَّتُه.

جريمة أهل جبع

١١وفيما هم عِندَ يَبوس، وقد مالَ النَّهارُ كَثيرًا، قالَ الخادِمُ لِسَيِّدِه: «هَلُمَّ نَميلُ إِلى مَدينَةِ اليَبوسِيِّينَ هٰذه فنَبيتَ فيها». ١٢فقالَ لَه سَيِّدُه: «لا نَميلُ إِلى مَدينةٍ غَريبَةٍ لَيسَ فيها أَحَدٌ مِن بَني إِسْرائيل، ولٰكِن نَعبُرُ إِلى جَبْعَ». ١٣وقالَ لِخادِمِه: «هَلُمَّ نَتَقَدَّمُ إِلى بَعضِ هٰذه الأَماكِنِ ونَبيتُ في جَبْعَ أَو في الرَّامة». ١٤فعَبَروا وساروا فغابَتِ الشَّمسُ أَمامَهم وهُم عِندَ جَبْعَ الَّتي لِبَنْيامين. ١٥فمالوا إِلى هُناكَ ودَخَلوا لِيَبيتوا في جَبْعَ، فجاءَ اللَّاوِيُّ وجَلَسَ في ساحةِ المَدينة، ولم يَستَقبِلْهم أَحَدٌ في مَنزِله لِيَبيتوا.

١٦فإِذا بِرَجُلٍ شَيخٍ قادِمٍ مِن عَمَلِه في الحَقلِ مساءً، وكانَ الرَّجُلُ مِن جَبَلِ أَفْرائيم، ولٰكِنَّه نزيلٌ في جَبْعَ، وكانَ أَهلُ المكانِ بَنْيامينِيِّين. ١٧فرَفَعَ الشَّيخُ عَينَيه، فأَبصَرَ هٰذا المُسافِرَ في ساحةِ المَدينة. فقالَ لَه الرَّجُلُ الشَّيخ: «إِلى أَينَ ذاهِبٌ ومِن أَينَ أَتَيتَ؟» ١٨فقالَ لَه: «نَحنُ عابِرو طَريقٍ مِن بَيتَ لَحمِ. يَهوذا إِلى أَقْصى جَبَلِ أَفْرائيم، لِأَنِّي مِن هُناك، ولٰكِنِّي كُنتُ قد ذَهَبتُ إِلى بَيتَ لَحمِ يَهوذا، وأَنا خادِمٌ في بَيتِ الرَّبّ، ولَيسَ مَن يَستَقبِلُني في مَنزِلِه. ١٩ومَعَنا تِبنٌ وعَلَفٌ لِحَميرِنا، وخُبزٌ وخَمرٌ لي ولِأَمَتِكَ ولِلخادِمِ الَّذي مع عَبيدِكَ، فلا حاجَةَ لَنا إِلى شيءٍ مِنَ الأَشْياء». ٢٠فقالَ لَه الرَّجُلُ الشَّيخ: «السَّلامُ علَيكَ، ومَهْما تَحتاجُ إِلَيه فهُو عَلَيَّ، ولا تَبِتْ في السَّاحة». ٢١وجاءَ بِه إِلى بَيتِه، وطَرَحَ لِلحَميرِ عَلَفًا، وغَسَلوا أَقْدامَهم وأَكَلوا وشَرِبوا.

٢٢فلَمَّا طابَت أَنفُسُهم، إِذا رِجالُ المَدينة، قَومٌ لا خَيرَ فيهم، قد أَحاطوا بِالبَيت وأَخَذوا يَقرَعونَ الباب، وقالوا لِلشَّيخِ صاحِبِ البَيت: «أَخرِجِ الرَّجُلَ الَّذي دَخَلَ بَيتَكَ لِنَعرِفَه». ٢٣فخَرَجَ إِلَيهم الرَّجُلُ صاحِبُ البَيتِ وقالَ لَهم: «أَسأَلُكم، يا إِخوَتي، أَلَّا تَفعَلوا شَرًّا، بَعدَما دَخَلَ هٰذا الرَّجُلُ بَيتي، لا تَفعَلوا هٰذه الفاحِشَة. ٢٤هٰذه ٱبنَتي العَذْراءُ وسُرِّيَّتُه أُخرِجُهما إِلَيكم، فٱغتَصِبوهما وٱصنَعوا بِهما ما حَسُنَ في أَعيُنِكم، ولا تَصنَعوا بِهٰذا الرَّجُلِ هٰذا الأَمرَ الفاحِش». ٢٥فأَبى الرِّجالُ أَن يَسمَعوا لَه. فأَخَذَ الرَّجُلُ سُرِّيَّتَه وأَخرَجَها إِلَيهم خارِجًا، فعَرَفوها ونالوا مِنها اللَّيلَ كُلَّه إِلى الصَّباح، وتَرَكوها عِندَ طُلوعِ الفَجْر.

٢٦فجاءَتِ المَرأَةُ عِندَ إِقْبالِ الصَّباح، ووَقَعَت عِندَ بابِ بَيتِ الرَّجُل، حَيثُ كانَ سَيِّدُها، وبَقِيَت هُناكَ إِلى طُلوعِ النَّهار. ٢٧فقامَ سَيِّدُها في الصَّباح، وفَتَحَ بابَ البَيت، وخَرَجَ لِيَذهَبَ في سَبيلِه، فإِذا بِالمَرأَةِ سُرِّيَّتِه واقِعَةٌ على بابِ البَيتِ ويَداها على العَتَبَة. ٢٨فقالَ لَها: «قومي بِنا نَنطَلِق»، فلَم تُجِبْه. فحَمَلَها على حِمارِه وقامَ وٱنطَلَقَ إِلى مَكانِه. ٢٩وأَتى إِلى بَيتِه وتَناوَلَ سِكِّينًا وأَخَذَ سُرِّيَّتَه فقَطَّعَها مع عِظامِها ٱثنَتَي عَشرَةَ قِطعَةً وأَرسَلَها إِلى جَميعِ أَراضي إِسْرائيل. ٣٠فكُلُّ مَن رَآها قال: «لم يَكُنْ ولم يُرَ مِثْلُ هٰذا مُنذُ يومَ صَعِدَ بَنو إِسْرائيلَ مِن أَرضِ مِصرَ إِلى هٰذا اليَوم». وأَمَرَ الرِّجالَ الَّذينَ أَرسَلَهم قائِلًا: «قولوا هٰذا لِكُلِّ رَجُلٍ مِن إِسْرائيل: هل كانَ مِثْلُ هٰذا مُنذُ يومَ صَعِدَ بَنو إِسْرائيلَ مِن أَرضِ مِصرَ إِلى هٰذا اليَوم؟ ففَكِّروا وتَشاوَروا وٱحكُموا».

القضاة ٢٠

بنو إسرائيل يعدون بالثأر لجريمة جبع

١فخَرَجَ بَنو إِسْرائيلَ كُلُّهم، وٱجتَمَعَتِ الجَماعَةُ إِلى الرَّبِّ في المِصْفاةِ كَرَجُلٍ واحِد، مِن دانَ إِلى بِئرَ سَبعَ وأَرضِ جِلْعاد. ٢ووَقَفَ أَرْكانُ كُلِّ الشَّعبِ أَسباطِ إِسْرائيل، في مَجمَعِ الله، أَربَعُ مِئَةِ أَلفِ راجِلٍ مُستَلِّ سَيف. ٣وسَمِعَ بَنو بَنْيامينَ أَنَّ بَني إِسْرائيلَ قد صَعِدوا إِلى المِصْفاة. وقالَ بَنو إِسْرائيل: «قُصُّوا علَينا كَيفَ تَمَّت هٰذه الإِساءَة». ٤فأَجابَ الرَّجُلُ اللَّاوِيُّ، زَوجُ المَرأَةِ الَّتي قُتِلَت، وقال: «دَخَلتُ أَنا وسُرِّيَّتي إِلى جَبْعَ الَّتي لِبَنْيامينَ لِنَبيت. ٥فقامَ علَيَّ أَهْلُ جَبْعَ وأَحاطوا بي وأَنا في البَيتِ لَيلًا، وأَرادوا قَتْلي، وٱغتَصَبوا سُرِّيَّتي حتَّى ماتَت. ٦فأَخَذتُ سُرِّيَّتي وقَطَّعتُها وأَرسَلتُها إِلى كُلِّ أَرضِ ميراثِ إِسْرائيل، لِأَنَّهم صَنَعوا عَيبًا وفاحِشةً في إِسْرائيل. ٧هُوَذا كُلُّكم يا بَني إِسْرائيل، فأَجمِعوا كَلِمَتَكم وتَبادَلوا المَشورَةَ هٰهُنا». ٨فنَهَضَ الشَّعبُ كرَجُلٍ واحِدٍ وقالوا: «لا يَنصَرِفْ أَحَدٌ إِلى خَيمَتِه ولا يَرجعْ أَحَدٌ إِلى بَيتِه. ٩فلْنَفْعَلِ الآنَ بِجَبْعَ هٰذا الأَمْر: لِنُلْقِ علَيهمِ القُرعَة. ١٠نأخُذُ مِن كُلِّ مِئَةِ رَجُلٍ عَشَرَةً مِن كُلِّ أَسْباطِ بَني إِسْرائيل، ومِنَ الأَلفِ مِئةً، ومِنَ الرِّبوَةِ أَلفًا، لِيَأخُذوا زادًا لِلشَّعب، ويُعامِلوا، عِندَ دُخولِهم، جَبْعَ بَنْيامينَ بِحَسَبِ الفاحِشَةِ الَّتي صَنَعوها في إِسْرائيل». ١١فٱجتَمَعَ رِجالُ إِسْرائيلَ جَميعُهم على المَدينَةِ مُتَّحِدينَ كرَجُلٍ واحِد.

عناد بني بنيامين

١٢وأَرسَلَ أَسْباطُ إِسْرائيلَ رِجالًا إِلى جَميعِ عَشائِرِ بَنْيامينَ وقالوا لَهم: «ما هٰذه الإِساءَةُ الَّتي وَقَعَت بَينَكم؟ ١٣فأَسلِموا الآنَ القَومَ الَّذينَ لا خَيرَ فيهم، الَّذينَ في جَبْعَ، فنَقتُلَهم ونَقلَعَ الشَّرَّ مِن إِسْرائيل». فأَبى بَنو بَنْيامينَ أَن يَسمَعوا لِقَولِ إِخوَتِهم بَني إِسْرائيل.

المعارك الأولى

١٤وٱجتَمَعَ بَنو بَنْيامينَ مِنَ المُدُنِ إِلى جَبْعَ لِيَخرُجوا إِلى مُحارَبَةِ بَني إِسْرائيل. ١٥وأُحصِيَ بَنو بَنْيامينَ الَّذينَ مِنَ المُدُنِ في ذٰلك اليَوم، فكانَ عَدَدُهم سِتَّةً وعِشْرينَ أَلفَ رَجُلٍ مُستَلِّ سَيف، ما عَدا أَهلَ جَبْعَ الَّذينَ كانَ عَدَدُهم سَبعَ مِئَةِ رَجُلٍ مُخْتارين. ١٦كانَ مِن كُلِّ هٰذا الشَّعبِ سَبعُ مِئَةِ رَجُلٍ مُخْتارون، يُسْرُ الأَيدي، كُلٌّ مِن أُولٰئِكَ يَرْمي الحَجَر بِالمِقْلاعِ على الشَّعَرَةِ فلا يُخطِئ. ١٧وأُحصِيَ رِجالُ إِسْرائيل، ما عَدا بَنْيامين، فكانَ عَدَدُهم أَربَعَ مِئَةِ أَلفِ رَجُلٍ مُستَلِّ سَيف، كُلُّهم رِجالُ حَرْب. ١٨فقاموا وصَعِدوا إِلى بَيتَ إِيل وسأَلوا الله، وقالَ بَنو إِسْرائيل: «مَن مِنَّا يَصعَدُ أَوَّلًا لِمُحارَبَةِ بَني بَنْيامين؟» فقالَ الرَّبّ: «يَهوذا أَوَّلًا». ١٩فنَهَضَ بَنو إِسْرائيلَ في الصَّباح، وعَسكَروا عِندَ جَبْعَ. ٢٠وخَرَجَ رِجالُ إِسْرائيلَ لِمُحارَبَةِ بَنْيامين، وٱصطَفَّ رِجالُ إِسْرائيلَ علَيهم لِلمُحارَبَةِ عِندَ جَبْعَ. ٢١فخَرَجَ بَنو بَنْيامينَ مِن جَبْعَ، فأَسقَطوا مِن إِسْرائيلَ في ذٰلك اليَومِ ٱثنَينِ وعِشْرينَ أَلفَ رَجُل. ٢٢ثُمَّ تَشَدَّدَ الشَّعبُ، رِجالُ إِسْرائيل، وعادوا فٱصطَفُّوا لِلمُحارَبَةِ في المَكانِ الَّذي ٱصطَفُّوا فيه أَوَّلَ يَوم. ٢٣وصَعِدَ بَنو إِسْرائيلَ فبَكَوا أَمامَ الرَّبِّ إِلى المَساء، وسَأَلوا الرَّبَّ قائِلين: «أَنَعودُ إِلى مُحارَبَةِ بَني بَنْيامينَ إِخوَتِنا أَيضًا؟» فقالَ لَهمُ الرَّبّ: «إِصعَدوا إِلَيهم».

٢٤فتَقَدَّمَ بَنو إِسْرائيلَ في اليَومِ الثَّاني مِن بَني بَنْيامين. ٢٥فخَرَجَ علَيهم بَنْيامينُ مِن جَبْعَ في اليَومِ الثَّاني، فأَسقَطوا مِن بَني إِسْرائيلَ أَيضًا ثَمانِيَةَ عَشَرَ أَلفَ رَجُل، كُلُّهم مُستَلُّو سَيف. ٢٦فصَعِدَ بَنو إِسْرائيل، الشَّعبُ كُلُّه، وأَتَوا بَيتَ إِيلَ وبَكَوا، وجَلَسوا هُناكَ أَمامَ الرَّبّ، وصاموا ذٰلك اليَومَ إِلى المَساء، وأَصعَدوا مُحرَقاتٍ وذَبائِحَ سَلامِيَّةً أَمامَ الرَّبّ. ٢٧وسأَلَ بَنو إِسْرائيلَ الرَّبّ، وكانَ تابوتُ عَهدِ اللهِ في تِلكَ الأَيَّامِ هُناكَ. ٢٨وكانَ فِنْحاسُ بنُ أَلِعازارَ بنِ هارونَ يَقِفُ أَمامَه في تِلكَ الأَيَّام، وقالوا: «أَنَعودُ نَخرُجُ أَيضًا لِمُحارَبَةِ بَني بَنْيامينَ إِخوَتِنا أَم نَكُفّ؟» فقالَ الرَّبّ: «إِصعَدوا، لِأَنِّي في الغَدِ أُسلِمُهم إِلى يَدِكم».

هزيمة بنيامين

٢٩فأَقامَ بَنو إِسْرائيلَ كَمينًا على جَبْعَ مِن حولِها. ٣٠وصَعِدَ بَنو إِسْرائيلَ على بَني بَنْيامينَ في اليَومِ الثَّالِث، وٱصطَفُّوا عِندَ جَبْعَ كالمَرَّتَينِ الأُولَيَين. ٣١فخَرَجَ بَنو بَنْيامينَ على الشَّعْب، وٱستُدرِجوا عنِ المَدينة، وأَخَذوا يَقتُلونَ مِنَ الشَّعبِ كالمَرَّتَينِ الأُولَيَينِ في الطَّريقَينِ الصَّاعِدَينِ أَحَدُهما إِلى بَيتَ إِيلَ والآخَرُ إِلى جَبْعَ، مُرورًا بِالحُقول: فقُتِلَ مِن إِسْرائيلَ نَحوٌ مِن ثَلاثينَ رَجُلًا. ٣٢فقالَ بَنو بَنْيامينَ في أَنفُسِهم: «إِنَّهم مُنكَسِرونَ أَمامَنا كما سَبَق». وكانَ بَنو إِسْرائيلَ قد قالوا في أَنفُسِهم: «لِنَهرُبْ ونَستَدرِجْهم عنِ المَدينَةِ إِلى الطُّرُق». ٣٣وقامَ رِجالُ إِسْرائيلَ كُلُّهم مِن مَواضِعِهم وٱصطَفُّوا في بَعلَ تامار، وقامَ كَمينُ إِسْرائيلَ مِن مَكانِه مِن عَراءِ جَبْعَ. ٣٤وأَقبَلَ إِلى قُبالَةِ جَبْعَ عَشَرةُ آلافِ رَجُلٍ مُخْتارونَ مِن كُلِّ إِسْرائيل، فٱشتَدَّ القِتال، ولم يَعلَمْ بَنو بَنْيامينَ أَنَّ الكارِثَةَ نازِلَةٌ بِهم. ٣٥فكَسَرَ الرَّبُّ بَنْيامينَ أَمامَ إِسْرائيل، وأَسقَطَ بَنو إِسْرائيلَ في ذٰلك اليَومِ خَمسةً وعِشْرينَ أَلفًا ومِئَةً، كُلُّهم مُستَلُّو سَيف.

٣٦فرَأَى بَنو بَنْيامينَ أَنَّهمُ ٱنكَسَروا. لٰكِنَّ رِجالَ إِسْرائيلَ أَفسَحوا لِبَنْيامين، لِأَنَّهمُ ٱتَّكلوا على الكَمينِ الَّذي أَقاموه على جَبْعَ. ٣٧فأَسرَعَ الكامِنونَ وٱقتَحَموا جَبْعَ، وٱنتَشَروا فيها وضَرَبوا كُلَّ المَدينَةِ بِحَدِّ السَّيف. ٣٨وكانَتِ العَلامَةُ بَينَ رِجالِ إِسْرائيلَ والكامِنينَ أَنَّهم يُصعِدونَ دُخانًا كَثيرًا مِن المَدينَة، ٣٩وحينَئذٍ يَدورُ رِجالُ إِسْرائيلَ الَّذينَ في الحَربِ إِلى الوَراء. وبَدَأَ بَنْيامينُ فقَتَلوا مِن رِجالِ إِسْرائيلَ نَحوًا مِن ثَلاثينَ رَجُلًا، لِأَنَّهم قالوا في أَنفُسِهم: «إِنَّهم مُنكَسِرونَ أَمامَنا، كما كانَ في المَعرَكَةِ الأُولى». ٤٠فأَخَذَ الغَمامُ يَرتَفِعُ مِنَ المَدينَةِ كعَمودِ دُخان. فٱلتَفَتَ بَنْيامينُ إِلى وَرائِهم، فإِذا المَدينةُ صاعِدَةٌ بِأَسرِها إِلى السَّماء. ٤١وٱنقَلَبَ علَيهم رِجالُ إِسْرائيل، فذُعِرَ رِجالُ بَنْيامين، لِأَنَّهم رَأَوا الكارِثَةَ نازِلَةً بِهم.

٤٢وهَرَبوا مِن أَمامِ رِجالِ إِسْرائيل، إِلى طَريقِ البَرِّيَّةِ. فأَدرَكَهمُ القِتالُ، والَّذينَ مِن سائِرِ المُدُنِ أَطبَقوا علَيهم فأَسقَطوهم. ٤٣وأَحاطوا بِبَنْيامينَ وطارَدوهم وداسوهم في مَكانِ راحَتِهم، إِلى مُقابِلِ جَبْعَ جِهَةَ مَشرِقِ الشَّمْس. ٤٤فسَقَطَ مِن بَنْيامينَ ثَمانِيَةَ عشَرَ أَلفَ رَجُل، كُلُّهم مُحارِبونَ بَواسِل. ٤٥فوَلَّوا هارِبينَ إِلى البَرِّيَّة، إِلى صَخرَةِ الرِّمُّون. فقَتَلوا مِنهم في الطُّرُقِ خَمسَةَ آلافِ رَجُل، وجَدُّوا في إِثرِهم حَتَّى جِدعون، فقُتِلَ مِنهم أَلْفا رَجُل. ٤٦فكانَ مَجْموعُ القَتْلى مِن بَنْيامينَ في ذٰلك اليَومِ خَمسَةً وعِشْرينَ أَلفًا مُستَلِّي سَيف، كُلُّهم مُحارِبونَ بَواسِل. ٤٧ووَلَّى مِنهم سِتُّ مِئَةِ رَجُلٍ هارِبينَ في طَريقِ البَرِّيَّة، إِلى صَخرَةِ الرِّمُّون، وأَقاموا في صَخرَةِ الرِّمُّونَ أَربَعَةَ أَشهُر. ٤٨وٱرتَدَّ رِجالُ إِسْرائيلَ على بَني بَنْيامينَ وضَرَبوهم بِحَدِّ السَّيف، مِنَ النَّاسِ الَّذينِ في المَدينة، والبَهائِمِ وكُلِّ ما وُجِدَ فيها. وجَميعُ المُدُنِ الَّتي وَجَدوها أَحرَقوها بِالنَّار.

القضاة ٢١

ندامة بني إسرائيل

١وكانَ رِجالُ إِسْرائيلَ قد حَلَفوا في المِصْفاةِ قائلين: «لا يُزَوِّجْ رَجُلٌ مِنَّا ٱبنَتَه لِبَنْيامين». ٢وأَقبَلَ الشَّعبُ إِلى بَيتَ إِيل وجَلَسوا هُناكَ أَمامَ اللهِ إِلى المساء، ورَفَعوا أَصْواتَهم وبَكَوا بُكاءً شَديدًا، ٣وقالوا: «لِماذا، يا رَبُّ، إِلٰهَ إِسْرائيل، وَقَعَ هٰذا في إِسْرائيل، أَن قد فُقِدَ اليَومَ سِبطٌ واحِدٌ مِن إِسْرائيل؟». ٤وبَكَّرَ الشَّعبُ في الغَد، فبَنَوا هُناكَ مَذبحًا، وأَصعَدوا مُحرَقاتٍ وذَبائِحَ سَلامِيَّة. ٥وقالَ بَنو إِسْرائيل: «مَن هُوَ الَّذي لم يَصعَدْ إِلى مَجمَعِنا إِلى الرَّبِّ مِن جَميعِ أَسْباطِ إِسْرائيل؟» وكانوا قد حَلَفوا يَمينًا عَظيمةً على مَن لا يَصعَدُ إِلى الرَّبِّ في المِصْفاةِ قائلين: «لَيَموتَنَّ مَوتًا».

٦ورَئِفَ بَنو إِسْرائيلَ بِبَني بَنْيامينَ إِخوَتِهم وقالوا: «اليَومَ قد قُطِعَ سِبطٌ واحِدٌ مِن إِسْرائيل. ٧فماذا نَصنَعُ بِالَّذينَ بَقوا مِن حَيثُ النِّساء، وقد حَلَفْنا نَحنُ بِالرَّبِّ أَلَّا نُزَوِّجَهم مِن بَناتِنا؟».

عذارى يابيش يُعطَينَ لِبني بنيامين

٨ثُمَّ قالوا: «مَن مِن أَسْباطِ إِسْرائيلَ لم يَصعَدْ إِلى الرَّبِّ في المِصْفاة؟» ولم يَكُنْ قد أَتى المُعَسكَرَ أَحَدٌ مِن يابيشَ جِلْعادَ إِلى المَجمَع. ٩فكانَ الشَّعبُ قد أُحصِيَ، فإِذا لم يَكُنْ هُناكَ أَحَدٌ مِن سُكَّانِ يابيشَ جِلْعاد. ١٠فأرسَلَتِ الجَماعةُ إِلى هُناكَ ٱثنَي عَشَرَ أَلفَ رَجُلٍ مِن المُحارِبينَ البَواسِل، وأَمَروهم قائِلين: «إِنطَلِقوا وٱضرِبوا أَهلَ يابيشَ جِلْعادَ بِحَدِّ السَّيفِ مع النِّساءِ والأَطْفال. ١١وهٰذا ما تَعمَلونَه: كُلُّ ذَكَرٍ وكُلُّ ٱمرَأَةٍ عَرَفَت مُجامَعَةَ رَجُلٍ فحَرِّموهما». ١٢فوُجِد مِن سُكَّانِ يابيشَ جِلْعادَ أَربَعُ مِئَةِ فَتاةٍ عَذْراءَ لم تَعرِف مُجامَعَةَ رَجُل، فجاؤُوا بِهِنَّ إِلى المُعَسكَرِ في شيلوَ الَّتي في أَرضِ كَنْعان.

١٣وأَرسَلَتِ الجَماعَةُ كُلُّها وكَلَّمَت بَني بَنْيامينَ الَّذينَ في صَخرَةِ رِمُّون، وٱستَدعَتهم إِلى الصُّلْح. ١٤فرَجَعَ بَنو بَنْيامينَ في ذٰلك الوَقْت، فأَعْطوهمُ النِّساءَ اللَّواتي ٱستَبقَوهُنَّ مِن نِساءِ يابيشَ جِلْعاد، فلم يَكْفينَهم.

خطف بنات شيلو

١٥ورَئِفَ الشَّعبُ بِبَنْيامين، لِأَنَّ الرَّبَّ جَعَلَ ثُغرَةً في أَسْباطِ إِسْرائيل. ١٦فقالَ شُيوخُ الجَماعَة: «ماذا نَصنَعُ بِالَّذينَ بَقوا مِن حَيثُ النِّساء، فقدِ ٱنقَطَعَتِ النِّساءُ مِن بَنْيامين؟» ١٧وقالوا: «إِنَّ ميراثَ بَنْيامينَ يَكونُ لِلنَّاجين، فلا يُمْحى سِبطٌ من إِسْرائيل. ١٨أَمَّا نَحنُ فَليسَ لَنا أَن نُزَوِّجَهم مِن بَناتِنا» لِأَنَّ بَني إِسْرائيلَ كانوا قد حَلفوا قائلين: «مَلْعونٌ مَن يُعْطي بَنْيامينَ زَوجَة».

١٩ثُمَّ قالوا: «قد حانَ عيدُ الرَّبِّ السَّنَوِيُّ في شيلو (الَّتي إِلى شَمالِ بَيتَ إِيل، شَرقِيَّ الطَّريقِ الصَّاعِدِ مِن بَيتَ إِيلَ إِلى شَكيم، وجَنوبِيَّ لَبونَة)». ٢٠فأَوصَوا بَني بَنْيامينَ وقالوا لَهم: «إِنطَلِقوا وٱكمُنوا في الكُروم، ٢١وتَرَصَّدوا. فإِذا خَرَجَت بَناتُ شيلو لِلرَّقصِ معًا، فٱخرُجوا مِنَ الكُرومِ وٱخطَفوا كُلُّ واحِدٍ ٱمرَأَتَه مِن بَناتِ شيلو، وٱنطَلِقوا إِلى أَرضِ بَنْيامين. ٢٢فإِذا جاءَنا آباؤُهُنَّ وإِخوَتُهُنَّ لِلشَّكْوى، نَقولُ لهم: هَبونا إِيَّاهُنَّ، لِأَنَّنا لم نَأخُذْ لِكُلِّ واحِدٍ ٱمرَأَةً في الحَرْب، ولِأَنَّكم لم تُعْطوهم أَنتُم، حتَّى لا تَكونوا قد أَثِمتُم». ٢٣ففَعَلَ بَنو بَنْيامينَ كذٰلك، وٱتَّخَذوا نِساءً بِحَسَبِ عَدَدِهِم مِنَ الرَّاقِصاتِ اللَّواتي ٱختَطَفوهُنَّ، وٱنصَرَفوا ورَجَعوا إِلى ميراثِهم، وأَعادوا بِناءَ المُدُنِ وسَكَنوها. ٢٤وحينَئذٍ ٱنصَرَفَ بَنو إِسْرائيلَ مِن هُناكَ، كُلُّ واحِدٍ إِلى سِبطِه وعَشيرَتِه، وخَرَجوا مِن هُناكَ، كُلُّ واحِدٍ إِلى ميراثِه. ٢٥وفي تِلكَ الأَيَّام، لم يَكُنْ لِبَني إِسْرائيلَ مَلِك، وكانَ كُلُّ إِنْسانٍ مِنهم يَعمَلُ ما حَسُنَ في عَينَيه.