اختر صفحة

سِفْرُ أيّوب

إنجيل متّى


الحواشي:

١ تشتمل مقدّمة الإنجيل، بعد نسب يسوع (متى ١/١-١٧)، على خمسة مشاهد تتناوب فيها أحلام يوسف (متى ١/١٨-٢٥؛ متى ٢/١٣-١٥؛ متى ٢/١٩-٢٣) وتدخّلات هيرودس (متى ٢/١-١٢ و١٦-١٨). في روايات الطفولة تقليدان أحدهما يتعلّق بهيرودس والآخر بيوسف، وهما مستقلّان الواحد عن الآخر من حيث الإنشاء والبنية والمضمون.

٢ الترجمة اللفظيّة: كتاب تكوين يسوع المسيح. يقتدي متّى بعنوان رواية سلالة الإنسان الأوّل («هذا كتاب سلالة آدم»: تك ٥/١)، فيوحي بأنّ يسوع يفتتح كتاب تكوين جديد، لأنّه آدم الجديد (راجع لو ٣/٣٨). إلّا أنّ التاريخ المرويّ هنا يفيدنا عن نسب يسوع، في حين أنّ سِفر التكوين يركّز على نسل آدم: ففي يسوع يتمّ معنى تاريخ إسرائيل. عن الفرق القائم بين نسب متّى ونسب لوقا، راجع لو ٣/٢٣+.

أيّوب ١

أيّوب ٧

أيّوب ١٣

أيّوب ١٩

أيّوب ٢٥

أيّوب ٣١

أيّوب ٣٧

أيّوب ٢

أيّوب ٨

أيّوب ١٤

أيّوب ٢٠

أيّوب ٢٦

أيّوب ٣٢

أيّوب ٣٨

أيّوب ٣

أيّوب ٩

أيّوب ١٥

أيّوب ٢١

أيّوب ٢٧

أيّوب ٣٣

أيّوب ٣٩

أيّوب ٤

أيّوب ١٠

أيّوب ١٦

أيّوب ٢٢

أيّوب ٢٨

أيّوب ٣٤

أيّوب ٤٠

أيّوب ٥

أيّوب ١١

أيّوب ١٧

أيّوب ٢٣

أيّوب ٢٩

أيّوب ٣٥

أيّوب ٤١

أيّوب ٦

أيّوب ١٢

أيّوب ١٨

أيّوب ٢٤

أيّوب ٣٠

أيّوب ٣٦

أيّوب ٤٢

أيّوب ١

أيّوب ٢

أيّوب ٣

أيّوب ٤

أيّوب ٥

أيّوب ٦

أيّوب ٧

أيّوب ٨

أيّوب ٩

أيّوب ١٠

أيّوب ١١

أيّوب ١٢

أيّوب ١٣

أيّوب ١٤

أيّوب ١٥

أيّوب ١٦

أيّوب ١٧

أيّوب ١٨

أيّوب ١٩

أيّوب ٢٠

أيّوب ٢١

أيّوب ٢٢

أيّوب ٢٣

أيّوب ٢٤

أيّوب ٢٥

أيّوب ٢٦

أيّوب ٢٧

أيّوب ٢٨

أيّوب ٢٩

أيّوب ٣٠

أيّوب ٣١

أيّوب ٣٢

أيّوب ٣٣

أيّوب ٣٤

أيّوب ٣٥

أيّوب ٣٦

أيّوب ٣٧

أيّوب ٣٨

أيّوب ٣٩

أيّوب ٤٠

أيّوب ٤١

أيّوب ٤٢

سِفرُ أيّوب

مدخل

ليست الغاية من سِفر أيّوب، كما يُقال عادةً، شرح لغز الألم غير العادل أو حلّ مشكلة الشرّ، بل هي بالأحرى محاولة الإنسان المحتار لتحديد موقفه من الله القدّوس القدير.

تصميم الكتاب

في الكتاب خمسة أقسام واضحة:

١. مقدِّمة نثريّة يُصاب فيها بطل الرواية أيّوب الرجل الغنيّ ببلايا فجائيّة لا تفسير لها، ويحافظ مع ذلك على ثقته التامّة بالربّ (أي ١/ ١-٢/ ١٣).

٢.حوار شعريّ يتناقش فيه أيّوب الإنسان الأبيّ والثائر وثلاثة من أصدقائه يُدعَون أَليفاز التّيمانيّ وبِلْدَد الشّوحيّ وصوفَر النَّعماتيّ، وهم حكماء نموذجيّون من الشرق القديم. يسير هنا الحوار سيرًا بطيئًا مَهيبًا في سياق ثلاث سلاسل من الخُطب الشعريّة يحيط بها خطبتان يتكلّم فيهما البطل وحده (أي ٣/ ١-٣١/ ٤٠).

٣. سلسلة خُطب شعريّة يتدخّل فيها رابع غير مُنتظَر، وهو أَليهو بن بَرَكئيل البوزيّ (أي ٣٢/ ١-٣٧/ ٢٤).

٤. حوار شعريّ بين الربّ وأيّوب (أي ٣٨/ ١-٤٢/ ٦).

٥. خاتمة نثريّة يستعيد فيها البطل عافيته وثروته وسمعته، وأولادًا آخرين، ثمّ يموت وقد شبع من الأيّام، على مثال الآباء (أي ٤٢/ ٧-١٧).

أيّوب ١

أ- المقدّمة

الشيطان يمتحن أيّوب

١كانَ رَجُلٌ في أَرضِ عوصٍ ٱسمُه أَيّوب، وكانَ هٰذا الرَّجُلُ كامِلًا مُستَقيمًا يَتَّقي اللهَ ويُجانِبُ الشَّرّ. ٢ووُلِدَ لَه سَبعَةُ بَنينَ وثَلاثُ بَنات. ٣وكانَ يَملِكُ سَبعَةَ آلافٍ مِنَ الغَنَم وثَلاثَةَ آلافٍ مِنَ الإِبل وخَمسَ مِئَةِ فَدَّانِ بَقَر وخَمسَ مِئَةِ أَتان، ولَه خَدَمٌ كَثيرونَ جِدًّا. وكانَ ذٰلكَ الرَّجُلُ أَعظَمَ أَبْناءِ المَشرِقِ جَميعًا. ٤وكانَ بَنوه يَذهَبونَ فيُقيمونَ مَأدُبةً في بَيتِ كُلٍّ مِنهم في يَومِه، ويَبعَثونَ فيَدْعونَ أَخَواتِهِمِ الثَّلاثَ لِيَأكُلْنَ ويَشرَبنَ مَعَهم. ٥فإِذا تَمَّ مَدارُ أَيَّامِ المَأدُبة، كانَ أَيُّوبُ يَدْعوهُم ويُطَهِّرُهم، ثُمَّ يُبَكِّرُ في الصَّباحِ فيُصعِدُ مُحرَقاتٍ لِعَدَدِهم جَميعًا، لِأَنَّ أَيُّوبَ كانَ يَقول: «لَعَلَّ بَنِيَّ خَطِئوا فَجَدَّفوا على اللهِ في قُلوبِهم». هٰكَذا كانَ أَيُّوبُ يَصنَعُ كُلَّ الأَيَّام.

٦وٱتَّفَقَ يَومًا أَن دَخَلَ بَنو اللهِ لِيَمثُلوا أَمامَ الرَّبّ، ودَخَلَ الشَّيطانُ أَيضًا بَينَهم. ٧فقالَ الرَّبُّ لِلشَّيطان: «مِن أَينَ أَقبَلتَ؟» فأَجابَ الشَّيطانُ وقالَ لِلرَّبّ: «مِنَ الطَّوافِ في الأَرضِ والتَّرَدُّدِ فيها». ٨فقالَ الرَّبُّ لِلشَّيطان: «أَمِلتَ بالَكَ إِلى عَبْدي أَيُّوب؟ فإِنَّه لَيسَ لَه مَثيلٌ في الأَرْض. إِنَّه رَجُلٌ كامِلٌ مُستَقيم يَتَّقي اللهَ ويُجانِبُ الشَّرّ». ٩فأَجابَ الشَّيطانُ وقالَ لِلرَّبّ: «أَمَجَّانًا يَتَّقي أَيُّوبُ الله؟ ١٠أَلَم تَكُنْ سَيَّجتَ حَوْلَه وحَولَ بَيتِه وحَولَ كُلِّ شَيءٍ لَه مِن كُلِّ جِهَة، وقد بارَكتَ أَعْمَالَ يَدَيه، فانتَشَرَت ماشِيَتُه في الأَرض. ١١ولٰكِنِ ٱبسُطْ يَدَكَ وٱمسَسْ كُلَّ ما لَه فتَرى أَلا يُجَدِّفُ عَلَيكَ في وَجهِكَ». ١٢فقالَ الرَّبُّ لِلشَّيطان: «ها إِنَّ كُلَّ شَيءٍ لَه في يَدِكَ، ولٰكِن إِلَيه لا تَمدُدْ يَدَك». وخَرَجَ الشَّيطانُ مِن أَمامِ وَجهِ الرَّبّ.

١٣وٱتَّفَقَ يَومًا أَنَّ بَنيه وبَناتِه كانوا يَأكُلونَ ويشرَبونَ خَمرًا في بَيتِ أَخيهِمِ البِكْر. ١٤فأَقبَلَ رَسولٌ إلى أَيُّوبَ وقال: «كانَتِ البَقَرُ تَحرُثُ والأُتُنُ تَرْعى بِجانِبِها، ١٥فهَجَمَ علَيها أَهْلُ سَبَأ وأَخَذوها، وقَتَلوا الخَدَم بِحَدِّ السَّيف، وأَفلَتُّ أَنا وَحْدي لِأُخْبِرَكَ». ١٦وبَينَما هو يَتَكَلَّم، أَقبَلَ آخَرُ فقال: «قد سَقَطَت نارُ اللهِ مِنَ السَّماء وأَحرَقَتِ الغَنَمَ والخَدَمَ وأَكَلَتهم، وأَفلَتُّ أَنا وَحْدي لِأُخبِرَك». ١٧وبَينَما هو يَتَكلَّم، أَقبَلَ آخَرُ فقال: «قد تَوزَّعَ الكَلْدانِيُّونَ إِلى ثَلاثِ فِرَق، وأَغاروا على الإِبلِ فأَخَذوها، وقَتَلوا الخَدَمَ بِحَدِّ السَّيف، وأَفلَتُّ أَنا وَحْدي لِأُخبِرَك». ١٨وبَينَما هو يَتَكَلَّم، أَقبَلَ آخَرُ فقال: «كانَ بَنوكَ وبَناتُكَ يأكُلونَ ويَشرَبونَ خَمرًا في بَيتِ أَخيهِمِ البِكْر، ١٩فإِذا بِريحٍ شَديدةٍ قد هَبَّت مِن وَراءِ البَرِّيَّة وصَدَمَت زَوايا البَيتِ الأَربَع، فسَقَطَ على الشُّبّانِ فماتوا، وأَفلَتُّ أَنا وَحْدي لِأُخبِرَك».

٢٠فقامَ أَيُّوبُ وشَقَّ رِداءَه وحَلَقَ شَعرَ رَأسِه وٱرتَمى إِلى الأَرضِ وسَجَدَ، ٢١وقال:

«عُرْيانًا خَرَجتُ مِن جَوفِ أُمّي

وعُرْيانًا أَعودُ إِلَيه

الرَّبُّ أَعْطى والرَّبُّ أَخَذَ

فلْيَكُنِ ٱسمُ الرَّبِّ مُبارَكًا».

٢٢في هٰذا كُلِّه لم يَخطَأْ أَيُّوب ولم يَقُلْ في اللهِ غَباوَة.

أيّوب ٢

١ثُمَّ ٱتَّفَقَ يَومًا أَن دَخَلَ بنو اللهِ لِيَمثُلوا أَمامَ الرَّبّ، ودَخَلَ الشَّيطانُ أَيضًا بَيْنَهُم لِيَمثُلَ أَمامَ الرَّبّ. ٢فقالَ الرَّبُّ لِلشَّيطان: «مِن أَينَ أَقبَلتَ؟» فأَجابَ الشَّيطانُ وقالَ لِلرَّبّ: «مِنَ الطَّوافِ في الأَرضِ والتَّرَدُّدِ فيها». ٣فقالَ الرَّبُّ لِلشَّيطان: «أَمِلتَ بالَكَ إِلى عَبْدي أَيُّوب؟ فإِنَّه لَيسَ لَه مَثيلٌ في الأَرْض. إِنَّه رَجُلٌ كامِلٌ مُستَقيم يَتَّقي اللهَ ويُجانِبُ الشَّرّ، وإِلى الآنَ مُتَمَسِّكٌ بِكَمالِه، وقَد حَرَّضتَني على ٱبتِلاعِه بِدونِ سَبَب». ٤فأَجابَ الشَّيطانُ وقالَ لِلرَّبّ: «جِلْدٌ بِجِلْدٍ، وكُلُّ ما يَملِكُه الإِنسانُ يَبذُلُه عن نَفسِه. ٥ولٰكِنِ ٱبسُطْ يَدَكَ وٱمسَسْ عَظْمَه ولَحْمَه، فتَرى أَلا يُجَدِّفُ عَلَيكَ في وَجهِكَ». ٦فقالَ الرَّبُّ لِلشَّيطان: «ها إِنَّه في يَدِكَ، ولٰكِنِ ٱحتَفِظْ بِنَفسِه». ٧فخَرَجَ الشَّيطانُ مِن أَمامِ وَجهِ الرَّبّ.

وضَرَبَ الشَّيطانُ أَيُّوبَ بِقَرْحٍ خَبيثٍ مِن أَخمَصِ قَدَمِه إِلى قِمَّةِ رَأسِه. ٨فأَخَذَ لَه خَزَفَةً لِيَحتَكَّ بِها وهو جالِسٌ على الرَّماد. ٩فقالَت لَه ٱمرَأَتُه: «أَإِلى الآنَ مُتَمَسِّكٌ بِكَمالِكَ؟ جَدِّفْ على اللهِ ومُتْ». ١٠فقالَ لَها: «إِنَّما كَلامُكِ كَلامُ إِحْدى الحَمْقاوات. أَنَقبَلُ الخَيرَ مِنَ اللهِ ولا نَقبَلُ مِنه الشَّرّ؟» في هٰذا كُلِّه لم يَخطَأْ أَيُّوبُ بِشَفَتَيه.

١١وسَمِعَ ثَلاثَةُ أَصدِقاءَ لِأَيُّوبَ بِكُلِّ ما أَصابَه مِنَ البَلْوى، فأَقبَلَ كُلٌّ مِن مَكانِه، أَليفازُ التَّيمانِيّ وبِلدَدُ الشُّوحِيّ وصوفَرُ النَّعماتِيّ، وٱتَّفَقوا على أَن يأتوا فيَرْثوا لَه ويُعَزُّوه. ١٢فرَفَعوا أَبْصارَهم مِن بَعيدٍ فلَم يَعرِفوه. فرَفَعوا أَصْواتَهم وبَكوا، وشَقَّ كُلٌّ مِنهُم رِداءَه وذَرُّوا تُرابًا نَحوَ السَّماءِ فوق رُؤُوسِهم. ١٣وجَلَسوا معَه على الأَرضِ سَبعَةَ أَيَّامٍ وسَبعَ لَيالٍ، ولم يُكَلِّمْه أَحَدٌ بِكَلِمَة، لِأَنَّهم رَأَوا أَنَّ كآبَتَه كانَت شَديدةً جِدًّا.

أيّوب ٣

ب – الحوار

١. حلقة أولى من الخُطَب

أَيُّوب يلعن يَومَ مَولِده

١بَعدَ ذٰلك فَتَحَ أَيُّوبُ فَمَه ولَعَنَ يَومَه

٢ وتَكَلَّمَ أَيُّوبُ وقال:

٣«لا كانَ نَهارٌ وُلِدتُ فيه

ولا لَيلٌ قال: قد حُبِلَ بِرَجُل!

٤لِيَكُنْ ذٰلك النَّهارُ ظَلامًا

ولا رَعاهُ اللهُ مِن فَوقُ

ولا أَشرَقَ علَيه نور!

٥لِتُطالِبْ بِه الظُّلُماتُ وظِلالُ المَوت

ولْيَستَقِرَّ علَيه غَمام

ولْتُرَوِّعْه كَواسفُ النَّهار!

٦وذٰلك اللَّيلُ لِيَشْمَلْه الظَّلام

ولا يُضَمَّ إِلى أَيَّامِ السَّنَة

ولا يَدخُلْ في عَدَدِ الشُّهور!

٧لِيَكُنْ ذٰلك اللَّيلُ عاقِرًا

ولا يُسمَعْ فيه هُتاف!

٨لِيَشْتِمْه لاعِنو اليَوم

المُستَعِدُّونَ لإِيقاظِ لَوِياثان!

٩لِتُظلِمْ كَواكِبُ شَفَقِه

ولْيَتَرَقَّبِ النُّورَ فلا يَكون

ولا يَرَ أَجْفانَ الفَجْر!

١٠لِأَنَّه لم يُغلِقْ عَلَيَّ أَبوابَ البَطْن

ولَم يَستُرِ الشَّقاءَ عن عَينَيَّ.

١١لِمَ لَم أَمُتْ مِنَ الرَّحِم

ولم تَفِضْ روحي عِندَ خُروجي مِنَ البَطْن؟

١٢لِماذا صادَفتُ رُكبَتَينِ تَقبَلانِني

وثَدْيَينِ يُرضِعانني؟

١٣إِذَن لَكُنتُ الآنَ أَضَّجِعُ فأَسكُن

ولَكُنتُ أَنامُ فأَستَرِيح

١٤معَ مُلوكِ الأَرضِ ومُشيريها

الَّذينَ ٱبتَنَوا لِأَنفُسِهم خَرائِب

١٥أو مَعَ أُمَراءَ لَهم ذَهَب

وقَد مَلَأُوا بُيوتَهم فِضَّة

١٦أَو كسِقطٍ مَغْمورٍ فلَم أَحْيَ

ومِثلَ أَجِنَّةٍ لم يَرَوا النُّور.

١٧هُناكَ يَكُفُّ الأَشْرارُ عنِ الِٱضطِراب

وهُناكَ يَستَريحُ مُنهَكو القُوى.

١٨هُناكَ الأَسْرى جَميعًا في قَرار

ولا يَسمَعونَ صِياحَ المُسَخِّر.

١٩هُناكَ الصَّغيرُ والكَبير

والعَبدُ مُعتَقًا مِن مَولاه.

٢٠لِمَ يُعْطى لِلشَّقِيِّ نور

وحَياةٌ لِذَوي النُّفوسِ المُرَّة

٢١المُتَوَقِّعينَ لِلمَوتِ فلا يَكون

الباحِثينَ عنه أَكثَرَ مِنهم مِنَ الدَّفائِن

٢٢الَّذينَ يَفرَحونَ حتَّى الِٱبتهاج

ويُسَرُّونَ إِذا وَجَدوا قَبرًا؟

٢٣لِمَ يُعْطى رَجُلٌ حُجِبَ طَريقُه

وسَيَّجَ اللهُ مِن حَولِه؟

٢٤فإِنَّ التَّنَهُّدَ طَعامٌ لي

وزَئيري يَنصَبُّ كالمِياه.

٢٥لِأَنَّ ما كُنتُ أَخْشاه قد أَتاني

وما فَزِعتُ مِنه قد جاءَ إِلَيَّ.

٢٦فلا طُمَأنينَةَ لي ولا قَرارَ ولا راحة

وقد داهَمَني الِٱضطِراب».

أيّوب ٤

الاتّكال على الله

١فأَجابَ أَليفازُ التَّيمانِيُّ وقال:

٢«إِن أَلقَينا إِلَيكَ كَلِمَةً فهَل يَشُقُّ علَيك؟

ولٰكِن مَن يَستَطيعُ أَن يَحبِسَ أَقْوالَه؟

٣إِنَّكَ قد أَدَّبتَ كَثيرين

وشَدَّدتَ أيدِيًا مُستَرخِية

٤وأَنهَضَت أَقْوالُك العاثِرين

وثَبَّتَّ الرُّكَبَ المُرتَعِشَة.

٥أَمَّا الآنَ فنَزَلَت بِكَ البَلْوى فوَنَيتَ

مَسَّتكَ فذُعِرتَ.

٦أَلَيسَت تَقْواكَ هي مُعتَمَدَكَ

وكَمالُ طُرُقِكَ هو رَجاءَكَ؟

٧أُذكُرْ هَل هَلَكَ أَحَدٌ وهو بَريء

وأَينَ دُمِّرَ أَهلُ الِٱستِقامة؟

٨بل رَأَيتُ أَنَّ الَّذينَ يَحرُثونَ الإِثْمَ

ويَزرَعونَ المَشَقَّةَ هم يَحصُدونَهما.

٩نَفخَةُ اللهِ تُهلِكُهم

وريحُ غَضَبِه تُفْنيهم.

١٠زَئيرُ الأَسَدِ وصَوتُ النَّمِر

وأَنْيابُ الأَشْبالِ حُطِّمَت.

١١يَهلِكُ اللَّيثُ لِعَدَمِ الفَريسة

وصِغارُ اللَّبُؤَةِ تَتَبَدَّد.

١٢لقَد أُسِرَّ إِلَيَّ بِكَلِمة

فأَحَسَّت أُذُني مِنها هَمْسًا.

١٣في كَوابيسِ رُؤَى اللَّيل

عِندَ وُقوعِ السُّباتِ على الأَنام

١٤أَخَذَني الرُّعبُ والرِّعدَة

فأَرجَفا عِظامي كُلَّها.

١٥مَرَّت ريحٌ على وَجْهي

فٱقشَعَرَّ شَعَرُ جَسَدي.

١٦ثُمَّ وَقَفَ ولم أَعرِفْ مَنظَرَه

كأَنَّه صورَةٌ تُجاهَ عَينَيَّ

فكانَ سُكوتٌ ثمَّ صَوتٌ أَسمَعُه:

١٧أَيَكونُ الإِنْسانُ بارًّا أَمامَ الله

أَمِ الرَّجُلُ طاهِرًا أَمامَ صانِعِه؟

١٨ها إِنَّه لا يَأْتَمِنُ عَبيدَه

وإِلى مَلائِكَتِه يَنسِبُ غَباوَةً.

١٩فكَيفَ الَّذينَ يَسكُنونَ بُيوتًا مِن طين

وفي التُّرابِ أَساسُهم؟

إِنَّهم يُسحَقونَ سَحْقَ العُثّ.

٢٠بَينَ صَباحٍ ومَساءٍ يُحَطَّمون

غَيرَ مُبالًى بِهم لِلأَبَدِ يَهلِكون.

٢١أَلَم تُقتَلَعْ حِبالُ خِيامِهم؟

إِنَّهم يَموتونَ ولا حِكمَةَ لَهم».

أيّوب ٥   

١أُدعُ، فهَل لَكَ مَن يُجيب؟

إِلى أَيٍّ مِنَ القِدِّيسينَ تَلتَفِت؟

٢فإِنَّ الغَبِيَّ يَقتُلُه الكَرْب

والأَبلَهَ يُميتُه الحَسَد.

٣إِنِّي رَأَيتُ الغَبِيَّ يَتَأَصَّل

ثُمَّ لم أَلبَثْ أَن لَعَنتُ مَسكِنَه.

٤يَبعُدُ بَنوه عنِ الخَلاص

يُسحَقونَ في البابِ ولا مُنقِذَ لَهم.

٥يأكُلُ الجائِعُ حَصيدَه

خَطْفًا مِن بَينِ الأَشْواك

ويَبتَلِعُ العَطْشى ثَروَتَه.

٦فإِنَّ الإِثمَ لا يَبرُزُ مِنَ التُّراب

ولا المَشَقَّةُ تَنبُتُ مِنَ الأَرْض.

٧فالإِنْسانُ يولَدُ لِلشَّقاء

كما يولَدُ الشَّرَرُ لِيُحَلِّقَ في الطَّيَران.

٨أَمَّا أَنا فإِلى اللهِ أَتَوَسَّل

وإِلَيه أَرفَعُ قَضِيَّتي

٩الَّذي يَصنَعُ عَظائِمَ لا تُسبَر

وعَجائِبَ لا تُحْصى

١٠الَّذي يُفيضُ الغَيثَ على وَجهِ الأَرْض

ويُرسِلُ المِياهَ على وَجهِ الحُقول.

١١وإِذا أَرادَ أَن يَرفَعَ الوُضَعاءَ إِلى العَلاء

وأَن يَرتَفِعَ المَحْزونونَ إِلى الخَلاص.

١٢يُبطِلُ خُطَطَ المُحْتالين

فلا تُتِمُّ أَيديهِم حِيَلَهم

١٣ويَصْطادُ الحُكَماءَ بِٱحتِيالِهم

فتَسقُطُ مَشورةُ الماكِرين.

١٤في النَّهارِ يكتَفونَ بِالظَّلام

وفي الظَّهيرَةِ يَجُسُّونَ كأَنَّهم في اللَّيل.

١٥يُخَلِّصُ المِسْكينَ مِن سَيفِ أَفْواهِهم

ومِن يَدِ المُقتَدِر

١٦فيَكونُ لِلبائسِ رَجاء

والظُّلمُ يَسُدُّ فاه.

١٧طوبى للإِنْسانِ الَّذي يُوَبِّخُه الله

فلا تَنبُذَنَّ تَأديبَ القَدير.

١٨فإِنَّه يَجرَحُ ويَعصِب

يَضرِبُ ويَداه تَشْفِيان.

١٩في سِتِّ شَدائِدَ يُنقِذُكَ

وفي السَّابِعَةِ لا يَمَسُّكَ سوء.

٢٠في المَجاعَةِ يَفْديكَ مِنَ المَوت

وفي القِتالِ مِن حَدِّ السَّيف.

٢١مِن سَوطِ اللِّسانِ تَستَتِر

ولا تَخْشى الدَّمارَ إِذا وَقَع.

٢٢تَسخَرُ بِالدَّمارِ والفاقة

ولا تَخْشى مِن وُحوشِ الأَرض

٢٣لأَنَّ لَكَ عَهدًا مع حِجارَةِ الحُقول

ووُحوشُ البَرِّيَّةِ تُسالِمُكَ.

٢٤وتَعلَمُ أَنَّ خَيمَتَكَ أَمْنٌ

وتَتَفَقَّدُ مُلكَكَ فلا يَنقُصُ شَيء.

٢٥وتَعلَمُ أَنَّ ذُرِّيَّتَكَ تَكثُر

وأَنَّ خَلَفَكَ كعُشبِ الأَرْض

٢٦وتَدخُلُ القَبرَ في شَيبَةٍ وافِيَة

كما يُرفَعُ الكُدسُ في أَوانِه.

٢٧هٰذا ما فَحَصْناه وهو الحَقّ

فٱسمَعْه وٱنتَفِعْ بِه».

أيّوب ٦

الإنسان المُحَطَّم يَعرِفُ وَحدَه شقاءَه

١فأَجابَ أَيُّوبُ وقال:

٢«لَيتَ كَرْبي وُزِنَ

وبُؤسي رُفِعَ مَعَه في ميزان!

٣ولٰكِنَّهما أَثقَلُ مِن رَملِ البِحار.

فلِذٰلكَ أَلْغو في كَلامي

٤لِأَنَّ سِهامَ القَديرِ فِيَّ

يَمتَصُّ روحي سُمَّها

وأَهْوالَ اللهِ ٱصطَفَّت علَيَّ.

٥أَيَنهَقُ الحِمارُ الوَحْشِيُّ على العُشْبِ

أَو يَخورُ الثَّورُ على عَلَفِه؟

٦أَيُؤكَلُ التَّفِهُ بِغَيرِ مِلْحٍ

أَم هل يَكونُ لِزُلالِ البَيضِ طَعْمٌ؟

٧إِنَّ نَفْسي تَعَافُ أَن تَمَسَّهما

إِنَّما هُما كخُبزيَ القَذِر.

٨مَن لي بِأَن أُوتى سُؤلي

ويَهَبَ لِيَ اللهُ رَجائي؟

٩لَيرْضَ اللهُ فيُحَطِّمَني

وَلْيُطْلِقْ يَدَه فيَستَأصِلَني!

١٠فتَبْقى لي تَعزِيةٌ

أَبتَهِجُ بِها في عَذابٍ لا يَرفُق

لِأَنِّي لم أَجحَدْ أَقْوالَ القُدُّوس.

١١ما عَسى قُوَّتي حَتَّى أَنْتَظِر

وكَم بَقائي حَتَّى أُصبِّرَ نَفْسي؟

١٢أَقُوَّةُ الحِجارةِ قُوَّتي

أَم لَحْمي مِن نُحاس؟

١٣أَلَم يَكُنْ لي أَيُّ عَونٍ في نَفْسي

وكُلُّ فِطنَةٍ قد أُقصِيَت عَنِّي؟

١٤إِنَّ قَريبَ اليائِسِ هو الَّذي يَرحَمُه

وإِلَّا فَقَد نَبَذَ مَخافَةَ القدير.

١٥قد غَدَرَني إِخْواني كسَيلٍ

كَمَجْرى الأَودِيَةِ العابِرَةِ

١٦الَّتي أَظْلَمَت مِنَ الجَمْدِ

وٱستَتَرَ فيها الثَّلْجُ.

١٧في فَصْلِ الجَفافِ لا تَصمُت

ويَومَ الحَرِّ تَجِفُّ مِن مَكانِها.

١٨تَحيدُ القَوافِلُ عن طَريقها

تَتَوَغَّلُ في المَتاهي فتَهلِك.

١٩تَرَقَّبَتها قَوافِلُ تَيماء

ورَجَتها مَواكِبُ سَبَأ.

٢٠فخابَ أَمَلُهم لِأَنَّهم وَثِقوا

بَلَغوا إِلَيها فخَجِلوا.

٢١هٰكذا أَنتُمُ الآنَ: لا شَيء

رَأَيتُم بَلِيَّتي ففَزِعتُم.

٢٢أَلَعَلِّي قُلتُ لَكم: أَعْطوني

وجودوا علَيَّ بِشَيءٍ مِن أَمْوالِكم.

٢٣ونَجُّوني مِن يَدِ المُضايِق

وٱفْدوني مِن أَيْدي المُغتَصِبين؟

٢٤عَلِّموني وأَنا أَصمُت

بَيِّنوا لي في أَيِّ شَيءٍ ضَلَلْتُ.

٢٥ما أَوقَعَ كَلِماتِ الحَقّ!

وَلٰكِن في أَيِّ شَيءٍ مَلامَتُكم؟

٢٦أَفي أَنْفُسِكم أَن تَلوموني على كَلِمات؟

فإِنَّ كَلِماتِ اليائِسِ لِلرِّيح.

٢٧هل تَقتَرِعونَ على اليَتيمِ أَيضًا

وتُتاجِرونَ بِصَديقِكم؟

٢٨فتَلَطَّفوا الآنَ وٱلتَفِتوا إِلَيَّ

فإِنِّي في وُجوهِكم لا أَكذِب.

٢٩عودوا ولا تَظلِموا

عودوا فإِنَّ بِرِّي ثابِت.

٣٠هَل مِن ظُلمٍ على لِساني

أَم ذَوقي لا يُمَيِّزُ البُؤسَ؟

أيّوب ٧

١أَلَيسَت حَياةُ الإِنْسانِ في الأَرضِ تَجَنُّدًا

وكأَيَّامِ أَجيرٍ أَيَّامُه؟

٢مِثلَ العَبدِ المُشْتاقِ إِلى الظِّلِّ

والأَجيرِ المُنتَظِرِ أُجرَتَه.

٣هٰكذا أُورِثتُ أَشهُرَ باطِل

ولَيالي مَشَقَّةٍ قُدِّرَت لي.

٤ إِذا ٱضَّجَعتُ قُلتُ: مَتى أَقوم؟

وعلى ٱمتِدادِ اللَّيلِ أَشبَعُ بَلْبالًا إِلى الفَجْر.

٥قدِ ٱكتَسى لَحْمي دودًا وقِشْرَ تُراب

وتَشَقَّقَ جِلْدي وقاح.

٦أَيَّامي أَسرَعُ مِنَ المَكُّوك

وقد نَفِدَت لِفُقْدانِ الخُيوط.

٧تَذَكَّرْ أَنَّ حَياتي هَباء.

إِنَّ عَيني تَرى خَبَرًا.

٨طَرْفُ ناظِري لا يَراني مِن بَعدُ

وعَيناكَ تَطلُباني فلا أَكون.

٩إِنَّ الغَمامَ يَتَبَدَّدُ ويَعبُر

وكذا الهابِطُ إِلى مَثْوى الأَمْواتِ لا يَصعَد.

١٠لا يَعودُ إِلى بَيتِه

ومَكانُه لا يَعرِفُه مِن بَعدُ.

١١لِذٰلِكَ لا أَحبِسُ فَمي

بل أَتَكَلَّمُ في ضيقِ روحي

وأَشْكو في مَرارةِ نَفْسي.

١٢أَبَحرٌ أَنا أَم تِنِّين

حتَّى تَجعَلَ حَولي حَرَسًا؟

١٣إِن قُلتُ: سَريري يُفَرِّجُ عنِّي

ومَضْجَعي يُخَفِّفُ شَكْوايَ

١٤رَوَّعتَني بِأَحْلام

وبِرُؤًى ذَعَرتَني.

١٥حتَّى تُؤثِرَ نَفْسِيَ الخَنْق

والمَوتَ بَدَلَ عِظامي.

١٦لَقَدِ ٱضمَحلَلتُ فلا حَياةَ لي لِلأَبَد.

كُفَّ عنِّي فإِنَّما أَيَّامي نَفَس.

١٧ما الإِنسانُ حتَّى تَستَعظِمَه

وتُميلَ إِلَيه قَلبَكَ.

١٨وتَتَفَقَّدَه كُلَّ صَباح

وتَمتَحِنَه كُلَّ لَحظَة؟

١٩إِلى مَتى لا تَصرِفُ طَرفَكَ عنِّي

ولا تُمهِلُني رَيثَما أَبلَعُ ريقي؟

٢٠إِذا خَطِئتُ فماذا فَعَلتُ لَكَ

يا رَقيبَ البَشَر؟

ولِمَ جَعَلتَني هَدَفًا لَكَ

حتَّى صِرتُ عِبئًا علَيكَ؟

٢١ولِمَ لا تَتَحَمَّلُ مَعصِيَتي

ولا تَنقُلُ عَنِّي إِثْمي؟

فإِنِّي لا أَلبَثُ أَن أَضَّجعَ في التُّراب

فتُبَكِّرُ في طَلَبي فلا أَكون»

أيّوب ٨ 

المجرى الضروريّ لِعَدلِ الله

١فأَجابَ بِلدَدُ الشُّوحِيُّ وقال:

٢«إِلى متى أَنتَ تَنطِقُ بِمِثْلِ هٰذا

وأَقْوالُ فَمِكَ كريحٍ عاصفة؟

٣أَلعَلَّ اللهَ يُحَرِّفُ القَضاء

أَمِ القَديرُ يُحَرِّفُ العَدْل؟

٤إِن كانَ بَنوكَ قد خَطِئوا إِلَيه

فقَد أَسلَمَهم إِلى يَدِ مَعصِيَتِهم.

٥أَمَّا أَنتَ فإِن بَكَرتَ إِلى الله

وٱلتَمَستَ رَحمَةَ القَدير

٦وكُنتَ طاهِرًا مُستَقيمًا

فإِنَّه يَسهَرُ علَيكَ

ويُعيدُكَ إِلى مَقَرِّ بِرِّكَ.

٧فَتَكونُ حالَتُكَ الأُولى وَضيعةً

وَتَكونُ حالَتُكَ الأَخيرةُ مُزدَهِرَة.

٨إِسأَلِ الأَجْيالَ السَّالِفة

أَصْغِ إِلى خِبرَةِ آبائِهم

٩فإِنَّنا نَحنُ بَنو أَمْسِ ولا عِلمَ لَنا

إِنَّما أَيَّامُنا ظِلٌّ على الأَرْض.

١٠أَمَّا هم فيُعَلِّمونَكَ ويُكَلِّمونَكَ

ومِن قُلوبِهم يُخرِجونَ أَقْوالًا.

١١أَيَنْمو البَرْدِيُّ مِن غَيرِ المُستَنقَع

أَم تَنشَأُ الأَسَلَةُ حَيثُ لا مِياه؟

١٢مع أَنَّه يَخضَرُّ ولا يُقطَع

يَذْوي قَبلَ سائِرِ النَّبات.

١٣كذٰلك تَكونُ سُبُلُ مَن يَنْسى الله

وأَمَلُ الكافِرِ يَزول.

١٤تَتَقَطَّعُ ثِقَتُه بِنَفسِه

وأَمانُه بَيتُ عَنكَبوت.

١٥يَستَنِدُ إِلى بَيتِه ولَيسَ بِثابِت

ويَتَمَسَّكُ بِه وهو غَيرُ قائِم.

١٦إِنَّما هو شَجَرَةٌ تَخضَرُّ تُجاهَ الشَّمْس

وتَنبَسِطُ أَغْصانُها على بُسْتانِها.

١٧وتَشْتَبِكُ عُروقُها في الحَصى

وتَتَوَغَّلُ في جَوفِ الصُّخور.

١٨ولٰكِنَّها إِذا ٱستُؤصِلَت مِن مَكانِها

أَنكَرَها قائلًا: لم أَرَكِ قَطّ.

١٩ذٰلك سُرورُ مَصيرها

ومِن تُربَتِها تَنشَأُ أُخْرى.

٢٠فاللهُ لا يَرذُلُ الكامِل

ولا يأخُذُ بِأَيدي المُجرِمين.

٢١إِلى أَن يَملأَ فَمَكَ ضَحِكًا

وشَفَتَيكَ تَهَلُّلًا.

٢٢ويُكْسى مُبغِضوكَ خَجَلًا

وخَيمَةُ الأَشْرارِ لا تَكون».

أيّوب ٩

العدل الإلٰهيّ يسود الحقّ

١فأَجابَ أَيُّوبُ وقال:

٢قد عَلِمتُ يَقينًا أَنَّ الأَمرَ كذٰلِك

فكَيفَ يَكونُ الإِنسانُ بارًّا أَمامَ الله؟

٣فإِن طابَ لَه أَن يُخاصِمَه

لم يُجِبْه عن واحِدٍ مِن أَلْف.

٤إِنَّه حَكيمُ القَلْبِ شَديدُ البَأس

فمَن ذا الَّذي يَتَصَلَّبُ أَمامَه ويَسلَم؟

٥يُزَحزِحُ الجِبالَ ولا تَشعُر

وفي غَضَبِه يَقلِبُها.

٦ويُزَعزِعُ الأَرضَ مِن مَكانِها

فتَرتَجِفُ أَعمِدَتُها.

٧يأمُرُ الشَّمسَ فلا تُشرِق

ويَختِمُ على الكَواكِب.

٨هو الباسِطُ السَّمَواتِ وَحدَه

والسَّائِرُ على مُتونِ البَحْر

٩خالِقُ بَناتِ النَّعْشِ والجَوزاء

والثُّرَيَّا وأَخاديرِ الجَنوب

١٠صانِعُ عَظائِمَ لا تُسبَر

وعَجائِبَ لا تُحْصى

١١يَمُرُّ بي فلا أُبصِرُه

ويَجْتازُ فلا أَشعُرُ بِه.

١٢إِن سَلَبَ فمَن ذا يَرُدُّه

أَو مَن يَقولُ لَه: ماذا تَفعَل؟

١٣اللهُ لا يَرُدُّ غَضَبَه

وأَعْوانُ رَهَبَ يَرتَمونَ تَحتَه.

١٤فكَيفَ أَنا أَجيبُه

أَو أَخْتارُ حُجَجي علَيه؟

١٥فإِنِّي لو كُنتُ بارًّا لا أُجيب

وإِنَّما أَلتَمِسُ رَحمَةَ دَيَّاني.

١٦لو دَعَوتُه فأَجابَني

لَما آمَنتُ أَنَّه أَصْغى إِلى صَوتي.

١٧ذٰلك الَّذي يَسحَقُني في الزَّوبَعة

ويُثخِنُني بِالجِراحِ بِغَيرِ عِلَّة.

١٨لا يَترُكُني آخُذُ نَفَسي

وإِنَّما يُجَرِّعُني مَرارات.

١٩أَمَّا قُوَّةُ القاهِرِ فإِنَّها لَه

وأَمَّا القَضاءُ فمَن ذا يَستَدْعيه؟

٢٠إِن كُنتُ بارًّا فإِنَّ فَمي يُؤَثِّمُني

أَو كامِلًا فإِنَّه يُجَرِّمُني.

٢١وهَبْني كامِلًا فإِنِّي لا أَعرِفُ نَفْسي.

قد سَئِمتُ حَياتي.

٢٢الأَمرُ واحِدٌ ولِذٰلك قُلتُ:

إِنَّه يُفْني الكامِلَ والشِّرِّيرَ على السَّواء.

٢٣مَتى تُنزِلُ الكارِثَةُ مَوتًا فُجائِيًّا

يَسخَرُ مِن يأسِ الأَبرِياء.

٢٤إِن أُسلِمَتِ الأَرضُ إِلى يَدَيِ الشِّرِّير

حَجَبَ اللهُ وُجوهَ قُضاتِها.

إِن لم يَكُنْ هو فمَن يَكون؟

٢٥أَيَّامي أَسرَعُ مِن عَدَّاء

قد فَرَّت ولم تُصِبْ خَيرًا.

٢٦قد مَرَّت كسُفُنِ البَرْدِيّ

كالعُقابِ المُنقَضِّ على طَعامِه.

٢٧إِن قُلتُ: سأَنْسى شَكْوايَ

وأُطلِقُ وَجْهي وأَبتَسِم.

٢٨تَخَوَّفتُ مِن جَميعِ آلامي

لِعِلْمي بِأَنَّكَ لا تُبَرِّئُني.

٢٩إن كُنتُ مُستَذنَبًا

فلِماذا أَتعَبُ عَبَثًا؟

٣٠لو ٱغتَسَلتُ بِالثَّلْجِ

ونَقَّيتُ كَفَّيَّ بِالحُرُض.

٣١لَغَطَستَني في الهُوَّة

حتَّى تَعافَني ثِيابي.

٣٢إِنَّه لَيسَ بإِنْسانٍ مِثْلي فأُجاوِبَه

حَتَّى نَمثُلَ كِلانا أَمامَ القَضاء.

٣٣لو كانَ بَينَنا حَكَمٌ

يَجعَلُ يَدَه على كِلَينا

٣٤لرَفَعَ عَنِّي عَصاه

ولَما رَوَّعَني رُعبُه.

٣٥حينَئذٍ أَتَكَلَّمُ ولا أَخافُه

لِأَنِّي لَستُ كذٰلكَ في نَظَري.

أيّوب ١٠

١لقَد سَئِمَت نَفْسي حَياتي.

أُطلِقُ شَكْوايَ

وأَتَكَلَّمُ بِمَرارةِ نَفْسي.

٢أَقولُ للهِ: لا تُؤَثِّمْني

أَعلِمْني على أَيِّ شيءٍ تُخاصِمُني.

٣أَيَحسُنُ لَدَيكَ أَن تَظلِمَني

أَن تَنبُذَ صُنعَ يَدَيكَ

وتُعينَ مَشورَةَ الأَشْرار؟

٤أَلَكَ عَينانِ جَسَدِيَّتان؟

أَلَعَلَّكَ تَنظُرُ نَظَرَ البَشر؟

٥أَكأَيَّامِ إِنْسانٍ أَيَّامُكَ

أَم كأَعْوامِ رَجُلٍ أَعْوامُكَ

٦حتَّى تَبحَثَ عن إِثْمي

وتَفحَصَ عن خَطيئَتي؟

٧على عِلمِكَ بأَنِّي لَستُ مُذنِبًا

وأَنَّه لا مُنقِذَ لي مِن يَدِكَ.

٨يَداكَ جَبَلَتاني وصَوَّرتاني بِجُملَتي

والآنَ تَبتَلِعُني!

٩أُذكُرْ أَنَّكَ قد صَوَّرتَني مِثلَ الطِّين

فإِلى التُّرابِ تُعيدُني.

١٠أَلَم تَكُنْ قد صَبَبتَني كاللَّبَنِ الحَليب

وجَمَّدتَني كالجُبْنِ.

١١وكَسَوتَني جِلدًا ولَحمًا

وحَبَكتَني بِعِظامٍ وعَصَب

١٢وحَياةً ونِعمَةً آتَيتَني

وحَفِظَت عِنايَتُكَ روحي؟

١٣وقد كَتَمتَ هٰذه في قَلبِكَ

وإِنِّي لَأَعلَمُ أَنَّها في نَفسِكَ.

١٤إِذا خَطِئتُ تُراقِبُني

ولا تُبَرِّئُني مِن إِثْمي

١٥إِذا أَذنَبتُ فالوَيلُ لي

وإِن بَرَرتُ فلا أَرفَعُ رَأسي

لِما جُرِّعتُه مِنَ العار

ولِلبُؤسِ الَّذي ٱنتَشَيتُ منه.

١٦وإِنِ ٱرتَفَعَ رَأسي تَصْطادُني كاللَّيث

ثُمَّ تَعودُ فتَصولُ علَيَّ.

١٧تُجَدِّدُ هَجَماتِكَ في وَجْهي

وتُشَدِّدُ غَضَبَكَ عَلَيَّ

وجُيوشُك تَتَناوَبُ ضِدِّي.

١٨لِمَ أَخرَجْتَني مِنَ الجَوف؟

إِذَن لَكانَت تَفيضُ روحي ولا تَراني عَين.

١٩ولَكُنتُ كأَنِّي لم أَكُنْ قَطُّ

فأُقادُ مِنَ البَطْنِ إِلى القَبْرِ.

٢٠أَلَيسَت أَيَّامي إِلى حين؟

فلْيَكُفَّ ويُخفِّفْ عنِّي فأَبْتَسِمَ قَليلًا.

٢١قَبلَ أَن أَنصَرِفَ ٱنصِرافَ مَن لا يَأُوب

إِلى أَرضِ ظُلمَةٍ وظِلالِ مَوت.

٢٢أَرضِ ظَلامٍ كاللَّيل

وظِلالِ مَوتٍ وعَدَمِ نِظام

حَيثُ النُّورُ كالظَّلام».

أيّوب ١١

حكمة الله تستدعي اعتراف أيّوب

١فأَجابَ صوفَرُ النَّعْماتِيُّ وقال:

٢«أَلعَلَّ كَثرَةَ الكَلام لا يُجابُ علَيها

أَم يَكونُ الحَقُّ لِلرَّجُلِ المُفَوَّه؟

٣أَلَعَلَّ صَلَفَكَ يُفحِمُ البَشَر

أَم تَتَهَكَّمُ وما من أَحَدٍ يُسَفِّهُكَ؟

٤تقول: تَعْليمي طاهِر

وأَنا نَزيهٌ في عَينَيكَ.

٥ولٰكِن يا لَيتَ اللهَ يَتَكلَّم

ويَفتَحُ شَفَتَيه لإِجابَتِكَ.

٦ويُخبِرُكَ بِأَسْرارِ الحِكمَة

– الَّتي تُحَيِّرُ كُلَّ فِطنَة –

فتَعلَمَ أَنَّ اللهَ قد تَسامَحَ عن شيءٍ من إِثمِكَ.

٧أَلَعَلَّكَ تَسبِرُ غَورَ الله

أَم تَبلُغُ إِلى كَمالِ القَدير؟

٨هو عُلُوُّ السَّمَواتِ فماذا تَفعَل؟

وهو أَعمَقُ مِن مَثْوى الأَمْواتِ فماذا تَدْري؟

٩مَداه أَطوَلُ مِنَ الأَرْض

وأَعرَضُ مِنَ البَحْر.

١٠إِن مَرَّ وسَجَنَ

وجَمَعَ قُضاتَه، فمَن يَرُدُّه؟

١١فإِنَّه يَعرِفُ أَصْحابَ الباطِل

ويُبصِرُ الإِثْمَ أَفلا يَفطَن؟

١٢بِذٰلك يَتَعَقَّلُ الجاهِل

وكجحشِ الحِمارِ الوَحشِيِّ يولَدُ الإِنسان.

١٣وأَنتَ إِن ثَبَّتَّ قَلبَكَ

وبَسَطتَ إِلَيه كَفَّيكَ

١٤وأَبعَدتَ الإِثْمَ الَّذي في يَدِكَ

ولم يَحِلَّ الظُّلْمُ في خَيمَتِكَ.

١٥فحينَئِذٍ تَرفَعُ وَجهًا لا عَيبَ فيه

وتَكونُ راسِخًا ولا تَفزَع.

١٦وتَنْسى مَشَقَّتَكَ

أَو تَذكُرُها مِثلَ مِياهٍ قد عَبَرَت.

١٧وتَكونُ مُدَّةُ حَياتِكَ أَشرَقَ مِنَ الظَّهيرة

وظُلمَتُكَ مِثلَ الصَّباح

١٨وتَطمَئِنُّ لِوُجودِ الرَّجاء

وبَعدَ الخِزْيِ تَضَّجِعُ في أَمان.

١٩وتَستَقِرُّ ولا يُرَوِّعُكَ أَحَد

بل كَثيرونَ يَستَعطِفونَ وَجهَكَ.

٢٠أَمَّا عُيونُ الأَشْرارِ فتَكِلّ

وكُلُّ مَلجَإٍ لَهم يَبيد

ورَجاءُهم في فَيضِ أَرْواحِهم».

أيّوب ١٢

حكمة الله تتجلّى خاصّة في الأضرار التي تُنزلها قدرته

١فأَجابَ أَيُّوبُ وقال:

٢إِنَّكم في الحَقيقةِ صَوتُ الشَّعْب

وفي مَوتِكم تَموتُ الحِكمَة.

٣غَيرَ أَنَّ لي عَقلًا كما لَكم

لا أُقَصِّرُ عنكم في شَيء

ومَنِ الَّذي يَفوتُه مِثلُ هٰذه؟

٤أَصبَحتُ أُضْحوكَةً لِأَصدِقائي

وأَنا أَدْعو إِلى اللهِ فيَستَجيبُني.

إِنَّ البارَّ الكامِلَ لَأُضْحوكة.

٥العُسرُ في رَأيِ المَيسورينَ إِهانة

فهي مُعدَّةٌ لِمَن زَلَّت قَدَمُه.

٦خِيامُ اللُّصوصِ في سَلام

والطُّمأنينةُ لِمُسخِطي الله

لِكُلِّ مَن يَقبِضُ على اللهِ في يَدِه.

٧ولَكِنِ ٱسأَلِ البَهائِمَ فُتَعلِّمَكَ

وطُيورَ السَّماءِ فتُخبِرَكَ.

٨خاطِبِ الأَرضَ فتُلَقِّنَكَ

وأَسْماكَ البَحرِ تُحَدِّثُكَ.

٩فأَيٌّ مِنها جَميعًا لا يَعلَمُ

أَنَّ ذٰلك إِنَّما صَنَعَته يَدُ الرَّبّ.

١٠الَّذي في يَدِه نَفْسُ كُلِّ حَيٍّ

وأَرْواحُ البَشَرِ أَجمَعين؟

١١أَلَيسَتِ الأُذُنُ تُمَيِّزُ الأَقْوال

كما يَذوقُ الحَنَكُ الطَّعام؟

١٢وإِنَّما الحِكمَةُ عِندَ الأَشيَب

والفِطنَةُ في طولِ الأَيَّام.

١٣اللهُ عِندَه الحِكمَةُ والجَبَروت

ولَه المَشورَةُ والفِطنَة.

١٤ما هَدَمَه لا يُبنى

ومَن أَغلَقَ علَيه لا يُفتَحُ لَه.

١٥يَحبِسُ المِياهَ فتَجِفّ

أَو يُطلِقُها فتُخَرِّبُ الأَرض.

١٦عِندَهُ العِزَّةُ والفِطنَة

ولَه الضَّالُّ ومَن يُضِلُّه.

١٧يَسوقُ المُشيرينَ مُجَرَّدين

ويَجعَلُ القُضاةَ مَجانين.

١٨يَحُلُّ قَبضَةَ المُلوك

فيَربِطُ إِزارًا على أَحْقائِهم.

١٩يَسوقُ الكَهَنَةَ مُجَرَّدين

ويَقلِبُ الرَّاسِخين.

٢٠يَقطَعُ أَلسِنَةَ الثِّقات

ويَسلُبُ ذَوقَ الشُّيوخ.

٢١يَصُبُّ العارَ على الكُرَماء

ويُرخي مَناطِقَ الأَقوِياء.

٢٢يُجَلِّي مِنَ الظُّلمَةِ أَعْماقَها

ويُبْرِزُ ظِلالَ المَوتِ إِلى النُّور.

٢٣يُنْمي الأُمَمَ ثُمَّ يُبيدُها

ويَفسَحُ لِلشُّعوبِ ثُمَّ يَمْحوها.

٢٤يَذهَبُ بِأَلْبابِ الَّذينَ يَسودونَ شَعبَ الأَرض

ويُضِلُّهم في تيهٍ لا طَريقَ فيه.

٢٥فيَتَلَمَّسونَ في الظُّلمَةِ ولَيسَ نور

ويُرَنِّحُهم تَرَنُّحَ السَّكْران.

أيّوب ١٣

١ذٰلك كُلُّه قد رَأَته عَيني

وسَمِعَته أُذُني وفَطِنَت لَه.

٢وما تَعلَمونَ فإِنِّي أَنا أَيضًا أَعلَمُه

لا أُقَصِّرُ عنكُم في شَيء.

٣لٰكِنِّي إِنَّما أُخاطِبُ القَدير

وأَوَدُّ أَن أُجادِلَ الله.

٤أَمَّا أَنتُم فإِنَّما تَطْلونَ بِالكَذِب

وطِبُّكم لا قيمةَ لَه.

٥مَن لي بِأَن تَسكُتوا

فيَكونَ لَكم في ذٰلِك حِكمَة.

٦إِسمَعوا حُجَجي

وأَصْغوا إِلى دَعاوى شَفَتَيَّ.

٧أَلإِرضاءِ اللهِ تَتَكَلَّمونَ بِالظُّلْمِ

أَم لِأَجْلِه تَنطِقونَ بالخِداع؟

٨أَلَعَلَّكم تُحابونَه

أَم عنِ اللهِ تُخاصِمون؟

٩أَيَحسُنُ أَن يَفحَصَكم

أَم أَنتُم تَخدَعونَه كما يُخدَعُ الإِنْسان؟

١٠بل لِيُوَبِّخَنَّكم

على مُحاباتِكُم الخَفِيَّة.

١١أَلا يُرعِبُكم جَلالُه

ويَقَعُ علَيكم ذُعرُه؟

١٢إِنَّ ما تَذكُرونَه أَمْثالٌ مِن رَماد

وحُصونُكم حُصونٌ مِن طين.

١٣أُسكُتوا عنِّي فأَتَكلَّم

مَهْما أَصابَني.

١٤لِمَ آخُذُ لَحْمي بِأَسْناني

وأَجعَلُ نَفْسي في كَفِّي؟

١٥إِنَّه ولَو قَتَلَني أَبْقى بِلا أَمَل

لَكِنِّي أَحتَجُّ عن طُرُقي أَمامَه.

١٦وذٰلك يَكونُ خَلاصي

لِأَنَّ الكافِرَ لا يَقومُ أَمامَه.

١٧فٱسمَعوا كَلامي

وما أُبَيِّنُه على مَسامِعِكم

١٨فإِنِّي قد أَعدَدتُ الدَّعْوى

وأَنا عالِمٌ بِأَنِّي سأَكونُ بارًّا

١٩مَنِ الَّذي يُحاجِجُني؟

فإِنِّي لا أَلبَثُ أَن أَسكُتَ وتَفيضَ روحي.

٢٠أَمرَينِ لا تَفْعَلْ بي

فحينَئذٍ لا أَتَوارى عن وَجهِكَ.

٢١أَبعِدْ عنِّي يَدَكَ

ولا يُرَوِّعْني رُعبُكَ.

٢٢أُدعُ فأُجيب

أَو فَلْأُخاطِبْكَ أَنا فتُجاوِبَني.

٢٣ما الَّذي لي مِنَ الآثامِ والخَطايا؟

أَعلِمْني مَعصِيَتي وخَطيئَتي.

٢٤لِمَ تُواري وَجهَكَ

وتَعُدُّني عَدُوًّا لَكَ؟

٢٥أَتُرَوِّعُ وَرَقَةً مَنْثورة

وتُطارِدُ قَشَّةً يابِسة؟

٢٦فإِنَّكَ تَكتُبُ علَيَّ أُمورًا مَريرة

وتُلحِقُ بي آثامَ صِبائي.

٢٧وتَجعَلُ رِجلَيَّ في مِقطَرَة

وتُراقِبُ جَميعَ طُرُقي

وتَخُطُّ حَولَ باطِنِ قَدَمَيَّ.

٢٨وهٰذا الرَّجُلُ يَبْلى كشَيءٍ مُسَوِّس

وكَثَوبٍ قد أَكَلَه العُثّ.

أيّوب ١٤

١الإِنْسان مَولودُ المَرأَة

قَليلُ الأَيَّامِ كَثيرُ الشَّقاء.

٢كَزَهرٍ يَنبُتُ ثُمَّ يَذْوي

وكَظِلٍّ يَبرَحُ ولا يَقِف.

٣إِنَّكَ على مِثلِ هٰذا فَتَحتَ عَينَيكَ

وإِيَّايَ قُدتَ لِلتَّحاكُمِ مَعَكَ.

٤مَن يأتي بِطاهِرٍ مِن نَجِس؟

لا أَحَد!

٥فإِذا كانَت أَيَّامُه مَحْدودة

وعَدَدُ شُهورِهِ مُعَيَّنًا عِندَكَ

وقَد قَضَيتَ لَه أَجَلًا لا يَتَعَدَّاه.

٦فٱصرِفْ طَرفَكَ عنه لِيَستَريح

إِلى أَن يَفِيَ نَهارَه كالأَجير.

٧الشَّجَرَةُ لَها رَجاء

فإِنَّها إِذا قُطِعَت تُخلِفُ أَيضًا

وفِراخُها لا تَزول.

٨وإِذا تَعَتَّقَ في الأَرضِ أَصلُها

وماتَ في التُّرابِ جَذرُها.

٩فمِنِ ٱستِرْواحِ الماءِ تُفَرِّخ

وتُنبِتُ فُروعًا كالغَريسة.

١٠أَمَّا الرَّجُلُ فإِذا ماتَ بَقِيَ بِلا حِراك

وٱبنُ آدَمَ متى فاضَت روحُه فأَينَ يوجَد؟

١١البَحرُ تَنفَدُ مِياهُه

والنَّهرُ يَنضُبُ ويَجِفّ.

١٢والإِنسانُ يَضَّجِعُ فلا يَقوم

إِلى أَن تَزولَ السَّمَوات.

لا يَستَيقِظونَ ولا يَنبَعِثونَ مِن مَنامِهم.

١٣مَن لي بِأَن تُخفِيَني

وتُوارِيَني في مَثْوى الأَمْوات

حتَّى يَجْتازَ غَضَبُكَ

وأَن تَضرِبَ لي أَجَلًا ثُمَّ تَتَذَكَّرَني.

١٤إِذا ماتَ الرَّجُلُ أَفَيَحْيا؟

إِذَن لَٱنتَظَرتُ كُلَّ أَيَّامِ تَجَنُّدي

حتَّى يَحينَ ٱبتِدالي.

١٥فإِنَّكَ تَدْعوني فأُجيبُكَ

وتَتوقُ إِلى صُنعِ يَدَيكَ.

١٦أَمَّا الآنَ فإِنَّكَ تُحْصي خَطَواتي

ولا تَرصُدُ خطايايَ.

١٧تَختِمُ على مَعصِيَتي في صُرَّةٍ

وتَستُرُ إِثْمي.

١٨الجَبَلُ يَسقُطُ ويَنْهار

والصَّخرُ يَتَزَحزَحُ عن مَكانِه.

١٩والحِجارَةُ تَبْريها المِياه

وتَجرُفُ سُيولُها تُرابَ الأَرْض

وأَنْتَ تُفْني رَجاءَ الإِنْسان.

٢٠تُرهِقُه على الدَّوامِ فيَمْضي

تُشَوِّهُ وَجهَه ثُمَّ تَصرِفُه.

٢١أَيُكرَمُ بَنوه؟ لا يَعلَم

أَم يُهانونَ؟ لا يَدْري.

٢٢عَلَيه وَحدَه يَتَوَجَّعُ جَسَدُه

وعلَيه وَحدَه تَنوحُ روحُه».

أيّوب ١٥

٢. الحلقة الثانية من الخطب

أيّوب يحكم على نفسه بكلامه

١فأَجابَ أَليفازُ التَّمانِيُّ وقال:

٢«أَلَعَلَّ الحَكيمَ يُجيبُ عن عِلمٍ باطِل

ويَمْلَأُ جَوفَه ريحًا شَرقِيَّة.

٣فيُحاجُّ بِكَلامٍ لا يُفيد

وبأَقْوالٍ لا قيمَةَ لَها؟

٤بل أَنتَ تَهدِمُ التَّقْوى

وتَنقُضُ عِبادَةَ الله

٥وإِثْمُكَ يُعَلِّمُ فَمَكَ

وأَنتَ تُؤثِرُ لِسانَ الماكِرين.

٦إِنَّ فَمَكَ هو يُؤَثِّمُكَ، لا أَنا

وشَفَتَيكَ تَشْهدانِ علَيكَ.

٧أَلَعَلَّكَ وُلِدتَ أَوَّلَ البَشَر

أَم أُبدعتَ قَبلَ التِّلال؟

٨أَلَعَلَّكَ أَصغَيتَ في مَجلِسِ الله

أَم قدِ ٱحتَكَرتَ الحِكمَة؟

٩ما الَّذي تَعلَمُه أَنتَ ولا نَعلَمُه

أَم ماذا فَهِمتَ وخَفِيَ علَينا؟

١٠فرُبَّ أَشيَبَ عِندَنا وشَيخٍ

أَكبَرَ سِنًّا مِن أَبيكَ.

١١أَيَسيرةٌ لَدَيكَ تَعزِياتُ الله

ومُلايَنَتُه لَكَ بِالكَلام؟

١٢عَلامَ يَستَهْويكَ قَلبُكَ

وإِلامَ يَغمِزُ طَرفُكَ

١٣حتَّى تُوَجِّهَ على اللهِ غَيظَكَ

ويَنفُثَ فَمُكَ أَقْوالًا؟

١٤ما الإِنْسانُ حتَّى يَطهُرَ

أَو مَولودُ المرأَةِ حتَّى يَكونَ بارًّا؟

١٥ها إِنَّ قِدِّيسيه لا يَأتَمِنُهم

والسَّمَواتِ غَيرُ طاهِرَةٍ في عَينَيه.

١٦فكَم بالأَحْرى القَبيحُ الفاسِد

الإِنْسانُ الَّذي يَشرَبُ الإِثْمَ كالماء.

١٧إِنِّي أُبَيِّنُ لَكَ فٱسمَعْ لي

وبِما رَأَيتُ أُحَدِّثُكَ.

١٨وبِما أَخبَرَ بِه الحُكَماءُ عن آبائِهم

ولم يَكْتُموه.

١٩الَّذينَ أُعْطوا الأَرضَ وَحدَهم

ولم يَدخُلْ بَينَهم غَريب.

٢٠الشِّرِّيرُ يَتَمَلمَلُ كُلَّ الأَيَّام

وسِنونَ مَعْدودةٌ ٱدُّخِرَت لِلجائِر.

٢١صَوتُ الأَهْوالِ في أُذُنَيه

وفي السَّلامِ يُفاجِئُه المُجْتاح.

٢٢لا يَأمَنُ أَن يَخرُجَ مِنَ الظُّلمَة

لِأَنَّ السَّيفَ يَتَرَصَّدُه.

٢٣يُعَدُّ قوتًا لِلنُّسورِ

ويَعلَمُ أَنَّه مُهَيَّأٌ لِلهَلاك.

٢٤يَومُ الظَّلامِ يُفزِعُه

والشِّدَّةُ والضِّيقُ يُداهِمانِه

كَمَلِكٍ مُعتَدٍّ لِلنِّزال.

٢٥لِأَنَّه مَدَّ على اللهِ يَدَه

وتَجَبَّرَ على القَدير

٢٦وأَغارَ علَيه بِعُنُقٍ سامِدة

تَحتَ أَظهُرِ تُروسِه الغَليظَة.

٢٧وقد كَسا السِّمَنُ وَجهَه

وغَشَّى الشَّحمُ كُليَتَيه.

٢٨فٱستَوطَنَ مُدُنًا خَرِبَة

بُيوتًا لا مُقيمَ فيها

عن قَليلٍ ستَكونُ رُجُمًا.

٢٩لَن يَغتَنِيَ ولن تَثبُتَ ثَروَتُه

ولن تَنتَشِرَ في الأَرضِ أَمْوالُهم.

٣٠لن يُفلِتَ مِنَ الظُّلمَة

واللَّهيبُ يُجَفِّفُ أَغْصانَه

وبِنَفخَةِ فَمِ اللهِ يَزول.

٣١لا يَعتَمِدَنَّ على الوَهْمِ وهو المُنخَدِع

ويَكونُ الوَهمُ أُجرَتَه.

٣٢قَبلَ الأَوانِ يَذْوي

وأَغْصانُه لا تَخضَرّ.

٣٣يُساقِطُ كالكَرمَةِ حِصرِمَه

ويَنقُضُ كالزَّيتونَةِ زَهَرَه.

٣٤لأَنَّ جَماعَةَ الكافِرِ عَقيمة

وخِيامَ الرَّشوَةِ تَأكُلُها النَّار.

٣٥مَن حَبِلَ بِالمشَقَّةِ وَلَدَ الإِثْم

وأَحْشاؤُه تُدَبِّرُ المَكيدَة».

أيّوب ١٦

من ظلم البشر إلى عدالة الله

١فأَجابَ أَيُّوبُ وقال:

٢«كَثيرًا ما سَمِعتُ مِثلَ هٰذا

إِنَّما أَنتُم بِأَجمَعِكم مُعَزُّونَ مُتعِبون:

٣تَقولون: مَتى يَنتَهي كَلامُكَ الفارِغ

وما الَّذي يُغْريكَ بِالمُجاوَبَة؟

٤أَنا أَيضًا أُخاطِبُكم كما تُخاطِبونَني

لَو كانت أَنفُسُكم في مَوضِعِ نَفْسي.

ولَلَفَّقتُ لَكم أَقْوالًا

وهَزَزتُ عَلَيكم رَأسي

٥ولَشَجَّعتُكم بِفَمي

ورَفَقَتْ بِكم تَعزِيَةُ شَفَتَيَّ.

٦إِذا تَكَلَّمتُ لم يَسكُنْ وَجَعي

أَو صَمَتُّ فهَل يَبرَحُني؟

٧لقَد أَجهَدَني الآن

فإِنَّكَ رَوَّعتَ جماعَتي كُلَّها.

٨حَفَرتَ لي غُضونًا تَشهَدُ علَيَّ

هُزالي يَقومُ علَيَّ ويَشهَدُ في وَجْهي.

٩مَزَّقني غَضَبُه وهاجَمَني

صَرَفَ علَيَّ بِأَسْنانِه

وعَدُوِّي حَدَّدَ عَينَيه علَيَّ.

١٠فَغَروا علَيَّ أَفْواهَهم

ولَطَموا خَدِّي تَعْييرًا

وتَجَمَّعوا علَيَّ جُملَةً.

١١أَسلَمَني اللهُ إلى الظَّالِم

وبَينَ أَيدي الأَشْرارِ أَلْقاني.

١٢كُنتُ في هُدوءٍ فهَشَّمَني

أَخَذَ بِقَفايَ فحَطَّمَني

ونَصَبَني هَدَفًا لَه.

١٣تَكتَنِفُني سِهامُه

يَشُقُّ بِها كُلَيتَيَّ ولا يُشفِق

ويُريقُ مَرارتي على الأَرْض.

١٤يَفْتَحُ فِيَّ ثُغرَةً على ثُغرَة

ويَهجُمُ علَيَّ هُجومَ الجَبَّار.

١٥لقَد لَفَّقتُ على جِلْدي مِسْحًا

ومَرَّغتُ في التُّرابِ جَبْهَتي.

١٦إِحمَرَّ وَجْهي مِنَ البُكاء

وغَشِيَ جَفنَيَّ ظِلالُ المَوت.

١٧على أَنَّ يَدَيَّ لا عُنفَ فيهِما

وصَلاتي طاهِرَة.

١٨أَيَّتُها الأَرضُ لا تَستُري دَمي

ولا يَكُنْ لِصُراخي قَرار.

١٩لِي مُنذُ الآنَ شاهِدٌ في السَّماء

ومُحامٍ عَنِّي في الأَعالي.

٢٠إِنَّ السَّاخِرينَ مِنِّي هم أَصدِقائي

ولٰكِن إِلى اللهِ تَفيضُ عَينايَ.

٢١فليُدافِعْ هو عن رَجُلٍ في صِراعٍ مع الله

كما يُدافِعُ ٱبنُ بَشَرٍ عن صَديقِه.

٢٢فإِنَّ سَنَواتي المَعْدودَةَ تَمْضي

فأَركَبُ طَريقًا لا أَعودُ مِنه.

أيّوب ١٧

١قدِ ٱضمَحَلَّت روحي وٱنطَفَأَت أَيَّامي

وإِنَّما لِيَ المَقابِر.

٢إِنَّما الهازِئونَ حَولي

على عَداوَتِهم تَسهَرُ عَيني.

٣إِجعَلْ كَفالَتي لَدَيكَ

فمَنِ الَّذي يَصفُقُ على يَدي؟

٤فإِنَّكَ قد حَجَبتَ قُلوبَهم عنِ الفِطنَة

لِذٰلك لا تَرفَعُهم.

٥مَن دَعا الأَصدِقاءَ إِلى التَّقْسيم

تُصابُ أَعيُنُ بَنيه بِالكَلال.

٦نَصَبوني لِلشُّعوبِ مَثَلًا

وكُنتُ مَن بَصَقوا في وَجهِه.

٧كَلَّت عَيني مِنَ الكآبَة

وصارَت أَعْضائي كُلُّها ظِلًّا.

٨حينَئذٍ يَدهَشُ المُستَقيمون

ويَقومُ الطَّاهِرُ على الكافِر.

٩ويَلزَمُ البارُّ طَريقَه

ويَزْدادُ النَّقِيُّ اليَدَينِ قُوَّةً.

١٠أَمَّا أَنتُم فٱرجِعوا وتَعالَوا بِأَجمَعِكم

فَلا أَجِدُ فيكم حَكيمًا.

١١أَيَّامي قَدِ ٱنقَضَت ومَقاصِدي تَقَطَّعَت

وهي آمالُ قَلْبي.

١٢يَدَّعونَ أَنَّ اللَّيلَ نَهار

وأَنَّ النُّورَ قَريبٌ وأَنا أَمامَ الظَّلام.

١٣ما رَجائي؟ إِنَّما مَثْوى الأَمواتِ بَيتي

وفي الظَّلامِ بَسَطتُ مَضْجَعي.

١٤قُلتُ لِلفَسادِ: أَنتَ أَبي

ولِلدِّيدانِ: أَنتِ أُمِّي وأُخْتي.

١٥إِذَنْ أَينَ رَجائي؟

رَجائي مَن يَراه؟

١٦معي تَنزِلُ إِلى مَثْوى الأَمْوات

أَلا نَنزِلُ مَعًا إِلى التُّراب؟»

أيّوب ١٨

لا قدرة للغضب على نظام العدل

١فأَجابَ بِلدَدُ الشُّوحِيُّ وقال:

٢«إِلامَ تَجعَلانِ حَدًّا لِلكَلام؟

تَأَمَّلا وبَعدَ ذٰلك نَتَكَلَّم.

٣ما بالُنا نُحسَبُ كالبَهائِم

ونُستَقذَرُ في أَعيُنِكما؟

٤يا مَن يُمَزِّقُ نَفسَه في غَيظِه

أَفتُهجَرُ الأَرضُ مِن أَجلِكَ

أَم يُزَحزَحُ الصَّخرُ مِن مَكانِه؟

٥إِنَّ نورَ الشِّرِّيرِ يَنطَفِئ

ولَهيبَ نارِه لا يُضيء.

٦يُظلِمُ النُّورُ في خَيمَتِه

ويَنطَفِئُ مِصْباحُه علَيه.

٧تَضيقُ خَطَواتُ قُوَّتِه

وتُعَثِّرُه تَدابيرُه

٨لِأَنَّ رِجلَيه تُساقُ إِلى الشِّباك

فيَخْطو على عُيونِها.

٩يأخُذُ الفَخَّ بِعَقبِه

ويَشُدُّ علَيه الشَّرَك،

١٠فإِنَّ حَبلًا مَطْمورٌ لَه في الأَرْض

والمِصيَدَةَ على طَريقِه.

١١تُرَوِّعُه الأَهْوالُ مِن كُلِّ جانِب

وتَتَعَقَّبُ خُطاه.

١٢قُوَّتُه جائِعة

والمُصيبَةُ قائِمَةٌ بِجانِبِه.

١٣تأكُلُ أَعْضاءَ جَسَدِه

ويأكُلُ بِكْرُ المَوتِ أَعْضاءَه.

١٤يُنزَعُ مِن أَمانِ خَيمَتِه

ويُساقُ إِلى مَلِكِ الأَهْوال.

١٥يُقامُ في خَيمَتِه الَّتي لم تَعُدْ لَه

ويُمطَرُ مِلكُه كِبْريتًا.

١٦تَجِفُّ أُصولُه مِن أَسفَل

وتُقطَعُ فُروعُه مِن فَوقُ.

١٧يَزولُ ذِكرُه مِنَ الأَرْض

ولا يَكونُ لَه ٱسمٌ في البِلاد.

١٨يُدحَرُ مِنَ النُّورِ إِلى الظَّلام

ويُنْفى مِنَ المَسْكونَة

١٩ولا تَكونُ لَه ذُرِّيَّةٌ ولا خَلَفٌ بَينَ قَومِه

ولا يَبْقى في مَنازِلِه باقٍ

٢٠فتَندَهِشُ مِن يَومِه المَغارِب

وتَقشَعِرُّ مِنه المَشارِق.

٢١هٰكَذا تَكونُ مَساكِنُ الشِّرِّير

وهٰذا مُقامُ مَن لا يَعرِفُ الله».

أيّوب ١٩

إنتصار الإيمان في الخِذْلان من قِبَل الله والبشر

١فأَجابَ أَيُّوبُ وقال:

٢«إِلى متى تُعَذِّبونَ نَفْسي

وتَسحَقونَني بِأَقْوالِكم؟

٣هٰذه عَشْرُ مَرَّاتٍ عَيَّرتُموني فيها

ولا تَخجَلونَ أَن تُعَنِّفوني.

٤وهَبوني في الواقِعِ قد ضَلَلتُ

فضَلالي يَعْنيني وَحْدي

٥وأَنتُم إِذا كُنتُم في الواقِعِ تَستَكبِرونَ علَيَّ

وتُوَبِّخونَني بِعاري

٦فٱعلَموا أَنَّ اللهَ هو الَّذي آذاني

ولَفَّ علَيَّ شَبَكَتَه.

٧ها إِنِّي أَصرُخُ على العُنْفِ

فلا أُجابُ وأَستَغيثُ ولَيسَ مِن قضاء.

٨قد سدَّ عَلَيَّ الطَّريقَ فلا أَجوز

وغَطَّى سُبُلي بِالظُّلُمات.

٩عَرَّاني مِن مَجْدي

ونَزَعَ إِكْليلَ رأْسي.

١٠هَدَّمَني مِن كُلِّ جِهَةٍ فرَحَلتُ

وٱستَأصَلَ رَجائي ٱستِئصالَ الشَّجَرَة

١١وٱضطَرَمَ علَيَّ غَضَبُه

وعَدَّني مِن أَعْدائِه.

١٢زَحَفَ غُزاتُه زَحفَةً واحِدَة

شَقُّوا علَيَّ طَريقَهم وخَيَّموا حَولَ خَيمَتي.

١٣أَبعَدَ إِخْواني عنِّي

فٱعتَزَلَتْني مَعارِفي.

١٤خَذَلَني ذَوو قَرابَتي

والَّذينَ أَلِفتُهم قد نَسوني.

١٥حَسِبَني نُزَلاءُ بَيتي وإِمائي غَريبًا

وأَصبَحتُ أَجنَبِيًّا في أَعيُنِهم.

١٦دَعَوتُ عَبْدي فلَم يُجِبْ

وبِفَمي تَضَرَّعتُ إِلَيه.

١٧قد صارَ نَفَسي خَبيثًا عِندَ ٱمرَأَتي

وأَمسَيتُ مُنتِنًا لِأَبْناءِ أَحْشائي.

١٨حتَّى الصِّبْيانُ ٱزدَرَوني

أَقومُ فيتَكَلَّمونَ علَيَّ.

١٩قد مَقَتَني أُمَناءُ سِرِّي

والَّذينَ أَحبَبتُهمُ ٱنقَلَبوا علَيَّ.

٢٠لَصِقَت عِظامي بِلَحْمي

ونَجَوتُ بِجِلدِ أَسْناني.

٢١إِرحَموني ٱرحَموني أَنتُم يا أَصدِقائي

فإِنَّ يَدَ اللهِ قد مَسَّتْني.

٢٢لِمَ تُطارِدونَني مِثلَ الله

ولا تَشبَعونَ مِن لَحْمي؟

٢٣مَن لي بِأَن تُكتَبَ أَقوالي

ومَن لي بِأَن تُحفَرَ في سِفْرٍ.

٢٤بإِزْميلٍ مِن حَديدٍ وبِالرَّصاص

أَن تُنقَشَ في الصَّخرِ لِلأَبَد؟

٢٥فادِيَّ حَيٌّ

وسَيَقومُ الأَخيرَ على التُّراب.

٢٦وبَعدَ أَن يَكونَ جِلْدي قد تَمَزَّق

أُعايِنُ اللهَ في جَسَدي.

٢٧أُعايِنُه أَنا بِنَفْسي

وعَينايَ تَرَيانِه لا غَيري

قد فَنِيَت كُلْيَتايَ في داخِلي.

٢٨إِن قُلتُم: كَيفَ نُطارِدُه

لِنَجِدَ علَيه أَصلًا لِدَعْوى؟

٢٩ولٰكِن خافوا لأَنفُسِكم مِنَ السَّيْف

فإِنَّ الغَيظَ يَستَوجِبُ السَّيف

فتَعلَمونَ أَن هُناكَ قَضاءً».

أيّوب ٢٠

نظام العدل لا يقبل الاستثناء

١فأَجابَ صوفَرُ النَّعماتِيُّ وقال:

٢«لِذٰلِكَ تَعودُ بي خَواطِري

وبِسَبَبِها ما بي مِنَ الٱضطِراب.

٣لقد سَمِعتُ تأديبًا يُهينُني

فلَقَّنَتني روحُ فِطنَتي جَوابًا.

٤أَلَم تَعلَمْ هٰذا أَنَّ مُنذُ الدَّهر

مُنذُ أَن جُعِلَ البَشَرُ على الأَرْض

٥طَرَبَ الأَشْرارِ قَريبُ الزَّوال

وفَرَحَ الكافِرِ لَمحَةُ بَصَر

٦فإِنَّه ولوِ ٱرتَفَعَت قامَتُه إِلى السَّماء

ونَطَحَت هامَتُه الغُيوم

٧يَهلِكُ لِلأَبَدِ كبِرازِه

فيَقولُ الَّذينَ يَرَونَه: أَينَ هو؟

٨يَطيرُ كالحُلْمِ فلا يوجَد

ويَضمَحِلُّ كرُؤيا اللَّيل.

٩والعَينُ الَّتي لَمَحَته لا تَعودُ تَلمَحُه

ولا يَراهُ مَكانُه مِن بَعد.

١٠بَنوه يوفونَ المَساكينَ حَقَّهم

ويَداه تَرُدَّانِ ما سَلَبَه.

١١عِظامُه مَليئةٌ بِعُنفوانِ شَبابِه

ومَعَه تَضَّجِعُ في التُّراب.

١٢إِذا حَلا الشَّرُّ بِفَمِه

وخَبَّأَه تَحتَ لِسانِه.

١٣وٱدَّخَرَه ولم يُلقِه

بل حَبَسَه في داخِلِ حَنَكِه.

١٤فإِنَّ طَعامَه هٰذا يَتَحَوَّلُ في أَمْعائِه

إِلى سُمِّ صِلٍّ في جَوفِه.

١٥الأَمْوالُ الَّتي ٱبتَلَعَها يَقيئُها

فاللهُ يَستَخرِجُها مِن جَوفِه.

١٦رَضَعَ سُمَّ الأَصْلال

فقَتَلَه لِسانُ الأَفْعى.

١٧لن يَرَى سَواقيَ الزَّيت

وأَنْهارًا وسُيولًا مِن عَسَلٍ ولَبَنٍ حَليب.

١٨يَرُدُّ كَسبَه ولا يَلتَهِمُه

ومِن كَسْبِ تِجارَتِه لا يَتَمَتَّع

١٩لِأَنَّه سَحَقَ المَساكينَ وخَذَلَهم

وسَرَقَ بَيتًا ولم يَبنِه.

٢٠وإِذا لم يَعرِفِ القَناعَةَ في جَوفِه

فإِنَّه لا يَنْجو بِنَفائِسِه.

٢١لم يُبقِ نَهَمُه على شَيءٍ

لِذٰلِكَ نُعْماه لا تَثبُت.

٢٢في إِبَّانِ السَّعَةِ تُصيبُه الشِّدَّة

وتَقَعُ علَيه يَدُ كُلِّ بَلِيَّة.

٢٣حينَ يَمْلَأُ بَطنَه

يُرسِلُ اللهُ علَيه نارَ غَضَبِه

ويُمطِرُها علَيه طَعامًا.

٢٤إِن فَرَّ مِن سِلاحِ الحَديد

تَختَرِقُه قَوسُ النُّحاس.

٢٥يَنزِعُ السَّهمَ فيَخرُجُ مِن ظَهرِه

وإِذا خَرَجَ النَّصلُ البارِقُ مِن كَبِدِه

غَشِيَته الأَهْوال.

٢٦كُلُّ ظَلامٍ مُدَّخَرٌ لَه في مَخابِئِه

وتَأكُلُه نارٌ لم يُنفَخْ فيها

وتُتلِفُ ما بَقِيَ في خَيمَتِه.

٢٧تَكشِفُ السَّمَواتُ عن إِثمِه

والأَرضُ تَقومُ علَيه.

٢٨تُسلَبُ غِلالُ بَيتِه

وتَجْري كالمِياهِ في يَومِ الغَضَب.

٢٩ذٰلكَ نَصيبُ الرَّجُلِ الشِّرِّير

ميراثُه مِن عِندِ اللهِ بِأَمرِه تَعالى».

أيّوب ٢١

تكذيب الوقائع

١فأَجابَ أَيُّوبُ وقال:

٢«إِسمَعوا قَولي سَماعًا

ولْتَكُنْ لي مِنكُم هٰذه التَّعزِيَة.

٣إِصبِروا علَيَّ فأَتَكَلَّم

وبَعدَ كَلامي تَسخَرون.

٤أَلعَلَّ شَكْوايَ مِن إِنْسان؟

وإِلَّا فلِماذا لا أَكونُ قَصيرَ البال؟

٥إِلتَفِتوا إِلَيَّ وٱندَهِشوا

وٱجعَلوا أَيدِيَكم على أَفْواهِكم.

٦فإِنِّي كُلَّما تَذَكَّرتُ ٱرتَعتُ

وأَخَذَ جِسمِيَ الِٱرتِعاش.

٧لِماذا يَحْيا الأَشرارُ

ويَشيخونَ ويَعظُمُ ٱقتِدارُهم؟

٨ذُرِّيَّتُهم قائِمةٌ أَمامَهم على أَيَّامِهم

وخَلَفُهم لَدى أَعيُنِهم.

٩بُيوتُهم آمِنَةٌ مِنَ الخَوف

وعَصا اللهِ لا تَعْلوهم.

١٠ثَورُهم يُلقِحُ ولا يُخطِئ

وبَقَرَتُهم تَلِدُ ولا تُسقِط.

١١يُسَرِّحونَ صِبْيانَهم كالغَنَم

وأَطْفالُهم يَرقُصون.

١٢يُنشِدونَ بِالدُّفِّ والكِنَّارة

ويَطرَبونَ بِصَوتِ المِزْمار.

١٣يَقطَعونَ أَيَّامَهم في السَّعادة

ثُمَّ في لَحظَةٍ يَهبِطونَ إِلى مَثْوى الأَمْوات.

١٤مع أَنَّهم يَقولونَ للهِ: إِبتَعِدْ عَنَّا

فإِنَّ مَعرِفَةَ طُرُقِكَ لا نَبتَغيها.

١٥مَنِ القَديرُ حتَّى نَعبُدَه

وما فائِدَتُنا أَن نَتَوَسَّلَ إِلَيه؟

١٦أَلَيسَت سَعادَتُهم في أَيديهم؟

يَقولون: بُعدًا عَنَّا لِمَكايِدِ الأَشْرار!

١٧أَيَنطَفِئُ غالِبًا مِصْباحُ الأَشْرار

وتَحِلُّ المُصيبَةُ علَيهم

ويَقسِمُ اللهُ غَضَبَه لِكُلٍّ نَصيبًا؟

١٨فيُمْسونَ كالتِّبنِ في وَجهِ الرِّيح

وكالعُصافَةِ الَّتي تَذهَبُ بِها الزَّوبَعة.

١٩أَيَدَّخِرُ اللهُ عِقابَ الشِّرِّيرِ لِبَنيه؟

بل فلْيُكافِئْه فَيَعلَم.

٢٠ولْتَرَ عَيناه دَمارَه

ولْيَشرَبْ مِن غَضَبِ القَدير.

٢١لِأَنَّه ما بُغيَتُه في بَيتِه مِن بَعدِه

وقد قُطِعَ عَدَدُ شُهورِه؟

٢٢أَفاللهُ يُلَقَّنُ عِلمًا

وهو الَّذي يَدينُ أَهلَ العَلاء؟

٢٣هٰذا يَموتُ في عِزِّ قُوَّتِه

وقَد غَمَرَته السَّعادَةُ والطُّمَأنينة

٢٤والسِّمَنُ يَكْسو جَنبَيه

وعِظامُه مَليئَةٌ بِالنُّخاع.

٢٥وذاكَ يَموتُ في مَرارَةِ نَفسِه

ولم يَذُقْ هَناءً.

٢٦وكِلاهُما يَضَّجِعانِ في التُّراب

فيَكْسوهما الدُّود.

٢٧إِنِّي لَأَعلَمُ أَفْكارَكم

وبِما تَنسِبونَه إِلَيَّ ظُلمًا.

٢٨فإِنَّكم تَقولون: أَينَ دارُ المُغتَصِب

وأَينَ خَيمَةُ مَساكِنِ الأَشْرار؟

٢٩هَلَّا سأَلتُم عابِري الطَّريق

حتَّى لا تُنكِروا إِشاراتِهم؟

٣٠في يَومِ المُصيبَةِ يُبقى على الشِّرِّير

وفي يَومِ الغَضَبِ يوضَعُ في أَمان.

٣١فمَنِ الَّذي يُبَيِّنُ لَه طَريقَه

ومَن يُكافِئُه على ما صَنَع؟

٣٢يُساقُ إِلى المَقابِر

وعلى قَبرِه يُسهَر.

٣٣يَطيبُ لَه مَدَرُ الوادي

ووراءَه يَسيرُ كُلُّ النَّاس

وأَمامَه جُمْهورٌ لا يُحْصى.

٣٤فما بالُكم تُعَزُّونَني عَبَثًا

وما بَقِيَت أَجوِبَتُكم إِلَّا خِداعًا؟».

متى ٢٢

٣. الحلقة الثالثة من الخُطَب

لا يُعاقب الله إِلَّا باسم العدل

١فأَجابَ أَليفازُ التَّيمانِيُّ وقال:

٢«أَلَعَلَّ الرَّجُلَ يَنفَعُ الله

إِذ إِنَّ الحَكيمَ لا يَنفَعُ إِلَّا نَفسَه؟

٣هل مِن بُغيَةٍ لِلقَديرِ أَن تَكونَ بارًّا

ومِن كَسْبٍ لَه أَن تَكونَ كامِلَ الطُّرُق؟

٤أَمِن أَجلِ تَقْواكَ يُحاجُّكَ

أَو يُرافِقُكَ إِلى القضاء؟

٥أَلَيسَ شَرُّكَ جَسيمًا

وآثامُكَ لا حَدَّ لَها؟

٦فإِنَّكَ ٱرتَهَنتَ مِن أَخيكَ بِغَيرِ حَقّ

وسَلَبتَ العُراةَ ثِيابَهم

٧ولم تَسْقِ المُنهَكَ ماءً

ومَنَعتَ الخُبزَ عنِ الجائع

٨فأَصبَحَتِ الأَرضُ لِذي الذِّراع

ومَرْفوعُ الجاهِ أَقامَ فيها.

٩صَرَفتَ الأَرامِلَ فارِغات

وأَذرُعُ اليَتامى حُطِّمَت.

١٠لِذٰلِك تُحيطُ بِكَ الفِخاخ

ويُرَوِّعُكَ رُعبٌ مُفاجِئ

١١أَو ظُلمَةٌ لا تُبصِرُ فيها

أَو غَمرُ ماءٍ يَعْلوكَ.

١٢أَلَيسَ اللهُ في أَعْلى السَّمٰوات؟

فٱنظُرْ ذُروَةَ الكَواكِبِ ما أَعْلاها.

١٣وقد قُلتَ: ماذا يَعلَمُ الله؟

أَمِن وَراءِ الغَيمِ المُظلِمِ يَدين

١٤الغُيومُ سِترٌ لَه فلا يَرى

وعلى قُبَّةِ السَّمٰواتِ يَتَمَشَّى.

١٥أَلَعَلَّكَ تَلزَمُ سَبيلَ القِدَمِ

الَّذي وَطِئَه أَصْحابُ الإِثْم

١٦الَّذينَ قُرِضوا قَبلَ أَوانِهم

وٱندَفَقَ السَّيلُ على أَساسِهم

١٧القائِلينَ للهِ: إبتَعِدْ عَنَّا.

وماذا يَصنَعُ بِنا القَدير

١٨وهو قد مَلَأَ بُيوتَهم طَيِّبات؟

– فبُعدًا عنِّي لِمَكايِدِ الأَشْرار –

١٩يَرى الأَبْرارُ فيَفرَحون

والبَريءُ يَستَهزِئُ بِهم:

٢٠أَلَم يَنقَرِضْ مُقاوِمونا

وقد أَكَلَتِ النَّارُ يُسرَهم؟

٢١فصالِحْه وسالِمْه

فبِذٰلكَ تَعودُ إِلَيكَ الطَّيِّبات.

٢٢وتَلَقَّ الشَّريعَةَ مِن فَمِه

وأَودِعْ أَقْوالَه في قَلبِكَ

٢٣فإِنَّكَ إِن تُبتَ إِلى القَديرِ يُعادي عُمْرانُكَ

وإِن أَبعَدتَ الإِثمَ عن خَيمَتِكَ

٢٤وأَلقَيتَ إِلى التُّرابِ سَبائِكَكَ

وإِلى حَصى الأَودِيَةِ ذَهَبَ أُوفير

٢٥يَكونُ القَديرُ سَبائِكَكَ

وأَكْوامَ فِضَّةٍ لَكَ.

٢٦حينَئِذٍ تَكونُ لَذَّتُكَ في القَدير

وتَرفَعُ إِلى اللهِ وَجهَكَ

٢٧وتَدْعو إِلَيه فيُجيبُكَ

وتوفي نُذورَكَ

٢٨وتَعزِمُ على أَمرٍ فيَتِمُّ لَكَ

وعلى سُبُلِكَ يُشرِقُ نور

٢٩ومَن أُذِلَّ تَقولُ له: إِنهَضْ

فيُخَلِّصُ اللهُ الخاشِعَ الطَّرْف

٣٠ويُنَجِّي مَن لَيسَ بِبَريء

فيَنْجو بِبِرِّ كَفَّيكَ».

أيّوب ٢٣

الله بعيد والشرّ منتصر

١فأَجابَ أَيُّوبُ وقال:

٢«اليَوم أَيضًا شَكْوايَ مُرَّة

ويَدي أَثقَلَت على أَنيني.

٣مَن لي بأَن أَعلَمَ أَينَ أَجِدُه

فآتِيَ إِلى سُكْناه.

٤وأَعرِضَ قَضِيَّتي أَمامَه

وأَملأَ فمي حُجَجًا

٥وأَعرِفَ كَلِماتِ إِجابَتِه

وأَتَفَهَّمَ ما يَقولُ لي؟

٦أَبِعَظَمَةِ جَبَروتِه يُحاجُّني؟

لا بل يَعطِفُ علَيَّ.

٧إِذَن لحاجَّه المُستَقيم

ولنَجَوتُ مِن عِندِ قاضِيَّ فائِزًا.

٨لٰكِنِّي أَسيرُ شَرْقًا فلا يوجَد

وغَربًا فلا أُبصِرُه.

٩يَعمَلُ في الشَّمالِ فلا أُدرِكُه

ويَستَتِرُ في الجَنوبِ فلا أَراه.

١٠أَمَّا هو فيَعلَمُ سَبيلي

وإِذا ٱمتَحَنَني بَرَزتُ كالذَّهَب

١١لِأَنَّ قَدَمي لَزِمَت خُطاه

وقد حَفِظتُ سَبيلَه

١٢ووَصِيَّةُ شَفَتَيه لم أَحِدْ عنها

ولم أَنبِذْ ما فُرِضَ علَيَّ

وٱدَّخَرتُ أَقْوالَ فَمِه.

١٣لٰكِنَّه فَريدٌ فمَن يَرُدُّه؟

وما أَحَبَّت نَفسُه فَعَل

١٤فهو يُنَفِّذُ ما فُرِضَ علَيَّ

ومِثلُ هٰذه عِندَه الكثير.

١٥لِذٰلك أَفزَعُ أَمامَه

وكُلَّما فَكَّرتُ ٱرتَعَبتُ مِن حَضرَتِه

١٦فإِنَّ اللهَ قد أَوهَنَ قَلْبي

والقَديرَ رَوَّعَني

١٧لِأَنِّي لم أَضمَحِلَّ قَبلَ حُلولِ الظَّلام

ولٰكِنَّه غَشَّى وَجْهي بِالظُّلْمَة.

أيّوب ٢٤

١لِماذا لا يَدَّخِرُ القَديرُ أَزمِنَةً

وعارِفوه لا يَشهَدونَ أَيَّامَه؟

٢فإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَن يَنقُلونَ الحُدود

ويَسلُبونَ القُطْعانَ ويَرعَونَها.

٣يَسوقونَ حِمارَ الأَيتام

ويَرتَهِنونَ ثَورَ الأَرمَلة.

٤يُبعِدونَ المُعوِزينَ عن الطَّريق

فيَختَبِئُ مَساكينُ الأَرضِ جَميعًا.

٥ها هُم كالحَميرِ الوَحشِيَّةِ في البَرِّيَّة

يَخرُجونَ إِلى عَمَلِهم

مُبَكِّرينَ إِلى الفَريسة

ولَهمُ البَرِّيَّةُ طَعامٌ لِبَنيهِم.

٦يَحصُدونَ حَقلًا لَيسَ لَهم

ويَقطِفونَ كَرْمَ الشِّرِّير.

٧يبيتونَ عُراةً بِلا لِباس

لا غِطاءَ لَهم في البَرْد

٨فَيُبَلَّلونَ مِن مَطَرِ الجِبال

لا مأوًى لَهم فيَلتَصِقونَ بِالصُّخور.

٩يَخطَفونَ اليَتيمَ عنِ الثُّدِيّ

ويَرتَهِنونَ على المِسْكين

١٠فيَذهَبونَ عُراةً لا لِباسَ لَهم

ويَحمِلونَ الحُزَمَ وهُم جائِعون.

١١يَعصُرونَ الزَّيتونَ في الرَّحى

ويَدوسونَ في المَعصَرَةِ وهم عِطاش.

١٢في المَدينَةِ أُناسٌ يَنتَحِبون

وأَنْفاسُ المَجْروحينَ تَستَغيث

واللهُ لا يَلتَفِتُ إِلى الصَّلاة.

١٣وآخَرونَ تَمَرَّدوا على النُّور

ولم يَعرِفوا طُرُقَه

ولا ٱستَقَرُّوا في سُبُلِه.

١٤عِندَ طُلوعِ النُّورِ يَقومُ القاتِل

ويَقتُلُ المُعوِزَ والمِسْكين

وفي اللَّيلِ يَكونُ لِصًّا.

١٥وعَينُ الزَّاني تَتَرَقَّبُ العَتَمَة

يَقولُ في نَفْسِه: لا تُبصِرُني عَين

فيَجعَلُ بُرقُعًا على وَجهِه.

١٦يَنقُبونَ البُيوتَ في الظَّلام

ويُغلِقونَ على أَنفُسِهم في النَّهار

فلا يَعرِفونَ النُّور

١٧لِأَنَّ الصُّبحَ وظِلَّ المَوتِ شَيءٌ واحِدٌ لَهم

إِذ إِنَّهُمُ ٱعتادوا أَهْوالَ ظِلِّ المَوت.

١٨يَنْسابونَ أَخِفَّاءَ على وَجهِ المِياه.

أَمْلاكُهم مَلْعونةٌ على الأَرْض

لا يَتَوَجَّهُ أَحَدٌ إِلى كُرومِهم.

١٩القَحْطُ والقَيْظُ يَبتَلِعانِ مِياهَ الثَّلْج

وهٰكذا مَثْوى الأَمْواتِ يَبتَلِعُ الخاطِئين

٢٠تَنْساه الرَّحِمُ ويَتَذَوَّقُه الدُّود

ولا يَعودُ يُذكَر

والإِثْمُ يُحَطَّمُ كالشَّجَرَة.

٢١يُسيءُ إِلى العاقِرِ الَّتي لا تَلِد

ولا يُحسِنُ إِلى الأَرمَلَة.

٢٢لٰكِنَّ الَّذي بِقُوَّتِه يَجُرُّ المُقتَدرِين

يَقومُ فَلا يأمَنونَ على حَياتِهم.

٢٣يُؤتيهمِ الطُّمَأنينَةَ فَيَرْتاحونَ إِلَيها

إِلَّا أَنَّ عَينَيه على طُرُقِهم.

٢٤تَرَفَّعوا قَليلًا ثُمَّ لم يَكونوا.

إِنْهاروا وحُصِدوا كسائِرِ النَّاس

وقُطِعوا كرُؤُوسِ السَّنابِل.

٢٥وإِلَّا فمَن إِذًا يُكَذِّبُني

ويَجعَلُ كَلامي لا شَيء».

أيّوب ٢٥

نشيد في قدرة الله

١فأَجابَ بِلدَدُ الشُّوحِيُّ وقال:

٢«لَه السُّلْطانُ والفَزَع

لِمُحِلِّ السَّلامِ في أَعاليه.

٣هل مِن عَدَدٍ لِجُنودِه

أَم هَل مِن أَحَدٍ لا يُشرِقُ علَيه نورُه؟

٤كَيفَ يَكونُ الإِنْسانُ بارًّا لَدى الله

أَو مَولودُ المَرأَةِ طاهِرًا؟

٥ها إِنَّ القَمَرَ نَفسَه غَيرُ مُنيرٍ في عَينَيه

والكَواكِبَ لا نَقاءَ لَها

٦فكَيفَ إِذًا الإِنسانُ الدُّودة

وٱبنُ آدَمَ اليَرَقانة؟».

أيّوب ٢٦

بِلدَدُ يَتَكلَّمُ بالباطل

١فأَجابَ أَيُّوبُ وقال:

٢«كَيفَ أَعَنتَ مَن لا قُوَّةَ لَه

وخَلَّصتَ ذِراعًا لا قُدرَةَ لَها؟

٣وكَيفَ أَشَرتَ على مَن لا حِكمَةَ لَه

وكَشَفتَ لَه تَدابيرَ كَثيرة؟

٤إِلى مَن وَجَّهتَ الكَلام

وروحُ مَنِ ٱنبَثَقَ مِنكَ؟

تعالي الله

٥تَرتَعِدُ الأَشْباح

مِن تَحتِ المِياهِ وسُكَّانِها

٦مَثْوى الأَمْواتِ مَكْشوفٌ لَدَيه

والهاوِيَةُ لا حِجابَ علَيها.

٧يَمُدُّ الشَّمالَ على الخَواء

ويُعلِّقُ الأَرضَ على العَدَم.

٨يَخزُنُ المِياهَ في غُيومِه

فلا يَتَخَرَّقُ الغَمامُ تَحتَها.

٩يَحجُبُ وَجهَ عَرشِه

وقد نَشَرَ علَيه غَمامَه.

١٠رَسَمَ دائِرَةً على وَجهِ المِياه

نَحوَ مُلْتَقى النُّورِ والظَّلام.

١١أَعمِدَةُ السَّماءِ تَتَزَعْزَع

وتَفزَعُ من زَجْرِه.

١٢بِقُوَّتِه هَيَّجَ البَحْرَ

وبِفِطنَتِهِ حَطَّمَ رَهَب.

١٣بِنَفَسِه كَنَسَ السَّمٰوات

ويَدُه طَعَنَتِ الحَيَّةَ الهارِبَة.

١٤تِلكَ أَبْعادُ طُرُقِه

وهَمسٌ خَفيفٌ نَسمَعُه مِن كَلامِه.

أَمَّا رَعدُ جَبَروتِه فمَن يُدرِكُه؟».

أيّوب ٢٧

أيّوب البريء يعلَم بقدرة الله

١وعادَ أَيُّوبُ إِلى ضَربِ مَثَلِه فقال:

٢«حَيٌّ اللهُ الَّذي يَرفُضُ حَقِّي

والقَديرُ الَّذي مَرَّرَ نَفْسي.

٣ما دامَ نَفَسي فِيَّ

وروحُ اللهِ في أَنْفي

٤لَن تَنطِقَ بِالسُّوءِ شَفَتايَ

ولا يُتَمتِمُ لِساني بِالبُهتان.

٥ حاشى لي أَن أُبَرِّرَكم.

إِلى أَن تَفيضَ روحي لا أُقلِعُ عن كَمالي.

٦تَمَسَّكتُ بِبِرِّي فلا أُرْخيه

لِأَنَّ ضَميري لا يَخجَلُ

على يَومٍ مِن أَيَّامي.

٧فَلْيَكُنْ عَدُوِّي كالشِّرِّير

ومُقاوِمي كالمُسيء.

٨فإِنَّه ما عَسى خَيطُ الكافِر

إِذا قَطَعَه الله ونَزَعَ حَياتَه!

٩أَفَيسمَعُ اللهُ صُراخَه

إِذا نَزَلَ بِه ضيق

١٠أَم تَكونُ لَه لَذَّةٌ بِالقَدير

ويَدْعو إِلى اللهِ في كُلِّ حين؟

١١إِنِّي أُعَلِّمُكم قُدرَةَ الله

ولا أَكتُمُ ما عِندَ القَدير

١٢فإِنَّكم جَميعًا قد عايَنتُم

فما بالُكم تَنطِقونَ بِالباطِل؟

النظريّة الموالية للتقاليد

١٣هٰذا نَصيبُ الرَّجُلِ الشِّرِّيرِ عِندَ الله

وميراثُ الظَّالمينَ الَّذي يَنالونَه مِنَ القَدير.

١٤إِن كَثُرَ بَنوه فلِلسَّيْف

وذُرِّيَّتُه لا تَشبَعُ خُبزًا

١٥والباقونَ يُدفَنونَ بِالوَباء

وأَرامِلُه لا يَبْكينَ علَيهم.

١٦إِذا كَنَزَ الفِضَّةَ مِثلَ التُّراب

وكَدَّسَ المَلابِسَ كالطِّين

١٧فلْيُكَدِّسْها فالبارُّ يَلبَسُها

والفِضَّةُ يَرِثُها البَريء.

١٨بَنى مِثلَ العُثَّةِ بَيتَه

وكالنَّاطورِ الَّذي يَنصِبُ كوخَه.

١٩يَضَّجِعُ غَنِيًّا ولا يُدفَن

يَفتَحُ عَينَيه ولا يَكون.

٢٠تُدرِكُه الأَهْوالُ كالمِياه

وفي اللَّيلِ تَخطَفُه الزَّوبَعة.

٢١تَأخُذُه السَّمومُ فيَذهَب

وتَقتَلِعُه مِن مَقَرِّه.

٢٢تَهْوي علَيه ولا تُشفِق

وهو هارِبٌ مِن يَدَيها

٢٣فيُصَفَّقُ علَيه بِالكَفَّينِ

ويُصفَرُ علَيه مِن كُلِّ مَكان.

أيّوب ٢٨

٤. مديح الحكمة

لا يدرك الإنسان الحكمة

١إِنَّ لِلفِضَّةِ مَناجِم

ولِلذَّهَبِ مَكانًا يُنَقَّى فيه.

٢والحَديدُ يُستَخرَجُ مِنَ التُّراب

والحَجَرُ المَصْهورُ يَصيرُ نُحاسًا.

٣جَعَلوا لِلظُّلمَةِ حَدًّا

وبَحَثوا في كُلِّ زاويَة

عنِ الحَجَرِ الَّذي في الظَّلامِ

وظِلالِ المَوت.

٤حَفَروا نَفَقًا بَعيدًا عنِ المَساكِن

وعنِ الأَماكِنِ الَّتي نَسِيَتها القَدَم

فهُم على بُعدٍ مِنَ النَّاسِ يَتَدَلَّونَ مُرتَجِحينَ.

٥الأَرضُ الَّتي يَخرُجُ مِنها الخُبزُ

ٱنقَلَبَ ما تَحتَها كما بِالنَّار.

٦صَخرُها مَكانُ السَّفير

وفيها أَترِبَةُ الذَّهَب.

٧سَبيلٌ لم يَعرِفْه الكاسِر

ولم تُبصِرْه عَينُ النَّسْر

٨ولَم تَطَأْه الضَّواري

ولم يَسلُكْه الأَسَد.

٩بَسَطوا أَيدِيَهم إِلى الصَّوَّان

وقَلَّبوا الجِبالَ مِن أُصولِها.

١٠في الصُّخورِ حَفَروا أَنْفاقًا

وكُلُّ ثَمينٍ عُيونُهم رَأَته.

١١فَحَصوا يَنابيعَ الأَنْهار

وأَخرَجوا المَكْنوناتِ إِلى النُّور.

١٢أَمَّا الحِكمَةُ فأَينَ توجَد

والفِطنَةُ أَينَ مَقَرُّها؟

١٣لا يَعرِفُ الإِنسانُ قيمَتَها

ولا وُجودَ لَها في أَرضِ الأَحْياء.

١٤الغَمرُ قالَ: لَيسَت فِيَّ

والبَحرُ قالَ: لَيسَت عِنْدي.

١٥لا يُعْطى الإِبْريزُ بَدَلًا مِنها

ولا توزَنُ الفِضَّةُ ثَمَنًا لَها

١٦ولا يُساويها ذَهَبُ أُوفير

ولا الجَزْعُ الكَريمُ ولا السَّفير

١٧ولا يُقاسُ بِها الذَّهَبُ ولا الزُّجاج

ولا تُبدَلُ بِأَواني الذَّهَبِ الخالِص.

١٨لا يُذكَرُ معها المَرْجانُ ولا البِلَّور

وٱستِخْراجُ الحِكمَةِ يَفوقُ ٱستِخْراجَ اللَّآلِئ.

١٩لا يُقاسُ بِها ياقوتُ كوشَ الأَصفَر

ولا يُساويها الذَّهَبُ الخالِص.

٢٠لٰكِن مِن أَينَ تَأتي الحِكمَة

والفِطنَةُ أَينَ مَقَرُّها؟

٢١إِنَّها مَحْجوبةٌ عن عَينَي كُلِّ حَيّ

ومُتَوارِيَةٌ عن طَيرِ السَّماء.

٢٢الهاوِيَةُ والمَوتُ قالا:

قَد بَلَغَ مَسامِعَنا خَبَرُها.

٢٣اللهُ يُبصِرُ سُبُلَها

وهو عالِمٌ بِمَكانِها

٢٤لِأَنَّه يَنظُرُ إِلى أَقاصي الأَرْض

ويَرى جَميعَ ما تَحتَ السَّمٰوات.

٢٥وحينَ جَعَلَ لِلرِّيحِ وَزنًا

وعايَرَ المِياهَ بِمِقْدار

٢٦وجَعَلَ أَحْكامًا لِلمَطَر

وسَبيلًا لِلرُّعودِ القاصِفَة

٢٧حينَئِذٍ رَآها وأَخبَرَ بِها

وثَبَّتَها وسَبَرَها

٢٨وقالَ لِلْبَشَر:

ها إِنَّ مَخافَةَ الرَّبِّ هيَ الحِكمَة

وٱجتِنابَ الشَّرِّ هو الفِطنَة».

أيّوب ٢٩

٥. خاتِمَةُ الحِوار

شَكاوى أيّوب ودفاعه عن نفسه

١وعادَ أَيُّوبُ إِلى ضَربِ مَثَلِه فقال:

٢«مَن لي بِمِثلِ الشُّهورِ السَّالِفة

ومِثْلِ الأَيَّامِ الَّتي كانَ اللهُ فيها حافِظي

٣حينَ كانَ مِصْباحُه يُضيءُ على رأسي

فأَسلُكُ الظُّلمَةَ في نورِه

٤حينَ كُنتُ في أَيَّامِ خَريفي

وكانَ اللهُ يُجالِسُني في خَيمَتي

٥والقَديرُ لم يَزَلْ معي

وصِبيَتي يُحيطونَ بي

٦وأَغسِلُ قَدَمَيَّ بِاللَّبَنِ الحَليب

والصَّخرُ يُفيضُ لي أَنْهارًا مِنَ الزَّيت

٧وأَخرُجُ إِلى بابِ المَدينة

وأَتَّخِذُ في السَّاحَةِ مَجلِسي.

٨يَراني الشُّبَّانُ فيَتَوارَون

والشُّيوخُ يَقِفونَ مُنتَصِبين.

٩الأَعْيانُ يُمسِكُونَ عنِ الكَلام

ويَجعَلونَ أَيدِيَهم على أَفْواهِهم.

١٠يَتَخافَتُ صَوتُ الرُّؤَساء

وتَلصَقُ أَلسِنَتُهم بِأَحناكِهم.

١١وإِذا سَمِعَتني أُذُنٌ هَنَّأَتْني

وإِذا رأَتْني عَينٌ شَهِدَت لي

١٢لِأَنِّي كُنتُ أُنَجِّي المِسْكينَ المُستَغيث

واليَتيمَ الَّذي لا مُعينَ لَه

١٣فتَحِلُّ علَيَّ بَرَكَةُ المائِت

وأَجعَلُ قَلبَ الأَرمَلَةِ يَتَهَلَّل.

١٤لَبِستُ البِرَّ فكانَ لِباسي

وكانَ حَقِّي حُلَّةً وتاجًا لي.

١٥كُنتُ عَينًا لِلأَعْمى

ورِجلًا لِلأَعرَج

١٦وكُنتُ أَبًا لِلمساكين

أَستَقْصي قَضِيَّةَ مَن لم أَعرِفْه

١٧وأُحَطِّمُ أَنْيابَ الظَّالِم

وأَنزِعُ فَريسَتَه مِن بَينِ أَسْنانِه.

١٨وكُنتُ أَقولُ إِنِّي سأَموتُ في عُشِّي

وكالرَّملِ أَزْدادُ أَيَّامًا

١٩وجُذوري مُنفَتِحةٌ على المِياه

والنَّدى يَبيتُ على أَغْصاني

٢٠وقد تَجَدَّدَ مَجْدي لَدَيَّ

وٱزْدادَت قَوسي قُوَّةً في يَدي.

٢١يَستَمِعونَ لي مُنتَظِرين

ويُنصِتونَ لِمَشورَتي،

٢٢وعلى كَلامي لا يَزيدون

وأَقْوالي تَقطُرُ علَيهم.

٢٣يَنتَظِرونَني كَما يُنتَظَرُ الغَيث

ويَفتَحونَ أَفْواهَهم كأَنِّي مُتَأَخِّرُ المَطَر.

٢٤أَبتَسِمُ لَهم فلا يُصَدِّقون

ولا يَفوتُهم نورُ وَجْهي.

٢٥أَخْتارُ طَريقَهم فأَجلِسُ في الصَّدْر

وأَحِلُّ حلولَ المَلِكِ مِنَ الجَيش

والمُعَزِّي مِنَ المَحْزونين.

أيّوب ٣٠

١أَمَّا الآنَ فقَد ضَحِكَ مِنِّي

مَن يَصغُرُني في الأَيَّام

مَن كُنتُ آنَفُ أَن أَجعَلَ آباءَهم

معَ كِلابِ غَنَمي.

٢وبِقُوَّةِ أَيديهِم فماذا كُنتُ أَصنَعُ

وقد فَقَدوا أَشُدَّهم؟

٣جَفَّفَهمُ العَوَزُ والجوع

أُولٰئِكَ الَّذينَ يَهرُبونَ إِلى القِفار

إِلى الظَّلامِ والدَّمارِ والخَراب،

٤ويَقطِفونَ المُلَّاحَ بَينَ الشِّيح

وخُبزُهم جِذرُ الرَّتَم.

٥يُطرَدونَ مِنَ الحَضَر

ويُصاحُ علَيهم أَمْثالَ اللُّصوص

٦فيَسكُنونَ في مُنحَدَراتِ الأَودِيَة

وفي مَغاوِرِ التُّرابِ والصُّخور.

٧يَنهَقونَ بَينَ الشِّيح

ويَتَكَدَّسونَ تَحتَ الأَشْواك.

٨أَبْناءُ أَحمَقَ وأَبْناءُ مَن بِلا ٱسمٍ

قد دُحِروا مِنَ الأَرْض.

٩أَمَّا الآنَ فصِرتُ لَهم أُغنِيَّةً

وأَصبَحتُ عِندَهم مَثَلًا

١٠وقدِ ٱشمَأَزُّوا مِنِّي وٱبتَعَدوا عنِّي

ولا يَحتَشِمونَ أَن يَبصُقوا في وَجْهي.

١١وإِذا أَرْخى اللهُ وَتَري وأَذَلَّني

أَطلَقوا عِنانَهم في وَجْهي.

١٢قامَ السَّفَلَةُ عن يَميني يُعَثِّرونَ قَدَمَيَّ

ويُمَهِّدونَ إِلَيَّ سُبُلَ المُصيبة

١٣ويَقطَعونَ علَيَّ الطَّريق

ويُساهِمونَ في هَلاكي

ولا يَحْتاجونَ إِلى مُعين.

١٤كأَنَّما يَدخُلونَ مِن ثُغرَةٍ واسِعة

ويَتَدهوَرونَ بَينَ الرَّدْم.

١٥قد تَهافَتَت علَيَّ الأَهْوال

وطَرَدَت كَرامَتي كالرِّيح

وتَلاشى خَلاصي كالغُيوم.

١٦والآنَ تَنْهالُ نَفْسي علَيَّ

وأَيَّامُ بُؤسٍ أَخَذَتني.

١٧في اللَّيلِ يَنخُرُ هٰذا عِظامي مِن فَوقي

والَّذينَ يَقرِضونَني لا يَنامون.

١٨قَبَضَ الأَلَمُ على لِباسي بِقُوَّة

وشَدَّني كما يَشُدُّني قَميصي.

١٩أَلْقاني في الوَحْل

فأَشبَهتُ التُّرابَ والرَّماد.

٢٠إِلَيكَ أَصرُخُ فما تُجيبُني

وتَوَقَّفتُ فحدَّقتَ فِيَّ.

٢١أَصبَحتَ لي عَدُوًّا قاسِيًا

وبِقُوَّةِ يَدِكَ حَمَلتَ علَيَّ.

٢٢خَطَفتَني وعلى الرِّيح أَركَبتَني

وأَذابَتني العاصِفَة.

٢٣فعَلِمتُ أَنَّكَ إِلى المَوتِ تُعيدُني

إِلى دارِ ميعادِ كُلِّ حَيّ

٢٤لا شَكَّ أَنَّ اليَدَ لا تُمَدُّ إِلى الخَراب

وفي الٱنْهِيارِ تأتي النَّجدَة

٢٥أَلَم أَبكِ لِمَنِ ٱشتَدَّ علَيه يَومُه؟

أَلَم تَرْثِ نَفْسي لِلمِسكين؟

٢٦لٰكِن حينَ تَوَقَّعتُ الخَير غَشِيَني الشَّرّ

وحينَ ٱنتَظَرتُ النُّورَ غَشِيَني الظَّلام.

٢٧فارَت أَحْشائي ولَم تَهدَأْ

وبادَرَتْني أَيَّامُ الشَّقاء.

٢٨أَمْشي مَسْفوعًا لا مِنَ الشَّمسِ

أَقومُ في الجَماعةِ مُستَغيثًا.

٢٩صِرتُ أَخًا لِبَناتِ آوى

ورَفيقًا لِلنَّعام.

٣٠إِسوَدَّ جِلْدي علَيَّ

وٱحتَرَقَ عَظْمي مِنَ الحُمَّى.

٣١صارَت كِنَّارتي لِلنِّياحة

ومِزْماري لِصَوتِ البُكاء.

أيّوب ٣١

دفاع أيّوب عن نفسه

١قد عاهَدتُ عَينَيَّ

أَن لا أُحَدِّقَ في عَذْراء

٢فما يَكونُ النَّصيبُ مِن عِندِ اللهِ مِن فَوق

والميراثُ مِن عِندِ القَديرِ مِنَ الأَعالي؟

٣أَلَيستِ البَلِيَّةُ لِلظَّالِم

والمُصيبَةُ لِفاعِلي الآثام؟

٤أَلَيسَ هو يُبصِرُ طُرُقي

ويُحْصي جَميعَ خَطَواتي؟

٥هل سِرتُ في الباطِل

وأَسرَعَت رِجْلي إِلى المَكيدَة؟

٦لِيَزِنِّي في ميزانِ البِرّ

فيَعرِفَ اللهُ سَلامَتي.

٧إِن حادَت خَطَواتي عنِ السَّبيل

أَو سار قَلْبي وَراءَ عَينَيَّ

أَو عَلِقَ بِراحَتي عَيب

٨فلأَزْرَعْ أَنا ويأكُلْ آخَر

ولتُستَأصَلْ فُروعي.

٩إِن كانَ قَلبي قد هامَ بٱمرَأَة

أَو تَرَصَّدتُ على بابِ قَريبي

١٠فلْتَطحَنِ ٱمرَأَتي لِآخَر

ولْيَقَعْ علَيها آخَرون

١١فإِنَّها فاحِشَة

جَريمةٌ تُرفَعُ إِلى القُضاة

١٢نارٌ تأكُلُ حتَّى إِلى الهاوِيَة

وتَستَأصِلُ غَلَّتي بِأَسرِها.

١٣إِن كُنتُ ٱستَهَنتُ بِحَقِّ عَبْدي

أَو أَمَتي في دَعْواهما عَلَيَّ

١٤فماذا أَصنَعُ حينَ يَقومُ الله

وكَيفَ أُجيبُه حينَ يُحَقِّق؟

١٥أَوَلَيسَ الَّذي صَنَعَني في البَطنِ هو صَنَعَهما

ووَاحِدٌ كَوَّنَنا في الرَّحِم؟

١٦هل مَنَعْتُ البائِسينَ طَلَبَهم

أَو أَكَلْتُ عَينَ الأَرمَلة

١٧أَو أَكَلتُ كِسرَتي وَحْدي

ولم يأكُلْ مِنها اليَتيم؟

١٨بل مُنذُ صِبايَ شَبَّ مَعي كأَنِّي أَبوه

ومِن بَطنِ أُمِّي هَدَيتُه.

١٩هل رَأَيتُ هالِكًا مِنَ العُرْيِ

أَو مِسكينًا لا كُسوَةَ لَه

٢٠ولَم تُبارِكْني كُليَتاه

وقدِ ٱستَدفَأَ بِجِزَّةِ غَنَمي.

٢١وإِن رَفَعتُ يَدي على اليَتيم

عالِمًا بِأَنَّ القَضاءَ يَسنُدُني

٢٢فَلتَسقُطْ كَتِفي مِن كاهِلي

ولْتُكْسَرْ ذِراعي مِن مَفصِلِها

٢٣فإِنَّ مُصيبَةَ اللهِ تُفزِعُني

ولا قُدرَةَ لي أَمامَ جَلالِه.

٢٤هل جَعَلتُ في الذَّهَبِ ثِقَتي

أَم قُلتُ لِلإِبْريزِ: أَنتَ أَمْني؟

٢٥هل فَرِحتُ بِأَنَّ غِنايَ جَزيل

وأَنَّ يَدي قد أَصابَت كَثيرًا؟

٢٦هل نَظَرتُ إِلى الشَّمسِ حينَ سَطَعَت

أَو إِلى القَمَرِ يَسيرُ بِالبَهاء

٢٧فٱفتَتَن قَلْبي سِرًّا

وأَرسَلَت يَدي إِلَيهِما قُبلَةً مِن فَمي؟

٢٨إِنَّها جَريمةٌ تُرفَعُ إِلى القُضاة

لِأَنِّي أَكونُ قد كَفَرتُ بِاللهِ العَلِيّ.

٢٩هل فَرِحتُ بِهَلاكِ مُبغِضي

أَو شَمِتُّ إِذا نالَه سوء؟

٣٠بل لم أَدَعْ فَمي يَخطَأ

بِأَن يَطلُبَ نَفسَه بِلَعنَة.

٣١أَلَم يَكُنْ أَهلُ خَيمَتي يَقولون:

مَن يَأتي بِأَحَدٍ لم يَشبَعْ مِن لَحمِ مائِدَتِه؟

٣٢إِنَّه لم يَبِتْ غَريبٌ في الخارِج

بل كُنتُ أَفتَحُ بابي لِٱبنِ السَّبيل.

٣٣هل كَتَمتُ مَعصِيَتي كما يَفعَلُ النَّاس

إِضْمارًا لِلإِثْمِ في صَدْري

٣٤إِذ خِفتُ مِنَ الجُمْهور

وخَشيتُ ٱحتِقارَ العَشائر

فصَمَتُّ ولَم أَخرُجْ إِلى الباب؟

٣٥مَن لي بِمَن يَسمَعُني؟

هٰذا تَوقيعي فليُجِبْني القَدير.

والكِتابُ الَّذي كَتَبَه خَصْمي

٣٦فلأَحمِلَنَّه على كَتِفي

ولَأَعصِبَنَّه تاجًا لِرَأسي.

٣٧أُبَيِّنُ لَه عَدَدَ خَطَواتي

وأَتَقَدَّمُ إِلَيه تَقَدُّمَ رَئيس.

٣٨إِن صَرَخَت علَيَّ أَرْضي

وبَكَتْ مَعَها أَخاديدُها

٣٩أَو أَكَلتُ غَلَّتَها بِلا فِضَّة

أَو قَضَيتُ على نُفوسِ أَرْبابِها

٤٠فليَنبُتِ العَوسَجُ فيها بَدَلَ الحِنطَة

والشَّوكُ بَدَلَ الشَّعير».

تَمَّت أَقْوالُ أَيّوب.

أيّوب ٣٢

ج – خُطَب أَليهو

تدخُّل أَليهو

١فأَمسَكَ هٰؤُلاءِ الرِّجالُ الثَّلاثَةُ عن مُحاوَرَةِ أَيُّوبَ لِٱعتِقادِه نَفْسَه بارًّا. ٢فغَضِبَ أَليهو بنُ بَرَكْئيلَ البوزِيّ، مِن عشيرةِ رام. غَضِبَ غَضَبًا شَديدًا على أَيُّوبَ، لِزَعمِه أَنَّه أَبَرُّ مِنَ الله. ٣وغَضِبَ غَضَبًا شَديدًا على أَصدِقائِه الثَّلاثة، لأَنَّهم لم يَجِدوا جَوابًا، ومع ذٰلك فقَد أَثَّموا أَيُّوب. ٤وكان أَليهو قد ٱنتَظَرَ أَيُّوبَ مُمسِكًا عنِ الكَلام، لأَنَّ الآخَرينَ كانوا أَكبَرَ مِنه سِنًّا.٥فلَمَّا رأَى أَليهو أَنَّه لم يَبقَ جَوابٌ في أَفواهِ الرِّجالِ الثَّلاثَة، غَضِبَ غَضَبًا شَديدًا، ٦وأَجابَ أَليهو بنُ بَرَكْئيلَ البوزيُّ وقال:

«إِنِّي صَغيرٌ في الأَيَّام

وأَنتُم شُيوخ.

لِذٰلك تَراجَعتُ وهِبتُ

أَن أُبدِيَ لَكم عِلْمي.

٧وقُلت إِنَّ السِّنَّ تَتَكَلَّم

وكَثرَةَ السِّنينَ تُخبِرُ بِالحِكمَة.

٨لٰكِنَّ في البَشَرِ روحًا

ونَسمَة القَديرِ تَجعَلُهم أَذْكياء.

٩لَيسَ المُسِنُّونَ همُ الحُكَماء

ولا الشُّيوخُ همُ الفَطِنونَ لِلحَقّ.

١٠لِذٰلِك قُلتُ: إسمَعوا لي

فأُبدِيَ أَنا أَيضًا عِلْمي.

١١فإِنِّي ٱنتَظَرتُ أَقْوالَكم

وأَصغَيتُ إِلى حُجَجِكم

مُدَّةَ بَحثِكم عَنِ الكَلِمات.

١٢وإِلَيكم رَكَّزتُ ٱنتِباهي

فلَم يَكُنْ فيكم مَن أَفحَمَ أَيُّوب

مُجيبًا على كَلامِه.

١٣لا تقولوا: إِنَّنا وَجَدنا الحِكمَة

إِنَّما اللهُ راذِلُه لا الإِنْسان.

١٤لم يَرصِفْ علَيَّ الكَلِمات

فلا أُجيبُه بأَقْوالِكم.

١٥لقَد تَحَيَّروا ولم يُجيبوا

وقد سُلِبَت مِنهُمُ الكَلِمات

١٦فٱنتَظَرتُ لِأَنَّهم لم يَتَكَلَّموا

وتَوَقَّفوا فلم يُجيبوا مِن بَعدُ.

١٧والآنَ أُجيبُ أَنا بِدَوري

وأُبْدي أَنا أَيضًا عِلْمي

١٨فإِنِّي مَليءٌ بِالكَلِمات

وروحٌ باطِنِيٌّ يُضايِقُني.

١٩إِنَّ جَوفي كَخَمرٍ لا مَخرَجَ لَها

كَمِنْفاخِ حَدَّادٍ يَكادُ يَنشَقّ.

٢٠لَأَتَكَلَّمَنَّ فيُفرَجَ عنِّي

أَفتَحُ شَفَتَيَّ وأُجيب.

٢١لا أُحابي إِنْسانًا

ولا أَتمَلَّقُ بَشَرًا بِالأَلْقاب

٢٢لِأَنِّي لا أَعرِفُ التَّمَلُّق

وإِلَّا فإِنَّ صانِعي يَذهَبُ بي بَعدَ قَليل.

أيّوب ٣٣

دفاع أليهو عن تأديب الله وعظمته

١فٱسمَعْ يا أَيُّوبُ أَقْوالي

وٱصغِ إِلى كَلامي كُلِّه.

٢إِنِّي فَتَحتُ فَمي

ولِساني نَطَقَ في حَنَكي.

٣إِنَّما كَلامي مِن قَلبٍ مُستَقيم

وشَفَتايَ تَنطِقانِ بِعِلمٍ صادِق.

٤روحُ اللهِ هو الَّذي صَنَعَني

ونَسَمَةُ القَديرِ أَحيَتْني.

٥أَجِبْني إِنِ ٱستَطَعتَ

تأَهَّبْ أَمامي وٱنتَصِبْ.

٦إِنَّما أَنا نَظيرُكَ عِندَ الله

مِن طينٍ جُبِلتُ أَنا أَيضًا.

٧فلا رُعْبي يَروعُكَ

ولا سُلْطاني يَثقُلُ علَيكَ.

٨لَكِنَّكَ قُلتَ على أُذُنَيَّ

– وقد سَمِعتُ ما نَطَقتَ بِه -:

٩«إِنِّي طاهِرٌ بِلا مَعصِيَة

إِنِّي نَقِيٌّ ولا إِثمَ فِيَّ.

١٠وإِنَّما هو يَجِدُ عِلَلًا علَيَّ

ويَحسَبُني عَدُوًّا لَه.

١١يَجعَلُ رِجلَيَّ في مِقطَرَة

ويَتَرَصَّدُ جَميعَ سُبُلي».

١٢فأُجيبُكَ أَنَّكَ في هٰذا غَيرُ مُحِقّ

فإِنَّ اللهَ أَكبَرُ مِنَ الإِنْسان.

١٣فَما بالُكَ تُخاصِمُه؟

أَلِأَنَّه لا يُجيبُ عن جَميعِ أَعْمالِه؟

١٤إِنَّ اللهَ يَتَكَلَّمُ بِطَريقة

ثُمَّ بِأُخْرى ولا نَشعُرُ بِذٰلك.

١٥في حُلْمٍ، في رُؤيا اللَّيل

حينَ يَقَعُ السُّباتُ على الأَنام

وهم نائِمونَ على مَضاجِعِهم.

١٦حينَئذٍ يَفتَحُ آذانَ النَّاس

ويَختِمُ على إِنْذارِهم

١٧لِيَصرِفَ الإِنسانَ عن عَمَلِه

ويَمحُوَ الكِبرِياءَ عنِ الرَّجُل

١٨فيَقِيَ نَفسَه مِنَ الهُوَّة

وحَياتَه مِن عُبورِ القَناة.

١٩يُؤَدَّبُ بِالأَلَمِ على مَضجَعِه

وفي عِظامِه صِراعٌ شَديد.

٢٠تَعافُ حَياتُه الخُبْز

ونَفْسُه لَذيذَ الطَّعام.

٢١يَذوبُ لَحمُه عنِ العِيان

وتُعَرَّى عِظامُه المَخفِيَّة،

٢٢وقَد دَنَت نَفسُه مِنَ الهُوَّة

وحَياتُه مِنَ المُهلِكين.

٢٣إِن وُجِدَ مَلاكٌ شَفيعٌ لَه

وَسيطٌ مِن بَينِ الأَلْف

لِيُعلِمَ الإِنسانَ بِواجِبِه

٢٤ويَرحَمَه ويَقول:

أَعْفِه مِنَ الهُبوطِ في الهُوَّة

فقَد وَجَدتُ فِديَة.

٢٥يَصيرُ جَسَدُه أَغَضَّ مِنه وهو صَبِيّ

ويَعودُ إِلى أَيَّامِ شَبابِه

٢٦ويَدْعو إِلى اللهِ فيَرْضى عَنه

حينَئذٍ يُعايِنُ وَجهَه بِالهُتاف

فيُعيدُ إِلى الإِنسانِ بِرَّه.

٢٧فيُرَنِّمُ بَينَ النَّاسِ ويقول:

قد خَطِئتُ وحِدتُ عن الِٱستِقامة ولم يَجْزِني

٢٨بلِ ٱفتَدى نَفْسي مِن المُرورِ بِالهُوَّة

وحَياتي تُبصِرُ النُّور.

٢٩هٰذا كُلُّه يَفعَلُه الله

بِالإِنْسانِ مَرَّتَينِ وثَلاثًا

٣٠لِيُعيدَ نَفسَه مِنَ الهُوَّة

ويُنيرَها بِنورِ الأَحْياء.

٣١فأَصغِ يا أَيُّوبُ وٱستَمِعْ لي

وٱسكُتْ فأَتَكَلَّمَ أَنا

٣٢وإِن كانَت عِندَكَ كَلِماتٌ فأَجِبْني

تَكَلَّمْ، أُحِبُّ أَن أُبَرِّرَكَ

٣٣وإِلَّا فٱستَمِعْ لي أَنتَ

فأُعَلِّمَكَ الحِكمَة».

أيّوب ٣٤

فشل الحكماء الثلاثة في تبرئة الله

١فواصَلَ أَليهو كَلامَه وقال:

٢«إِسمَعوا أَقْوالي أَيُّها الحُكَماء

وأَصْغوا إِلَيَّ يا أَصْحابَ المَعرِفَة

٣فإِنَّ الأُذُنَ تَختَبِرُ الأَقْوال

كما يَذوقُ الحَنَكُ الطَّعام.

٤لَنا أَن نُمَيِّزَ ما هو حَقّ

ولْنَعلَمْ فيما بَينَنا ما هو حَسَن.

٥قالَ أَيُّوب: «إِنِّي بارّ

لٰكِنَّ اللهَ قد رَفَضَ حَقِّي.

٦أُكَذَّبُ والحَقُّ لي

وسَهمُه فِيَّ مُستَعصٍ وأَنا بِلا مَعصِيَة.

٧أَيُّ رَجُلٍ كأَيُّوب

يَشرَبُ الهُزْءَ كالماء

٨ويَمْشي في عِشرَةِ فاعِلي الآثام

ويَسيرُ مع ذَوي الشُّرور.

٩فقَد قالَ إِنَّه لا يَنفَعُ الرَّجُلَ

أَن يَكونَ هَواه في الله.

١٠لِذٰلكَ ٱسمَعوا لي يا أُولي الأَلْباب

حاشَ للهِ مِنَ الشَّرّ

ولِلقَديرِ مِنَ الظُّلْم

١١فإِنَّه يَجْزي الإِنْسانَ على حَسَبِ أَفْعالِه

ويُعامِلُ الإِنسانَ على حَسَبِ سَبيلِه.

١٢لا شَكَّ أَنَّ اللهَ لا يأتي بِالشَّرّ

والقَديرَ لا يُحَرِّفُ الحقّ.

١٣مَنِ الَّذي وَكَّلَه بِالأَرْض

ومَنِ الَّذي كَلَّفَه بِالدُّنْيا كُلِّها؟

١٤ولو لم يَلتَفِتْ إِلَّا إِلى نَفْسِه

وٱستَجمَعَ روحَه ونَسَمَتَه

١٥لَفاضَت روحُ جَميعِ البَشَرِ مَعًا

وعادَ الإِنسانُ إِلى التُّراب.

١٦فإِن كُنتَ ذا فَهمٍ فٱسمَع هٰذا

وأَصغِ إِلى صَوتِ أَقْوالي.

١٧أَلَعَلَّ مَن يُبغِضُ الحَقَّ يَحكُم

أَم تُؤَثِّمُ البارَّ العَظيم؟

١٨القائِلَ لِلمَلِك: يا عَديمَ الخَير!

ولِلعُظَماء: يا أَشْرار!

١٩الَّذي لا يُحابي الرُّؤَساء

ولا يُفَضِّلُ الغَنِيَّ على البائِس

لِأَنَّهم جَميعًا أَعْمالُ يَدَيه.

٢٠يُفاجِئُهمُ المَوتُ في نِصفِ اللَّيل

ويَتَزَعزَعُ الشَّعبُ ويَهلِك

ويُستَأصَلُ المُقتَدِرُ بِغَيرِ عَناء

٢١لِأَنَّ عَينَيه على طُرُقِ الإِنْسان

وهو يُبصِرُ جَميعَ خَطَواتِه.

٢٢لا ظُلمَةٌ ولا ظِلالُ مَوت

يَتوارى فيها فاعِلو الآثام

٢٣لِأَنَّ اللهَ لا يَضرِبُ لِلإِنْسانِ مَوعِدًا

لِيَمثُلَ أَمامَه في القَضاء

٢٤بل يُحَطِّمُ العُظَماءَ مِن غَيرِ بَحْث

ويُقيمُ آخَرينَ مَكانَهم.

٢٥ذٰلك بِأَنَّه يَعلَمُ بِأَعْمالِهم

ويَقلِبُهم في لَيلَةٍ فيُسحَقون.

٢٦يَصفَعُهم كأَشْرارٍ

على مَشهَدِ النَّاس

٢٧فإِنَّهم إِنَّما ٱبتَعَدوا عنه

ولم يَفهَموا شَيئًا مِن طُرُقِه

٢٨حَتَّى رُفِعَ إِلَيه صُراخُ المِسْكين

وهو يَسمَعُ صُراخَ المَساكين.

٢٩فإِنَّه إِذا سَكَنَ فمَن يُؤَثِّمُه؟

وإِن حَجَبَ وَجهَه فمَن يُبصِرُه؟

وعلى أُمَّةٍ أَو على البَشَرِ كذٰلك

٣٠يُقيمُ إِنْسانًا كافرًا مَلِكًا

مِن بَينِ مُضَلِّلي الشَّعْب.

٣١إِن قيلَ للهِ: تَحَمَّلتُ العِقاب

فلَن أَعودَ إِلى ٱرتِكابِ الشَّرّ

٣٢فأَرِني ما لم أُبصِرْه

وإِن كُنتُ قد فَعَلتُ إِثْمًا فلَن أَعودَ إِلى فِعلِه.

٣٣أَفي رَأيِكَ أَنَّ علَيه أَن يُعاقِب؟

بِما أَنَّكَ تَرفُضُ أَحْكامَه

إِذ لَكَ الِٱختِيارُ ولَيسَ لي

فتَكَلَّمْ بِما تَعلَم.

٣٤بل قد يَقولُ لي أُولو الأَلْباب

والرَّجُلُ الحَكيمُ الَّذي يَستَمِعُني:

٣٥إِنَّ أَيُّوبَ يَتَكَلَّمُ بِلا عِلْم

وكَلامُه لَيسَ عن فِطنَة.

٣٦إِذَنْ فليُمتَحَنْ أَيُّوبُ حَتَّى النِّهاية

بِسَبَبِ أَجوِبَتِه الَّتي هي أَجوِبَةُ أَهْلِ الآثام.

٣٧فإِنَّه يَزيدُ على خَطيئَتِه مَعصِيَة

فيَزرَعُ الرَّيبَةَ بَينَنا

ويُكثِرُ أَقْوالَه على الله».

أيّوب ٣٥

الله يُبالي بشؤون الناس

١وواصَلَ أَليهو كَلامَه وقال:

٢«أَتَحسَبُ مِنَ العَدلِ

أَن تَقولَ: «أَنا أَبَرُّ مِنَ الله؟»

٣قُلتَ: «ماذا يُفيدُكَ

وأَيُّ نَفعٍ لي أَلَّا أَخطَأ؟»

٤أَنا أُجيبُكَ بِالكَلام

أَنتَ وأَصدِقاءَكَ مَعَك.

٥تَطَلَّعْ إِلى السَّماءِ وٱنظُرْ

وتَأَمَّلِ الغُيومَ: إِنَّها أَرفَعُ مِنكَ.

٦فإِن خَطِئتَ فماذا تُؤَثِّر فيه؟

وإِن أَكثَرتَ مِنَ المَعاصي فماذا تُلحِقُ بِه؟

٧وإِن كُنتَ بارًّا فبِماذا تَمُنُّ علَيه

وماذا يأخُذُ مِن يَدِكَ؟

٨إِنَّما شَرُّكَ يَضُرُّ إِنْسانًا مِثلَكَ

وبِرُّكَ يَنفَعُ ٱبنَ آدم.

٩مِن كَثرَةِ الظُّلمِ يَصرُخون

ومِن أَذرُعِ العُظَماءِ يَستَغيثون.

١٠ولٰكِن لا يَقولون: «أَينَ اللهُ الَّذي صَنَعَني

والَّذي يُنعِمُ بِالتَّرنيمِ لَيلًا

١١الَّذي رَفَعَنا على بَهائِمِ الأَرضِ عِلمًا

وعلى طُيورِ السَّماءِ حِكمةً».

١٢حينَئِذٍ يَصرُخونَ ولا يُجيب

بِسَبَبِ تَشامُخِ الأَشْرار.

١٣إِنَّ اللهَ لا يَسمَعُ لِلْباطِل

فإِنَّ القَديرَ لا يَلتَفِتُ إِلَيه.

١٤وكَم بِالأَحْرى حينَ تَقول: «لا أَراه».

دَعْوايَ بَينَ يَدَيه فأَنتَظِرُهُ.

١٥أَمَّا الآنَ فلأَنَّه لم يَفتَقِدْ بِغَضَبِه

ولم يُبالِ بِغَباوَةِ الإِنْسان،

١٦فلَقَد فَتَحَ أَيُّوبُ فَمَه بِالباطِل

وأَكثَرَ مِنَ الكَلامِ عن غيرِ عِلْم».

أيّوب ٣٦

المعنى الحقيقيّ لآلام أيّوب

١ثُمَّ واصَلَ أَليهو كَلامَه وقال:

٢«إِصبِرْ علَيَّ قَليلًا فأُبَيِّنُ لَكَ

فإِنَّ لي عنِ اللهِ أَقْوالًا أُخْرى.

٣إِنِّي أَتَّخِذُ عِلْمي مِن بُعْدٍ

وأُعطي البِرَّ لِصانِعي.

٤في الحقيقةِ لَيسَ في أَقْوالي كَذِب

بل لَدَيكَ رَجُلٌ كامِلٌ في العِلْم.

٥ها إِنَّ اللهَ قَديرٌ لا يَزْدَري أَحَدًا

قَديرٌ بِعَزيمةِ قَلْبِه،

٦لا يُحْيي الشِّرِّير

ويُنصِفُ المَساكين.

٧لا يَصرِفُ عَينَيه عنِ البارّ

وإِن كانَ مع المُلوكِ على العَرْش

حَيثُ أَجلَسَهم لِلأَبَد فتَشامَخوا.

٨وإِذا أُوثِقوا بِالقُيود

وأُخِذوا في حِبالِ الشَّقاء

٩يُخبِرُهم بِأَعْمالِهم

ومَعاصيهم في تَجَبُّرِهم

١٠ويَفتَحُ آذانَهم لِلتَّأديب

ويَأمُرُهم بِالإِقْلاعِ عنِ الإِثْم.

١١فإِن سَمِعوا وأَطاعوا

قَضَوا أَيَّامَهم في الهناء

وسِنيهم في التَّنَعُّم

١٢وإِن لم يَسمَعوا عَبَروا القَناة

وفاضَت أَرْواحُهم وهُم لا يَعلَمون.

١٣لٰكِنَّ كُفَّارَ القُلوبِ يَدَّخِرونَ غَضَبَهم

ولا يَستَغيثونَ حينَ يُقَيِّدُهم.

١٤تَموتُ نُفوسُهم في الصِّبا

وتَنتَهي حَياتُهم بَينَ المأبونين.

١٥أَمَّا المِسْكينُ فيُخَلِّصُه بِبُؤسه

وبِالضَّغْطِ يَفتَحُ أُذُنَه.

١٦وأَنتَ أَيضًا يُبعِدُكَ عن فَمِ الشِّدَّة

إِلى مَكانٍ رَحْبٍ لا ضيقَ فيه

وأَطعِمَةُ مائِدَتِكَ مليئَةٌ بالدَّسَم.

١٧ولٰكِنَّكَ مَليءٌ بِحُكمِ الشِّرِّير

فالحُكمُ والقضاءُ يُمسِكانِكَ.

١٨إِحذَرْ أَن تَستَهوِيَكَ الوَفرة

وأَن تَحيدَ بِسَبَبِ رَشوَةٍ وافِرة.

١٩أَيَكْفيكَ يُسرُكَ؟ لا، ولا الذَّهَب

ولا جَميعُ أَرْكانِ القُوَّة.

٢٠لا تَتَشَوَّقْ إِلى اللَّيل

حَيثُ تَزولُ الشُّعوبُ فَجأَةً

٢١إِحذَرْ أَن تَتَّجِهَ إِلى الإِثْم

فإِنَّ ذٰلك ما فَضَّلتَه على البُؤْس.

نشيد في الحكمة القديرة

٢٢إِنَّ اللهَ مُتعالٍ بِقُدرَتِه

فمَن يُمَاثِلُه في المُعَلِّمين؟

٢٣مَن سَنَّ لَه طَريقَه

أَو قالَ له: «قد فَعَلتَ شَرًّا؟»

٢٤أُذكُرْ أَن تُعَظِّمَ عَمَلَه

الَّذي يُرَنِّمُ به الأَنام.

٢٥كُلُّ بَشَرٍ يَراه

والإِنْسانُ يُبصِرُه مِن بَعيد.

٢٦إِنَّ اللهَ عَظيمٌ فَوقَ ما نَعلَم

وعَدَدُ سِنيه لا يُحْصى.

٢٧يَجذِبُ قَطَراتِ الماء

ثُمَّ يُرَشِّحُها مَطَرًا لِسَيلِه

٢٨الَّذي تُفيضُه الغُيوم

وتَصُبُّه على جُمْهورِ البَشَر.

٢٩فهَل مَن يَفهَمُ ٱنتِشارَ الغُيوم

وقَصْفَ كوخِه؟

٣٠نَشَرَ بَرقَه حَولَه

وغَمَرَ أُسُسَ البَحْر.

٣١إِنَّه بِذٰلك يَدينُ الشُّعوب

ويَرزُقُهم طَعامًا وافِرًا.

٣٢يَكْسو كَفَّيهِ بِالبَرْق

ويأمُرُ لَه بِهَدَف،

٣٣ورَعدُه يُنبِئُ بِقُدومِه

والقَطيعُ نَفسُه يَشعُرُ بِٱقتِرابِه.

أيّوب ٣٧

١فلِذٰلكَ ٱرتَعَشَ قَلْبي

ووَثَبَ مِن مَكانِه.

٢إِسمَعوا قَصْفَ صَوتِه

والدَّوِيَّ الخارِجَ مِن فَمِه.

٣يُطلِقُه تَحتَ جَميعِ السَّمٰوات

وبَرقُه يَبلُغُ إِلى أَطْرافِ الأَرْض

٤ووَراءَه يُزَمجِرُ صَوت

يَرعُدُ بِصَوتِ جَلالِه

ولا يُمسِكُ صَواعِقَه

إِذا سُمِعَ صَوتُه.

٥يَرعُدُ اللهُ وما أَعجَبَ صَوتَه

يَصنَعُ عَظائِمَ لا تَعلَمُها.

٦يَقولُ لِلثَّلجِ: أُسقُطْ على الأَرْض

ولِوابِلِ المَطَرِ، لِوابِلِ أَمْطارِ عِزَّتِه

٧فيَختِمُ على يَدِ كُلِّ بَشَر

لِيَعلَمَ البَشَرُ ما صَنَعَه

٨ويَدخُلُ الوَحشُ عَرينَه

ويَستَقِرُّ في مَأواه.

٩تَخرُجُ الزَّوبَعَةُ مِن خِدْرِها

والبَردُ من رِياحِ الشَّمال.

١٠بِنَسمَةِ اللهِ يَحدُثُ الجَليد

ويَتَجَمَّدُ سَطحُ المِياه.

١١ثُمَّ إِنَّه يَشحَنُ الغُيومَ بِالنَّدى

والغَمامُ يَنشُرُ بَرْقَه

١٢فيَطوفُ مُتَقَلِّبًا كما يُديرُه

لِيَفعَلَ كُلَّ ما يَأمُرُه بِه

على وَجهِ مَعْمورِ الأَرْض

١٣إِمَّا لِأَجلِ قَبيلةٍ أو لِأَجلِ أَرضِه

أَو لِأَجلِ رَحمةٍ يُحَقِّقُه.

١٤فأَصغِ إِلى هٰذا يا أَيُّوب

وقِفْ وتأَمَّلْ عَجائِبَ الله.

١٥أَتعلَمُ كَيفَ يَتَحَكَّمُ اللهُ فيها

وكَيفَ يَجعَلُ بَرقَ غَمامِه يَلمَع؟

١٦أَتَعلَمُ مُوازَنَةَ الغُيوم

عَجائِبَ المَعرِفَةِ التَّامَّة؟

١٧أَنتَ الَّذي ثِيابُه دافِئَة

حينَ تَسكُنُ الأَرضُ مِن هُبوبِ الجَنوب

١٨أَتَستَطيعُ أَن تَبسُطَ معه الغُيوم

وهي صُلبَةٌ كالمِرآةِ المَسْبوكة؟

١٩عَلِّمْنا ماذا نَقولُ لَه

فإِنَّنا لا نُحاجُّ بِسَبَبِ الظَّلام.

٢٠هل يُنقَلُ إِلَيه إِذا تَكَلَّمتُ؟

هل يُبَلَّغُ إِذا تَكَلَّمَ إِنْسان؟

٢١والآنَ لا يُرى نورُه

إِذ إِنَّ الغُيومَ تُعَتِّمُه

ثُمَّ تَمُرُّ الرِّيح فتُبَدِّدُها.

٢٢مِنَ الشَّمالِ يأتي الذَّهَب

وحَولَ اللهِ بَهاءٌ مَهيب.

٢٣إِنَّنا لا نُدرِكُ القَدير

الرَّفيعَ القُوَّةِ والعَدْل

الكَثيرَ البِرِّ والَّذي لا يَظلِم.

٢٤فلِذٰلك يَرهَبُه الأَنام

ولا يُبالي بِكُلِّ حَكيمِ قَلْب».

أيّوب ٣٨

د – خُطَبُ الربّ

١. الخطاب الأوّل

الحكمة الخالقة تُفحِمُ أَيّوب

١فأَجابَ الرَّبُّ أَيُّوبَ مِنَ العاصِفَةِ وقال:

٢«مَن هٰذا الَّذي يُسَوِّدُ تَدْبيري

بِأَقْوالٍ لَيسَت مِنَ العِلمِ بِشَيء؟

٣شُدَّ وَسْطَكَ وكُنْ رَجُلًا

إِنِّي سائِلُكَ فأَخبِرْني.

٤أَينَ كُنتَ حينَ أَسَّستُ الأَرْض؟

تَكَلَّمْ إِن كُنتَ عالِمًا بالفِطنَة.

٥مَن وَضَعَ مَقاديرَها إِن كُنتَ تَعلَم

أَم مَن مَدَّ الحَبلَ علَيها؟

٦على أَيِّ شَيءٍ غُرِزَت قواعِدُها

أَم مَن وَضَعَ حَجَرَ زاوِيَتِها

٧إِذ كانَت كَواكِبُ الصُبحِ تُرَنِّمُ جَميعًا

وكُلُّ بَني اللهِ يَهتِفون؟

٨ومَن حَجَزَ البَحرَ بِمِصراعَين

حينَ ٱندَفَعَ خارِجًا مِنَ الرَّحِم

٩إِذ جَعَلتُ الغَمامَ لِباسًا لَه

والغَيمَ المُظلِمَ قِماطًا

١٠وفَرَضتُ عليه حُكْمي

وجَعَلتُ لَه مَغاليقَ ومِصراعَين

١١وقُلتُ: إِلى هُنا تأتي ولا تَتَعَدَّى

وهُنا يَقِفُ طُغْيانُ أَمواجِكَ؟

١٢أَأَنتَ في أَيَّامِكَ أَمَرتَ الصُّبْح

وعَرَّفتَ الفَجرَ مَكانَه

١٣لِيأخُذَ بِأَطْرافِ الأَرْض

فيُنفَضَ الأَشْرارُ عنها؟

١٤تَتَحَوَّلُ كطينِ الخاتَم

فيَقومُ كُلُّ شَيءٍ كأَنَّه مَكسُوٌّ بِالثِّياب

١٥ويُحرَمُ الأَشْرارُ نورَهم

وتُحَطَّمُ الذِّراعَ المُرتَفِعة.

١٦هل وَصَلتَ إِلى يَنابيعِ البَحْر

أَم جُلتَ في أَعْماقِ الغَمْر؟

١٧هل كُشِفَت لَكَ أَبْوابُ المَوت

أَم عايَنتَ أَبْوابَ ظِلالِ المَوت؟

١٨هل أَحَطتَ بِعَرضِ الأَرض؟

أَخبِرْ إِن كُنتَ عالِمًا بِكُلِّ ذٰلك.

١٩أَينَ الطَّريقُ إِلى مَقَرِّ النُّور؟

والظُّلْمَةُ أَينَ مَوضِعُها

٢٠لِتَذهَبَ بِهما إِلى أَرضِهما

وتَعرِفَ طُرُقَ مَسكِنِهما.

٢١تَعرِفُها لِأَنَّك كُنتَ قد وُلِدتَ

وعَدَدُ أَيَّامِكَ كَثير.

٢٢هل وَصَلتَ إِلى مَخازِنِ الثَّلْج

أَم عايَنتَ مَخازِنَ البَرَد

٢٣الَّتي ٱدَّخَرتُها لِأَوانِ الشِّدَّة

لِيَومِ الحَربِ والقِتال؟

٢٤بِأَيِّ طَريقٍ يَتَوَزَّعُ النُّور

وتَنتَشِرُ الرِّيحُ الشَّرقِيَّةُ على الأَرْض؟

٢٥مَن شَقَّ قَناةً لِوابِلِ المَطَر

وطَريقًا لِقَصفِ الرَّعْد

٢٦لِيُمطِرَ على أَرضٍ لا إِنْسانَ فيها

على قَفرٍ لا بَشَرَ فيه

٢٧لِيُروِيَ القِفارَ المُقفِرة

ويُنبِتَ فيها العُشْب؟

٢٨هل مِن أَبٍ لِلمَطَر

أَم مَن وَلَدَ قَطَراتِ النَّدى؟

٢٩مِن بَطنِ مَن خَرَجَ الجَليد

ومَن وَلَدَ صَقيعَ السَّماء؟

٣٠تَتَجَمَّدُ المِياهُ كالحِجارة

ويَتَماسَكُ وَجهُ الغَمْر.

٣١أَأَنتَ تَشُدُّ عُقَدَ الثُّرَيَّا

أَم أَنتَ تَحُلُّ حِبالَ الجَوزاء؟

٣٢أَتُطلِعُ النُّجومَ في أَوقاتِها

وتَهْدي النَّعشَ مع بَناتِه؟

٣٣هل عَلِمتَ أَحْكامَ السَّمٰوات

أَم جَعَلتَ لَها سُلْطانًا على الأَرْض؟

٣٤أَتَرفَعُ صَوتَكَ إِلى الغُيوم

فيُغَطِّيكَ غَمْرُ ماء؟

٣٥أَتُرسِلُ البُروقَ فتَنطَلِق

وتَقولُ لَكَ: «لَبَّيكَ؟»

٣٦مَن وَضَعَ الحِكمَةَ في أَبي المِنجَل

أَم مَن أَعْطى الدِّيكَ الفِطنَة؟

٣٧مَن يُحْصي الغُيومَ بِحِكمَتِه

ومَن يُميلُ زِقاقَ السَّمٰوات

٣٨إِذ يَتَلَبَّدُ التُّراب ويَتلاصَقُ المَدَر؟

٣٩أَتَصْطادُ لِلَّبُؤَةِ فَريسَتَها

وتُشبِعُ شَهِيَّةَ أَشْبالِها

٤٠حينَ تَربِضُ في العَرائِن

وتَقعُدُ في أَجَمَتِها كامِنَة؟

٤١مَن يَرزُقُ الغُرابَ صَيدَه

إِذ تَنعَبُ فِراخُه إِلى الله

وتَهيمُ لِعَوَزِ القُوت؟

أيّوب ٣٩

١هل عَلِمتَ مَتى تَلِدُ وُعولُ الصُّخور

أَم رَقَبتَ مَخاضَ الأَيائِل؟

٢هل حَسَبتَ أَشهُرَ حَمْلِها

وعَلِمتَ أَوانَ وَضعِها؟

٣تَجثِمُ فتَدْفَعُ أَولادَها

وتَتَخَلَّصُ مِن مَخاضِها.

٤ثُمَّ تَقْوى أَولادُها وتَكبَر

وتَخرُجُ إِلى البَرِّيَّةِ ولا تَعودُ إِلَيها.

٥مَن أَطلَقَ سَراحَ حِمَارِ الوَحْش

ومَن حَلَّ وُثُقَ الأَخدَرِيّ؟

٦جَعَلتُ البَرِّيَّةَ بَيتَه

والأَرضَ المالِحَةَ مَساكِنَه.

٧يَضحَكُ على جَلَبَةِ المُدُن

ولا يَسمَعُ صِياحَ الحَمَّار.

٨يَرْتادُ مَرْعاه في الجِبال

ويَلتَمِسُ كُلَّ خَضِر.

٩أَيَرْضى الثَّورُ الوَحشِيُّ أَن يَخدُمَكَ

أَم يَبيتُ عِندَ مَعلَفِكَ؟

١٠أَتَربِطُه بِحَبلٍ إِلى خَطِّ المِحْراث

أَم يُمَشِّطُ الأَودِيَةَ وَراءَكَ؟

١١أَتَتَّكِلُ على قُوَّتِه العَظيمَة

وتُفَوِّضُ إِلَيه أَعْمَالَكَ؟

١٢أَتَأتَمِنُه أَن يَستَغِلَّ ما زَرَعتَ

ويَجمَعَ بَيدَرَكَ؟

١٣جَناحُ النَّعامَةِ يُرَفرِف

ولا يُضاهي قَوادِمَ اللَّقلَقِ وريشَها

١٤فإِنَّها تَترُكُ بَيضَها على الأَرْض

وتَحضُنُه على التُّراب

١٥وتَنْسى أَنَّ الرِّجلَ تَطَأُه

وأَنَّ وَحشَ البَرِّيَّةِ يَدوسُه.

١٦تَقْسو على فِراخِها كأَنَّها لَيسَت لَها

فلا تَأسَفُ مِن ضَياعِ تَعَبِها

١٧لِأَنَّ اللهَ أَذهَبَ عنها الحِكمَة

ولم يَرزُقْها الفَهْم.

١٨لكِن إِذا ٱرتَفَعَت إِلى العُلُوّ

تَضحَكُ على الفَرَسِ وراكِبِه.

١٩أَأَنتَ الَّذي يُعْطي الفَرَسَ قُوَّةً

ويُقَلِّدُ عُنُقَه ٱرتِعاشًا

٢٠ويوثِبُه كالجَراد؟

إِنَّ مَهابَةَ صَهيلِه تُفزِع.

٢١يُكدِفُ في الوادي ويَمرَحُ نَشاطًا

ويَقتَحِمُ لِلِقاءِ السِّلاح.

٢٢يَضحَكُ على الذُّعْرِ ولا يَرهَب

ولا يَنهَزِمُ مِنَ السَّيف.

٢٣تُصَلصِلُ علَيه الجَعَبَة

وسِنانُ الرُّمحِ والمِزْراق.

٢٤في هَيَجانِه وفَورِه يَلتَهِمُ الأَرْض

ولا يَملِكُ نَفْسَه إِذا هَتَفَ البوق.

٢٥إِذا نُفِخَ في البوقِ يَقولُ: ها!

ويَستَشعِرُ القِتالَ عن بُعْد

وصِياحَ القُوَّادِ والهُتاف.

٢٦أَبِفِطنَتِكَ يَطيرُ البازي في الجَوّ

ويَبسُطُ جَناحَيه نَحوَ الجَنوب

٢٧أَم بِأَمرِكَ يُحَلِّقُ العُقاب

ويَجعَلُ وَكرَه في العَلاء؟

٢٨مَسكِنُه الصَّخرُ وفيه مَبيتُه

وعلى أَنفِ الصَّخرِ مَعقِلُه.

٢٩مِن هُناكَ يَبحَثُ عن قوتِه

وعَيناه تَرَيانِه مِن بَعيد.

٣٠فِراخُه تَعُبُّ الدِّماء

وحَيثُما كانَتِ القَتْلى فهُناكَ يَكون».

أيّوب ٤٠

١ووَاصَلَ الرَّبُّ كَلامَه إِلى أَيُّوبَ وقال:

٢«هل يُخاصِمُ القَديرَ لائِمُه

ويُجيبُ اللهَ مُوَبِّخُه؟»

٣فأَجابَ أَيُّوبُ الرَّبَّ وقال:

٤«تَكَلَّمتُ بِطَيشٍ فبماذا أُجيبُكَ؟

إِنِّي أَجعَلُ يَدي على فَمي.

٥قد تَكَلَّمتُ مَرَّةً فلا أُجيب

ومَرَّتَينِ فلا أَزيد».

٢. الخطاب الثاني

سيطرة الله على قوى الشرّ

٦فأَجابَ الرَّبُّ أَيُّوبَ مِنَ العاصِفَةِ وقال:

٧«شُدَّ وَسْطَكَ وكُنْ رَجُلًا

إِنِّي سائِلُكَ فأَخبِرْني:

٨أَلَعلَّكَ تَنقُضُ قضائي؟

أَتُؤَثِّمُني لِتُبَرِّرَ نَفْسَكَ؟

٩أَلَكَ مِثلُ ذِراعِ الله؟

أَتَرعُدُ بِمِثْلِ صَوتِه؟

١٠فَتَزَيَّنْ بِالعَظَمَةِ والسُّمُوّ

وتَسَربَلْ بِالمَهابَةِ والكَرامة.

١١صُبَّ فُيوضَ غَضَبِكَ

وٱنظُرْ إِلى كُلِّ مُتَعَظِّمٍ وٱخفِضْه.

١٢أُنظُرْ إِلى كُلِّ مُتَعَظِّمٍ وذَلِّلْه

وٱسحَقِ الأَشْرارَ في مَواضِعِهم.

١٣إِطمِرْهُم في التُّرابِ مَعًا

وٱحبِسْ وُجوهَهم في الحُفرَة.

١٤حينَئِذٍ أَمدَحُكَ أَنا أَيضًا

لِأَنَّ يَمينَكَ تُخَلِّصُكَ.

١٥أُنظُرْ إِلى بَهيموتَ الَّذي صَنَعتُه مِثلَكَ

إِنَّه يَأكُلُ العُشبَ مِثلَ الثَّور.

١٦قُوَّتُه في مَتنَيه

وشِدَّتُه في عَضَلِ بَطنِه.

١٧يَشُدُّ ذَنَبَه كالأَرْز

وأَعْصابُ فَخذَيه مَحْبوكة.

١٨عِظامُه أَنابيبُ مِن نُحاس

وأَضْلاعُه حَديدٌ مُطَرَّق.

١٩هو أَوَّلُ طُرُقِ اللهِ في الخَلْق

وصانِعُه يُعمِلُ السَّيفَ فيه.

٢٠فالجِبالُ تُخرِجُ لَه الطَّعام

وحَولَه تَلعَبُ جَميعُ وُحوشِ البَرِّيَّة.

٢١يَربِضُ تَحتَ عَرائِسِ النِّيل

ويَختَبِئُ تَحتَ القَصَبِ في المُستَنقَع.

٢٢تُخَيِّمُ علَيه عَرائِسُ النِّيلِ بِظِلِّها

ويُحيطُ بِه صَفْصافُ الوادي.

٢٣إِن طَغى علَيه النَّهرُ لم يَحفَلْ.

هو مُطمَئِنٌّ ولَوِ ٱندَفَقَ أُردُنٌّ في فَمِه.

٢٤فمَن يَصطادُه مُواجَهَةً

ويَثقُبُ أَنفَه بِأَوتاد.

لَوِياثان

٢٥أَمَّا لَوِياثان أَفتُمسِكُه بِشِصّ

أَم تَربِطُ لِسانَه بِحَبْل؟

٢٦أَتَجعَلُ في أَنْفِه أَسَلَة

وتَثقُبُ فَكَّه بِكُلَّاب؟

٢٧أَيُكثِرُ إِلَيكَ مِنَ التَّضَرُّعات

أَم يُخاطِبُكَ بِالِٱستِعْطاف؟

٢٨أَيَقطَعُ مَعَكَ عَهْدًا

فتَتَّخِذُه لَكَ عَبْدًا مُؤَبَّدًا؟

٢٩أَتُلاعِبُه كالعُصْفور

وتَربِطُه لُعبَةً لِبَناتِكَ؟

٣٠أَيُتاجِرُ بِه شُرَكاء

ويُوَزِّعونَه على التُّجَّار؟

٣١أَتُسخِنُ جِلدَه بِالأَسِنَّة

ورَأسَه بِحِرابِ الحوت؟

٣٢ضَعْ يَدَكَ علَيه: تَذَكَّرِ القِتالَ فلَن تَعود.

أيّوب ٤١

١لقَد خابَ أَمَلُ صَيَّادِه

أَفلا يُصرَعُ الإِنسانُ لِمُجَرَّدِ رُؤيَتِه؟

٢لا يَجرُؤُ أَحَدٌ أَن يُثيرَه

فمَنِ الَّذي يَقِفُ أَمامَ وَجْهي؟

٣مَن بادَأَني بِنِعمَةٍ فأُوفِيَ لَه؟

وكُلُّ ما تَحتَ السَّمٰواتِ هو لي.

٤إِنِّي لا أَسكُتُ عن وَصْفِ أَعْضائِه

وبَيانِ مآثِرِه وحُسنِ بِنيَتِه.

٥مَن كَشَفَ مُقَدَّمَ لِباسِه

ومَن يَدخُلُ بَينَ صَفَّي دِرعِه؟

٦مَن فَتَحَ مِصْراعَي فَمِه؟

إِنَّ دائِرَةَ أَسْنانِه هائِلَة.

٧ظَهرُه صُفوفُ تُروس

مَخْتومةٍ بِخَتمٍ مُلَزَّز

٨يَنضَمُّ بَعضُها إِلى بَعْض

فلا تَتَسَلَّلُ الرِّيحُ بَينَها.

٩كُلٌّ مِنها مُلتَصِقَةٌ بِالأُخْرى

فهِي مُتَماسِكَةٌ لا تَنفَصِل.

١٠عُطاسُه يَقدَحُ النُّور

وعَيناه كأَجْفانِ الفَجْر.

١١تَخرُجُ مِن فَمِه مَشاعِل

ويَتَطايَرُ مِنه شَرَرُ النَّار.

١٢ومِن مِنخَرَيه يَنبَعِثُ دُخان

كأَنَّه مِن قِدْرٍ تَغْلي على النَّار.

١٣نَفَسُه يُضرِمُ الجَمْر

ومِن فَمِه يَخرُجُ لَهيب.

١٤في عُنُقِه تَكمُنُ القُوَّة

وأَمامَه يَعْدو الهَوْل.

١٥مَطاوي لَحمِه مُتَلاصِقَة

مَسْبوكةٌ علَيه لا تَتَزحزَح.

١٦قَلبُه صُلْبٌ كالحَجَر

وقاسٍ كالرَّحى السُّفْلى.

١٧عِندَ نُهوضِه تَرْتاعُ الآلِهة

ومِنَ الذُّعرِ يَنصَرِفون.

١٨لا يَثبُتُ السَّيفُ الَّذي يُصيبُه

ولا الرُّمحُ ولا المِزْراقُ ولا السِّنان.

١٩يَحسَبُ الحَديدَ تِبْنًا

والنُّحاسَ خَشَبًا مُسوِّسًا.

٢٠لا يُهزِمُه صاحِبُ القَوس

وحِجارَةُ المِقْلاعِ تَنقَلِبُ قَشًّا.

٢١يَحسَبُ المِطرَقَةَ قَشًّا

ويَضحَكُ على ٱهتِزازِ الحَربَة.

٢٢مِن تَحتِه شَقَفٌ مُحَدَّد.

كالمُشطِ يَزحَفُ على الطِّين.

٢٣يُغْلي الهاوِيَةَ كالمِرجَل

ويُحَوِّلُ البَحرَ إِلى قِدرِ طيب.

٢٤يَخُطُّ وراءَه سبيلًا نَـيِّرًا

فيُحسَبُ الغَمْرُ شَعَرًا أَشيَب.

٢٥لَيسَ لَه في الأَرضِ مَثيل

وقد طُبِعَ على عَدَمِ الخَوف.

٢٦يُسَدِّدُ نَظَرَه إِلى كُلِّ مُتَعالٍ

وهو مَلِكٌ على جَميعِ بَني الكِبرِياء».

أيّوب ٤٢

جواب أيّوب الأخير

١فأَجابَ أَيُّوبُ الرَّبَّ وقال:

٢«قد عَلِمتُ أَنَّك قادِرٌ على كُلِّ شَيء

فلا يَستَحيلُ علَيكَ مُراد.

٣ مَن ذا الَّذي يُخْفي التَّدْبيرَ في غَيرِ عِلْم؟

إِنِّي قد أَخبَرتُ مِن غَيرِ أَن أُدرِك

بِعَجائِبَ تَفوقُني ولا أَعلَم.

٤إِسمَعْ فأَتَكَلَّم

أَسأَلُكَ فأَخبِرْني.

٥كُنتُ قد سَمِعتُكَ سَمعَ الأُذُن

أَمَّا الآنَ فعَيني قد رَأَتكَ.

٦فلِذٰلك أَرجعُ عن كَلامي

وأَندَمُ في التُّرابِ والرَّماد».

هــ – الخاتمة

الربّ يلوم الحكماء الثلاثة

٧وكانَ، بَعدَ أَن كَلَّمَ الرَّبُّ أَيُّوبَ بِهٰذا الكَلامِ، أَن قالَ لِأَليفازَ التَّيمانِيّ: «إِنَّ غَضَبي قدِ ٱضطَرَمَ علَيكَ وعلى كِلا صاحِبَيكَ، لِأَنَّكم لم تَتَكَلَّموا علَيَّ بِحَسَبِ الحَقِّ كعَبْدي أَيُّوب. ٨فخُذوا الآنَ لَكم سَبعَةَ ثيرانٍ وسَبعَةَ كِباش، وٱذهَبوا إِلى عَبْدي أَيُّوب، وأَصعِدوا مُحرَقةً عنكم، وعَبْدي أَيُّوبُ يُصَلِّي مِن أَجلِكم، فإِنِّي أَرفَعُ وَجهَه ولا أُعامِلُكم بِحَسَبِ حَماقَتِكم، لِأَنَّكم لم تَتَكلَّموا علَيَّ بِحَسَبِ الحَقِّ كَعَبْدي أَيُّوب». ٩فذَهَبَ أَليفازُ التَّيمانِيُّ وبِلدَدُ الشُّوحِيُّ وصوفَرُ النَّعماتِيّ، وصَنَعوا ما أَمَرهمُ الرَّبُّ، ورَفَعَ الرَّبُّ وَجهَ أَيُّوب.

الرَّبّ يَرُدُّ لِأَيُّوب ثروته

١٠وأَعادَ الرَّبُّ لِأَيُّوبَ مَكانَتَه، لِأَنَّه صلَّى لأَجلِ أَصدِقائِه. وزادَ اللهُ أَيُّوبَ ضِعفَ ما كانَ لَه قَبلًا. ١١وزارَه جَميعُ إِخوَتِه وأَخَواتِه وكُلُّ مَن كانَ يَعرِفُه مِن قَبلُ، وأَكَلوا معَه خُبزًا في بَيتِه، ورَثَوا لَه وعَزَّوه عن كُلِّ المُصيبَةِ الَّتي أَنزَلَها الرَّبُّ بِه، وأَهْدى لَه كُلٌّ مِنهم فِضَّةً وخُرصًا مِن ذَهَب. ١٢وبارَكَ الرَّبُّ آخِرَةَ أَيُّوبَ أَكثَرَ مِن أُولاه. فكانَ لَه مِنَ الغَنَمِ أَربَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا، ومِنَ الإِبلِ سِتَّةُ آلاف، وأَلفُ فَدَّانٍ مِنَ البَقَر وأَلفُ أَتان. ١٣وكانَ لَه سَبعَةُ بَنينَ وثَلاثُ بَنات. ١٤وسَمَّى الأُولى يَمَامة والثَّانِيَةَ صَبْرًا والثَّالِثَةَ قَرنَ كُحْل. ١٥ولم توجَدْ نِساءٌ في الحُسْنِ كبَناتِ أَيُّوبَ في الأَرضِ كُلِّها. وأَعطاهُنَّ أَبوهُنَّ ميراثًا بَينَ إِخوَتِهنَّ.

١٦وعاشَ أَيُّوبُ بَعدَ هٰذا مِئَةً وأَربَعينَ سَنَةً، ورأَى بَنيه وبَني بَنيه إِلى أَربَعَةِ أَجْيال. ١٧ثُمَّ ماتَ أَيُّوبُ شَيخًا كَبيرًا قد شَبِعَ مِنَ الأَيَّام.