اختر صفحة

سِفْرُ التَّكْوين

إنجيل متّى


الحواشي:

١ تشتمل مقدّمة الإنجيل، بعد نسب يسوع (متى ١/١-١٧)، على خمسة مشاهد تتناوب فيها أحلام يوسف (متى ١/١٨-٢٥؛ متى ٢/١٣-١٥؛ متى ٢/١٩-٢٣) وتدخّلات هيرودس (متى ٢/١-١٢ و١٦-١٨). في روايات الطفولة تقليدان أحدهما يتعلّق بهيرودس والآخر بيوسف، وهما مستقلّان الواحد عن الآخر من حيث الإنشاء والبنية والمضمون.

٢ الترجمة اللفظيّة: كتاب تكوين يسوع المسيح. يقتدي متّى بعنوان رواية سلالة الإنسان الأوّل («هذا كتاب سلالة آدم»: تك ٥/١)، فيوحي بأنّ يسوع يفتتح كتاب تكوين جديد، لأنّه آدم الجديد (راجع لو ٣/٣٨). إلّا أنّ التاريخ المرويّ هنا يفيدنا عن نسب يسوع، في حين أنّ سِفر التكوين يركّز على نسل آدم: ففي يسوع يتمّ معنى تاريخ إسرائيل. عن الفرق القائم بين نسب متّى ونسب لوقا، راجع لو ٣/٢٣+.

التكوين ١

التكوين ٧

التكوين ١٣

التكوين ١٩

التكوين ٢٥

التكوين ٣١

التكوين ٣٧

التكوين ٤٣

التكوين ٤٩

التكوين ٢

التكوين ٨

التكوين ١٤

التكوين ٢٠

التكوين ٢٦

التكوين ٣٢

التكوين ٣٨

التكوين ٤٤

التكوين ٥٠

التكوين ٣

التكوين ٩

التكوين ١٥

التكوين ٢١

التكوين ٢٧

التكوين ٣٣

التكوين ٣٩

التكوين ٤٥

التكوين ٤

التكوين ١٠

التكوين ١٦

التكوين ٢٢

التكوين ٢٨

التكوين ٣٤

التكوين ٤٠

التكوين ٤٦

التكوين ٥

التكوين ١١

التكوين ١٧

التكوين ٢٣

التكوين ٢٩

التكوين ٣٥

التكوين ٤١

التكوين ٤٧

التكوين ٦

التكوين ١٢

التكوين ١٨

التكوين ٢٤

التكوين ٣٠

التكوين ٣٦

التكوين ٤٢

التكوين ٤٨

التكوين ١

التكوين ٢

التكوين ٣

التكوين ٤

التكوين ٥

التكوين ٦

التكوين ٧

التكوين ٨

التكوين ٩

التكوين ١٠

التكوين ١١

التكوين ١٢

التكوين ١٣

التكوين ١٤

التكوين ١٥

التكوين ١٦

التكوين ١٧

التكوين ١٨

التكوين ١٩

التكوين ٢٠

التكوين ٢١

التكوين ٢٢

التكوين ٢٣

التكوين ٢٤

التكوين ٢٥

التكوين ٢٦

التكوين ٢٧

التكوين ٢٨

التكوين ٢٩

التكوين ٣٠

التكوين ٣١

التكوين ٣٢

التكوين ٣٣

التكوين ٣٤

التكوين ٣٥

التكوين ٣٦

التكوين ٣٧

التكوين ٣٨

التكوين ٣٩

التكوين ٤٠

التكوين ٤١

التكوين ٤٢

التكوين ٤٣

التكوين ٤٤

التكوين ٤٥

التكوين ٤٦

التكوين ٤٧

التكوين ٤٨

التكوين ٤٩

التكوين ٥٠

سِفْرُ التَّكْوين

مدخل

يروي لنا سفر التكوين وهو أوّل أسفار العهد القديم، كيف نشأ العالم وكيف بدأ عمل الله في البشريّة. إنّه جزء من التوراة (أو شريعة موسى)، ومع ذلك يحتوي في جوهره على روايات تتعلّق بأجداد شعب إسرائيل وآبائه، ويفتتح تاريخًا يستمرّ إلى اليوم، ولا يهمّ الشعب اليهوديّ وكنيسة المسيح وحسب، بل البشريّة كلّها.

لقد جُمعت الأحداث التي يرويها عن حياة الآباء بشكل يدلّ على أنّ الله تدخّل من دون انقطاع في حياة إبراهيم وأسرته ليُعدَّ خلاص العالم. لذلك سبق تلك الأحداث تمهيد يحدّد مكان إبراهيم وذريّته من شعوب الأرض ويحتوي على فصول من أشهر فصول الكتاب المقدّس، كالخَلْق وآدم وحوّاء والطوفان وبرج بابل إلخ، راسمًا صورةً مصغَّرة رائعة لمسيرة البشريّة وما تُقدِم عليه أو تفشل فيه من مشاريع في هذه الدنيا.

مَن أراد أن يفهم هذا الكتاب كما يجب ويدركَ معنى الروايات الواردة فيه، وجب عليه أن يفهمه في ديناميّته، من دون أن يقطّعه إلى أجزاء لا صلة لبعضها ببعضها الآخر. قد نقرأ باهتمام بعض صفحات من أشهر صفحات التكوين، لكن لا بُدَّ لنا من التذكّر هنا أنّ سفر التكوين لا يُشكِّل مؤلَّفًا ينفرد بتاريخ زمن الآباء، بل هو عبارة عن بداية وحدة إجماليّة واسعة تروي كيف أنّ الله كوَّن لنفسه، بين أمم الأرض، شعبًا كُتب له أن يصبحَ شاهدًا له. ولا بدّ من التذكّر أيضًا أنّ سفر التكوين لم يؤلَّف دفعةً واحدة، بل جاءَ نتيجة عمل أدبيّ استمرّ عدّة أجيال. فهو يعكس الاختبارات الأليمة التي مرّ بها أحيانًا بنو إبراهيم الذين يروون لنا حياة أجدادهم، ويفترض أنّ هناك تقليدًا حيًّا لم يَزَلْ يُقرأ بالنسبة إلى تقلّبات تاريخ إسرائيل. والنصّ الحاليّ لا يُفهم، ما لم يُؤخَذ بعين الاعتبار ما هنالك من استئنافات ضروريّة للعمل الإلٰهيّ في رعاية شعب إسرائيل. وهذا ما نلمسه في الكتابات المتتالية التي كوّنت النصّ المقدّس. لكنّ هذه الكتابات لم تُبطل المحاولات الأوّليّة التي قامت عليها، بل أغنَتها بنصوص موحاة جديدة.

التكوين ١

١. نشأة العالم والبشريّة

آ- خَلْق العالَم وزلّة الإنسان

الرواية الأولى لِخَلْق العالم

١في البَدءِ خلَقَ اللهُ السَّمَواتِ والأَرض

٢وكانَتِ الأَرضُ خاوِيةً خالِية

وعلى وَجهِ الغَمْرِ ظَلام

ورُوحُ اللهِ يُرِفُّ على وَجهِ المِياه.

٣وقالَ الله: «لِيَكُنْ نور»، فكانَ نور.

٤ورأَى اللهُ أَنَّ النورَ حَسَن.

وفصَلَ اللهُ بَينَ النُّورِ والظَّلام

٥وسمَّى اللهُ النُّورَ نهارًا، والظَّلامُ سمَّاه لَيلًا.

وكانَ مَساءٌ وكانَ صَباح: يَومٌ أَوَّل.

٦وقالَ الله: «لِيَكُنْ جَلَدٌ في وَسَطِ المِياه،

وَلْيَكُنْ فاصِلًا بينَ مِياهٍ ومِياه».

فكانَ كذٰلك.

٧وصَنَعَ اللهُ الجَلَد وفَصَلَ بَينَ المِياهِ الَّتي تَحتَ الجَلَد والمِياهِ الَّتي فَوقَ الجَلَد

٨وسَمَّى اللهُ الجَلَدَ سَماء.

كانَ مَساءٌ وكانَ صَباح: يَومٌ ثانٍ.

٩وقالَ الله: «لِتَتَجمَّعِ المِياهُ الَّتي تَحتَ السَّماءِ في مَكانٍ واحِد، وَلْيَظْهَرِ اليَبَس».

فكانَ كذٰلك.

١٠وسَمَّى اللهُ اليَبَسَ أَرضًا

وتَجَمُّعُ المِياهِ سَمَّاه بِحارًا.

ورأَى اللهُ أَنَّ ذٰلك حَسَن.

١١وقالَ الله: «لِتُنْبِتِ الأَرضُ نَباتًا

عُشْبًا يُخرِجُ بِزْرًا

وشَجَرًا مُثمِرًا يُخرِجُ ثَمَرًا بِحَسَبِ صِنفِه

بِزرُه فيه على الأَرض».

فكانَ كذٰلك.

١٢فأَخرَجَتِ الأَرضُ نَباتًا

عُشْبًا يُخرِجُ بِزْرًا بِحَسَبِ صِنفِه

وشَجَرًا يُخرِجُ ثَمَرًا بِزرُه فيه بِحَسَبِ صِنفِه.

ورأَى اللهُ أَنَّ ذٰلِكَ حَسَن.

١٣وكانَ مَساءٌ وكانَ صَباح: يَومٌ ثالِث.

١٤وقالَ الله: «لِتَكُنْ نَـيِّراتٌ في جَلَدِ السَّماء لِتَفصِلَ بينَ النَّهارِ واللَّيل

وتَكونَ عَلاماتٍ لِلمَواسِمِ والأَيَّامِ والسِّنين

١٥وتَكونَ نَـيِّراتٍ في جَلَدِ السَّماء

لِتُضيءَ على الأَرض».

فكانَ كذٰلك.

١٦فصَنَعَ اللهُ النَّــيِّرَينِ العَظيمَيْن:

النَيِّرَ الأَكبَرَ لِحُكمِ النَّهار

والنَّــيِّرَ الأَصغَرَ لِحُكْمِ اللَّيل

والكَواكِبَ

١٧وجَعَلَها اللهُ في جَلَدِ السَّماءِ

لِتُضيءَ على الأَرض

١٨لِتَحكُمَ على النَّهارِ واللَّيل

وتَفصِلَ بَينَ النُّورِ والظَّلام.

ورأَى اللهُ أَنَّ ذٰلك حَسَن.

١٩وكانَ مَساءٌ وكانَ صَباح: يَومٌ رابِع.

٢٠وقالَ الله: «لِتَعِجَّ المِياهُ عَجًّا

مِن ذَواتِ أَنفُسٍ حَيَّة

ولْتَكُنْ طُيورٌ تَطيرُ فَوقَ الأَرضِ

على وَجهِ جَلَدِ السَّماء».

٢١فخَلَقَ اللهُ الحِيتانَ العِظام

كُلَّ مُتَحَرِّكٍ مِن كُلِّ ذي نَفْسٍ حَيَّةٍ

عَجَّت بِه المِياهُ بِحَسَبِ أَصْنافِه

وكُلَّ طائرٍ ذي جَناحٍ بِحَسَبِ أَصْنافِه.

ورأَى اللهُ أَنَّ ذٰلك حَسَن.

٢٢وبارَكَها اللهُ قائلًا:

«اِنْمي وٱكْثُري وٱمْلَإي المِياهَ في البِحار

وَلْتَكْثُرِ الطُّيورُ على الأَرض».

٢٣وكانَ مَساءٌ وكانَ صَباح: يَومٌ خامِس.

٢٤وقالَ الله: «لِتُخرِجِ الأَرضُ ذَواتِ أَنفُسٍ حَيَّةٍ بِحَسَبِ أَصْنافِها:

بَهائِمَ وحيواناتٍ دابَّةً ووُحوشَ أَرضٍ بِحَسَبِ أَصْنافِها».

فكانَ كذٰلك.

٢٥فصَنَعَ اللهُ وُحوشَ الأَرضِ بِحَسَبِ أَصْنافِها

والبَهائِمَ بِحَسَبِ أَصْنافِها

وجَميعَ الحَيَواناتِ الَّتي تَدِبُّ على الأَرضِ بِحَسَبِ أَصْنافِها.

ورأَى اللهُ أَنَّ ذٰلك حَسَن.

٢٦وقالَ الله: «لِنَصنَعِ الإِنسانَ

على صُورَتِنا كَمِثالِنا

وَلْيَتَسَلَّطْ على أَسْمَاكِ البَحرِ وطُيورِ السَّماء

والبَهائِمِ وجَميعِ وحُوشِ الأَرض

وجميعِ الحَيَواناتِ الَّتي تَدِبُّ على الأَرض».

٢٧فَخَلَقَ اللهُ آدمَ على صُورَتِه

على صُورَةِ اللهِ خَلَقَه

ذَكَرًا وأُنْثى خَلَقَهم

٢٨وبارَكَهُمُ اللهُ وقالَ لهم:

«اِنْمُوا وٱكْثُروا وٱمْلَأُوا الأَرضَ وأَخضِعوها وَتَسَلَّطوا على أَسْماكِ البَحرِ وطُيورِ السَّماءِ وَكُلِّ حَيَوانٍ يَدِبُّ على الأَرض».

٢٩وقالَ الله: «ها قد أَعطَيتُكم كُلَّ عُشبٍ يُخرِجُ بِزرًا على وَجهِ الأَرضِ كُلِّها

وكُلَّ شَجَرٍ فيه ثَمَرٌ

يُخرِجُ بِزرًا يَكونُ لَكم طَعامًا.

٣٠ولِجَميعِ وحُوشِ الأَرضِ وجَميعِ طُيورِ السَّماء، وجَميعِ ما يَدِبُّ على الأَرضِ

مِمَّا فيه نَفْسٌ حَيَّة

أَعطَيتُ كُلَّ عُشْبٍ أَخضَرَ مأكَلًا».

فكان كذٰلك.

٣١ورأَى اللهُ جَميعَ ما صَنَعَه فإذا هو حَسَنٌ جِدًّا.

وكانَ مَساءٌ وكان صَباح: يَومٌ سادِس.

التكوين ٢

١وهٰكذا أُكمِلَتِ السَّمَواتُ والأَرضُ وجَميعُ قُوَّاتِها. ٢وٱنْتَهى اللهُ في اليَومِ السَّابِعِ مِن عَمَلِه الَّذي عَمِلَه، وٱستَراحَ في اليَومِ السَّابِعِ من كُلِّ عَمَلِه الَّذي عَمِلَه. ٣وبارَكَ اللهُ اليَومَ السَّابِعَ وقَدَّسَه، لِأَنَّه فيه ٱستَراحَ مِن كُلِّ عَمَلِه الَّذي عَمِلَه خالِقًا.

٤تِلكَ هي نَشأَةُ السَّمَواتِ والأَرضِ حينَ خُلِقَت.

الرواية الثانية لِخَلْق العالم

يَومَ صَنَعَ الرَّبُّ الإِلٰهُ الأَرضَ والسَّمَوات، ٥لم يَكُنْ في الأَرضِ شِيحُ الحُقول، ولَم يَكُنْ عُشْبُ الحُقولِ قَد نَبَت، لِأَنَّ الرَّبَّ الإِلٰهَ لم يَكُنْ قد أَمطَرَ على الأَرض، ولَمْ يَكُنْ فيها إِنسانٌ لِيَحرُثَ الأَرض. ٦وكانَ يَصعَدُ مِنها سَيلٌ فَيَسْقي كُلَّ وَجهِها. ٧وجَبَلَ الرَّبُّ الإِلٰهُ الإِنسانَ تُرابًا مِنَ الأَرض ونَفَخَ في أَنفِه نَسَمَةَ حَياة، فصارَ الإِنسانُ نَفْسًا حَيَّة.

٨وغَرَسَ الرَّبُّ الإِلٰهُ جَنَّةً في عَدْنٍ شَرْقًا وجَعَلَ هُناكَ الإِنسانَ الَّذي جَبَلَه. ٩وأَنْبَتَ الرَّبُّ الإِلٰهُ مِنَ الأَرضِ كُلَّ شَجَرَةٍ حَسَنَةِ المَنظَر وطَيِّبَةِ المأكَل وشَجَرَةَ الحَياةِ في وَسَطِ الجَنَّة وشَجَرَةَ مَعرِفَةِ الخَيرِ والشَّرّ. ١٠وكانَ نَهرٌ يَخرُجُ مِن عَدْنٍ فَيسْقي الجَنَّة ومِن هُناكَ يَتَشَعَّبُ فيَصيرُ أَربَعَةَ فُروع، ١١اِسمُ أَحَدِها فِيشون وهو المُحيطُ بِكُلِّ أَرضِ الحَويلَةِ حَيثُ الذَّهب. ١٢وذَهَبُ تِلكَ الأَرضِ جَيِّد. هُناكَ المُقْلُ وحَجَرُ الجَزْع. ١٣وَٱسمُ النَّهرِ الثاني جِيحون وهو المُحيطُ بِكُلِّ أَرضِ الحَبَشة. ١٤وٱسمُ النَّهرِ الثَّالِثِ دِجلَة وهو الجاري في شَرقِيِّ أَشُّور. والنَّهرُ الرَّابِعُ هو الفُرات. ١٥وأَخَذَ الرَّبُّ الإِلٰهُ الإِنسانَ وجَعَلَه في جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَفلَحَها ويَحرُسَها. ١٦وأَمَرَ الرَّبُّ الإِلٰهُ الإِنسانَ قائلًا: «مِن جَميعِ أشْجارِ الجَنَّةِ تأكُل، ١٧وأَمَّا شَجَرَةُ مَعرِفَةِ الخَيرِ والشَّرّ فلا تَأْكُلْ مِنها، فإِنَّكَ يَومَ تأكُلُ مِنها تَموتُ مَوتًا».

١٨وقالَ الرَّبُّ الإِلٰه: «لا يَحسُنُ أَن يَكونَ الإِنسانُ وَحدَه، فلَأَصنَعَنَّ له عَونًا يُناسِبُه». ١٩وجَبَلَ الرَّبُّ الإِلٰهُ مِنَ الأَرضِ جَميعَ حَيَواناتِ الحُقول وجَميعَ طُيورِ السَّماء، وأتى بِها الإنسانَ لِيَرى ماذا يُسَمِّيها. فكُلُّ ما سمَّاه الإِنسانُ من نَفْسٍ حَيَّةٍ فهوَ ٱسمُه. ٢٠فأَطلَقَ الإِنسانُ أَسْماءً على جَميعِ البهائِمِ وطُيورِ السَّماءِ وجَميعِ وحُوشِ الحُقول. وأَمَّا الإِنسانُ فلَم يَجِدْ لِنَفسِه عَونًا يُناسِبُه. ٢١فأَوقَعَ الرَّبُّ الإِلٰهُ سُباتًا عَميقًا على الإِنسانِ فنام. فأَخَذَ إِحْدى أَضْلاعِه وسَدَّ مَكانَها بِلَحْم. ٢٢وبَنى الرَّبُّ الإِلٰهُ الضِّلْعَ الَّتي أَخَذَها مِنَ الإِنسانِ ٱمرَأَةً، فأتى بِها الإِنسان.

٢٣فقالَ الإِنسان:

«هذهِ المَرَّةَ هي عَظْمٌ مِن عِظامي

ولَحْمٌ مِن لَحْمي.

هذه تُسَمَّى ٱمرَأَةً

لِأَنَّها مِنِ ٱمرِئٍ أُخِذَت»

٢٤ولِذٰلِكَ يَترُكُ الرَّجُلُ أَباه وأُمَّه ويَلزَمُ ٱمرَأَتَه فيَصيرانِ جَسَدًا واحِدًا.

٢٥وكانا كِلاهُما عُريانَين، الإِنسانُ وٱمرَأَتُه، وهُما لا يَخْجَلان.

التكوين ٣

إمتحان الحرّيّة والزلَّة

١وكانتِ الحيَّةُ أَحيَلَ جَميعِ حَيَواناتِ الحُقولِ الَّتي صنَعَها الرَّبُّ الإِلٰه. فقالَتْ لِلْمَرأَة: «أَيقينًا قالَ الله: لا تأكُلا مِن جَميعِ أَشْجارِ الجَنَّة؟» ٢فقالَتِ المَرأَةُ لِلحَيَّة: «مِن ثَمَرِ أَشْجارِ الجَنَّةِ نأكُل، ٣وأَمَّا ثَمَرُ الشَّجَرَةِ الَّتي في وَسَطِ الجَنَّة، فقالَ الله: لا تَأْكُلا مِنه ولا تَمَسَّاه كَيلا تَموتا». ٤فقالتِ الحَيَّةُ لِلمَرأَة: «مَوتًا لا تَموتان، ٥فاللهُ عالِمٌ أَنَّكُما في يَومِ تأكُلانِ مِنه تَنفَتِحُ أَعيُنُكُما وتَصيرانِ كآلِهَةٍ تَعرِفانِ الخَيرَ والشَّرّ». ٦ورَأَتِ المَرأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ طَيِّبَةٌ لِلأَكْلِ ومُتعَةٌ لِلعُيون وأَنَّ الشَّجَرَةَ مُنْيَةٌ لِلتَّعَقُّل. فأَخَذَت مِن ثَمَرِها وأَكَلَت وأَعْطَت أَيضًا زَوجَها الَّذي مَعَها فأَكَل. ٧فٱنفَتَحَت أَعيُنُهما فعَرَفا أَنَّهما عُريانان. فَخاطا مِن وَرَقِ التِّين وصَنَعا لَهُما مِنه مَآزِر. ٨فسَمِعا وَقْعَ خُطى الرَّبِّ الإِلٰهِ وهو يَتَمَشَّى في الجَنَّةِ عِنْدَ نَسيمِ النَّهار، فٱختَبَأَ الإِنسانُ وٱمرَأَتُه مِن وَجهِ الرَّبِّ الإِلٰهِ فيما بَيْنَ أَشْجَارِ الجَنَّة. ٩فنادى الرَّبُّ الإِلٰهُ الإِنسانَ وقالَ له: «أَيْنَ أَنتَ؟» ١٠قال: «إِنِّي سَمِعتُ وَقْعَ خُطاكَ في الجَنَّة فخِفْتُ لِأَنِّي عُرْيانٌ فٱختَبَأتُ». ١١«قال: «فَمَن أَعلَمَك أَنَّكَ عُرْيان؟ هل أَكَلتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتي أَمَرتُكَ أَلَّا تَأكُلَ مِنها؟» ١٢فقالَ الإِنسان: «المَرأَةُ الَّتي جَعَلْتَها معي هي أَعْطَتْني مِنَ الشَّجَرةِ فأَكَلتُ». ١٣فقالَ الرَّبُّ الإِلٰهُ لِلمَرأَة: «ماذا فَعَلتِ؟» فقالَتِ المَرأَة: «الحَيَّةُ أَغوَتْني فأَكَلتُ».

١٤فقالَ الرَّبُّ الإِلٰهُ لِلحَيَّة: «لِأَنَّكِ صَنَعتِ هٰذا

فأَنتِ مَلْعونةٌ مِن بَينِ جَميعِ البَهائِمِ

وجَميعِ وحُوشِ الحَقْل.

على بَطنِكِ تسلُكين وتُرابًا تَأكُلين

طَوالَ أَيَّامِ حَياتِكِ.

١٥وأَجعَلُ عَداوةً بَينَكِ وَبينَ المَرأَة

وبَينَ نَسْلِكِ ونَسْلِها

فهُوَ يَسحَقُ رأسَكِ وأَنتِ تُصيبينَ عَقِبَه».

١٦وقالَ لِلمَرأَة: لَأُكَثِّرَنَّ مشقَّاتِ حَمْلِكِ تَكْثيرًا.

فبالمَشَقَّةِ تَلِدينَ البَنين

وإِلى رَجُلِكِ تنقادُ أَشواقُكِ وهُوَ يَسودُكِ».

١٧وقالَ لِآدم:

«لِأَنَّكَ سَمِعتَ لِصَوتِ ٱمرَأَتِكَ

فأَكَلتَ مِنَ الشَّجَرةِ الَّتي أَمَرتُكَ أَلَّا تَأكُلَ مِنها

فمَلْعونةٌ الأَرضُ بِسَبَبِكَ

بِمَشَقَّةٍ تأكُلُ مِنها طولَ أَيَّامِ حَياتِكَ

١٨وشَوكًا وحَسَكًا تُنبِتُ لَكَ، وتأكُلُ عُشبَ الحُقول.

١٩بِعَرَقِ جَبينِكَ تأكُلُ خُبزًا

حَتَّى تَعودَ إِلى الأَرض، فمِنها أُخِذتَ

لأِنَّكَ تُرابٌ وإِلى التُّرابِ تعود».

٢٠وسمَّى الإِنسانُ ٱمرَأَتَه حَوَّاءَ لِأَنَّها أُمُّ كُلِّ حَيّ. ٢١وصَنَعَ الرَّبُّ الإِلٰهُ لِآدَمَ وٱمرَأَتِه أَقمِصةً مِن جِلْدٍ وأَلبَسَهما. ٢٢وقالَ الرَّبُّ الإِلٰه: «هُوَذا الإنسانُ قد صارَ كواحِدٍ مِنَّا، فيَعرِفُ الخَيرَ والشَّرّ. فلا يَمُدَّنَّ الآنَ يَدَه فيأخُذَ مِن شَجَرةِ الحياةِ أَيضًا ويأكُلَ فيَحْيا لِلأَبَد». ٢٣فأَخرَجَه الرَّبُّ الإِلٰهُ مِن جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَحرُثَ الأَرضَ الَّتي أُخِذَ مِنها. ٢٤فَطَرَدَ الإِنسانَ وأَقامَ شَرقِيَّ جَنَّةِ عَدْنٍ الكَروبين وشُعلَةَ سَيْفٍ متقلِّبٍ لِحِراسةِ طَريقِ شَجَرَةِ الحَياة.

التكوين ٤   

قايِنُ وهابيل

١وعَرَفَ الإِنسانُ حَوَّاءَ ٱمرَأَتَه فحَمَلَت ووَلَدَت قايِن. فقالَت: «قَدِ ٱقتَنَيتُ رَجُلًا مِن عِندِ الرَّبّ». ٢ثُمَّ عادَت فوَلَدَت أَخاهُ هابيل. فكانَ هابيلُ راعِيَ غَنَم، وكانَ قايِنُ يَحرُثُ الأَرض. ٣وكانَ بَعدَ أَيَّامٍ أَنْ قَدَّمَ قايِنُ مِن ثَمَرِ الأَرضِ تَقدِمةً لِلرَّبّ. ٤وقَدَّمَ هابيلُ أَيضًا شَيئًا مِن أَبْكارِ غَنَمِه ومِن دُهْنِها. ٥فَنَظَرَ الرَّبُّ إِلى هابيلَ وتَقدِمتِه، وإلى قايِنَ وتَقدِمَتِه لم يَنظُر. فغَضِبَ قايِنُ وأَطرَقَ رَأسَه. ٦فقالَ الرَّبُّ لِقايِن: «لِمَ غَضِبتَ ولِمَ أَطرَقتَ رأسَكَ؟ ٧فإِنَّكَ إِن أَحسَنتَ أَفَلا تَرفَعُ الرَّأس؟ وإِن لَم تُحسِنْ أَفلا تَكونُ الخَطيئَةُ رابِضةً عِندَ الباب؟ إِلَيكَ تَنقادُ أَشْواقُها، فَعَليكَ أَن تَسودَها». وقالَ قايِنُ لِهابيلَ أَخيه: «لِنَخرُجْ إِلى الحَقْل». ٨فلَمَّا كانا في الحَقْل، وثَبَ قايِنُ على هابيلَ أَخيه فقَتَلَه.

٩فقالَ الرَّبُّ لِقايِن: «أَينَ هابيلُ أَخوك؟» قال: «لا أَعلَم. أَحارِسٌ لِأَخي أَنا؟». ١٠فقال: «ماذا صَنَعتَ؟ إِنَّ صَوتَ دِماءِ أَخيكَ صارِخٌ إِلَيَّ مِنَ الأرض. ١١والآن فَمَلْعونٌ أَنتَ مِنَ الأَرضِ الَّتي فَتَحَت فاها لِتَقبَلَ دِماءَ أَخيكَ مِن يَدِك. ١٢وإِذا حَرَثتَ الأَرض، فلا تَعودُ تُعطيكَ ثَمَرَها. تائِهًا شارِدًا تَكونُ في الأَرض». ١٣فقالَ قايِنُ لِلرَّبّ: «عِقابي أَشَدُّ مِن أَن يُطاق. ١٤ها قد طَرَدتَني اليَومَ عن وَجهِ الأَرض ومن وَجهِكَ أَستَتِر، وأَكونُ تائِهًا شارِدًا في الأَرض، فيَكونُ أَنَّ كُلَّ مَن يَجِدُني يَقتُلُني». ١٥فقالَ لَه الرَّبّ: «لِذٰلِكَ كُلُّ مَن قَتَلَ قايِن فسَبعَةَ أَضْعافٍ يُؤخَذُ بِثأرِه مِنه». وجَعَلَ الرَّبُّ لِقايِنَ علامةً لِئَلَّا يَضرِبَه كُلُّ مَن يَجِدُه. ١٦وخَرَجَ قايِنُ مِن أَمامِ الرَّبّ، فأَقامَ بِأَرضِ نودٍ شَرقِيَّ عَدْنٍ.

سُلالة قايِن

١٧وعَرَفَ قايِنُ ٱمرَأَتَه فَحَمَلَت ووَلَدَت أَخْنوخ. ثُمَّ بَنى مَدينةً فسمَّاها بِٱسمِ ٱبنِه أَخْنوخ. ١٨ووُلِدَ لِأَخْنوخَ عِيراد، وعيرادُ وَلَدَ مَحويائيل، ومَحويائيلُ وَلَدَ مَتوشائيل، ومتوشائيلُ وَلَدَ لامَك. ١٩وٱتَّخَذَ لامَكُ لَه ٱمرَأَتَيْنِ اسمُ إِحداهُما عادة والأُخْرى صِلَّة. ٢٠فوَلَدَت عادةُ يابَل وهو أَبو ساكِنِي الخِيامِ وأَصْحابِ المَواشي. ٢١وٱسمُ أَخيه يُوبَل وهو أَبو كُلِّ عازِفٍ بِالكِنَّارَةِ والمِزْمار. ٢٢وصِلَّةُ أَيضًا وَلَدَت تُوبَلَ قايِن وهو أَبو جَميعِ النَّحّاسينَ والحَدَّادين. وأُختُ تُوبَلَ قايِنَ نَعْمة.

٢٣وقالَ لامَكُ لِٱمرَأَتَيه:

«عادةُ وصِلَّة، اِسْمَعا قَولي

يا ٱمرَأَتَي لامَك، أَصْغِيا لِكَلامي.

إِنَّني قَتَلتُ رَجُلًا بِسَبَبِ جُرْحٍ

ووَلَدًا بِسَبَبِ رَضٍّ

٢٤إِنَّه يُنتَقَمُ لِقاينَ سَبعَةَ أَضْعاف،

وأَمَّا لِلامَكَ فسَبْعَةً وسَبعْين».

شِيت وسُلالَته

٢٥وعَرَفَ آدَمُ ٱمرَأَتَه مَرَّةً أُخْرى فَوَلَدَتِ ٱبنًا وسَمَّته شِيتًا وقالت: «قد أَقامَ اللهُ لي نَسْلًا آخَرَ بَدَلَ هابيل، إِذ إِنَّ قايِنَ قَتَلَه». ٢٦ولِشيتٍ أَيضًا وُلِدَ ٱبنٌ وسَمَّاه أَنوش. حينَئِذٍ بَدَأَ النَّاسُ يَدْعونَ بِٱسمِ الرَّبّ.

التكوين ٥   

آباء ما قبل الطوفان

١هٰذا كِتابُ سُلالَةِ آدَم: يَومَ خَلَقَ اللهُ الإِنسان، على مِثالِ اللهِ صَنَعَه. ٢ذَكَرًا وأُنْثى خَلَقَهم، وبارَكَهم، وسمَّاهم إِنسانًا يَومَ خُلقوا.

٣وعاش آدَمُ مِئَةً وثَلاثينَ سنة، ووَلَدَ وَلَدًا على مِثالِه كَصُورَتِه وسَمَّاه شيتًا. ٤وعاشَ آدَمُ، بَعدَما وَلَدَ شيتًا، ثَمانِيَ مِئَةِ سنة فوَلَدَ بَنينَ وبَنات. ٥فكانَت جميعُ أَيَّامِ آدَمَ الَّتي عاشَها تِسْعَ مِئَةِ سنةٍ وثَلاثينَ سنة، ومات.

٦وعاشَ شيتٌ مِئَةً وخَمْسَ سِنين ووَلَدَ أَنوش. ٧وعاشَ شيتٌ، بَعدَما وَلَدَ أَنوش، ثَمانِيَ مِئَةٍ وسَبعَ سِنين فَوَلَدَ بَنينَ وبَنات. ٨فكانَت جميعُ أَيَّامِ شيت تِسْعَ مِئَةِ سَنَةٍ وٱثنَتَي عَشَرَةَ سنة، ومات.

٩وعاشَ أَنوشُ تِسْعينَ سَنَةً ووَلَدَ قَينان. ١٠وعاشَ أَنوشُ، بَعدَما وَلَدَ قَينان، ثَمانِيَ مِئَةِ سَنَةٍ وخَمسَ عَشرَةَ سَنَةً فوَلَدَ بَنينَ وبَنات. ١١فكانَت جَميعَ أَيَّامِ أَنوش تِسْعَ مِئَةِ سَنَةٍ وخَمسَ سِنين، ومات.

١٢وعاشَ قَينانُ سَبْعينَ سَنَةً ووَلَدَ مَهْلَلْئيل. ١٣وعاشَ قَينانُ، بَعدَما وَلَدَ مَهْلَلْئيل، ثَمانِيَ مِئَةِ سنةٍ وأَربَعينَ سنةً فوَلَدَ بَنينَ وبَنات. ١٤فكانَت جَميعُ أَيَّامِ قَينان تِسْعَ مِئَةٍ وعَشْرَ سِنين، ومات.

١٥وعاشَ مَهْلَلْئيلُ خَمْسًا وسِتِّينَ سَنَةً ووَلَدَ يارَد. ١٦وعاشَ مَهْلَلْئيلُ، بَعدَما وَلَدَ يارَد، ثَمانِيَ مِئَةِ سَنَةٍ وثَلاثينَ سَنَةً فوَلَدَ بَنينَ وبَنات. ١٧فكانَت جَميعُ أَيَّامِ مَهْلَلْئيل ثَمَانِيَ مِئَةٍ وخَمْسًا وتِسْعينَ سَنَة، ومات.

١٨وعاشَ يارَدُ مِئَةً وٱثنَتَيْنِ وسِتِّينَ سَنَةً ووَلَدَ أَخْنوخ. ١٩وعاشَ يارَدُ، بَعدَما وَلَدَ أَخْنوخ، ثَمَانِيَ مِئَةِ سَنَةٍ فوَلَدَ بَنينَ وبَنات. ٢٠فكانَت جَميعُ أَيَّامِ يارَد تِسْعَ مِئَةِ سَنَةٍ وٱثنَتَيْنِ وسِتِّينَ سَنَة، ومات.

٢١وعاشَ أَخْنوخُ خَمْسًا وسِتِّينَ سَنَةً ووَلَدَ مَتوشالَح. ٢٢وسارَ أَخْنوخُ معَ الله. وعاشَ أَخْنوخُ، بَعدَما وَلَدَ مَتوشالَح، ثَلاثَ مِئَةِ سَنَةٍ فوَلَدَ بَنينَ وبَنات. ٢٣فكانَت جَميعُ أَيَّامِ أَخْنوخ ثَلاثَ مِئَةِ سَنَةٍ وخَمْسًا وسِتِّينَ سَنَة. ٢٤وسارَ أَخْنوخُ معَ الله، ولَم يَكُنْ بَعدَ ذٰلك، لِأَنَّ اللهَ أَخَذَه.

٢٥وعاشَ مَتوشالَحُ مِئَةَ سَنَةٍ وسَبْعًا وثَمانينَ سَنَةً وَوَلَدَ لامَك. ٢٦وعاشَ مَتوشالَحُ، بَعدَما وَلَدَ لامَك، سَبْعَ مِئَةٍ وٱثنَتَيْنِ وثَمانينَ سَنَةً فوَلَدَ بَنينَ وبَنات. ٢٧فكانَت جَميعُ أَيَّامِ مَتوشالَح تِسعَ مِئَةِ سَنَةٍ وتِسعًا وسِتِّينَ سَنَة، ومات.

٢٨وعاشَ لامَكُ مِئَةَ سَنَةٍ وٱثنَتَيْنِ وثَمانينَ سَنَةً ووَلَدَ ٱبنًا ٢٩وسمَّاه نُوحًا قائلًا: «هٰذا يُعَزِّينا في عَمَلِنا وفي مَشَقَّةِ أَيدينا بِسَبَبِ الأَرضِ الَّتي لَعَنَها الرَّبّ». ٣٠وعاشَ لامَكُ، بَعدَما وَلَدَ نُوحًا، خَمْسَ مِئَةِ سَنَةٍ وخَمْسًا وتِسْعينَ سَنَة فوَلَدَ بَنينَ وبَنات. ٣١فكانَت جَميعُ أَيَّامِ لامَك سَبْعَ مِئَةِ سَنَةٍ وسبْعًا وسَبْعينَ سَنَة، ومات.

٣٢ولَمَّا كانَ نُوحٌ ٱبنَ خَمْسِ مِئَةِ سَنَة، وَلَدَ سامًا وحامًا ويافَث.

التكوين ٦   

بنو الله وبناتُ النَّاس

١ولَمَّا ٱبتَدَأَ النَّاسُ يَكثُرونَ على وَجهِ الأَرضِ، ووُلِدَ لَهم بنات، ٢اِستَحسَنَ بَنو اللهِ بَناتِ النَّاس. فٱتَّخَذوا لَهم نِساءً من جَميعِ مَنِ ٱخْتاروا. ٣فقالَ الرَّبّ: «لا تَثبُتُ رُوحي في الإِنسانِ لِلأَبَد، لِأَنَّه بَشَر، فتكونُ أَيَّامُه مِئَةً وعِشرينَ سَنَة». ٤وكانَ على الأَرضِ جَبابِرَةٌ في تِلكَ الأَيَّام، وبَعدَ ذلك أَيضًا حينَ دَخَلَ بَنو اللهِ على بَناتِ النَّاسِ فوَلَدْنَ لَهم أَولادًا، هُمُ الأَبطالُ المَعْروفونَ مُنذُ القِدَم.

ب – الطوفان

فساد البشريَّة

٥ورأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنسانِ قد كَثُرَ على الأَرضِ وأَنَّ كُلَّ ما يَتَصوَّرُه قَلبُه مِن أَفْكارٍ إِنَّما هو شَرٌّ طَوالَ يَومِه. ٦فنَدِمَ الرَّبُ على أَنَّه صَنَعَ الإِنسانَ على الأَرض وتأَسَّفَ في قَلبِه. فقالَ الرَّبّ: ٧«أَمْحو عَنْ وَجهِ الأَرضِ الإِنسانَ الَّذي خَلَقتُ، الإِنسانَ مع البَهائِمِ والزَّحَّافاتِ وطُيورِ السَّماء، لِأَنِّي نَدِمتُ على أَنِّي صَنَعتُهم». ٨أَمَّا نُوحٌ فنالَ حُظوَةً في عَينَيِ الرَّبّ.

٩وهٰذِهِ سِيرةُ نُوح:

كانَ نُوحٌ رَجُلًا بارًّا كامِلًا في بَني جيلِه. وسارَ نُوحٌ معَ الله. ١٠ووَلَدَ نُوحٌ ثَلاثَةَ بَنين: سامًا وحامًا ويافَث. ١١وفَسَدَتِ الأَرضُ أَمامَ الله وٱمتَلأَت عُنفًا. ١٢ورأَى اللهُ الأَرضَ فإِذا هي قد فسَدَت، لِأَنَّ كُلَّ بَشَرٍ قد أَفسَدَ طَريقَه علَيها.

الاستعداد للطوفان

١٣فقال اللهُ لِنُوح: «قد حانَ أَجَلُ كُلِّ بَشَرٍ أَمامي، فقَدِ ٱمتَلَأَتِ الأَرضُ عُنفًا بِسَبَبِهم. فهاءَنَذا مُهلِكُهم مع الأرض. ١٤إِصْنَعْ لكَ سَفينَةً مِن خَشَبٍ قَطرانِيّ وٱجعَلْها مَساكِنَ وٱطْلِها بِالقارِ مِن داخِلٍ ومِن خارِج. ١٥كذا تَصنَعُها: ثَلاثُ مِئَةِ ذِراعٍ طولُها وخَمْسونَ ذِراعًا عَرضُها وثَلاثونَ ذِراعًا عُلُوُّها. ١٦وتَجعَلُ سَقْفًا لِلسَّفينة وإِلى حَدِّ ذِراعٍ تُكْمِلُه مِن فَوق. وٱجعَلْ بابَ السَّفينةِ في جانِبِها وتَصنَعُها طوابِق: سُفلِيًّا وثانِيًا وثالثًا.

١٧وهاءَنَذَا آتٍ بِطوفانِ مِياهٍ على الأَرض لِأُهلِكَ كُلَّ ذي جَسَدٍ فيه رُوحُ حَياةٍ مِن تَحتِ السَّماء، وكُلُّ ما في الأَرضِ يَهلِك. ١٨وأُقيمُ عَهْدي معكَ، فتَدخُلُ السَّفينَةَ أَنتَ وبَنوكَ وٱمرَأَتُكَ ونِسوَةُ بَنيكَ مَعَكَ. ١٩ومِن كُلِّ حَيٍّ مِن كُلِّ ذي جَسَدٍ ٱثنَينِ مِن كُلٍّ تُدخِلُ السَّفينَةَ لِتُحفَظَ حَيَّةً معَكَ، ذَكَرًا وأُنْثى تكون: ٢٠مِنَ الطُّيورِ بِأَصْنافِها ومِنَ البَهائِمِ بِأَصْنافِها ومِن جَميعِ الحَيَواناتِ الَّتي تَدِبُّ على الأَرضِ بِأَصْنافِها يَدخُلُ إِلَيكَ ٱثْنانِ مِن كُلٍّ لِتُحفَظَ حَيَّةً. ٢١وأَنتَ فخُذْ لكَ مِن كُلِّ طَعامٍ يُؤكَل وٱجعَلْه مَؤُونةً لكَ، فيَكونَ لكَ ولَهم مَأْكَلًا». ٢٢فعَمِلَ نُوحٌ بِحَسَبِ كُلِّ ما أَمَرَه اللهُ بِه. هٰكذا فَعَل.

التكوين ٧

١وقالَ اللهُ لِنُوح: «اُدخُلِ السَّفينَةَ أَنتَ وجَميعُ أَهلِكَ، فإِنِّي رأَيتُكَ بارًّا أَمامي في هٰذا الجيل. ٢وتأخُذُ مِن جَميعِ البَهائِمِ الطَّاهِرةِ سَبْعَةً سَبْعَةً، ذُكورًا وإِناثًا، ومِنَ البَهائِمِ غَيرِ الطَّاهِرةِ ٱثْنَينِ، ذَكَرًا وأُنْثى. ٣وتأخُذُ أَيضًا مِن طُيورِ السَّماءِ سَبْعَةً سَبْعَةً، ذُكورًا وإِناثًا، لِحِفْظِ نَسْلِها حَيًّا على وَجهِ الأَرضِ كُلِّها. ٤فإِنَّني، بَعدَ سَبعَةِ أَيَّامٍ، مُمطِرٌ على الأَرضِ أَربَعينَ يَومًا وأَربَعينَ لَيلَةً، وماحٍ عن وَجهِ الأَرضِ كُلَّ كائِنٍ صَنَعتُه». ٥فعَمِلَ نُوحٌ بِحَسَبِ كُلِّ ما أَمَرَه الرَّبُّ بِه.

٦وكانَ نُوحٌ ٱبنَ سِتِّ مِئَةِ سَنَةٍ حينَ كانَت مِياهُ الطُّوفانِ على الأرض.

٧ودَخَلَ نُوحٌ السَّفينةَ هو وبَنُوه وٱمرَأَتُه ونِسْوَةُ بَنيه معَه هَرَبًا مِن مِياهِ الطُّوفان. ٨ومِنَ البَهائِمِ الطَّاهِرَةِ ومِنَ البَهائِمِ غَيرِ الطَّاهِرَةِ ومِنَ الطُّيورِ ومِن كُلِّ ما يَدِبُّ على الأرض، ٩دَخَلَ السَّفينَةَ ٱثْنانِ ٱثْنانِ إِلى نُوح، ذُكورًا وإِناثًا، كما أَمَرَ اللهُ نُوحًا. ١٠وبَعدَ أَيَّام كانت مِياهُ الطُّوفانِ على الأَرض.

١١في السَّنَةِ السِّتِّ مِئَةٍ مِن عُمْرِ نُوح، في الشَّهْرِ الثَّاني في اليَومِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنه، في ذلك اليَوم تفجَّرت عُيونُ الغَمْرِ العَظيم وتفتَّحت كُوى السَّماء. ١٢وكان المَطَرُ على الأرضِ أَربَعينَ يَومًا وأَربَعينَ لَيلَةً.

١٣في ذٰلِكَ اليَومِ نَفْسِه دَخَلَ نُوحٌ السَّفينَةَ هو وسامٌ وحامٌ ويافَثُ بَنُوه، وٱمْرَأَةُ نُوح وثَلاثُ نِسْوَةِ بَنيه مَعَهُم، ١٤هُم وجَميعُ الوُحوشِ بِأَصْنافِها وجَميعُ البَهائِمِ بِأَصْنافِها وجَميعُ الحَيَواناتِ الَّتي تَدِبُّ على الأَرضِ بِأَصْنافِها وجَميعُ الطُّيورِ بِأَصْنافِها مِن كُلِّ طائِرٍ وكُلِّ ذي جَناح. ١٥فَدَخَلَ السَّفينَةَ إِلى نُوحٍ ٱثْنانِ ٱثْنانِ مِن كُلِّ ذي جَسَدٍ فيه رُوحُ حَياة، ١٦والدَّاخِلونَ دَخَلوا ذُكورًا وإِناثًا من كُلِّ ذي جَسَد، كَما أَمَرَ اللهُ نُوحًا.

وأَغْلَقَ الرَّبُّ علَيه.

الطوفان

١٧وكانَ الطُّوفانُ أَربَعينَ يَومًا على الأَرض، فكَثُرَتِ المِياهُ وحَمَلَتِ السَّفينةَ فٱرتَفَعَت عَنِ الأَرض. ١٨وٱرتَفَعَتِ المِياهُ جِدًّا وكَثُرَت على الأَرض، فسارَتِ السَّفينَةُ على وَجهِ المِياه. ١٩وكَثُرَتِ المِياهُ جِدًّا جِدًّا على الأَرض، فتَغَطَّت جَميعُ الجِبالِ الشَّامِخَةِ الَّتي تَحتَ السَّمَواتِ كُلِّها. ٢٠فٱرتَفَعَتِ المِياهُ خَمْسَ عَشْرَةَ ذِراعًا على الأرض وتغَطَّتِ الجِبال. ٢١فهَلَكَ كُلُّ ذي جَسَدٍ يَدِبُّ على الأرضِ مِنَ الطُّيورِ والبَهائِمِ والوُحوش وجَميعِ ما تَعِجُّ بِه الأرض، والنَّاسُ كافَّةً، ٢٢فماتَ كُلُّ مَن في أَنْفِه نَسَمَةُ حَياةٍ مِن كُلِّ مَن في اليَبَس. ٢٣ومُحِيَ كُلُّ كائِنٍ على وَجهِ الأَرض مِنَ النَّاسِ حتَّى البَهائِمُ والحَيَواناتُ الدَّابَّةُ وطُيورُ السَّماء، فمُحِيَت مِنَ الأَرض وبَقِيَ نُوحٌ ومَن معَه في السَّفينةِ فقَط. ٢٤وٱرتَفَعَتِ المِياهُ على الأَرضِ مُدَّةَ مِئَةٍ وخَمْسينَ يَومًا.

التكوين ٨ 

إنخفاضُ المياه

١وذَكَرَ اللهُ نُوحًا وجَميعَ الوُحوشِ والبَهائِمِ الَّتي معه في السَّفينَة. وأَمَرَّ اللهُ رِيحًا على الأَرضِ فَسَكَنَتِ المِياه. ٢وٱنسَدَّت عُيونُ الغَمْرِ وكُوى السَّماء وٱحتَبَسَ المَطَرُ مِنَ السَّماء. ٣وراحَتِ المِياهُ تَتَراجَعُ عَنِ الأَرض، ونَقَصَت في نِهايَةِ المِئَةِ والخَمْسينَ يَومًا. ٤وٱستَقَرَّتِ السَّفينَةُ في الشَّهرِ السَّابِع، في اليَومِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنه، على جِبالِ أَراراط. ٥وكانَتِ المِياهُ لا تَزالُ تَنقُصُ إِلى الشَّهرِ العاشِر، وفي أَوَّلِ يَومٍ مِنه ظَهَرَتِ رُؤُوسُ الجِبال.

٦وكانَ في نِهايَةِ الأَربَعينَ يَومًا أَن فَتَحَ نُوحٌ نافِذَةَ السَّفينَةِ الَّتي صَنَعَها، ٧وأَطلَقَ الغُراب، فخَرَجَ وراحَ يَتَرَدَّدُ إِلى أَن جَفَّتِ المِياهُ عَنِ الأَرض. ٨ثُمَّ أَطلَقَ الحَمامةَ مِن عِندِه لِيَرى هل قَلَّتِ المِياهُ عن وَجهِ الأَرض. ٩فلَم تَجِدِ الحَمامةُ مَوطِئًا لِرِجْلِها، فَرجَعَت إِلَيه إلى السَّفينَة لِأَنَّ المِياهَ كانَت على وَجهِ الأَرضِ كُلِّها. فمَدَّ يَدَه فأَخَذَها وأَدخَلَها إِليه إلى السَّفينَة. ١٠وٱنتَظَرَ أَيضًا سَبعَةَ أَيَّامٍ أُخَر وعادَ فأَطلَقَ الحَمامةَ مِنَ السَّفينَة. ١١فعادَت إِلَيه الحَمامةُ وَقْتَ المَساءِ وفي فَمِها وَرَقَةُ زَيتونٍ خَضْراء. فَعَلِمَ نُوحٌ أَنَّ المِياهَ قَلَّت عنِ الأَرض. ١٢وانتَظَرَ أَيضًا سَبعَةَ أَيَّامٍ أُخَر ثُمَّ أَطلَقَ الحَمامَة فلم تَرجعْ إِلَيه ثانِيَةً.

١٣وكانَ في سَنَةِ إِحْدى وسِتِّ مِئَةٍ مِن عُمْرِ نُوحٍ، في اليَومِ الأَوَّلِ من الشَّهرِ الأَوَّل، أَن جَفَّتِ المِياهُ عنِ الأَرض.

فرفَع نُوحٌ غِطاءَ السَّفينَةِ ونَظَرَ فإِذا وَجهُ الأَرضِ قد جَفَّ.

١٤وفي الشَّهرِ الثَّاني، في اليَومِ السَّابِعِ والعِشْرينَ منه، يَبِسَتِ الأَرض.

الخروج من السَّفينة

١٥فخاطَبَ اللهُ نُوحًا قائلًا: ١٦«أُخْرُجْ مِنَ السَّفينَة، أَنتَ وٱمرَأَتُكَ وبَنوكَ ونِسْوَةُ بَنيكَ معكَ، ١٧وجَميعُ الوُحوشِ الَّتي معكَ من كُلِّ ذي جَسَد، مِنَ الطُّيورِ والبَهائِمِ وكُلِّ دَابٍّ يَدِبُّ على الأَرضِ أَخْرِجْها معكَ لِتَعِجَّ بها الأَرضُ وتَنْموَ وتَكْثُر». ١٨فخَرَجَ نُوحٌ وبَنوه وٱمرَأَتُه ونِسوَةُ بَنيه معَه، ١٩وجَميعُ الوُحوشِ والحَيَواناتِ الدَّابَّةِ والطُّيورِ وكُلُّ ما يَدِبُّ على الأرض بأَصْنافِها خَرَجَت مِنَ السَّفينَة.

٢٠وبَنى نُوحٌ مَذبَحًا لِلرَّبّ وأَخَذَ مِن جَميعِ البَهائِمِ الطَّاهرةِ ومِن جَميعِ الطُّيورِ الطَّاهِرَةِ فأَصعَدَ مُحرَقاتٍ على المَذبَح. ٢١فتَنَسَّمَ الرَّبُّ رائِحَةَ الرِّضى وقالَ الرَّبُّ في قَلبِه: «لَن أَعودَ إِلى لَعنِ الأَرضِ بِسَبَبِ الإِنسان لِأَنَّ ما يَتَصوَّرُه قَلْبُ الإِنسانِ يَنزِعُ إِلى الشَّرِّ مُنذُ حَداثَتِه، ولَن أَعودَ إِلى ضَرْبِ كُلِّ حَيٍّ كما صَنَعتُ.

٢٢ما دامَتِ الأَرض

فالزَّرْعُ والحِصادُ والبَرْدُ والحَرّ

والصَّيفُ والشِّتاءُ والنَّهارُ واللَّيل

لا تَبطُلُ أبدًا».

التكوين ٩

النظام الجديد للعالم

١وبارَكَ اللهُ نُوحًا وبَنيه وقالَ لَهم: «اُنْموا وٱكْثُروا وٱمْلَأُوا الأَرض. ٢وخَوْفُكم وذُعرُكم يَكونانِ على جَميعِ وحُوشِ الأَرضِ وجَميعِ طُيورِ السَّماءِ وكُلِّ ما يَدِبُّ على الأَرضِ وأَسماكِ البَحْر، فإِنَّها مُسَلَّمةٌ إِلى أَيْديكم. ٣وكُلُّ حَيٍّ يَدِبُّ يَكونُ لكم مَأكَلًا، وكما أَعطَيتُكمُ العُشْبَ الأَخضَر أُعْطِيكم هذا كُلَّه. ٤ولكِنْ لَحْمًا بِنَفْسِه، أَي بِدَمِه، لا تأكُلوا. ٥أَمَّا دِماؤكم، أَي نُفوسُكم، فأَطلُبُها، مِن يَدِ كُلِّ وَحْشٍ أَطلُبُها، ومِن يَدِ الإِنسان: مِن يَدِ كُلِّ إِنْسانٍ أَطلُبُ نَفْسَ أَخيه.

٦مَن سفَكَ دَمَ الإِنسان

سُفِكَ دَمُه عن يَدِ الإِنسان

لِأَنَّه على صورةِ اللهِ صُنِعَ الإِنسان.

٧وأَنتُم فٱنْموا وٱكْثُروا

ولْتَعِجَّ الأَرضُ بِكم وتسلَّطوا عليها».

٨وخاطَبَ اللهُ نُوحًا وبَنيه معَه قائلًا: ٩«هاءَنذا مُقيمٌ عَهْدي معَكُم ومعَ نَسْلِكم مِن بَعدِكم ١٠ومع كُلِّ ذي نَفْسٍ حَيَّةٍ معَكم، مِنَ الطُّيورِ والبَهائِمِ ووُحوشِ الأَرضِ الَّتي مَعَكم: أَي كُلِّ ما خَرَجَ مِنَ السَّفينة وجَميعِ حَيَواناتِ الأَرض. ١١وأُقيمُ عَهْدي معَكم، فكُلُّ ذي جَسَدٍ لا يَنقَرِضُ بَعدَ اليَومِ بِمِياهِ الطُّوفان، ولا يَكونُ بَعدَ اليَومِ طُوفانٌ لِيُتلِفَ الأَرض».

١٢وقالَ الله: «هذه عَلامةُ العَهْدِ الَّذي أنا جاعِلُه بَيْني وبَينَكم وبَينَ كُلِّ ذي نَفْسٍ حَيَّةٍ معَكم مَدى الأَجْيالِ لِلْأَبَد: ١٣تِلْكَ قَوْسي جَعَلْتُها في الغَمام فتَكونُ عَلامةَ عَهْدي بَيْني وبَيْنَ الأَرض. ١٤ويَكونُ أَنَّه إِذا غَيَّمتُ على الأَرضِ وَظَهَرَتِ القَوسُ في الغَمام، ١٥ذَكَرتُ عَهْدِيَ الَّذي بَيْني وبَينَكم وبَينَ كُلِّ نَفْسٍ حَيَّةٍ في كُلِّ جَسَد، فلا تَكونُ المِياهُ بَعدَ اليَومِ طُوفانًا لِتُهلِكَ كُلَّ ذي جَسَد، ١٦وتَكونُ القَوسُ في الغَمام، حتَّى إِذا رَأَيتُها ذَكَرتُ العَهْدَ الأَبَدِيَّ بَينَ اللهِ وكُلِّ نَفْسٍ حَيَّةٍ من كُلِّ ذي جَسَدٍ على الأَرض».

١٧وقالَ اللهُ لِنُوح: «هٰذِه عَلامةُ العَهْدِ الَّذي أَقَمتُه بَيني وبَينَ كُلِّ ذي جَسَدٍ على الأَرض».

ج – من الطُّوفان إلى إبراهيم

نوح وبنوه

١٨وكانَ بَنو نوحٍ الَّذينَ خَرَجوا مِنَ السَّفينةِ سامًا وحامًا ويافَث. وحامٌ هو أَبو كَنْعان. ١٩هٰؤُلاءِ الثَّلاثةُ هم بَنو نُوح، ومِنْهمُ ٱنتَشَرَ النَّاسُ في الأَرضِ كُلِّها.

٢٠وَٱبتَدَأَ نُوحٌ حارِثُ الأَرضِ يَغرِسُ الكَرْم. ٢١وشَرِبَ من الخَمرِ فسَكِرَ وتَكشَّفَ في داخِلِ خَيمَتِه. ٢٢فرأَى حامٌ أَبو كَنْعانَ عَورَةَ أَبيه فأَخبَرَ أَخَوَيه وهُما في خارِجِ الخَيمَة. ٢٣فأَخَذَ سامٌ ويافَثُ الرِّدَاءَ وجَعَلاه على كَتِفَيهِما ومَشَيَا إِلى الوَراء فغَطَّيا عَورَةَ أَبيهِما، وَوَجْهُهما إِلى الجِهَةِ الأُخْرى، فلَم يَريَا عَورَةَ أَبيهِما. ٢٤فلَمَّا أَفاقَ نُوحٌ مِن خَمرِه، عَلِمَ ما صَنَعَ بِه ٱبْنُه الصَّغير.

٢٥فقال:

«مَلْعونٌ كَنْعان! عَبْدًا يَكونُ لِعَبيدِ إِخوَتِه»

٢٦وقال:

«مُبارَكٌ الرَّبُّ إِلٰهُ سامٍ

ولْيَكُنْ كَنْعانُ عَبْدًا له!

٢٧لِيُوَسِّعِ اللهُ لِيافَث

ولْيَسكُنْ في خِيامِ سام

ولْيَكُنْ كَنْعانُ عبدًا لَه!».

٢٨وعاشَ نُوحٌ بَعدَ الطُّوفانِ ثَلاثَ مِئَةِ سَنَةٍ وخَمْسينَ سَنَة. ٢٩فكانَت كُلُّ أَيَّامِ نُوحٍ تِسْعَ مِئَةِ سَنَةٍ وخَمْسينَ سنة، ومات.

التكوين ١٠

إنتشار بني نُوح في الأرض

١هٰذِه سُلالَةُ بَني نُوح، سامٍ وحامٍ ويافَث ومَن وُلِدَ لَهم مِنَ البَنينَ بَعدَ الطُّوفان:

٢بَنو يافَث: جُومَر وماجوج وماداي وياوان وتُوبَل وماشَك وتِيراس. ٣وبَنو جُومَر: أَشْكَناز ورِيفات وتُوجَرمة. ٤وبَنو ياوان: أَلِيشَة وتَرْشيش والكِتِّيم والرُّودانيم. ٥مِن هٰؤُلاءِ تَشَتَّتَ النَّاسُ في جُزُرِ الأُمَم.

هٰؤُلاءِ بَنو يافَث بِحَسَبِ بُلْدانِهم، كُلٌّ بِحَسَبِ لُغَتِه، وعشائِرِهم وأُمَمِهِم.

٦وبَنو حام: كُوش ومِصْرائيم وفُوط وكَنْعان. ٧وبَنو كوش: سَبَأ وحَوِيلة وسَبْتَة ورَعْمَة وسَبْتَكا، وبَنو رَعْمَة: شَبَأ ودَدان.

٨وكوشٌ وَلَدَ نُمْرود، وهُو أَوَّلُ جَبَّارٍ في الأرض. ٩وكانَ صَيَّادًا جَبَّارًا أَمامَ الرَّبّ، ولِذَلك يُقال: «كَنُمْرُودَ صَيَّادٌ جَبَّارٌ أَمامَ الرَّبّ». ١٠وكانَ أَوَّلُ مَملَكَتِه بابِل وأَرَك وأَكَّد وكَلْنَة في أَرضِ شِنْعار. ١١ومِن تِلكَ الأَرضِ خَرَجَ إِلى أَشُّور فَبَنى نِينَوى ورَحْبوتَ عِير وكالَح، ١٢وراسَن بَينَ نِينَوى وكالَح، وهي المَدينةُ العَظيمة.

١٣ومِصْرائِيمُ وَلَدَ اللُّوديم والعَناميم واللَّهابيم والنَّفْتوحيم ١٤والفَتْروسيم والكَسْلوحيم والكَفْتوريم الَّذينَ خَرَجَ مِنهُمُ الفَلِسطِينِيُّون.

١٥وكَنْعانُ وَلَدَ صِيدونَ بِكْرَه وحِثًّا ١٦واليَبوسِيَّ والأَمُورِيَّ والجرْجاشِيَّ والحُوِّيَّ والعَرْقِيَّ والسِّينِيَّ ١٧والأَرْوادِيَّ والصَّمارِيَّ والحَماتِيَّ. ١٨وبَعدَ ذٰلِكَ تَفَرَّقَت عَشائِرُ الكَنْعانِيِّينَ. ١٩وكانَت حُدودُ الكَنْعانِيِّينَ مِن صِيدونَ وأَنتَ آتٍ نَحوَ جَرارَ إِلى غَزَّة، وأَنتَ آتٍ نَحوَ سَدومَ وعَمورةَ وأدْمَةَ وصَبوئيم إلى لاشَع.

٢٠هٰؤُلاءِ بَنو حامٍ بِحَسَبِ عَشائِرِهم ولُغاتِهِم وبُلْدانِهِم وأُمَمِهم.

٢١ووُلِدَ لِسامٍ أَيضًا بَنون، وهو أَبو جَميعِ بَني عابَر وأَخو يافَثَ الأَكبَر.

٢٢وبَنو سامٍ: عِيلام وأَشُّور وأَرفَكْشاد ولُود وأَرام. ٢٣وبَنو أَرام: عُوص وحُول وجاثَر وماش.

٢٤وأَرفَكْشادُ وَلَدَ شالَح، وشالَحُ وَلَدَ عابَر. ٢٥ووُلِدَ لِعابَرَ ٱبْنان: اِسْمُ أَحَدِهما فالَج لأَنَّه في أَيَّامِه ٱنقَسَمَتِ الأَرض، وٱسْمُ أَخيه يُقْطان. ٢٦ويُقْطانُ وَلَدَ أَلْموداد وشالَف وحَضرَمَوت ويارَح. ٢٧وهَدورام وأُوزال ودِقْلَة ٢٨وعُوبال وأَبيمائيل وشَبَأ ٢٩وأُوفير وحَويلة ويُوباب. جَميعُ هٰؤُلاءِ بَنو يُقْطان. ٣٠وكانوا يُقيمونَ مِن مِيشا وأَنتَ آتٍ نَحوَ سَفار، جَبَلِ المَشرِق.

٣١هٰؤُلاءِ بَنو سامٍ بِحَسَبِ عَشائِرِهِم ولُغاتِهِم وبُلْدانِهِم وأُمَمِهِم.

٣٢هَؤُلاءِ عَشائِرُ بَني نُوحٍ بِحَسَبِ سُلالاتِهِم وأُمَمِهِم. ومِنهُم تَشَتَّتَتِ الأُمَمُ في الأَرضِ بَعدَ الطُّوفان.

التكوين ١١

برج بابل

١وكانَتِ الأَرضُ كُلُّها لُغَةً واحِدة وكَلامًا واحدًا. ٢وكانَ أَنَّهم لَمَّا رَحَلوا مِنَ المَشرِق وَجَدوا سَهْلًا في أَرضِ شِنْعار فأَقاموا هُناك. ٣وقالَ بَعضُهم لِبَعض: «تَعالَوا نَصنَعْ لَبِنًا ولْنُحرِقْه حَرْقًا». فكانَ لَهُمُ اللَّبِنُ بَدَلَ الحِجارة، والحُمَرُ كانَ لَهم بَدَلَ الطِّين. ٤وقالوا: «تَعالَوا نَبْنِ لَنا مَدينةً وبُرْجًا رَأسُه في السَّماء، ونُقِمْ لنا ٱسْمًا كَي لا نَتَفَرَّقَ على وَجهِ الأَرضِ كُلِّها».

٥فنَزَلَ الرَّبُّ لِيَرى المَدينةَ والبُرجَ اللَّذَينِ بَناهُما بَنو آدم. ٦وقالَ الرَّبّ: «هُوَذا هُم شَعبٌ واحِد ولِجَميعِهم لُغَةٌ واحِدة، وهٰذا ما أَخَذوا يَفعَلونَه. والآنَ لا يَكُفُّونَ عَمَّا هَمُّوا بِه حتَّى يَصنَعوه. ٧فلْنَنْزِلْ ونُبَلْبِلْ هُناكَ لُغَتَهم، حَتَّى لا يَفهَمَ بَعضُهم لُغَةَ بَعض». ٨فَفَرَّقَهُمُ الرَّبُّ مِن هُناكَ على وَجهِ الأَرضِ كُلِّها، فكَفُّوا عن بِناءِ المدينة. ٩ولِذٰلِكَ سُمِّيَت بابِل، لأنَّ الرَّبَّ هُناكَ بَلبَلَ لُغَةَ الأَرضِ كُلِّها. ومِن هُناكَ فَرَّقَهمُ الرَّبُّ على وَجهِ الأَرضِ كُلِّها.

الآباء بعد الطّوفان

١٠هٰذِه سُلالَةُ سام:

لَمَّا كانَ سامٌ ٱبنَ مِئَةِ سنة، وَلَدَ أَرفَكْشاد لِسَنَتَينِ بَعدَ الطُّوفان. ١١وعاشَ سامٌ، بَعدَما وَلَدَ أرفَكْشاد، خَمْسَ مِئَةِ سَنَةٍ فوَلَدَ بَنينَ وبَنات.

١٢وعاشَ أَرفَكْشادُ خَمْسًا وثَلاثينَ سنةً ووَلَدَ شالَح. ١٣وعاشَ أَرفَكْشادُ، بَعدَما وَلَدَ شالَح، أَربَعَ مِئَةِ سَنَةٍ وثلاثَ سِنين فَوَلَدَ بَنينَ وبنات.

١٤وعاش شالَحُ ثَلاثينَ سَنَةً ووَلَدَ عابَر. ١٥وعاشَ شالَح، بَعدَما وَلَدَ عابَر، أَربَعَ مِئَةِ سَنَةٍ وثَلاثَ سِنين فوَلَدَ بَنينَ وبَنات.

١٦وعاشَ عابَرُ أَربَعًا وثَلاثينَ سَنَةً ووَلَدَ فالَج. ١٧وعاشَ عابَر، بَعدَما وَلَدَ فالَج، أَربَعَ مِئَةٍ وثَلاثينَ سَنَةً فَوَلَدَ بَنينَ وبَنات.

١٨وعاشَ فالَجُ ثَلاثينَ سَنَةً ووَلَدَ رَعُو. ١٩وعاشَ فالَج، بَعدَما وَلَدَ رَعو، مِئَتَي سَنَةٍ وتِسْعَ سِنين فوَلَدَ بَنينَ وبَنات.

٢٠وعاشَ رَعُو ٱثنَتَينِ وثَلاثينَ سَنَةً ووَلَدَ سَروج. ٢١وعاشَ رَعُو، بَعدَما وَلَدَ سَروج، مِئَتَي سَنَةٍ وسَبعَ سِنين فوَلَدَ بَنينَ وبَنات.

٢٢وعاشَ سَروجُ ثَلاثينَ سَنَةً ووَلَدَ ناحور. ٢٣وعاشَ سَروج، بَعدَما وَلَدَ ناحور، مِئَتَي سَنَةٍ فَوَلَدَ بَنينَ وبَنات.

٢٤وعاشَ ناحورُ تِسْعًا وعِشْرينَ سَنَةً ووَلَدَ تارَح. ٢٥وعاشَ ناحور، بَعدَما وَلَدَ تارَح، مِئَةَ سَنَةٍ وتِسْعَ عَشَرَةَ سَنَةً فوَلَدَ بَنينَ وبَنات.

٢٦وعاشَ تارَحُ سَبْعينَ سَنَةً ووَلَدَ أَبْرامَ وناحورَ وهاران.

سلالة تارَح

٢٧وهٰذه سُلالةُ تارَح:

٢٨تارَحُ وَلَدَ أَبْرامَ وناحورَ وهاران، وهارانُ وَلَدَ لُوطًا. وماتَ هارانُ قَبْلَ أَبيه تارَح في مَسْقَطِ رأسِه أُورِ الكَلْدانِيِّين. ٢٩وٱتَّخَذَ أَبْرامُ وناحورُ لَهُما ٱمرَأَتَين، اِسْمُ ٱمْرَأَةِ أَبْرامَ ساراي، وٱسْمُ ٱمرَأَةِ ناحورَ مِلْكَة، بِنْتُ هاران، أَبي مِلْكَةَ وأَبي يَسْكَة. ٣٠وكانَت سارايُ عاقِرًا لَيسَ لَها وَلَد.

٣١وأَخَذَ تارَحُ أَبرامَ ٱبنَه، ولوطَ بْنَ هارانَ بْنَ ٱبنِه، وساراي كَنَّتَه، ٱمْرَأَةَ أَبْرامَ ٱبنِه، فَخَرَجَ بِهِم مِن أُورِ الكَلْدانِيِّين، لِيَذْهَبوا إِلى أَرضِ كَنْعان. فجاءُوا إِلى حاران وأَقاموا هُناك.

٣٢وكانَ عُمْرُ تارَح مِئَتَي سَنَةٍ وخَمْسَ سِنين. وماتَ تارَحُ بِحاران.

التكوين ١٢

٢. سيرة إبراهيم

دعوة إبراهيم

١وقالَ الرَّبُّ لِأَبْرام: «اِنطَلِقْ مِن أَرضِكَ وعَشيرَتِكَ وبَيتِ أَبيكَ، إِلى الأَرضِ الَّتي أُريكَ. ٢وأنا أَجعَلُكَ أُمَّةً كَبيرة وأُبارِكُكَ وأُعظِّمُ ٱسمَكَ، وتَكُونُ بَركَة. ٣وأُبارِكُ مُبارِكيكَ، وأَلعَنُ لاعِنيكَ ويَتَبارَكُ بِكَ جَميعُ عَشائِرِ الأَرض».

٤فٱنطَلَقَ أَبْرامُ كما قالَ له الرَّبّ، ومَضى مَعَه لُوط. وكانَ أَبْرامُ ٱبنَ خَمْسٍ وسَبْعينَ سَنَةً، حينَ خَرَجَ مِن حاران. ٥فأَخَذَ أَبْرامُ سارايَ ٱمرَأَتَه ولُوطًا ٱبنَ أَخيه وجَميعَ أَمْوالِهِما الَّتي ٱقتَنَياها والنُّفوسَ الَّتي ٱمتَلَكاها في حاران، وخَرَجوا لِيَمْضوا إِلى أَرْضِ كَنْعان، وأَتَوا أَرضَ كَنْعان.

٦فٱجْتازَ أَبْرامُ في الأرضِ إِلى مَوضِعِ شَكيم، إِلى بَلُّوطَةِ مُورة، والكَنْعانِيُّونَ حينَئذٍ في الأَرض. ٧فَتراءى الرَّبُّ لِأَبْرامَ وقال: «لِنَسلِكَ أُعْطي هٰذه الأَرض». فبَنى هُناكَ مَذبَحًا لِلرَّبِّ الَّذي تَجَلَّى لَه. ٨ثُمَّ ٱنتَقَلَ مِن هُناك إِلى الجَبَلِ شَرْقِيَّ بَيتَ إِيل وضَرَبَ خَيمَتَه، وغَرْبِيَّهُ بَيْتَ إِيل وشَرْقِيَّهُ عايُ، وبَنى هُناكَ مَذبَحًا لِلرَّبّ ودَعا بٱسْمِ الرَّبّ. ٩ثُمَّ رَحَلَ أَبْرامُ رَحيلًا مُتَوالِيًا نَحوَ النَّقَب.

إبراهيم في أَرض مصر

١٠وكانَت مَجاعةٌ في الأَرض. فنَزَلَ أَبْرامُ إِلى مِصْرَ لِيُقيمَ هُناك، لِأَنَّ المَجاعَةَ قدِ ٱشْتَدَّت في الأَرض. ١١فلَمَّا قارَبَ أَن يَدخُلَ مِصْر، قالَ لِسارايَ ٱمرَأَتِه: «أَنا أَعلَمُ أَنَّكِ ٱمرَأَةٌ جَميلَةُ المَنظَر، ١٢فيَكونُ، إِذا رآكِ المِصريُّون، أَنَّهم يَقولون: «هٰذِه ٱمرَأَتُه»، فيَقتُلونَني ويُبقونَكِ على قَيدِ الحَياة. ١٣فَقولي إِنَّكِ أُخْتي، حَتَّى يُحسَنَ إِلَيَّ بِسَبَبِكِ وتَحْيا نَفْسي بِفَضْلِكِ». ١٤ولَمَّا دَخَلَ أَبْرامُ مِصْر، رأَى المِصريُّونَ أَنَّ المَرأَةَ جَميلةٌ جِدًّا. ١٥ورَآها رُؤَساءُ فِرْعَون ومَدَحوها لَدى فِرْعَون فأُخِذَتِ المَرأَةُ إِلى بَيتِه. ١٦فأَحسَنَ إِلى أَبْرامَ بِسَبَبِها فصارَ لَه غَنَمٌ وبَقَرٌ وحَميرٌ وخُدَّامٌ وخادماتٌ وحَمائِرُ وجِمال. ١٧فَضَرَبَ الرَّبُّ فِرْعَونَ وبَيتَه ضَرَباتٍ شَديدةً بِسَبَبِ سارايَ ٱمرَأَةِ أَبْرام. ١٨فٱستَدْعى فِرْعَونُ أَبرامَ وقالَ له: «ماذا صَنَعتَ بي؟ لِمَ لَم تُعلِمْني أَنَّها ٱمرأَتُكَ؟ ١٩لِمَ قُلتَ: هي أُخْتي، حتَّى أَخَذتُها لِتَكونَ لِيَ ٱمرَأَةً؟ والآنَ هٰذِهِ ٱمرَأَتُكَ: خُذْها وٱمْضِ». ٢٠وأَمَرَ فِرْعَونُ قَومًا فشَيَّعوه هو وٱمرَأَتَه وكُلَّ ما لَه.

التكوين ١٣

إبراهيم ولوط يفترقان

١فصَعِدَ أَبْرامُ مِن مِصْرَ هو وٱمرَأَتُه وكُلُّ ما له، ولوطٌ مَعه، إِلى النَّقَب. ٢وكانَ أَبْرامُ غَنِيًّا جِدًّا بِالماشِيَةِ والفِضَّةِ والذَّهب. ٣فمَضى بِمَراحِلِه مِنَ النَّقَبِ إِلى بَيتَ إِيل، إِلى المَوضِعِ الَّذي كانَت فيه خَيمَتُه أَوَّلًا، بَينَ بَيتَ إِيلَ وعاي، ٤إِلى مَوضِعِ المَذبَحِ الَّذي صنَعَه هُناكَ أَوَّلًا فدَعا أَبْرامُ هُناكَ بِٱسْمِ الرَّبّ.

٥وكانَ أَيضًا لِلُوطٍ السَّائِرِ مع أَبْرامَ غَنَمٌ وبَقَرٌ وخِيام. ٦فلم يَحتَمِلْ ضِيقُ الأَرضِ أَن يُقيما فيها معًا، لِأَنَّ مالَهُما كانَ كَثيرًا، فلَم يُمْكِنْهُما المُقامُ معًا. ٧فكانَت خُصومةٌ بَينَ رُعاةِ ماشِيَةِ أَبْرام ورُعاةِ ماشِيَةِ لُوط (والكَنْعانِيَّونَ والفَرزِيُّونَ حينَئِذٍ مُقيمونَ في الأَرض). ٨فقالَ أَبْرامُ لِلُوط: «لا تَكُنْ خُصومةٌ بَيْني وبَينَكَ، ولا بَينَ رُعاتي ورُعاتِكَ، فنَحنُ إخْوَة. ٩أَلَيسَتِ الأَرضُ كُلُّها أَمامَكَ؟ تَنَحَّ عَنِّي، إِمَّا إِلى اليَسارِ فأَذهَبَ إِلى اليَمين، وإِمَّا إِلى اليَمينِ فأَذهَبَ إِلى اليَسار».

١٠فَرفَعَ لُوطٌ عَينَيه ورأَى كُلَّ سَهْلِ الأُردُنّ، فإِذا كُلُّه سِقْيٌ، وكانت، قَبلَ أَن دَمَّرَ الرَّبُّ سَدومَ وعَمورة، كَجَنَّةِ الرَّبّ، مِثْلَ أَرضِ مِصْرَ وأَنتَ آتٍ نَحوَ صُوعَر. ١١فٱختارَ لُوطٌ لِنَفْسِهِ كُلَّ سَهْلِ الأُردُنّ، ورَحَلَ إِلى المَشرِق، وفارَقَ كُلُّ واحِدٍ أَخاه: ١٢فأَقامَ أَبْرامُ في أَرضِ كَنْعان وأَقامَ لُوطٌ في مُدُنِ السَّهْل وخَيَّم حتَّى سَدوم. ١٣وأَهْلُ سَدومَ أَشْرارٌ خاطِئونَ إِلى الرَّبِّ جِدًّا.

١٤وقالَ الرَّبُّ لِأَبْرام، بَعدَما فارَقَه لُوط: «اِرفَعْ عَينَيكَ وٱنظُرْ مِنَ المكانِ الَّذي أَنتَ فيه شَمالًا وجَنوبًا وشَرْقًا وغَرْبًا: ١٥إِنَّ كُلَّ الأَرضِ الَّتي تَراها لَكَ أُعْطيها ولِنَسلِكَ لِلأَبَد. ١٦وأَجعَلُ نَسلَكَ كَتُرابِ الأَرْض، حَتَّى إِن أَمكَنَ أَحدًا أَن يُحصِيَ تُرابَ الأَرض، فنَسلُكَ أَيضًا يُحْصى. ١٧قُمْ فٱمْشِ في الأَرضِ طُولِها وعَرْضِها، فإِنِّي لَكَ أُعْطيها». ١٨فٱنْتَقَلَ أَبْرامُ بِخِيامِه وجاءَ فأَقامَ في بَلُّوطِ مَمْرا الَّتي بِحَبْرون وبَنى هُناكَ مَذبَحًا لِلرَّبّ.

التكوين ١٤

حَمْلة الملوك الأَربعة

١وكانَ في أَيَّامِ أَمْرافَل، مَلِكِ شِنْعار، وأَرْيوك، مَلِكِ أَلَّاسار، وكَدُرْلاعُومَر، مَلِكِ عَيلام، وتِدْعال، مَلِكِ الأُمَم، ٢أَنَّهم حارَبوا بارَع، مَلِكَ سَدوم، وبِرشاع، مَلِكَ عَمورة، وشِنْآب، مَلِكَ أَدْمة، وشَمْئِيبَر، مَلِكَ صَبوئيم، ومَلِكَ بالَع (وهي صُوعَر).

٣هَؤُلاء كُلُّهم تَجَمَّعوا في وادي السَّدِّيم (وهو بَحْرُ المِلْح)، ٤اِثْنَتَي عَشْرَةَ سَنَةً خَضَعوا لِكَدُرْلاعُومَر، وفي الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ تَمَرَّدوا. ٥وفي السَّنَةِ الرابِعَةَ عَشْرَةَ أَقبَلَ كَدُرْلاعُومَر والمُلوكُ الَّذينَ مَعَه فَضَرَبوا الرَّفائِيِّينَ في عَشْتاروتَ قَرْنائيم، والزُّوزِيِّينَ في هام، والإِيمِيِّينَ في سَهْلِ قِرْيَتائيم، ٦والحُورِيِّينَ في جَبَلِهم سِعير، حتَّى إِيلَ الفارانِ الَّذي عِندَ البَرِّيَّة. ٧ثُمَّ رَجَعوا وجاؤُوا إِلى عَينِ القَضاء (وهي قادِش)، فضَرَبوا كُلَّ أَرضِ العَمالِقة وكُلَّ أَرضِ الأَمورِيِّينَ المُقيمينَ في حَصّونَ تامار. ٨فخَرَجَ مَلِكُ سَدومَ ومَلِكُ عَمورة ومَلِكُ أَدْمة ومَلِكُ صَبوئيم ومَلِكُ بالَع (وهي صُوعَر)، ٩فٱصطَفُّوا لِلقِتالِ في وادي السِّدِّيم، على كَدُرْلاعُومَر، مَلِكِ عَيلام، وتِدْعال، مَلِكِ الأُمَم، وأَمْرافال، مَلِكِ شِنْعار، وأَرْيوك، مَلِكِ أَلَّاسار: أَربَعَةِ مُلوكٍ على خَمْسَة! ١٠وفي وادي السِّدِّيم آبارُ حُمَرٍ كَثيرة، فٱنهَزَمَ مَلِكا سَدومَ وعَمورَة فسَقَطا فيها، والباقونَ هَرَبوا إِلى الجَبَل. ١١فأَخَذوا جَميعَ أَمْوالِ سَدومَ وعَمورة وكُلَّ مَؤُونَتِهم ومَضَوا.

١٢وأَخَذوا لُوطَ ٱبنَ أَخي أَبْرام وأَمْوالَه ومَضَوا، وكانَ مُقيمًا في سَدوم. ١٣فجاءَ مَن أَفلَتَ وأَخبَرَ أَبْرامَ العِبْرانِيّ، وهو مُقيمٌ عِندَ بلُّوطِ مَمْرا الأَمورِيّ، أَخي أشْكولَ وعانِر، وهُم حُلَفاءُ أَبْرام. ١٤فلَمَّا سَمِعَ أَبْرامُ أَنَّ أَخاه قد أُسِرَ، جَنَّدَ رِجالَه المُدَرَّبينَ المَولودينَ في بَيتِه، وعدَدُهُم ثَلاثُ مِئَةٍ وثَمانِيَةَ عَشَر، وجَدَّ في إِثْرِهِم حَتَّى دان. ١٥وتَفَرَّقَ عَلَيهِم لَيلًا هو ورِجالُه، فَضَرَبَهم وتعَقَّبَهم حتَّى حُوبَةَ الَّتي في شَمالِ دِمَشق. ١٦فٱستَرجَعَ جَميعَ الأَمْوال وٱستَرَدَّ لُوطًا أَخاه وأَمْوالَه والنِّساءَ والقَوم.

ملكيصادق

١٧وعِندَ رُجوعِ أَبْرامَ، بَعدَ أَن كَسَرَ كَدُرْلاعُومَرَ والمُلوكَ الَّذينَ مَعَه، خَرَجَ مَلِكُ سَدومَ لِمُلاقاتِه إِلى وادي شَوَى (وهو وادي المَلِك). ١٨وأَخْرَجَ مَلْكيصادَق، مَلِكُ شَليم، خُبْزًا وخَمْرًا، لِأَنَّه كانَ كاهِنًا للهِ العَلِيّ. ١٩وبارَكَ أَبْرامَ وقال:

«على أَبْرامَ بَرَكَةُ اللهِ العَلِيّ

خالِقِ السَّمَواتِ والأَرض

٢٠وتَبارَكَ اللهُ العَلِيّ

الَّذي أَسلَمَ أَعداءَكَ إِلى يَدَيكَ».

وأَعْطاه أَبْرامُ العُشْرَ مِن كُلِّ شَيء.

٢١وقالَ مَلِكُ سَدومَ لِأَبْرام: «أَعْطِني النُّفوس، والأَمْوالُ خُذْها لك». فقالَ أَبْرامُ لِمَلِكِ سَدومَ: ٢٢«رَفَعتُ يَدي إِلى الرَّبِّ الإِلٰهِ العَلِيّ، خالِقِ السَّمَواتِ والأَرض: ٢٣لا أَخَذتُ خَيْطًا ولا شَريطَ نَعْلٍ من جَميعِ ما لَكَ، لِئَلَّا تقول: أَنا أَغنَيتُ أَبْرام. ٢٤لا شَيءَ لي سوى ما أَكَلَه الغِلْمان ونَصيبِ الرِّجالِ الَّذينَ ذَهَبوا معي: عانِر وأَشْكول ومَمْرا، فهُم يأخُذونَ نَصيبَهم».

التكوين ١٥

مواعد الله وعهده

١بَعدَ هٰذه الأَحْداث كانَت كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلى أَبْرامَ في الرُّؤيا قائلًا:

«لا تَخَفْ يا أَبْرام. أَنا تُرْسٌ لَكَ

وأَجْرُكَ عَظيمٌ جِدًّا»

٢فقالَ أَبْرام: «أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ، ماذا تُعْطيني؟ إِنِّي مُنْصَرِفٌ عَقيمًا، وقَيِّمُ بَيتي هو أَليعازَرُ الدِّمَشْقيّ». ٣وقالَ أَبْرام: «إِنَّكَ لَم تَرزُقْني نَسْلًا، فَهُوَذا رَبيبُ بَيتي يَرِثُني». ٤فإِذا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ إِليه قائلًا: «لن يَرِثَكَ هذا، بل مَن يَخْرُجُ مِن أَحْشائِكَ هو يَرِثُكَ». ٥ثُمَّ أَخرَجَه إِلى خارِجٍ وقال: «اُنْظُرْ إِلى السَّماء وأَحْصِ الكَواكِبَ إِنِ ٱستَطَعتَ أَن تُحصِيَها»، ٦وقالَ له: «هٰكذا يَكونُ نَسْلُك». فآمَنَ بِالرَّبّ، فحَسَبَ لَه ذٰلك بِرًّا.

٧وقالَ له: «أَنا الرَّبُّ الَّذي أَخرجَكَ مِن أُورِ الكَلْدانِيِّينَ لِأُعْطِيَكَ هذه الأَرضَ مِيراثًا لَكَ». ٨فقالَ: «أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ، بِماذا أَعلَمُ أَنِّي أَرِثُها؟». ٩فقالَ لَه: «خُذْ لي عِجلَةً في سَنَتِها الثَّالِثَة وعَنزَةً في سَنَتِها الثَّالِثَة وكَبْشًا في سَنَتِه الثَّالِثَة ويَمامةً وجَوزَلًا». ١٠فأَخَذَ لَه جَميعَ هٰذه وشطَرَها أَنْصافًا، ثُمَّ جَعَلَ كُلَّ شَطْرٍ قُبالَةَ الآخَر، والطَّائِرانِ لم يَشطُرْهُما. ١١فٱنقَضَّتِ الجَوارِحُ على الجُثَث، فطَرَدَها أَبْرام.

١٢ولَمَّا صارَتِ الشَّمسُ إِلى المَغيب، وَقَعَ سُباتٌ عَميقٌ على أَبْرام، فإِذا بِرُعبِ ظُلمَةٍ شَديدةٍ قد وَقَعَ عَليه. ١٣فقالَ الرَّبُّ لِأَبْرام: «اِعلَمْ يَقينًا أَنَّ نَسلَكَ سَيَكونونَ نُزَلاءَ في أَرضٍ لَيسَت لَهم، ويَستَعبِدونَهم ويُذِلُّونَهم أَربَعَ مِئَةِ سَنَة. ١٤والأُمَّةُ الَّتي يُستَعبَدونَ لَها سأَدينُها أَنا، وبَعدَ ذٰلك يَخرُجونَ بِمالٍ كَثير. ١٥وأَنتَ تَنضَمُّ إِلى آبائِكَ بِسَلام وتُدفَنُ بِشيبَةٍ طَيِّبة. ١٦وفي الجِيلِ الرَّابِع يَرجِعونَ إِلى هٰهُنا، لأَنَّ إِثْمَ الأَمورِيِّينَ لَن يَكونَ قدِ اكْتَمَلَ عِندَئِذٍ».

١٧فلَمَّا غابَتِ الشَّمْسُ وخَيَّمَ الظَّلام، إِذا بِتَنُّورِ دُخانٍ ومِشعَلِ نارٍ يَسيرانِ بَينَ تِلكَ القِطَع. ١٨في ذٰلِكَ اليَوم قَطَعَ الرَّبُّ معَ أَبْرامَ عَهْدًا قائلًا:

«لِنَسلِكَ أُعْطي هٰذِه الأَرض

مِن نَهْرِ مِصْرَ إِلى النَّهْرِ الكَبير، نَهْرِ الفُرات ١٩القِينِيِّين والقَنْزِيِّين والقَدْمونِيِّين ٢٠والحِثِّيِّين والفَرِزِيِّين والرَّفائِيِّين ٢١والأَمورِيِّين والكَنْعانِيِّين والجِرجاشِيِّين واليَبوسِيِّين».

التكوين ١٦

مولد إِسماعيل

١وأَمَّا سارايُ ٱمرَأَةُ أَبْرام، فلَم تَلِدْ لَه. وكانَت لَها خادِمةٌ مِصريَّةٌ ٱسمُها هاجَر. ٢فقالَت سارايُ لِأَبْرام: «هُوَذا قد حَبَسَني الرَّبُّ عنِ الوِلادة، فٱدخُلْ على خادِمَتي، لَعَلَّ بَيتي يُبْنى مِنْها». فسَمِعَ أَبْرامُ لِقَولِ ساراي.

٣فبَعدَ عَشْرِ سِنينَ مِن إِقامةِ أَبْرامَ في أَرضِ كَنْعان، أَخَذَت سارايُ ٱمرَأَتُه هاجَرَ المِصرِيَّةَ خادِمَتَها فأَعْطَتها لِأَبْرامَ زَوجِها لِتَكونَ لَه زَوجَةً. ٤فدَخَلَ على هاجَر فحَمَلَت. فلمَّا رَأَت أَنَّها قد حَمَلَت، هانَت سَيِّدَتُها في عَينَيها. ٥فقالَت سارايُ لأَبْرام: «ظُلْمي علَيكَ! إِنِّي وَضَعتُ خادِمَتي في حِضنِكَ، فلَمَّا رَأَت أَنَّها قد حَمَلَت هُنتُ في عَينَيها. لِيَحكُمِ الرَّبُّ بَيني وبَينَكَ». ٦فقالَ أَبْرامُ لِساراي: «هذه خادِمَتُكِ في يَدِكِ، فٱصنَعي بِها ما يَحسُنُ في عَينَيكِ». فأَذَلَّتْها ساراي، فهَرَبَت من وَجهِها.

٧فوجَدَها مَلاكُ الرَّبِّ عِندَ عَينِ ماءٍ في البَرِّيَّة، عَينِ الماءِ الَّتي في طَريقِ شور. ٨فقال: «يا هاجَر، خادِمَةَ ساراي، مِن أَينَ جِئتِ وإِلى أَينَ تَذهَبين؟». قالت: «إِنِّي هارِبَةٌ مِن وَجهِ سارايَ سَيِّدَتي». ٩فقالَ لَها مَلاكُ الرَّبّ: «اِرْجِعي إِلى سَيِّدتِكِ وتَذَلَّلي تَحتَ يَدَيها». ١٠وقالَ لَها مَلاكُ الرَّبّ: «لَأُكَثِّرَنَّ نَسلَكِ تَكْثيرًا حتَّى لا يُحْصى لِكَثرَتِه».

١١وقالَ لَها مَلاكُ الرَّبّ:

«ها أنتِ حامِلٌ وستَلِدينَ ٱبنًا

وتُسَمِّينَه إسْماعيل

لِأَنَّ الرَّبَّ قد سَمِعَ صَوتَ شَقائِكِ

١٢ويَكونُ حِمارًا وَحْشِيًّا بَشَرِيًّا

يَدُه على الجَميع ويَدُ الجَميعِ علَيه

وفي وَجهِ جَميعِ إِخوَتِه يَسكُن».

١٣فأَطلَقَت على الرَّبِّ مُخاطِبِها ٱسمَ «أَنتَ اللهُ الرَّائي»، لِأَنَّها قالَت: «أَما رأَيتُ هٰهُنا قَفا رائِيَّ؟». ١٤لِذٰلِكَ سُمِّيَتِ البِئرُ بِئرَ الحَيِّ الرَّائيّ، وهي بينَ قادِش وبارَد.

١٥ووَلَدَت هاجَرُ لِأَبْرامَ ٱبْنًا، فسَمَّى أَبْرامُ ٱبنَه الَّذي وَلَدَته هاجَرُ إِسْماعيل. ١٦وكانَ أَبْرامُ ٱبنَ سِتٍّ وثَمانينَ سَنَةً حينَ وَلَدَت هاجَرُ إِسْماعيلَ لِأَبْرام.

التكوين ١٧

العهد والختان

١ولَمَّا كانَ أَبْرامُ ٱبنَ تِسْعٍ وتِسعينَ سَنَةً، تَراءى لَه الرَّبُّ وقالَ له: «أنا اللهُ القدير، فسِرْ أَمامي وكُنْ كامِلًا. ٢سأَجعَلُ عَهْدي بَيني وبَينَكَ وسأُكَثِّرُكَ جِدًّا». ٣فسقَطَ أَبْرامُ على وَجهِه.

٤وخاطَبَه اللهُ قائلًا: «ها أَنا أَجعَلُ عَهْدي معَكَ، فتَصيرُ أَبا عَدَدٍ كَبيرٍ مِنَ الأُمَم. ٥ولا يَكونُ ٱسمُكَ أَبْرامَ بَعدَ اليَوم، بل يَكونُ ٱسمُكَ إِبراهيم، لِأَنِّي جَعَلتُكَ أَبا عَدَدٍ كَبيرٍ مِنَ الأُمَم. ٦وسَأُنْميكَ جِدًّا جِدًّا وأَجعَلُكَ أُمَمًا، ومُلوكٌ مِنكَ يَخرُجون. ٧وأُقيمُ عَهْدي بَيني وبَينَكَ وبَينَ نَسلِكَ مِن بَعْدِكَ مَدى أَجْيالِهم، عَهْدًا أَبَدِيًّا، لِأَكونَ لَكَ إِلٰهًا ولِنَسْلِكَ مِن بَعدِكَ. ٨وأُعْطيكَ الأرضَ الَّتي أَنتَ نازِلٌ فيها، لَكَ ولِنَسلِكَ مِن بَعْدِكَ، كُلَّ أَرضِ كَنْعان، مِلْكًا مُؤَبَّدًا، وأَكونُ لَهم إلٰهًا».

٩وقالَ اللهُ لإِبْراهيم: «وأَنتَ فٱحْفَظْ عَهْدي، أَنتَ ونَسْلُكَ مِن بَعدِكَ مَدى أَجْيالِهِم. ١٠هٰذا هو عَهْديَ الَّذي تَحفَظونَه بَيني وبَينَكم وبَينَ نَسلِكَ من بَعدِكَ: يُختَنُ كُلُّ ذَكَرٍ مِنكُم. ١١فتُختَنونَ في لَحمِ قُلفَتِكم، ويَكونُ ذٰلك عَلامَةَ عَهْدٍ بَيني وبَينَكم. ١٢وٱبنَ ثمانِيَةِ أَيَّامٍ يُختَنُ كُلُّ ذَكَرٍ مِنكُم مِن جيلٍ إلى جيل، سَواءٌ أَكانَ مَولودًا في البَيت أَم مُشْتَرًى بِالفِضَّة مِن كُلِّ غَريبٍ لَيسَ مِن نَسلِكَ. ١٣يُخْتَنُ المَولودُ في بَيتِكَ والمُشْتَرى بفِضَّتِكَ، فيَكونُ عَهْدي في أَجْسادِكم عَهْدًا أَبدَيًّا. ١٤وأَيُّ أَقلَفَ مِنَ الذُّكورِ لم يُختَنْ في لَحمِ قُلْفَتِه، تُفصَلُ تِلكَ النَّفْسُ مِن ذَوِيها، لِأَنَّه قد نَقَضَ عَهْدي».

١٥وقالَ اللهُ لإِبراهيم: «سارايُ ٱمرَأَتُكَ لا تُسَمِّها ساراي، بل سَمِّها سارة. ١٦وأَنا أُبارِكُها وأَرزُقُكَ مِنها ٱبنًا وأُبارِكُها فتَصيرَ أُمَمًا، ومُلوكُ شُعوبٍ مِنها يَخرُجون». ١٧فسَقَطَ إِبْراهيمُ على وَجهِه وضَحِكَ وقالَ في قَلبِه: «أَلِٱبنِ مِئَةِ سَنَةٍ يُولَدُ وَلَد، أَم سارةُ، وهي ٱبْنَةُ تِسعينَ سَنَةً، تَلِد؟». ١٨فقالَ إِبْراهيمُ للهِ: «لَو أَنَّ إِسْماعيلَ يَحْيا أَمامَ وَجهِكَ!». ١٩فقالَ الله: «بل سارةُ ٱمرَأَتُكَ سَتَلِدُ لَكَ ٱبنًا وسَمِّهِ إِسحٰق، وأُقيمُ عَهْدي معَه، عَهْدًا أَبَدِيًّا، لِأَكونَ لَه إِلٰهًا ولِنَسلِه مِن بَعدِه. ٢٠وأَمَّا إِسْماعيلُ فقَد سَمِعتُ قَولَكَ فيه. وهاءَنَذا أُبارِكُه وأُنْميه وأُكَثِّرُه جدًّا جِدًّا، ويَلِدُ ٱثنَي عَشَرَ رَئيسًا، وأَجعَلُه أُمَّةً عظيمة. ٢١غَيرَ أَنَّ عَهْدي أُقيمُه معَ إِسْحٰقَ الَّذي تَلِدُه لَكَ سارةُ في مِثلِ هٰذا الوَقتِ مِنَ السَّنَةِ المُقبِلة». ٢٢فلَمَّا ٱنتَهى اللهُ مِن مُخاطَبَةِ إِبْراهيم، اِرْتَفَعَ عنه.

٢٣فأَخَذَ إِبْراهيمُ إِسْماعيلَ ٱبنَه وجَميعَ مَواليدِ بَيتِه وجَميعَ المُشتَرَينَ بِفِضَّتِه، كُلَّ ذَكَرٍ مِن أَهْلِ بَيتِه، فخَتَنَ لَحْمَ قُلفَتِهم في ذٰلك اليَومِ عَينِه، بِحَسَبِ ما أَمَرَه اللهُ به. ٢٤وكانَ إِبْراهيمُ ٱبنَ تِسْعٍ وتِسْعينَ سَنَةً عندما خَتَنَ لَحمَ قُلفَتِه. ٢٥وكانَ إِسْماعيلُ ٱبنُه ابنَ ثَلاثَ عَشرَةَ سَنَةً حينَ خُتِنَ لَحْمُ قُلفَتِه. ٢٦في ذٰلك اليَومِ عَينِه خُتِنَ إِبْراهيمُ وإِسْماعيلُ ٱبنُه. ٢٧وجَميعُ رِجالِ بَيتِه، سَواءٌ أَكانوا مَواليدَ بَيتِه أَم مُشْتَرَينَ بِالفِضَّةِ مِنَ الغَريب، خُتِنوا معَه.

التكوين ١٨

ترائي الله في مَمْرا

١وتَراءى الرَّبُّ له عِندَ بَلُّوطِ مَمْرا، وهو جالِسٌ بِبابِ الخَيمَة، عِندَ ٱحتِدادِ النَّهار. ٢فرفَعَ عَينَيه ونَظَر، فإِذا ثَلاثَةُ رِجالٍ واقِفونَ بِالقُربِ مِنه. فلَمَّا رَآهُم، بادَرَ إِلى لِقائِهم مِن بابِ الخَيمَة وسَجَدَ إِلى الأَرض. ٣وقال: «سَيِّدي، إِن نِلتُ حُظْوَةً في عَينَيكَ، فلا تَجُزْ عن عَبدِكَ، ٤فيُقَدَّمَ لكم قَليلٌ مِنَ الماء فتَغسِلونَ أَرجُلَكم وتَستَريحونَ تَحتَ الشَّجَرة، ٥وأُقدِّمَ كِسرَةَ خُبْزٍ فتُسنِدونَ بِها قُلوبَكم ثُمَّ تَمْضونَ بَعدَ ذٰلك، فإِنَّكم لِذٰلِك جُزتُم بَعَبدِكم». قالوا: «اِفعَلْ كَما قُلْتَ».

٦فأَسرَعَ إِبراهيمُ إِلى الخَيمَةِ إِلى سارَة وقال: «هَلُمِّي بِثَلاثَةِ أَصْواعٍ مِن السَّميدِ النَّاعِم فٱعجِنيها وٱصنَعيها فَطائر». ٧وبادَرَ إِبْراهيمُ إِلى البَقَر، فأَخَذَ عِجْلًا رَخْصًا طَيِّبًا وسَلَّمَه إِلى الخادِم فأَسرَعَ في إِعْدادِه. ٨ثُمَّ أَخَذَ لَبَنًا وحَليبًا والعِجْلَ الَّذي أَعَدَّه وجَعَلَ ذٰلكَ بَينَ أَيْديهِم وهو واقِفٌ بِالقُربِ مِنهم تَحتَ الشَّجَرة، فأَكلوا.

٩ثُمَّ قالوا لَه: «أَينَ سارةُ ٱمرَأَتُكَ؟» قال: «هي في الخَيمة». ١٠قال: «سأَعودُ إِلَيكَ في مِثْلِ هٰذا الوَقت، ويَكونُ لِسارةَ ٱمرَأَتِكَ ٱبنٌ». وكانَت سارةُ تَتَسمَّعُ عِندَ بابِ الخَيمَةِ الَّذي وَراءَه. ١١وكانَ إِبْراهيمُ وسارةُ شَيخَينِ طاعِنَينِ في السِّنّ، وقَدِ ٱنقَطَعَ عن سارةَ ما يَجْري لِلنِّساء. ١٢فضَحِكَت سارةُ في نَفْسِها قائلةً: «أَبَعْدَ هَرَمي أَعرِفُ اللَّذَّة، وسَيِّدي قد شاخ؟» ١٣فقالَ الرَّبُّ لإِبْراهيم: «ما بالُ سارةَ قد ضَحِكَت قائلَةً: «أَحَقًّا أَلِدُ وقَد شِخْتُ؟ ١٤هَل مِن أَمْرٍ يُعجِزُ الرَّبّ؟ في مِثلِ هٰذا الوَقْتِ أَعودُ إِلَيكَ ويَكونُ لِسارةَ ٱبنٌ». ١٥فأَنكَرَت سارةُ قائلة: «لم أَضحَكْ»، ذٰلك بأَنَّها خافَت. فقال: «لا، بل ضَحِكْتِ».

شفاعة إبراهيم

١٦ثُمَّ قامَ الرِّجالُ مِن هُناكَ وٱتَّجَهوا نَحوَ سَدوم، ومَضى إِبْراهيمُ مَعَهم لِيُشَيِّعَهم. ١٧فقالَ الرَّبّ: «أَأَكتُمُ عن إِبْراهيمَ ما أَنا صانِعُه. ١٨وإِبْراهيمُ سيَصيرُ أُمَّةً كبيرةً مُقتَدِرَةً وتَتَبارَكُ بِه أُمَمُ الأرضِ كلُّها؟ ١٩وقدِ ٱختَرتُه لِيُوصِيَ بَنيه وبَيتَه مِن بَعدِه بِأَن يَحفَظوا طَريقَ الرَّبَّ لِيَعمَلوا بِالبِرِّ والعَدْل، حتَّى يُنجِزَ الرَّبُّ لإِبْراهيمَ ما وَعَدَه بِه». ٢٠فقالَ الرَّبّ: «إِنَّ الصُّراخَ على سَدومَ وعَمورَةَ قدِ ٱشتَدَّ وخَطيئَتَهم قد ثَقُلَت جِدًّا. ٢١أَنزِلُ وأَرى هَل فَعَلوا أم لا بِحَسَبِ ما بَلَغَني مِن صُراخٍ علَيها، فأَعلَم».

٢٢وٱنصَرَفَ الرَّجُلانِ مِن هُناكَ ومَضَيا نَحوَ سَدوم، وبَقِيَ إِبْراهيمُ واقِفًا أَمامَ الرَّبّ. ٢٣فَتَقَدَّمَ إِبْراهيمُ وقال: «أَحَقًّا تُهلِكُ البارَّ مع الشِّرِّير؟ ٢٤لعلَّه يُوجَدُ خَمْسونَ بارًّا في المدينة، أَحَقًّا تُهلِكُها ولا تَصْفَحُ عَنها مِن أَجلِ الخَمْسينَ بارًّا الَّذينَ فيها؟ ٢٥حاشَ لَكَ أَن تَصنَعَ مِثلَ هٰذا: أَن تُميتَ البارَّ مع الشِّرِّير، فيَكونُ البارُّ كالشِّرِّير. حاشَ لَكَ! أَدَيَّانُ الأَرضِ كُلِّها لا يَدينُ بالعَدْل؟». ٢٦فقالَ الرَّبّ: «إِن وَجدتُ في سَدومَ خَمْسينَ بارًّا في المَدينة، فإِنِّي أَصْفَحُ عن المَكانِ كُلِّه مِن أَجْلِهم».

٢٧فأَجابَ إِبْراهيمُ وقال: «قد أَقدَمتُ على الكلامِ مع سَيِّدي، وأَنا تُرابٌ ورَماد. ٢٨لَرُبَّما نَقَصَ الخَمْسونَ بارًّا خَمْسَةً، أَفتُهلِكُ المَدينةَ كُلَّها بِسَبَبِ الخَمْسَة؟» ٢٩فقال: «لا أُهلِكُها، إِن وَجَدتُ هُناكَ خَمسَةً وأَربَعين». ثُمَّ عادَ أَيضًا وكَلَّمَه فقال: «لَرُبَّما وُجِدَ هُناكَ أَربَعون». فقال: «لا أَفعَلُ مِن أَجعلِ الأَربَعين».

٣٠قالَ إِبْراهيم: «لا يَغضَبْ سَيِّدي أَن أَتَكَلَّم: لَرُبَّما وُجِدَ هُناكَ ثَلاثون». فقال: «لا أَفعَل، إِن وَجَدتُ هُناكَ ثَلاثين». ٣١قال: «قد أَقدَمتُ على الكَلامِ مع سَيِّدي: لَرُبَّما وُجِدَ هُناكَ عِشْرون». قال: «لا أُهلِكُ مِن أَجْلِ العِشْرين». ٣٢فقال: «لا يَغضَبْ سَيِّدي أَن أَتَكَلَّمَ أيضًا هٰذه المَرَّةَ الأَخيرة: لَرُبَّما وُجِدَ هُناكَ عَشَرَةَ». قال: «لا أُهلِكُ مِن أَجْلِ العَشَرَة».

٣٣ومَضى الرَّبُّ عِندَما ٱنْتَهى مِنَ الكَلامِ معَ إِبْراهيم، ورَجَعَ إِبْراهيمُ إِلى مَكانِه.

التكوين ١٩

تدمير سدوم

١فجاءَ المَلاكانِ إِلى سَدومَ مَساءً، وكانَ لُوطٌ جالِسًا عِندَ بابِ سَدوم. فلَمَّا رآهُما لُوط، قامَ لِلِقائِهِما وسَجَدَ بِوَجهِه إِلى الأَرض. ٢وقال: «سَيِّدَيَّ، مِيلا إِلى بَيتِ عَبدِكُما وبيتا وٱغْسِلا أَرجُلَكما، ثُمَّ تُبَكِّرانِ وتَمضِيانِ في سَبيلِكُما». فقالا: «لا، بل في السَّاحةِ نَبيت». ٣فأَلَحَّ عَليهِما كَثيرًا، فمالا إِلَيه ودَخَلا مَنزِلَه. فصَنَعَ لَهُما مَأدُبَةً وخَبَزَ فَطيرًا، فأكلا.

٤وقَبلَ أَن يَضْطَجِعا، إِذا بأَهلِ المَدينة، أَهلِ سَدوم، قد أَحاطوا بِالمَنزِل، مِنَ الصَّبِيِّ إِلى الشَّيخ، جَميعُ القَومِ إِلى آخِرِهِم. ٥فنادوا لُوطًا وقالوا له: «أَينَ الرَّجُلانِ اللَّذانِ قَدِما إِلَيكَ في هٰذه اللَّيلَة؟ أَخرِجْهُما لِكَي نَعرِفَهُما».

٦فخَرَجَ إِلَيهِم لُوطٌ إِلى المَدخَل وأَغلَقَ البابَ وَرَاءَه ٧وقال: «أَسأَلُكم أَلَّا تَفعَلوا شَرًّا، يا إِخْوتَي. ٨هاءَنَذا لِيَ ٱبنَتانِ ما عَرَفَتا رَجُلًا: أُخرِجُهُما إِلَيكُم، فٱصنَعوا بِهِما ما حَسُنَ في أَعيُنِكم. وأَمَّا هٰذانِ الرَّجُلانِ، فلا تَفعَلوا بِهِما شَيئًا، لِأَنَّهما دَخَلا تَحتَ ظِلِّ سَقْفي». ٩فقالوا: «تَنَحَّ مِن هنا!». ثُمَّ قالوا: «هٰذا رَجُلٌ يَنزِلُ بِنا فيُقيمُ نَفسَه حاكِمًا! الآنَ نَفعَلُ بِكَ أَسْوَأَ مِمَّا نَفعَلُ بِهِما». وضَيَّقوا على لُوط وتقَدَّموا لِيَكْسِروا الباب. ١٠فَمَدَّ الرَّجُلانِ أَيدِيَهُما وأَدخلا لُوطًا إِلَيهما إِلى البَيتِ وأَغلَقا الباب. ١١وأَمَّا القَومُ الَّذينَ عِندَ بابِ البَيت، فضَرَباهم بِالعَمى مِن صَغيرِهِم إِلى كَبيرِهِم، فلَم يَقدِروا أَن يَجِدوا الباب.

١٢وقالَ الرَّجُلانِ لِلُوط: «مَن لَكَ أَيضًا هٰهُنا؟ أَصْهارُكَ وبَنوكَ وبناتُكَ وجَميعُ مَن لَكَ في المدينة أَخْرِجْهُم مِن هٰذا المكان، ١٣فإِنَّنا مُهلِكانِ هٰذا المكان، فقَدِ ٱشتَدَّ الصُّراخُ علَيهِم أَمامَ الرَّبّ، وقَد أَرسَلَنا الرَّبُّ لِنُهلِكَ المَدينة». ١٤فخَرَجَ لُوطٌ وكَلَّمَ أَصْهارَه الَّذينَ سيَتَّخِذونَ بَناتِه وقالَ لَهم: «قوموا وٱخرُجوا مِن هٰذا المَكان، لِأَنَّ الرَّبَّ مُهلِكٌ المَدينة». فكانَ كمازِحٍ في أَعيُنِ أَصْهارِه.

١٥فلَمَّا طَلَعَ الفَجْر، أَلَحَّ المَلاكانِ على لُوطٍ قائِلَين: «قَمْ فخُذِ ٱمرَأَتَكَ وٱبنَتَيكَ المَوجودَتَينِ هُنا، لِئَلَّا تَهلِكَ بِعِقابِ المَدينة». ١٦فَتَرَدَّدَ لُوط، فأَمسَكَ الرَّجُلانِ بِيَدِه وبِيَدِ ٱمرَأَتِه وٱبنَتَيه، لِشفَقَةِ الرَّبِّ علَيه، وأَخْرَجاه ووَضَعاه خارِجَ المَدينة.

١٧فلَمَّا أَخْرَجاهم إِلى خارِج قالا: «اُنْجُ بِنَفسِكَ. لا تَلتَفِتْ إِلى وَرائِكَ ولا تَقِفْ في السَّهلِ كُلِّه، وٱنجُ إِلى الجَبَلِ لِئَلَّا تَهلِك». ١٨فقالَ لَهُما لُوط: «لا، أَرْجوك، يا سيِّدي. ١٩إنَّ عَبدَكَ قد نالَ حُظْوَةً في عَينَيكَ، وعَظُمَت رَحمَتُكَ الَّتي صَنَعتَها إِلَيَّ بِإِبْقائِكَ على حَياتي. إِنِّي لا أَستَطيعُ النَّجاةَ إِلى الجَبَلِ دونَ أَن يَلحَقَ بِيَ الشَّرُّ فأَموت. ٢٠ها إِنَّ هٰذه المَدينةَ قَريبةٌ لِلْهَرَبِ إِلَيها، وهي صَغيرة، فدَعْني أَنْجو إِلَيها – أَلَيسَت صَغيرة؟ – فتَحْيا نَفْسي». ٢١فقالَ لَه: «هاءَنَذا قد أَكرَمتُ وَجهَكَ في هذا الأَمرِ أَيضًا بِأَن لا أَقلِبَ المَدينةَ الَّتي ذَكَرتَها. ٢٢أَسرِعْ بِالنَّجاةِ إِلى هُناكَ، فإِنِّي لا أَستَطيعُ أَن أَعمَلَ شَيئًا إِلى أَن تَصيرَ إِلَيها». لِذٰلِكَ سُمِّيَتِ المَدينةُ صُوعَر.

٢٣ولَمَّا أَشرَقَتِ الشَّمْسُ على الأَرض، دَخَلَ لُوطٌ صُوعَر. ٢٤وأَمطَرَ الرَّبُّ على سَدومَ وعَمورةَ كِبْريتًا ونارًا مِنَ السَّمَوات، ٢٥وقَلَبَ تِلكَ المُدُنَ وكُلَّ السَّهْلِ وجَميعَ سُكَّانِ المُدُنِ ونَباتَ الأَرض. ٢٦فٱلتَفَتَتِ ٱمرَأَةُ لُوطٍ إِلى وَرائِها فصارَت نُصْبَ مِلْح.

٢٧فبَكَّرَ إِبْراهيمُ إِلى المَكانِ الَّذي وَقَفَ فيه أَمامَ الرَّبّ، ٢٨وتَطَلَّعَ إِلى جِهَةِ سَدومَ وعَمورةَ وأَرضِ السَّهلِ كُلِّها ونَظَرَ، فإِذا دُخانُ الأرضِ صاعِدٌ كَدُخانِ الأَتُّون.

٢٩ولَمَّا أَهلَكَ اللهُ مُدُنَ السَّهْل، ذَكَرَ اللهُ إِبْراهيم فٱنتَشَلَ لُوطًا مِن وَسَطِ الكارِثة، حينَ قَلَبَ المُدُنَ الَّتي كانَ لُوطٌ مُقيمًا فيها.

أَصل الموآبيِّين والعَمُّونيِّين

٣٠وصَعِدَ لُوطٌ مِن صُوعَر وأَقامَ في الجَبَل هو وٱبنَتاه معَه، لِأَنَّه خافَ أَن يُقيمَ في صُوعَر. فأَقامَ في مَغارةٍ هو وٱبنتَاه.

٣١فقالَتِ الكُبْرى لِلصُّغْرى: «إِنَّ أَبانا قد شاخ، ولَيسَ في الأرضِ رَجُلٌ يَدخُلُ علَينا على عادةِ الأرضِ كُلِّها. ٣٢تَعالَي نَسْقي أَبانا خَمْرًا ونُضاجِعُه ونُقيمُ مِن أَبينا نَسْلًا». ٣٣فسَقَتا أَباهُما خَمْرًا في تِلكَ اللَّيلَة، وجاءَتِ الكُبْرى فضاجَعَت أَباها ولَم يَعلَمْ بِنِيامِها ولا قِيامِها. ٣٤فلَمَّا كانَ الغَد، قالَتِ الكُبْرى لِلصُّغْرى: «هاءَنَذا قد ضاجَعتُ أَمْسِ أَبي، فَلْنَسْقِه خَمْرًا هٰذه اللَّيلَةَ أَيضًا، وتَعالَي أَنتِ فضاجِعيه لِنُقيمَ مِن أَبينا نَسْلًا». ٣٥فَسَقَتا أَباهُما خَمْرًا في تِلكَ اللَّيلَةِ أَيضًا، وقامَتِ الصُّغْرى فضاجَعَته ولَم يَعلَمْ بِنِيامِها ولا قِيامِها. ٣٦فحَمَلَتِ ٱبنَتا لُوطٍ مِن أَبيهِما. ٣٧ووَلَدَتِ الكُبْرى ٱبنًا وسَمَّته موآب، وهو أَبو الموآبِيِّينَ إِلى اليَوم. ٣٨والصُّغْرى أَيضًا وَلَدَتِ ٱبنًا وسَمَّته بَنْعَمِّي، وهو أَبو بَني عَمُّونَ إِلى اليَوم.

التكوين ٢٠

إبراهيم في جَرار

١ورَحَلَ إِبْراهيمُ مِن هُناكَ إِلى أَرضِ النَّقَب وأَقامَ بَينَ قادِشَ وشُور ونَزَلَ بِجَرار.

٢وقالَ إِبْراهيمُ في سارةَ ٱمرَأَتِه: «هي أُخْتي». فأَرسَلَ أَبيمَلِك، مَلِكُ جَرار، فأَخَذَ سارة. ٣فأَتى اللهُ أَبيمَلِكَ في حُلْمِ اللَّيلِ وقالَ له: «إِنَّكَ ستَموتُ بِسَبَبِ المَرأَةِ الَّتي أَخَذتَها، فإِنَّها مُزَوَّجَةٌ مِن زَوج». ٤ولَم يَكُنْ أَبيمَلِكُ قد دَنا مِنْها. فقال: «سَيِّدي، أَوَثَنِيًّا وإِن كانَ بارًّا تَقتُل؟ ٥أَلَيسَ هو الَّذي قالَ لي: هي أُخْتي، وهي أَيضًا قالَت: هو أَخي. بِسَلامة قَلبي ونقاوَةِ كَفَّيَّ صَنَعتُ ذلك». ٦فقالَ لَه اللهُ في الحُلْم: «وأَنا أَيضًا قد عِلِمتُ أَنَّكَ بِسَلامةِ قَلبِكَ صَنَعتَ ذٰلك، فكَفَفتُكَ عن أَن تَخطَأَ إِلَيَّ، ولِذٰلك لم أَدَعْكَ تَمَسُّها. ٧والآن، رُدَّ ٱمرَأَةَ الرَّجُل، فإِنَّه نَبِيٌّ وهو يَدْعو لَكَ فَتَحْيا، وإِنْ لم تَرُدَّها فٱعلَمْ أَنَّكَ مَوتًا تَموتُ أَنتَ وجَميعُ مَن لَك».

٨فبَكَّرَ أَبيمَلِكُ في الغَدِ وَدَعا جَميعَ خَدَمِه وتكَلَّمَ بِجَميعِ هٰذه الأُمورِ على مَسامِعِهم، فخافَ القَومُ جِدًّا. ٩ثُمَّ دَعا أَبيمَلِكُ إِبْراهيمَ وقالَ له: «ماذا صَنَعتَ بنا؟ وبِمَاذا خَطِئتُ إِلَيكَ حتَّى جَلَبتَ علَيَّ وعلى مَمْلَكتي هٰذه الخَطيئةَ العظيمة؟ إِنَّكَ صَنَعتَ بي ما لا يُصنَع». ١٠وقالَ أَبيمَلِكُ لإِبْراهيم: «ما بَدا لَكَ مِنِّي حتَّى فَعَلتَ هٰذا الأَمْر؟» ١١فقالَ إِبْراهيم: «إِنِّي قُلتُ في نَفْسي: لا شَكَّ أَنْ لَيسَ في هٰذا المَكانِ خَوفُ الله، فيَقتُلونَني بِسَبَبِ ٱمرَأَتي. ١٢وفي الحَقيقةِ هي أُخْتي، ٱبنَةُ أَبي. لكِنَّها لَيسَتِ ٱبنَةَ أُمِّي، فصارتِ ٱمرَأَةً لي. ١٣فلَمَّا رَحَّلني اللهُ مِن بَيتِ أَبي، قُلتُ لَها: هٰذا ما تَتَفضَّلينَ به عَلَيَّ: حَيثُما جِئْنا فقُولي فِيَّ: هو أَخي».

١٤فأَخَذَ أَبيمَلِكُ غَنَمًا وبَقَرًا وخُدَّامًا وخادِمات وأَعْطاها إِبْراهيم ورَدَّ إِليه سارةَ ٱمرَأَته. ١٥وقالَ أَبيمَلِك: «هٰذه أَرْضي بَينَ يَدَيكَ، فحَيثُما طابَ لَكَ فأَقِمْ فيه». ١٦وقالَ لِسارة: «قد أَعطَيتُ أَخاكِ أَلْفَ مِثْقالٍ مِنَ الفَضَّةِ، تَكونُ لَكِ حِجابَ عَينٍ لِكُلِّ مَنْ مَعَكِ فَتَتَزَكَّينَ تَمامًا». ١٧فصَلَّى إِبْراهيمُ إِلى الله، فعافى اللهُ أَبيمَلِكَ وٱمرَأَتَه وخادِماتِه فَوَلَدنَ، ١٨لِأَنَّ الرَّبَّ كانَ قد حَبَسَ كُلَّ رَحِمٍ في بَيتِ أَبيمَلِك، بِسَبَبِ سارةَ امرَأَةِ إِبْراهيم.

التكوين ٢١

مولد إسحٰق

١وٱفتَقَدَ الرَّبُّ سارةَ كما قال، وصَنَعَ الرَّبُّ إِلى سارةَ كما قال. ٢فحَمَلَت سارةُ ووَلَدَت لإِبْراهيمَ ٱبنًا في شَيخوخَتِه في الوَقتِ الَّذي وَعَدَ اللهُ بِه. ٣فسَمَّى إِبْراهيمُ ٱبنَه المَولودَ له، الَّذي وَلَدَتَه لَه سارة، إِسحٰق. ٤وخَتَنَ إِبْراهيمُ إِسحٰقَ ٱبنَه، وهو ٱبنُ ثَمانِيَةِ أَيَّامِ، بِحَسَبِ ما أَمَرَه اللهُ بِه. ٥وكانَ إِبْراهيمُ ٱبنَ مِئَةِ سَنَةٍ حينَ وُلِدَ لَه إِسحٰقُ ٱبنُه. ٦وقالَت سارة: «جَعَلَ اللهُ لي ما يُضحِك، فكُلُّ مَن سَمِعَ بِذٰلك يَضحَكُ بِشَأني». ٧وقالت:

«من كانَ يَقولُ لإِبراهيم:

إِنَّ سارةَ سَتُرضِعُ البَنين!

فقَد وَلَدتُ ٱبنًا لِشَيخوخَتِه».

طَرْد هاجر وإسماعيل

٨وكَبِرَ الوَلَدُ وفُطِم، وأَقامَ إِبْراهيمُ مَأدُبةً عَظيمةً في يَومِ فِطامِ إِسحٰق. ٩ورَأَت سارةُ ٱبنَ هاجَرَ المِصرِيَّةِ الَّذي وَلَدَتَه لإِبْراهيمَ يَلعَبُ مع ٱبنِها إِسحٰق. ١٠فقالَت لإِبْراهيم: «أُطْرُدْ هٰذه الخادِمةَ وٱبنَها، فإِنَّ ٱبنَ هٰذه الجارِيَةِ لَن يَرِثَ مع ٱبْني إِسحٰق». ١١فساءَ هٰذا الكَلامُ جِدًّا في عَينَي إِبْراهيمَ بِشَأْنِ ٱبنِه. ١٢فقالَ اللهُ لإِبْراهيم: «لا يَسُؤْ في عَينَيكَ أَمْرُ الصَّبِيِّ وأَمْرُ خادِمَتِكَ. مَهْما قالَت لَك سارة، فٱسْمَعْ لِقَولِها، لِأَنَّه بِإِسحٰقَ يَكونُ لَكَ نَسْلٌ بِٱسمِكَ. ١٣وأَمَّا ٱبنُ الخادِمَة، فهو أَيضًا أَجعَلُه أُمَّةً عظيمةً، لِأَنَّه نَسلُكَ». ١٤فبَكَّرَ إِبْراهيمُ في الصَّباحِ وأَخَذَ خُبزًا وقِربَةَ ماء فأَعطاهُما هاجرَ وجَعَلَ الوَلَدَ على كَتِفِها، وصَرَفَها.

فمَضَت وتاهَت في بَرِّيَّةِ بِئرِ سَبْع. ١٥ونَفِدَ الماءُ مِنَ القِربَة، فطَرَحَتِ الوَلَدَ تَحتَ بَعضِ الشِّيح. ١٦ومَضَت فجَلَسَت تُجاهَه على بُعدِ رَميَةِ قَوس، لِأَنَّها قالَت: «لا رَأَيتُ مَوتَ الوَلَد!». فجَلَسَت تُجاهَه، ورَفَعَت صَوتَها وَبَكَت.

١٧وسَمِعَ اللهُ صَوتَ الصَّبِيِّ، فنادى مَلاكُ الرَّبَّ هاجَرَ مِنَ السَّماءِ وقالَ لها: «ما لَكِ يا هاجَر؟ لا تخافي، فإِنَّ اللهَ قد سَمِعَ صَوتَ الصَّبِيِّ حَيثُ هو. ١٨قومي فخُذي الصَّبِيَّ وشُدِّي علَيه يَدَكِ، فإِنِّي جاعِلُه أُمَّةً عظيمة». ١٩وفَتَحَ اللهُ عَينَيها فَرأَت بِئرَ ماءٍ، فمَضَت ومَلأَتِ القِرْبَةَ ماءً وسَقَتِ الصَّبِيّ.

٢٠وكانَ اللهُ معَ الصَّبِيِّ حتَّى كَبِرَ فأَقامَ بِالبَرِّيَّةِ وكانَ رامِيًا بِالقَوس. ٢١وأَقامَ بِبَرِّيَّةِ فاران، وٱتَّخَذَت لَه أُمُّه ٱمرَأَةً مِن أَرضِ مِصْر.

إِبراهيم وأَبيملك في بئر سبع

٢٢وكانَ في ذٰلك الزَّمانِ أَنَّ أَبيمَلِكَ وفِيكولَ، قائِدَ جَيشِه، كَلَّما إِبْراهيمَ قائِلَين: «إِنَّ اللهَ معَكَ في جميعِ ما تَعمَلُه. ٢٣والآنَ ٱحلِفْ لي بِاللهِ هٰهُنا أَنَّكَ لا تَخدَعُني ولا تَخدَعُ ذُرِّيَّتي وخَلَفي، بل تُعامِلُني وتُعامِلُ البَلَدَ الَّذي نَزَلتَ به بِالرَّحمةِ الَّتي عامَلتُكَ بِها». ٢٤فقالَ إِبْراهيم: «أَحْلِف».

٢٥وعاتَبَ إِبْراهيمُ أَبيمَلِكَ بِسَبَبِ بِئْرِ الماءِ الَّتي غَصَبَها خَدَمُ أَبيمَلِك. ٢٦فقالَ أَبيمَلِك: «لم أَعلَمْ مَن فَعَلَ هٰذا الأَمْر، وأَنتَ لم تُخْبِرْني، ولا أَنا سَمِعتُ إِلَّا اليَوم». ٢٧وأَخَذَ إِبْراهيمُ غَنَمًا وبَقَرًا فأَعْطاها أَبيمَلِك وقَطَعا كِلاهُما عَهدًا. ٢٨ووَضَعَ إِبْراهيمُ سَبْعَ نِعاجٍ مِنَ الغَنَمِ على حِدَة، ٢٩فَقالَ أَبيمَلِكُ لإِبْراهيم: «ما هٰذهِ النِّعاجُ السَّبعُ الَّتي وَضَعتَها على حِدَة؟». ٣٠قال: «سَبعَ نِعاجٍ تأخُذُ مِن يَدي لِتَكونَ شهادةً لي بِأَنِّي حَفَرتُ هٰذه البِئْر». ٣١ولِذٰلك سُمِّيَ ذٰلك المكانُ بِئْرَ سَبْعَ، لِأَنَّهما هُناكَ حَلَفا كِلاهُما.

٣٢وقَطَعا عَهْدًا في بِئْرِ سَبْع، وقامَ أَبيمَلِكُ وفيكولُ، قائِدُ جَيشِه، ورَجَعا إِلى أَرضِ الفَلِسْطينِيِّين. ٣٣وغَرَسَ إِبْراهيمُ طَرْفاءَةً في بِئْرَ سَبْع ودَعا هُناكَ بِٱسْمِ الرَّبِّ الإِلٰهِ السَّرمَديّ. ٣٤ونَزَلَ إِبْراهيمُ بِأَرضِ الفَلِسطينِيِّينَ أَيَّامًا كَثيرة.

التكوين ٢٢

مُحرقة إِبراهيم

١وكانَ بَعدَ هٰذه الأَحْداثِ أَنَّ اللهَ ٱمتَحَنَ إِبْراهيمَ فقالَ له: «يا إِبْراهيم». قالَ: «هاءَنَذا». ٢قال: «خُذِ ٱبنَكَ وَحيدَكَ الَّذي تُحِبُّه، إِسحٰق، وٱمضِ إِلى أَرضِ المورِيَّا وأَصعِدْه هُناكَ مُحرَقَةً على أَحَدِ الجِبالِ الَّذي أُريكَ».

٣فبَكَّرَ إِبْراهيمُ في الصَّباح وشَدَّ على حِمارِه وأَخَذَ معَه ٱثنَينِ مِن خَدَمِه وإِسحٰقَ ٱبنَه وشقَّقَ حَطَبًا لِلمُحرَقَة، وقامَ ومَضى إِلى المَكانِ الَّذي أَراه اللهُ إِيَّاه. ٤وفي اليَومِ الثالِث، رَفَعَ إِبْراهيمُ عَينَيه فرأَى المَكانَ مِن بَعيد. ٥فقالَ إِبْراهيمُ لِخادِمَيه: «أُمكُثا أَنتُما هٰهُنا معَ الحِمار، وأَنا والصَّبِيُّ نَمْضي إِلى هُناكَ فَنَسجُدُ ونَعودُ إِلَيكُما».

٦وأَخَذَ إِبْراهيمُ حَطَبَ المُحرَقَة وجَعَلَه على إِسحٰقَ ٱبنِه، وأَخَذَ بِيَدِه النَّارَ والسِّكِّين وذَهَبا كِلاهُما معًا. ٧فكَلَّمَ إِسحٰقُ إِبْراهيمَ أَباه قال: «يا أَبتِ». قال: «هاءَنَذا، يا بُنَيَّ». قال: «هٰذه النَّارُ والحَطَب، فأَينَ الحَمَلُ لِلمُحرَقة؟» ٨فقالَ إِبْراهيم: «اللهُ يَرَى لِنَفْسِه الحَمَلَ لِلمُحرَقَة، يا بُنَيَّ» ومَضَيا كِلاهُما معًا.

٩فلَمَّا وَصَلا إِلى المَكانِ الَّذي أَراه اللهُ إِيَّاه، بَنى إِبْراهيمُ هُناكَ المَذبَح ورَتَّبَ الحَطَب ورَبَطَ إِسحٰقَ ٱبنَه وجَعَله على المَذبَحِ فَوقَ الحَطَب. ١٠ومَدَّ إِبْراهيمُ يَدَه فأَخَذَ السِّكِّينَ لِيَذبَحَ ٱبنَه.

١١فناداه مَلاكُ الرَّبِّ مِنَ السَّماءِ قائلًا: «إِبْراهيمُ إِبْراهيم!» قال: «هاءَنَذا». ١٢قال: «لا تَمُدَّ يَدَكَ إِلى الصَّبِيِّ ولا تَفْعَلْ بِه شَيئًا، فإِنِّي الآنَ عَرَفتُ أَنَّكَ مُتَّقٍ للهِ، فلم تُمْسِكْ عنِّي ٱبنَكَ وَحيدَكَ». ١٣فَرَفَعَ إِبْراهيمُ عَينَيه ونَظَر، فإِذا بِكَبشٍ واحِدٍ عالِقٍ بِقَرنَيه في دَغَل. فعَمَدَ إِبْراهيمُ إِلى الكَبْشِ وأَخَذَه وأَصعَدَه مُحرَقةً بَدَلَ ٱبنِه. ١٤وسَمَّى إِبْراهيمُ ذٰلكَ المَكانَ «الرَّبُّ يَرى»، ولِذٰلِكَ يُقالُ اليَوم: «في الجَبَل، الرَّبُّ يَرى».

١٥ونادى مَلاكُ الرَّبِّ إِبْراهيمَ ثانِيَةً مِنَ السَّماءِ ١٦وقال: «بِنَفْسي حلَفْتُ، يَقولُ الرَّبّ، بِما أَنَّكَ فَعَلتَ هٰذا الأَمرَ ولَم تُمسِكْ عنِّي ٱبنَكَ وَحيدَكَ، ١٧لَأُبارِكَنَّكَ وأُكَثِّرَنَّ نَسلَكَ كنُجومِ السَّماء وكالرَّملِ الَّذي على شاطئِ البَحر، ويَرِثُ نَسلُكَ مُدُنَ أَعدائِه، ١٨ويَتَبارَكُ بِنَسلِكَ جَميعُ أُمَمِ الأَرض، لِأَنَّكَ سَمِعتَ قَولي».

١٩ثُمَّ رَجَعَ إِبْراهيمُ إِلى خادِمَيه، فقاموا ومَضَوا مَعًا إِلى بِئرَ سَبْع، وأَقامَ إِبْراهيمُ في بِئْرَ سَبْع.

سلالة ناحور

٢٠وبعد هٰذه الأَحْداث، أُخبِرَ إِبْراهيمُ وقيلَ له: «إِنَّ مِلْكَةَ أَيضًا قد وَلَدَت بَنينَ لِناحورَ أَخيكَ: ٢١عُوصًا بِكْرَه وبُوزًا أَخاه وقَموئيلَ أَبا أَرام ٢٢وكاسَد وحَزْوًا وفِلْداش ويِدْلاف وبَتوئيل» (ووَلَدَ بَتوئيلُ رِفقَة). ٢٣هٰؤُلاءِ الثَّمانِيَةُ وَلَدَتهُم مِلْكَةُ لِناحورَ أَخي إِبْراهيم. ٢٤وسُرِّيَّتُه، وٱسمُها رَؤُومة، وَلَدَت أَيضًا طابَح وجاحَم وطاحَش ومَعْكَة.

التكوين ٢٣

قبور الآباء

١وكانَت سِنو عُمْرِ سارةَ مِئَةً وسَبْعًا وعِشرينَ سَنَة. ٢وماتت سارةُ في قِرْيَةَ أَربَع، وهي حَبْرون، في أَرضِ كَنْعان. فأَقبَلَ إِبْراهيمُ يَندُبُ سارةَ ويَبْكيها.

٣وقامَ إِبْراهيمُ مِن أَمامِ مَيتِه وكَلَّمَ بَني حِثٍّ ٤قائلًا: «أَنا نَزيلٌ ومُقيمٌ عِندَكم. أَعْطوني مِلْكَ قَبْرٍ عِندكم فأَدفِنَ مَيتي مِن أَمامِ وَجْهي»٥فأَجابَ بَنو حِثٍّ إِبْراهيمَ قائِلينَ له: ٦«أَلا ٱسمَعْنا يا سَيِّدي. أَنتَ زَعيمٌ للهِ في وَسْطِنا: في أَفضَلِ قُبورِنا ٱدْفِنْ مَيتَكَ، فلَيسَ أَحَدٌ مِنَّا يَرفُضُ لكَ قَبرَه لِتَدفِنَ فيه مَيتَكَ».

٧فقامَ إِبْراهيمُ وسَجَدَ لِأَهْل البَلَد، أَي لِبَني حِثّ، ٨وكلَّمهم قائلًا: «إِن طابَت نُفوسُكم بِأَن أَدفِنَ مَيتي مِن أَمامِ وَجْهي، فٱسمَعوا لي وٱسأَلوا لي عَفْرونَ بْنَ صُوحَر ٩أَن يُعطِيَني مغارةَ المَكْفيلةِ الَّتي لَه في طَرَفِ حَقلِه في وَسْطِكم، يُعْطيني إِيَّاها بِثَمَنِها الكامِلِ لِتَكونَ لي مِلْكَ قَبرٍ». ١٠وكانَ عَفْرونُ جالِسًا في وَسْطِ بني حِثّ، فأَجابَ عَفْرونُ الحِثِّيُّ إِبْراهيمَ على مسامِعِ بَني حِثّ، أَمامَ كُلِّ مَن دَخَلَ بابَ مَدينَتِه، قائِلًا: ١١«لا يا سَيِّدي، اِسمَعْ لي. الحَقْلُ قد وَهَبتُه لَكَ، والمَغارةُ الَّتي فيه أَيضًا وَهَبتُها لَكَ مِنِّي، على مَشهَدِ بَني قَومي وَهَبتُها لَكَ. إِدْفِنْ مَيتَكَ».

١٢فسَجَدَ إِبْراهيمُ أَمامَ أَهْلِ البَلَد، ١٣وكلَّمَ عَفْرونَ على مسامِعِهم قائِلًا: «أَسأَلُكَ أَن تَسمَعَ لي. أُعْطيكَ ثَمَن الحَقْل، فخُذْه مِنِّي فأَدفِنَ مَيتي هُناك». ١٤فأَجاب عَفْرونُ إِبْراهيمَ وقالَ له: ١٥«يا سَيِّدي، اِسمَعْ لي: أَرضٌ تُساوي أَربَعَ مِئَةِ مِثْقالِ فِضَّة، ما عسى أَن تَكونَ بَيني وبَينَك؟ اِدفِنْ». ١٦فلَمَّا سَمِعَ إِبْراهيمُ ذٰلك مِنه، وَزَنَ لَه الفِضَّةَ الَّتي ذَكَرَها على مَسامِعِ بني حِثّ، أَربَعَ مِئَةِ مِثْقالِ فِضَّة، مِمَّا هو رائِجٌ بَينَ التُّجَّار.

١٧فحَقْلُ عَفْرونَ الَّذي في المَكْفيلةِ الَّتي تُجاهَ مَمْرا، الحَقْلُ والمَغارَةُ الَّتي فيه، وكُلُّ ما فيه منَ الشَّجَر بِجَميعِ حُدودِه المُحيطةِ بِه. ١٨ذٰلِكَ كُلُّه أَصبَحَ مِلْكًا لإِبْراهيمَ بِمَشهَدِ بَني حِثّ وكُلِّ مَن دَخَلَ بابَ مَدينَتِه. ١٩وبَعدَ ذٰلك، دَفَنَ إِبْراهيمُ سارةَ امرَأَتَه في مَغارةِ حَقْلِ المَكْفيلة تُجاهَ مَمْرا، وهي حَبْرون، في أَرْضِ كَنْعان. ٢٠وأَصبَحَ الحَقلُ والمَغارَةُ الَّتي فيه لإِبْراهيمَ مِلْكَ قَبرٍ مِن عِنْدِ بَني حِثّ.

التكوين ٢٤

زواج إسحٰق

١وشاخَ إِبْراهيمُ وطَعَنَ في السِّنّ، وكانَ الرَّبُّ قد بارَكَ إِبْراهيمَ في كُلِّ شَيء. ٢وقالَ إِبْراهيمُ لِأَقدَمِ خُدَّامِ بَيتِه، المُوَلَّى على جَميعِ ما لَه: «ضَعْ يَدَكَ تَحتَ فَخِذي. ٣فأَستَحلِفَكَ بِالرَّبِّ، إِلٰهِ السَّماءِ وإِلٰهِ الأَرض، أَن لا تَأْخُذَ زَوجَةً لِٱبْني مِن بَناتِ الكَنْعانِيِّينَ الَّذينَ أَنا مُقيمٌ في وَسْطِهم، ٤بل إِلى أَرْضي وإِلى عشيرتي تَذهَبُ وتأخُذُ زَوجَةً لِٱبْني إِسحٰق». ٥فقالَ لَه الخادِم: «لَعَلَّ المَرأَةَ لا تُريدُ أَن تَتبَعَني إِلى هٰذه الأَرض، فَهَل أَرُدُّ ٱبنَكَ إِلى الأَرضِ الَّتي خَرجتَ مِنها؟» ٦فقالَ لَه إِبْراهيم: «إِيَّاكَ أَن تَرُدَّ ٱبْني إِلى هُناكَ. ٧إِنَّ الرَّبَّ، إِلٰهَ السَّماءِ وإِلٰهَ الأَرض، الَّذي أَخَذَني مِن بَيتِ أَبي ومِن مَسقَطِ رأسي، والَّذي كَلَّمَني والَّذي أَقسَمَ لي قائِلًا: لِنَسلِكَ أُعْطي هٰذه الأَرض، هو يُرسِلُ مَلاكَه أَمامَكَ فتأخُذُ زَوجَةً لِٱبْني مِن هُناك. ٨وإِن لم تُرِدِ المَرأَةُ أَن تَتبَعَكَ، فأَنتَ بَريءٌ مِن قَسَمي هٰذا. أَمَّا ٱبْني فلا تَرجِعْ بِه إِلى هُناكَ». ٩فوَضَعَ الخادِمُ يَدَه تَحتَ فَخِذِ سَيِّدِه وحَلَفَ له على ذٰلك.

١٠وأَخَذَ الخادِمُ عَشرَةَ جِمالٍ مِن جِمالِ سَيِّدِه ومضى، وفي يَدِه مِن خَيراتِ سَيِّدِه كُلِّها، وقامَ ومضى إلى أَرامِ النَّهرَين، إِلى مَدينةِ ناحور. ١١فأَناخَ الجِمالَ خارِجَ المَدينة، بِالقُربِ مِن بِئرِ الماء، عِندَ المَساء، وَقتَ خُروجِ المُستَقِيات. ١٢وقال: «أَيُّها الرَّبّ، إِلٰهُ سَيِّدي إِبْراهيم، يَسِّرْ لِيَ اليَوم وٱصنَعْ رَحمَةً إِلى سَيِّدي إِبْراهيم! ١٣هاءَنَذا واقِفٌ بالقُربِ مِن عَينِ الماء، وبَناتُ أَهْلِ المَدينةِ خارِجاتٌ لِيَستَقينَ ماءً. ١٤فَلْيَكُنْ أَنَّ الفَتاةَ الَّتي أَقولُ لَها: أَميلي جَرَّتَكِ حتَّى أَشرَب، فتَقول: اِشْرَبْ، وأَنا أَسْقي جِمالَكَ أَيضًا، تَكونُ هي الَّتي عَيَّنتَها لِعَبدِكَ إِسحٰق، وبِذٰلك أَعلَمُ أَنَّك صَنَعتَ رَحمَةً إِلى سَيِّدي».

١٥فكانَ قَبْلَ الِانتِهاءِ مِن كَلامِه أَن خَرَجَت رفقَةُ الَّتي وُلِدَت لِبَتوئيل، اِبْنِ مِلْكَة، اِمْرَأَةِ ناحور، أَخي إِبْراهيم، وجَرَّتُها على كَتِفِها. ١٦وكانَتِ الفتاةُ جَميلَةَ المَنظَرِ جِدًّا، عَذْراءَ لم يَعْرِفْها رَجُل. فنَزَلَت إِلى العَين وملَأَت جَرَّتَها وصَعِدَت. ١٧فأَسرَعَ الخادِمُ إِلى لِقائِها وقال: «اِسْقيني قليلًا مِن ماءِ جَرَّتِكِ». ١٨فقالت: «اِشْرَبْ يا سَيِّدي»، وأَسرَعَت فأَنْزَلَت جَرَّتَها على يَدِها وسَقَته. ١٩ولَمَّا ٱنْتَهَت مِن سَقْيِه، قالت: «أَسْتَقي لِجمالِكَ أَيضًا حتَّى تَنْتَهِيَ مِنَ الشُّرْب». ٢٠وأَسْرَعَت وأَفرَغَت جَرَّتَها في المَسْقاة وأَسرَعَت أَيضًا إِلى البِئرِ لِتَستَقِيَ، فٱستَقَت لِجَميعِ جِمالِه. ٢١وبَقِيَ الرَّجُلُ مُتَأَمِّلًا إِيَّاها صامِتًا، لِيَعلَمَ هَل أَنْجَحَ اللهُ طَريقَه أَم لا.

٢٢فلَمَّا فَرَغَتِ الجِمالُ مِن شُرْبها، أَخَذَ الرَّجُلُ حَلقَةَ أَنْفٍ مِن ذَهَب وَزْنُها نِصْفُ مِثْقال، وسِوارَينِ لِيَدَيها وَزْنُهما عَشْرَةُ مَثاقيلِ ذَهَب، ٢٣وقال: «بِنْتُ مَن أَنتِ؟ أَخْبِريني هل في بَيتِ أَبيكِ مَوضِعٌ نَبيتُ فيه؟» ٢٤فقالَت لَه: «أَنا ٱبنَةُ بَتوئيلَ ٱبنِ مِلْكَةَ الَّذي وَلَدَته لِناحور». ٢٥وقالت لَه: «عِندَنا كَثيرٌ مِنَ التِّبْنِ والعَلَف ومَوضِعٌ لِلمَبيتِ أَيضًا». ٢٦فٱنحَنى وسَجَدَ لِلرَّبّ، ٢٧وقال: «تَبارَكَ الرَّبُّ، إِلٰهُ سَيِّدي إِبْراهيمَ الَّذي لم يَقْطَعْ رَحمَتَه ووَفاءَه عن سَيِّدي وهَداني في طَريقي إِلى بَيتِ أَخي سَيِّدي».

٢٨فَرَكَضَتِ الفَتاةُ وأَخبَرَت بَيتَ أُمِّها بِهٰذِه الأُمور. ٢٩وكانَ لِرِفقَةَ أَخٌ ٱسمُه لابان، فرَكَضَ لابانُ إِلى الرَّجُلِ، إِلى العَينِ، خارِجًا. ٣٠وكانَ أَنَّه، إِذ رأَى الحَلقَةَ والسِّوارَينِ في يَدَي أُختِه وسَمِعَ كَلامَ رِفْقَةَ أُخْتِه قائِلةً: كذا خاطَبَني الرَّجُل، ذَهَبَ إِلَيه، فإِذا هو واقِفٌ مع الجِمالِ عِندَ العَين. ٣١فقال: «اُدخُلْ، يا مُبارَكُ الرَّبّ، لِماذا تَقِفُ خارِجًا، فإِنِّي قد هَيَّأتُ البَيتَ وموضِعًا لِلجِمال». ٣٢وأَدخَلَ الرَّجُلَ إِلى البَيت وحَلَّ عنِ الجِمال وطَرَحَ لَها تِبْنًا وعَلَفًا، وأَعطى الرَّجُلَ ماءً لِيَغسِلَ رِجْلَيه وأَرجُلَ القَومِ الَّذينَ معَه.

٣٣ثُمَّ وُضِعَ الطَّعامُ أَمامَه لِيأكُل، فقال: «لا آكُلُ حتَّى أَقولَ ما عِنْدي». فقالَ لَه لابان: «قُلْ». ٣٤قالَ: «أَنا خادِمُ إِبْراهيم. ٣٥والرَّبُّ قد بارَكَ سَيِّدي جِدًّا فصارَ غَنِيًّا: رَزَقَه غَنَمًا وبَقَرًا وفِضَّةً وذَهَبًا وخَدَمًا وخادِماتٍ وجِمالًا وحَميرًا. ٣٦ووَلَدَت سارةُ ٱمرَأَةُ سَيِّدي ٱبنًا لِسَيِّدي، بَعدَ أَن شاخَت، فأعْطاه جَميعَ ما له. ٣٧وقدِ ٱستَحلَفَني سَيِّدي قائلًا: لا تأخُذْ لِٱبْنِيَ ٱمرَأَةً مِن بَناتِ الكَنْعانيِّينَ الَّذينَ أَنا مُقيمٌ بأَرضِهِم، ٣٨بل إِلى بَيتِ أَبي وإِلى عَشيرَتي تَذهَبُ وتأخُذُ ٱمرَأَةً لِٱبْني. ٣٩فقُلتُ لِسَيِّدي: لَعَلَّ المَرأَةَ لا تَتبَعُني. ٤٠فقالَ لي: إِنَّ الرَّبَّ الَّذي سِرتُ أَمامَه يُرسِلُ مَلاكَه مَعَكَ ويُنجِحُ طَريقَكَ، فتَأخُذُ ٱمرَأَةً لِٱبْني مِن عَشيرَتي ومِن بَيتِ أَبي. ٤١حينَئِذٍ تَبرَأُ مِن دُعائي علَيكَ، لِأَنَّك تَكونُ قد ذَهَبتَ إِلى عَشيرَتي. وإِن هُم لم يُعْطوكَ، كُنتَ بَريئًا مِن دُعائي علَيكَ. ٤٢فجئتُ اليَومَ إِلى العَينِ فقُلتُ: أَيُّها الرَّبُّ إِلٰهُ سَيِّدي إِبْراهيم، إِن كُنتَ تُنجِحُ طَريقيَ الَّذي أَنا سائِرٌ فيه، ٤٣فهاءَنَذا واقِفٌ على عَينِ الماء. فالفَتاةُ الَّتي تَخرُجُ لِتَستَقِيَ، فأَقولُ لَها: اِسقْيني قَليلًا مِنَ الماءِ مِن جَرَّتِكِ، ٤٤فتَقولُ لي: اِشْرَبْ، وأنا أَستَقي لِجِمالِكَ أَيضًا، تَكونُ هِيَ المَرأَةَ الَّتي عَيَّنَها الرَّبُّ لِٱبنِ سَيِّدي. ٤٥وقَبلَ أَن أَنتَهِيَ مِنَ الكَلامِ في قَلْبي، إِذا بِرِفقَةَ خارِجةٌ وجَرَّتُها على كَتِفِها، فنَزَلَت إِلى العَيْنِ وٱستَقَت. فقُلتُ لها: اِسْقيني. ٤٦فأَسرَعَت وأَنزَلَت جَرَّتَها وقالَت: اِشْرَبْ، وأَنا أَسْقي جِمالَكَ أَيضًا. فشَرِبتُ، وسَقَتِ الجِمالَ أَيضًا. ٤٧فسأَلْتُها وقُلتُ: بِنتُ مَن أنتِ؟ فقالَت: بِنتُ بَتوئيلَ بْنِ ناحورَ الَّذي وَلَدَته لَه مِلْكَة. فجَعَلَتُ الحَلقَةَ في أَنفِها والسِّوارَين في يَدَيها. ٤٨وٱرتَمَيتُ إِلى الأَرضِ وسَجَدتُ لِلرَّبِّ وبارَكْتُ الرَّبَّ إِلٰهَ سَيِّدي إِبْراهيمَ الَّذي هَداني طريقًا صالِحًا لِآخُذَ ٱبنَةَ أَخي سَيِّدي لِٱبنِه. ٤٩والآن إِن كُنتُم صانِعينَ رَحمَةً ووَفاءً إِلى سَيِّدي، فأَعلِموني بِذٰلِكَ، وإِلَّا فأَعلِموني لِكَي أَتَّجِهَ يَمينًا أَو يَسارًا».

٥٠فأَجابَه لابانُ وبَتوئيلُ وقالا: «إِنَّ الأَمرَ صادِرٌ مِن عِندِ الرَّبّ، فلَيسَ لَنا أَن نُكَلِّمَكَ فيه بِشَرٍّ أَو خَير. ٥١هٰذه رِفقَةُ أَمامَكَ، خُذْها وٱمْضِ فتَكونَ ٱمرَأَةً لِٱبْنِ سَيِّدِكَ، كما قالَ الرَّبّ». ٥٢فَلَمَّا سَمِعَ خادِمُ إِبْراهيمَ كَلامَهم، سَجَدَ لِلرَّبِّ إِلى الأَرض، ٥٣وأَخرَجَ الخادِمُ حِلى فِضَّةٍ وحِلى ذَهَبٍ وثِيابًا وأَعْطاها رِفْقَة، وهَدايا قَدَّمَها لِأَخيها وأُمِّها.

٥٤وأَكَلوا وشَرِبوا هو والقَومُ الَّذينَ مَعه وباتوا. ثُمَّ نَهَضوا صَباحًا، فقال: «اِصْرِفوني إِلى سَيِّدي». ٥٥فقالَ أَخوها وأُمُّها: «تَبْقى الفَتاةُ عِندَنا أَيَّامًا ولَو عَشَرَةَ، وبَعدَ ذٰلك تَمْضي». ٥٦فقالَ لهم: «لا تُؤَخِّروني، والرَّبُّ قد أَنجَحَ طَريقي. إِصْرِفوني فأَمْضِيَ إِلى سَيِّدي». ٥٧فقالوا: «نَدْعو الفَتاةَ ونَسأَلُها ماذا تَقول».

٥٨فَدَعَوا رِفقَةَ وقالوا لها: «هَل تَذهَبينَ مع هٰذا الرَّجُل؟» قالَت: «أَذهَب». ٥٩فصَرَفوا رِفْقَةَ أُخْتَهم وحاضِنَتَها وخادِمَ إِبْراهيمَ ورِجالَه.

٦٠وبارَكوا رِفْقَةَ وقالوا لَها:

«أَنتِ أُختُنا فَكوني أُلوفَ رِبْوات

ولْيَرِثْ نَسلُكِ مُدُنَ مُبغِضيه»

٦١وقامَت رِفقَةُ وجَواريها فرَكِبنَ الجِمالَ ومَضَينَ مع الرَّجُل، وأَخَذَ الخادِمُ رِفقَةَ ومضى.

٦٢وكانَ إِسحٰقُ قد رَجَعَ مِن بِئْرِ الحَيِّ الرَّائيّ، وكانَ مُقيمًا بِأَرضِ النَّقَب. ٦٣وخَرَجَ إِسحٰقُ إِلى الحَقْلِ لِلتَّنَزُّهِ عِندَ المَساء. فَرَفَعَ عَينَيه ونَظَر، فإِذا جِمالٌ مُقبِلَة. ٦٤ورَفَعَت رِفقَةُ عَينَيها فرَأَت إِسحٰق فقَفَزَت عَنِ الجَمَل. ٦٥وقالَت لِلخادِم: «مَن هٰذا الرَّجُلُ القادِمُ في الحَقلِ لِلِقائِنا؟» فقال الخادم: «هو سَيِّدي». فأَخَذَتِ الحِجابَ واحتَجَبَت به.

٦٦ثُمَّ أَخْبَرَ الخادِمُ إِسحٰقَ بِجَميعِ الأُمورِ الَّتي صَنعَها. ٦٧فأَدخَلَ إِسحٰقُ رِفقَةَ إِلى خَيْمَةِ أُمِّه سارةَ وأَخَذَ رِفقَة، فصارَت لَه زَوجةً وأَحَبَّها، وتعَزَّى إِسحٰقُ عن أُمِّه.

التكوين ٢٥

سلالة قطورة

١وعادَ إِبْراهيمُ فأَخَذَ زَوجةً اسمُها قَطورة. ٢فَوَلَدَت لَه زِمْران ويُقْشان ومَدان ومِدْيَن ويِشْباق وشُوحًا. ٣ووَلَدَ يُقْشانُ شَبَأً ودَدان، وبَنو دَدانَ همُ الأَشُّوريم واللَّطوشيم واللَّؤُميم. ٤وبَنو مِدْيَنَ هم عَيفَة وعِفْر وحَنوك وأَبيداع وأَلْداعة. جَميعُ هٰؤُلاءِ هم بنو قَطورة.

٥وأَعْطى إِبْراهيمُ كُلَّ ما لَه لإِسحٰقَ. ٦ولِبَني السَّرارِيِّ الَّتي لإِبْراهيمَ وَهَبَ إِبْراهيمُ هِبات، وصَرَفَهم، وهو على قَيدِ الحَياة، بَعيدًا عن إِسحٰقَ ٱبنِه، شَرْقًا إِلى أَرضِ المَشْرِق.

وفاة إبراهيم

٧وهٰذه أَيَّامُ سِني حَياةِ إِبْراهيمَ الَّتي عاشها: مِئَةُ سَنَةٍ وخَمْسٌ وسَبْعونَ سَنَةً. ٨ثُمَّ فاضَت روحُه وماتَ بِشِيبَةٍ طَيِّبَة، شَيخًا مُشبَعًا بِالأَيَّام، وٱنضَمَّ إِلى قَومِه. ٩فدَفَنَه إِسحٰقُ وإِسْماعيلُ ٱبْناه في مَغارةِ المَكْفيلة في حَقْلِ عَفْرونَ بْنِ صُوحَرَ الحِثِّيِّ الَّذي تُجاهَ مَمْرا، ١٠في الحَقْلِ الَّذي ٱشْتَراه إِبْراهيمُ مِن بَني حِثّ. ١١هُناكَ قُبِرَ إِبْراهيمُ وٱمرَأَتُه سارة. وكانَ بَعد مَوتِ إِبْراهيمَ أَنَّ اللهَ بارَكَ إِسحٰقَ ٱبنَه وأَقامَ إِسحٰقُ عِندَ بِئرِ الحَيِّ الرَّائيّ.

سُلالة إِسماعيل

١٢وهٰذه سُلالَةُ إِسْماعيلَ بْنِ إِبْراهيمَ الَّذي وَلَدَته هاجَرُ المِصريَّةُ خادِمَةُ سارةَ لإِبْراهيم. ١٣هٰذه أَسماءُ بَني إِسْماعيلَ بِحَسَبِ أَسْمائِهِم وسُلالَتِهم: نَبايوت بِكْرُ إِسْماعيل، وقِيدار وأَدْبَئيل ومِبْسام. ١٤ومِشْماع ودومة ومسَّا ١٥وحَدار وتَيما ويَطور ونافيش وقِدْمة. ١٦هٰؤُلاءِ هم بَنو إِسْماعيل وهٰذه أَسْماؤُهم بِحَسَبِ قُراهم ومُخَيَّماتِهم: اِثْنا عَشَرَ زَعيمًا لِعَشائِرِهم.

١٧وهٰذه سِنو حَياةِ إِسْماعيل: مِئَةُ سَنَةٍ وسَبْعٌ وثَلاثونَ سَنَة، ثُمَّ فاضَت روحُه وماتَ وٱنضَمَّ إِلى أَجْدادِه. ١٨وأَقاموا مِن حَويلة إِلى شُورَ الَّتي تُجاهَ مِصْرَ وأَنتَ آتٍ نَحوَ أَشُّور. وكانَ قد نَزَلَ قُبالَةَ جَميعِ إخوَتِه.

٣. سيرة إسحٰق ويعقوب

مولد عِيسو ويعقوب

١٩وهٰذه سِيرةُ إِسحْقَ بْنِ إِبْراهيم: إِبْراهيمُ وَلَدَ إِسحٰق. ٢٠وكانَ إِسحٰقُ ٱبنَ أَربَعينَ سَنَةً حينَ ٱتَّخَذَ رِفقَةَ زَوجَةً لَه، وهي بِنْتُ بَتوئيلَ الأَرامِيِّ مِن فَدَّانَ أَرام، وأُختُ لابانَ الأَراميّ. ٢١ثُمَّ دعا إِسحٰقُ إِلى الرَّبِّ لِأجلِ ٱمرَأَتِه، لِأَنَّها كانت عاقرًا، فٱستَجابَه الرَّبُّ، وحَمَلت رِفقَةُ ٱمرَأَتُه. ٢٢وٱصطَدَمَ الوَلَدانِ في جَوفِها، فقالَت: «إِن كانَ الأَمرُ هٰكذا، فما لي والحَياة؟» ٢٣ومَضَت تَستَشيرُ الرَّبّ فقالَ لها الرَّبّ:

«في جَوفِكِ أُمَّتان

ومِن أَحشائِكِ يَتَفَرَّعُ شَعْبان:

شَعْبٌ يَقْوى على شَعْب

والكَبيرُ يَخدُمُ الصَّغير».

٢٤فلَمَّا كَمَلَت أَيَّامُ وِلادَتِها، إِذا في بَطنِها تَوأَمان. ٢٥فخَرَجَ الأَوَّلُ أَصهَبَ اللَّون، كُلُّه كفَروَةِ شَعَرٍ، فسَمَّوه عِيسو. ٢٦ثُمَّ خَرَجَ أَخوه ويَدُه قابِضَةٌ على عَقَبِ عِيسو، فدُعِيَ بِٱسمِ يَعْقوب. كانَ إِسحٰقُ ٱبنَ سِتِّينَ سَنَةً حينَ وُلِدا.

٢٧وكَبِرَ الصَّبِيَّان، فكانَ عِيسو رَجُلًا عارِفًا بِالصَّيد، رَجُلَ الحُقول، وكانَ يَعْقوبُ رَجُلًا مُستَقِرًّا، مُقيمًا بِالخِيام. ٢٨فأَحَبَّ إِسحٰقُ عِيسو، لِأَنَّه كانَ يَستَطيبُ صَيدَه، وأَمَّا رِفقَةُ فأَحَبَّت يَعْقوب.

عيسو يتخلّى عن بكريّته

٢٩وطَبَخَ يَعْقوبُ طَبيخًا، وقَدِمَ عِيسو مِنَ الحَقلِ مُرهَقًا. ٣٠فقالَ عِيسو لِيَعْقوب: «دَعْني أَلتَهِمُ مِن هٰذا الأَحمَر، فإِنِّي قد أُرهِقتُ» (ولِذٰلك قيلَ لَه أَدوم). ٣١فقالَ يَعْقوب: «بِعْني اليَومَ بِكرِيَّتَكَ» ٣٢فقالَ عِيسو: «هاءَنَذا صائِرٌ إِلى المَوت، فَما لي والبِكريَّة؟» فقالَ يَعْقوب: «اِحلِفْ لِيَ اليَوم». ٣٣فحَلَفَ لَه وباعَ بِكرِيَّتَه لِيَعْقوب. ٣٤فأَعْطى يَعْقوبُ لِعيسو خُبْزًا وطَبيخًا مِنَ العَدَس، فأَكَلَ وشَرِبَ وقامَ ومضى، وهٰكذا ٱستَخَفَّ عِيسو بالبِكرِيَّة.

التكوين ٢٦

إسحٰق في جَرار

١وكانَت في الأَرضِ مجاعةٌ غَيرُ المجاعةِ الأُولى الَّتي كانَت في أَيَّامِ إِبْراهيم. فمَضى إِسحٰقُ إِلى أَبيمَلِكَ، مَلِكِ الفَلِسْطينِيِّينَ في جَرار. ٢فتَراءى لَه الرَّبُّ وقال: «لا تَنْزِلْ إِلى مِصْر، بل أَقِمْ في الأَرضِ الَّتي أُعَيِّنُها لَكَ. ٣إِنْزِلْ هٰذه الأَرض، وأَنا أَكونُ مَعَكَ وأُبارِكُكَ، لِأَنِّي لَكَ ولِنَسلِكَ سأُعْطي هٰذِه البِلادَ كُلَّها، وأَفي بِالقَسَمِ الَّذي أَقسَمتُه لإِبْراهيمَ أَبيكَ. ٤وأُكَثِّرُ نَسلَكَ كَنُجومِ السَّماء، وأُعْطي نَسلَكَ هٰذه البِلادَ كُلَّها، وتَتَبارَكُ بِنَسلِكَ أُمَمُ الأَرضِ كُلُّها، ٥مِن أَجْلِ أَنَّ إِبْراهيمَ أَصْغى إِلى صَوتي وحَفِظَ أَوامِري ووَصايايَ وفَرائِضي وشَرائِعي». ٦فأَقامَ إِسحْقُ في جَرار.

٧وسَأَلَهُ أَهْلُ المَكانِ عنِ ٱمرَأَتِه، فقال: «هي أُخْتي»، لِأَنَّه خافَ أَن يَقول: «هيَ ٱمرَأَتي»، قائلًا في نَفسِه: «لِئَلَّا يَقتُلَني أَهْلُ المَكانِ بِسَبَبِ رِفقَة، لِأَنَّها جَميلَةُ المَنْظَر». ٨وكانَ، لَمَّا طالَت أَيَّامُ إِقامَتِه، أَنَّ أَبيمَلِك، مَلِكَ الفَلِسْطينِيِّينَ، تَطَلَّعَ مِنَ النَّافِذَةِ ورأَى، فإِذا إِسحٰقُ يُداعِبُ رِفقَةَ ٱمرَأَتَه. ٩فَدَعا أَبيمَلِكُ إِسحٰقَ وقال: «هي إِذًا ٱمرَأَتُكَ، فلِمَ قُلتَ: إِنَّها أُخْتي؟». فقالَ إِسحٰق: «لِأَنِّي قُلتُ: لَعَلِّي أَموتُ بِسَبَبِها». ١٠فقالَ أَبيمَلِك: «ماذا صَنَعتَ بِنا؟ لَولا قَليل، لَضاجَعَ أَحَدٌ مِنَ الشَّعبِ ٱمرَأَتَكَ، فجَلَبتَ علَينا ذَنْبًا». ١١وأَمَرَ أَبيمَلِكُ الشَّعبَ كُلَّه قائلًا: «مَن مَسَّ هٰذا الرَّجُلَ أَوِ ٱمرَأَتَه يُقتَلُ قَتْلًا».

١٢وزَرَعَ إِسحٰقُ في تِلكَ الأَرضِ فأَصابَ في تِلكَ السَّنَةِ مِئَةَ ضِعْف، وبارَكَه الرَّبّ. ١٣فٱغْتَنى الرَّجُلُ وكانَ يَزْدادُ غِنًى إِلى أَن صارَ غَنِيًّا جِدًّا. ١٤وصارَت لَه ماشِيَةُ غَنَمٍ وماشِيَةُ بَقَرٍ وخَدَمٌ كثيرون، فحَسَدَه الفَلِسْطينِيُّون.

الآبار بَين جَرار وبئر سبع

١٥وجَميعُ الآبارِ الَّتي حَفَرَها خَدَمُ أَبيه في أَيَّامِ إِبْراهيمَ أَبيه كانَ الفَلِسْطينِيُّونَ قد رَدَموها ومَلَأُوها تُرابًا. ١٦وقالَ أَبيمَلِكُ لإِسْحٰق: «إِنصَرِفْ مِن عِندِنا، لِأَنَّكَ قد أَصبَحتَ أَقْوى مِنَّا جِدًّا». ١٧فٱنْصَرَفَ إِسحٰقُ مِن هُناكَ وخَيَّمَ في وادي جَرار وأَقامَ هُناك. ١٨ثُمَّ عادَ إِسحٰقُ فحَفَرَ آبارَ الماءِ الَّتي كانَ خَدَمُ إِبْراهيمَ أَبيه قد حَفَروها ورَدَمَها الفَلِسْطينِيُّونَ بَعدَ مَوتِ إِبْراهيم، ودَعاها بالأَسْماءِ الَّتي كانَ أَبوه قد دَعاها بها.

١٩وحَفَرَ خَدَمُ إِسْحٰقَ في الوادي فَوَجَدوا هُناكَ بِئرَ مِياهٍ حَيَّة ٢٠فتَخاصَمَ رُعاةُ جَرارَ ورُعاةُ إِسحٰقَ قائِلين: «هٰذا الماءُ لَنا». فسَمَّى إِسحٰقُ البِئرَ «عِسِقْ»، لِأَنَّهم تَنازَعوا معَه. ٢١ثُمَّ حَفَروا بِئرًا أُخْرى فتَخاصَموا علَيها أَيضًا، فسَمَّاها «سِطْنَة». ٢٢ثُمَّ ٱنْتَقَلَ مِن هُناكَ وحَفَرَ بِئرًا أُخْرى، فلَم يَتَخاصَموا عليها، فسَمَّاها «رُحُبوت» وقال: «الآنَ قد رَحَّبَ الرَّبُّ لَنا فنَنْمُو في الأَرض».

٢٣ثُمَّ صَعِدَ مِن هُناكَ إِلى بِئرَ سَبْع. ٢٤فتَراءى لَه الرَّبُّ في تِلكَ اللَّيلَةِ وقال:

«أَنا إِلٰهُ إِبْراهيمَ أَبيكَ.

لا تَخَفْ فإِنِّي مَعَكَ.

أُبارِكُكَ وأُكَثِّرُ نَسلَكَ.

مِن أَجْلِ عَبْدي إِبْراهيم».

٢٥فبَنى هُناكَ مَذبَحًا ودَعا بِٱسْمِ الرَّبّ، ونَصَبَ هُناكَ خَيمَتَه. وحَفَرَ هُناكَ خَدَمُ إِسحٰقَ بِئرًا.

قطْع العهد مع أَبيملك

٢٦فذَهَبَ إِلَيه مِن جَرارَ أَبيمَلِكُ وأَحُزَّاتُ صاحِبُه وفِيكولُ قائِدُ جَيشِه. ٢٧فقالَ لَه إِسحٰق: «ما بالُكُم أَتَيتُم إِلَيَّ وأَنتُم قد أَبغَضتُموني وصَرَفتُموني مِن عِندِكم؟». ٢٨فقالوا: «إِنَّنا قد رأَينا أَنَّ الرَّبَّ معكَ، فقُلْنا: لِيَكُنِ الآنَ قَسَمٌ بَينَنا وبَينَكَ، ونَقطَعُ مَعكَ عَهْدًا ٢٩أَلَّا تَصنَعَ بِنا سُوءًا كما أَنَّنا لم نَمَسَّكَ وكما أَنَّنا لم نَصْنَعْ إلَيْكَ إِلَّا خَيرًا وصَرَفْناكَ بِسَلام. أَنتَ الآنَ مُبارَكُ الرَّبّ». ٣٠فأَقامَ لهم مَأدُبَةً فأَكَلوا وشَرِبوا.

٣١وبَكَّروا في الصَّباح، فحَلَفَ كُلٌّ مِنهُم لِصاحِبِه، وصَرَفَهم إِسحٰق: فَمضَوا مِن عِندِه بِسلام. ٣٢وكانَ في ذٰلك اليَومِ أَنَّ خَدَمَ إِسحٰقَ جاءُوا فأَخبَروه بِأَمرِ البِئرِ الَّتي حَفَروها وقالوا له: «قد وَجَدْنا ماءً». ٣٣فدَعاها «شِبَعْ»، ولِذٰلك ٱسمُ المَدينَةِ بِئرَ سَبْعُ إِلى هٰذا اليَوم.

اِمرأَتا عِيسو

٣٤ولَمَّا صارَ عِيسو ٱبنَ أَربَعينَ سَنَةً، اِتَّخَذَ يَهوديتَ، بِنْتَ بَئِيرِيَ الحِثِّيّ، وَبسمَةَ، بِنْتَ أَيلونَ الحِثِّيِّ، ٱمرَأَتَيْنِ لَه. ٣٥فكانَتا مَرارَةَ نَفْسٍ لإِسحٰقَ ورِفقَة.

التكوين ٢٧

يعقوب يختلس بركة إسحٰق

١وحَدَثَ، لَمَّا شاخَ إِسحٰقُ وكَلَّت عَيناه عنِ النَّظَر، أَنَّه دَعا عِيسو ٱبنَه الأكبَرَ وقالَ له: «يا بُنَيَّ». قالَ: «هاءَنَذا». ٢فقال: «هاءَنَذا قد شِخْتُ ولا أَعْلَمُ يَومَ مَوتي. ٣والآن خُذْ عُدَّتَكَ وجَعبَتَكَ وقَوسَكَ، وٱخرُجْ إِلى الحَقْل وصِدْ لي صَيدًا، ٤وأَعدِدْ لي أَلْوانًا طَيِّبةً كَما أُحِبّ، وٱئتِني بِه فآكُل، لِكَي تُبارِكَكَ نَفْسي قَبلَ أَن أَموت». ٥وكانَت رِفقَةُ سامِعةً حينَ كَلَّمَ إِسحٰقُ عِيسو ٱبنَه. فمَضى عِيسو إِلى الحَقْلِ لِيَصيدَ صَيدًا ويَأتِيَ به.

٦فكَلَّمَت رِفقَةُ يَعقوبَ ٱبنَها قائلَةً: «إِنِّي قد سَمِعتُ أَباكَ يُكَلِّمُ عِيسوَ أَخاكَ قائلًا: ٧إِئتِني بِصَيدٍ وأَعدِدْ لي أَلْوانًا طَيِّبَةً فآكُلَ مِنها وأُبارِكَكَ أَمامَ الرَّبِّ قَبلَ مَوتي. ٨والآنَ يا بُنَيَّ، اِسمَعْ لِقَولي في ما آمُرُكَ بِه: ٩اِمْضِ إِلى الغَنَم وخُذْ لي مِن هُناكَ جَديَينِ مِنَ المَعِزِ جَيِّدَين، فأُعِدَّهُما أَلْوانًا طَيِّبَةً لِأَبيكَ كما يُحِبّ، ١٠فتَأتي بِها أَباكَ ويأكُل، لِكَي يُبارِكَكَ قَبلَ مَوتِه».

١١فقالَ يَعْقوبُ لِرِفقَةَ أُمِّه: «عِيسو أَخي رَجُلٌ أَشعَرَ وأَنا رَجُلٌ أَملَس. ١٢فلَعَلَّ أَبي يَجُسُّني فأَكونَ في عَينَيه كالسَّاخِرِ مِنه، وأَجلُبَ على نَفْسي لَعنَةً لا بَركَة». ١٣قالَت لَه أُمُّه: «عَلَيَّ لَعنَتُكَ يا بُنَيَّ، إِنَّما ٱسمَعْ لِقَولي وٱمضِ وخُذْ لي ذٰلك». ١٤فمَضى وأَخَذَ ذٰلك وأَتى بِه أُمَّه فأَعَدَّته أُمُّه أَلْوانًا طَيِّبةً، على ما يُحِبُّ أَبوه. ١٥وأَخَذَت رِفقَةُ ثِيابَ عِيسوَ ٱبنِها الأكبَرِ الفاخِرَةَ الَّتي عِندَها في البَيت فأَلبَسَتْها يَعْقوبَ ٱبنَها الأَصغَر، ١٦وكَسَت يَدَيه ومَلاسةَ عُنُقِه بِجِلْدِ المَعِز، ١٧وأَعْطَت يَعقوبَ ٱبنَها ما صَنَعَته مِنَ الأَلْوانِ الطَيِّبَةِ والخُبْز.

١٨فَدَخَلَ على أَبيه وقال: «يا أَبتِ». قال: «لَبَّيكَ، مَن أَنتَ يا بُنَيَّ؟». ١٩فقالَ يَعْقوبُ لِأَبيه: «أَنا عِيسو بِكرُكَ قد صَنَعتُ كَما أَمَرتَني. قُمْ فٱجْلِسْ وكُلْ مِن صَيدي، لِكَي تُبارِكَني نَفْسُكَ». ٢٠فقالَ إِسحٰقُ لٱبْنِه: «ما أَسرَعَ ما أَصَبتَ، يا بُنَيَّ». قال: «إِنَّ الرَّبَّ إلٰهَكَ قد يَسَّرَ لي». ٢١فقالَ إِسحٰقُ لَيَعْقوب: «تَقَدَّمْ حَتَّى أَجُسَّكَ يا بُنَيَّ، لِأَعْلَمَ هل أَنتَ ٱبْني عِيسو أَم لا».

٢٢فتَقَدَّمَ يَعْقوبُ إِلى إِسْحَقَ أَبيه، فجَسَّه وقال: «الصَّوتُ صَوتُ يَعْقوب، ولٰكِنَّ اليَدَيْنِ يَدا عيسو». ٢٣ولَم يَعْرِفْه، لِأَنَّ يَدَيه كانَتَا مُشعِرَتَينِ كَيَدَي عِيسوَ أَخيه، فبارَكَه. ٢٤وقال: «هل أَنتَ ٱبْني عِيسو؟» قال: «أَنا هو». ٢٥فقال: قَدِّمْ لي حتَّى آكُلَ مِن صَيدِ ٱبْني، لِكَي تُبارِكَكَ نَفْسي». فقَدَّمَ لَه فأَكَل، وأَتاه بِخَمرٍ فشَرِب. ٢٦ثُمَّ قالَ له إِسحٰقُ أبوه: «تَقَدَّمْ قَبِّلْني يا بُنَيَّ». ٢٧فتَقَدَّمَ وقَبَّلَه، فاشتمَّ رائِحَةَ ثِيابِه وبارَكَه وقال:

«ها هيَ ذِه رائِحَةُ ٱبْني

كرائِحَةِ حَقْلٍ قد بارَكَه الرَّبّ.

٢٨يعطيكَ اللهُ مِن نَدى السَّماءِ

ومِن دَسَمِ الأَرض

ويُكَثِّرُ لَكَ الحِنطَةَ والنَّبيذ

٢٩وتَخدُمُكَ الشُّعوبُ وتَسجُدُ لَكَ الأُمَم.

سَيِّدًا تَكونُ لإِخوَتِكَ

ولَكَ بَنو أُمِّكَ يَسجُدون.

لاعِنُكَ مَلْعونٌ ومُبارِكُكَ مُبارَك»

٣٠فلَمَّا ٱنتَهى إِسحٰقُ مِن بَرَكَتِه لِيَعْقوب وخَرَجَ يَعْقوبُ مِن أَمامِ إِسحٰقَ أَبيه، إِذا عِيسو أَخوه قد أَقْبَلَ مِن صَيدِه. ٣١فأَعَدَّ هو أَيضًا أَلْوانًا طَيِّبَةً وأَتى بِها أَباه وقالَ لِأَبيه: «لِيَقُمْ أَبي ويأكُلْ مِن صَيْدِ ٱبْنِه، لِكَي تُبارِكَني نَفْسُكَ»، ٣٢فقالَ لَه إِسحٰقُ أَبوه: «مَن أَنتَ؟» قال: «أَنا ٱبنُكَ بِكْرُكَ عِيسو». ٣٣فٱرتَعَشَ إِسحٰقُ ٱرتِعاشًا شَديدًا جِدًّا وقال: «فمَن إِذًا ذاكَ الَّذي صادَ صَيدًا فأَتاني بِه؟ فقَد أَكلتُ مِن كُلِّه، قَبلَ أَن تَجيءَ، وبارَكتُه، نَعَم! مُبارَكًا يَكون». ٣٤فلَمَّا سَمِعَ عيسو كَلامَ أَبيه، صَرَخَ صَرخةً عَظيمةً ومُرَّةً جِدًّا، وقالَ لِأَبيه: «بارِكْني أَنا أَيضًا يا أَبَتِ». ٣٥فقال: «وقد جاءَ أَخوكَ بمَكْرٍ وأَخَذَ بَرَكَتَكَ». ٣٦فقال: «أَلِأَنَّه سُمِّيَ يَعْقوبَ قد تَعَقَّبَني مَرَّتَين: أَخَذَ بِكرِيَّتي، وهاهَوذا الآنَ أَخَذَ بَركَتي». ثُمَّ قال: «أَما أَبقَيتَ لي بَركَةً؟». ٣٧فأَجابَ إِسحٰقُ وقالَ لِعيسو: «هاءَنَذَا قد جَعَلتُه سَيِّدًا لَكَ ووَهَبتُ لَه جَميعَ إِخوَتِه خَدَمًا، وبالحِنطَةِ والنَّبيذِ أَمدَدتُه، فماذا أَصنَعُ لَكَ يا بُنَيَّ؟» ٣٨فقالَ عِيسو لِأَبيه: «أَبَرَكَةٌ واحِدَةٌ لَكَ يا أَبَتِ؟ بارِكْني أَنا أَيضًا يا أَبَتِ». وبَقِيَ إِسحٰقُ صامِتًا، ورَفَعَ عِيسو صَوتَه وبَكى٣٩. فأَجابَه إِسحٰقُ أَبوه وقالَ له:

«بِمَعزِلٍ عن دَسَمِ الأَرضِ يَكونُ مَسكِنُكَ

وعن طَلِّ السَّماءِ الَّذي مِن عَلُ.

٤٠بِسَيفِكَ تَعيش وأَخاكَ تَخدُم

ويَكونُ أَنَّكَ، إِذا قَوِيتَ

تَكسِرُ نِيرَه عن عُنُقِك».

٤١وحَقَدَ عِيسو على يَعْقوبَ بِسَبَبِ البَركَةِ الَّتي بارَكَه أَبوه بِها، وقال عِيسو في قَلبِه: «قد قَرُبَت أَيَّامُ حُزْنِ أَبي فأَقتُلُ يَعْقوبَ أَخي». ٤٢فأُخبِرَت رِفقَةُ بِكَلامِ عِيسوَ ٱبنِها الأَكبَر، فبَعَثَت وٱستَدعَت يَعْقوبَ ٱبنَها الأَصغَر، وقالَت له: «هُوَذا عيسو أَخوكَ مُنتَقِمٌ مِنكَ بالقَتْل. ٤٣والآنَ، يا بُنَيَّ، اِسْمَعْ لِقَولي: قُمْ فٱهرُبْ إِلى لابانَ أَخي في حاران، ٤٤وأَقِمْ عِندَه أَيَّامًا قَلائِل، حتَّى يَتَحَوَّلَ عنكَ غَيظُ أَخيك. ٤٥فإِذا تَحَوَّلَ غَضَبُ أَخيكَ عنكَ ونَسِيَ ما فَعَلتَ بِه، بَعَثتُ فأَخَذتُكَ مِن هُناكَ، فلِماذا أُصبِحُ ثَكْلى مَرَّتَينِ في يَومٍ واحِد؟».

إسحٰق يُرسل يعقوب إلى لابان

٤٦وقالَت رِفقةُ لإِسحٰق: «قد سَئِمتُ حَياتي بِسَبَبِ بَناتِ حِثّ. فإِن تَزَوَّجَ يَعْقوبُ بِٱمرَأَةٍ مِن بَناتِ حِثٍّ مِثْلِ هٰؤُلاء، مِن بَناتِ البَلَد، فما لي والْحَياة؟».

التكوين ٢٨

١فدَعا إسحٰقُ يَعْقوبَ وبارَكَه وأَوصاه قائلًا له: «لا تأخُذِ ٱمرَأَةً مِن بَناتِ كَنْعان. ٢قُمْ فٱمضِ إِلى فَدَّانَ أَرام، إلى بَيتِ بَتوئيلَ أَبي أُمِّكَ، وتَزَوَّجْ بِٱمرَأَةٍ مِن هُناك، مِن بَناتِ لابانَ خالِكَ. ٣واللهُ القَديرُ يُبارِكُكَ ويُنْميكَ ويُكثِّرُكَ وتَكونُ جَماعَةَ شُعوب. ٤ويُعْطيكَ بَرَكَةَ إِبْراهيمَ، لَكَ ولِنَسلِكَ مَعَكَ، لِتَرِثَ أَرضَ غُربَتِكَ الَّتي وَهَبَهَا اللهُ لإِبْراهيم». ٥وأَرسَلَ إِسحٰقُ يَعْقوب فمَضى إِلى فَدَّانَ أَرام، إِلى لابانَ بْنِ بَتوئيلَ الأَرامِيّ، أَخي رِفقَةَ أُمِّ يَعْقوبَ وعيسو.

زواج عيسو مَرَّةً ثانية

٦ورأَى عيسو أَنَّ إسحٰقَ قد بارَكَ يَعْقوب وأَرسَلَه إِلى فَدَّانَ أَرام، لِيَتَّخِذَ لَه مِن هُناكَ ٱمرَأَةً، وأَنَّه، حين بارَكَه، أَوصاه قائِلًا له: «لا تَتَّخِذْ لَكَ ٱمرَأَةً مِن بَناتِ كَنْعان»، ٧وأَنَّ يَعْقوبَ أَطاعَ أَباه وأُمَّه ومَضى إِلى فَدَّانَ أَرام. ٨ورَأَى عيسو أَنَّ بَناتِ كَنْعانَ شِرِّيراتٌ في عَينَي إِسحٰقَ أَبيه، ٩فمضى عيسو إِلى إِسْماعيل فتَزَوَّجَ مَحلَةَ بِنتَ إِسْماعيلَ بْنِ إِبْراهيم، أُختَ نَبايوت، لِتَكونَ لَه زَوجةً مع نِسائِه.

حلم يعقوب

١٠وخَرَجَ يَعْقوبُ مِن بِئرَ سَبْعَ ومَضى إِلى حاران. ١١وٱتَّفَقَ أَنَّه وَجَدَ مَكانًا باتَ فيه، لِأَنَّ الشَّمسَ قد غابَت. فأَخَذَ بَعضَ حِجارةِ المَكان فَوَضَعَه تَحتَ رَأْسِه ونامَ في ذٰلك المَكان. ١٢وحَلَمَ حُلْمًا، فإِذا سُلَّمٌ مُنتَصِبٌ على الأرض ورأسُه يُلامِسُ السَّماء، وإِذا مَلائِكَةُ اللهِ صاعِدونَ نازِلونَ علَيه، ١٣وإِذا الرَّبُّ واقِفٌ بِالقُربِ مِن يَعْقوب، فقال: «أَنا الرَّبُّ إِلٰهُ إِبْراهيمَ أَبيكَ وإِلٰهُ إِسحٰق. إِنَّ الأَرضَ الَّتي أَنتَ نائِمٌ عليها، لَكَ أُعْطيها ولِنَسلِكَ، ١٤ويَكونُ نَسلُكَ كَتُرابِ الأَرض، فتَنْتَشِرُ غَرْبًا وشَرْقًا وشَمالًا وجَنوبًا، ويَتَبارَكُ بِكَ وبِنَسلِكَ جَميعُ عَشائِرِ الأَرض. ١٥وها أَنا مَعكَ، أَحفَظُكَ حَيثُما ٱتَّجَهتَ، وسأَرُدُّكَ إِلى هٰذه الأَرض، فإِنِّي لا أَترُكُكَ حَتَّى أَعمَلَ بِما كَلَّمتُكَ بِه». ١٦فٱستَيقَظَ يَعْقوبُ مِن نَومِه وقال: «حَقًّا، إِنَّ الرَّبَّ في هذا المَكان، وأَنا لم أَعلَمْ». ١٧فخافَ وقال: «ما أَرهَبَ هٰذا المكان! ما هٰذا إِلَّا بَيتُ الله! هٰذا بابُ السَّماء!» ١٨ثُمَّ بَكَّرَ يَعْقوبُ في الصَّباح وأَخَذَ الحَجَرَ الَّذي وَضَعَه تَحتَ رأسِه وأَقامَه نُصُبًا وصبَّ على رأسِ الحَجَرِ زَيتًا. ١٩وسَمَّى ذٰلك المكانَ بَيتَ إِيل، وكانَ ٱسمُ المَدينَةِ أَوَّلًا لُوز.

٢٠ونَذَرَ يَعْقوبُ نَذْرًا قائلًا: «إِن كانَ اللهُ معي وحَفِظَني في هٰذا الطَّريقِ الَّذي أَنا سالِكُه، ورَزَقَني خُبْزًا آكُلُه وثَوبًا أَلبَسُه، ٢١ورَجَعَتُ سالِمًا إِلى بَيتِ أَبي، يَكونُ الرَّبُّ لي إِلٰهًا. ٢٢وهذا الحَجَرُ الَّذي جَعَلتُه نُصُبًا يَكونُ بَيتًا للهِ، وكُلُّ ما تَرزُقُني إِيَّاه فإِنِّي أُؤَدِّي لَكَ عُشْرَه».

التكوين ٢٩

ذهاب يعقوب إلى لابان

١ثُمَّ قامَ يَعْقوبُ ومضى إِلى أَرضِ بَني المَشرِق. ٢ونَظَرَ فإِذا بِئرٌ في الحَقْل، وإِذا ثلاثةُ قُطْعانٍ مِنَ الغَنَمِ رابِضةٌ عِندَها، لِأَنَّهم مِن تِلكَ البِئرِ كانوا يَسْقُونَ القُطْعان، والحَجَرُ الَّذي على فَمِ البِئرِ كانَ ضَخْمًا. ٣وكانَ، إِذا جُمِعَتِ القُطْعان، يُدَحرَجُ عن فَمِ البِئر، فتُسْقى الغَنَم، ثُمَّ يُرَدُّ الحَجَرُ على فَمِ البِئرِ إِلى مَوضِعِه. ٤فقالَ يَعْقوبُ لِلرُّعاة: «مِن أَينَ أَنتُم أَيُّها الإِخْوان؟» قالوا: «مِن حاران». ٥فقالَ لَهم: «أَتَعرِفونَ لابانَ بْنَ ناحور؟» فقالوا: «نَعرِفُه». ٦فقالَ لَهم: «أَسالِمٌ هو؟ قالوا: «هو سالم، وهٰذه راحيلُ ٱبنَتُه آتِيَةٌ مع الغَنَم». ٧فقالَ لَهم: «هُوَذا النَّهارُ طويلٌ بَعدُ، ولَيسَ الآنَ وَقتُ جَمْعِ المَواشي، فٱسْقوا الغَنَمَ وٱمضُوا بِها فٱرْعُوها». ٨قالوا: «لا نَقدِر، حتَّى تُجمَعَ القُطْعانُ كُلُّها ويُدَحرَجَ الحَجَرُ عن فَمِ البِئرِ فنَسْقي الغَنَم».

٩وبَينَما هو يُخاطِبُهُم، إِذ أَقبَلَت راحيلُ مع غَنَمِ أَبيها، لِأَنَّها كانَت راعِيَة. ١٠فلَمَّا رأَى يَعْقوبُ راحيلَ، بِنتَ لابانَ أَخي أُمِّه، وغَنَمَ لابانَ أَخي أُمِّه، تقدَّمَ ودَحرَجَ الحَجَرَ عن فَمِ البِئر وسَقى غَنَمَ لابانَ أَخي أُمِّه. ١١وقَبَّلَ يَعْقوبُ راحيل ورَفَعَ صَوتَه وبَكى. ١٢وأَخبَرَ يَعْقوبُ راحيلَ أَنَّه ٱبْنُ أُخْتِ أَبيها وٱبنُ رِفْقَة، فَرَكَضَت وأَخبَرَت أَباها. ١٣فَلَمَّا سَمِعَ لابانُ خَبَرَ يَعْقوبَ ٱبنِ أُخْتِه، رَكَضَ إِلى لِقائِه وعانَقَه وقَبَّلَه وأَتى بِه إِلى مَنزِلِه. وأَخبَرَ يَعْقوبُ لابانَ بِكُلِّ ما جَرى. ١٤فقالَ لَه لابان: «أَنتَ عَظْمي ولَحْمي حَقًّا»، وأَقامَ يَعْقوبُ عِندَه شَهْرًا.

زواج يعقوب من راحيل ولَيئة

١٥ثُمَّ قالَ لابانُ لِيَعْقوب: «إِذا كُنتَ أَخي، أَفَتخدِمُني مجَّانًا؟ أَخبِرْني ما أُجرَتُك». ١٦وكانَ لِلابانَ ٱبنَتان، اِسْمُ الكُبْرى لَيئَة، وٱسْمُ الصُّغْرى راحيل. ١٧وكانَت لَيئَةُ مُستَرخِيَةَ العَينَين، وكانَت راحيلُ حَسَنَةَ الهَيئَةِ جَميلَةَ المَنظَر. ١٨فأَحَبَّ يَعْقوبُ راحيلَ وقال: «أَخدِمُكَ سَبْعَ سَنَواتٍ بِراحيلَ ٱبنَتِكَ الصُّغْرى». ١٩فقالَ لابان: «لَأَن تَأخُذَها أَنتَ خَيرٌ مِن أَن أُعطِيَها لِرَجُلٍ آخَر، فأَقِمْ عِنْدي».

٢٠فخَدَمَه يَعْقوبُ بِراحيلَ سَبْعَ سِنين، وكانَت في عَينَيه كأَيَّامٍ قَليلةٍ مِن مَحَبَّتِه لَها. ٢١وقالَ يَعْقوبُ بَعدَ ذٰلك لِلابان: «أَعْطِني ٱمرَأَتي فأَدخُلَ عَلَيها، فإِنَّ أَيَّامي قد كَمَلَت». ٢٢فجَمَعَ لابانُ جَميعَ أَهْلِ المَكان وأَقامَ وَليمة. ٢٣وعِندَ المَساء، أَخَذَ لَيئَةَ ٱبنَتَه فزَفَّها إِلى يَعْقوب، فدَخَلَ علَيها. (٢٤وكانَ لابانُ قد وَهَبَ زِلْفَةَ خادِمَتَه خادِمَةً لِلَيئَةَ ٱبنَتِه). ٢٥فلَمَّا كانَ الصَّباح، إِذا هي لَيئَة. فقالَ يَعْقوبُ لِلابان: «ماذا صَنَعتَ بي؟ أَلَيسَ أَنِّي بِراحيلَ خَدَمتُكَ؟ فلِمَ خَدَعْتَني؟» ٢٦فقال لابان: «لا يُصنَعُ في بِلادِنا أَن تُعْطى الصُّغْرى قَبلَ الكُبْرى. ٢٧أَكمِلْ أُسبوعَ هٰذه، فنُعطِيَكَ تِلكَ أَيضًا بِالخِدمَةِ الَّتي تَخدِمُها عِنْدي سَبْعَ سَنَواتٍ أُخْرى». ٢٨فَصَنَعَ يَعْقوبُ كذٰلك وأَكمَلَ أُسبوعَ هٰذه، فأَعْطاه راحيلَ ٱبنَتَه ٱمرَأَةً لَه. (٢٩وأعطى لابانُ لِراحيلَ ٱبنَتِه بِلْهَةَ خادِمَتَه خادِمةً لَها). ٣٠فَدَخَلَ يَعْقوبُ على راحيلَ أَيضًا وأَحَبَّها أَكثَرَ مِن حُبِّه لِلَيئَة، وعادَ فخَدَمَ لابانَ سَبْعَ سَنواتٍ أُخْرى.

بنو يعقوب

٣١ورَأَى الرَّبُّ أَنَّ لَيئَةَ غَيرُ مَحْبوبة، ففَتَحَ رَحِمَها، وأَمَّا راحيلُ فكانَت عاقِرًا. ٣٢فحَمَلَت لَيئةُ ووَلَدَتِ ٱبْنًا وسَمَّته رَأُوبين، لأَنَّها قالَت: «قد نَظَرَ الرَّبُّ إِلى مَذَلَّتي، والآنَ يُحِبُّني زَوجي». ٣٣وعادَت فحَمَلَت ووَلَدَتِ ٱبْنًا فقالت: «قد سَمِعَ الرَّبُّ دُعائي لِأَنِّي غَيرُ مَحْبوبة، فَرَزَقَني أَيضًا هٰذا»، وسَمَّته شِمْعون. ٣٤وعادت أَيضًا فَحَمَلت ووَلَدِتِ ٱبْنًا وقالَت: «هٰذِه المَرَّةَ يَتعَلَّقُ بي زَوجي لِأَنِّي قد وَلَدتُ لَه ثَلاثَةَ بَنين، ولِذٰلك سَمَّته لاوي. ٣٥وعادَت أَيضًا فحَمَلَت ووَلَدَتِ ٱبْنًا وقالَت: «هٰذِه المَرَّةَ، أَحمَدُ الرَّبّ»، ولذٰلِك سَمَّته يَهوذا. ثُمَّ تَوَقَّفَت عنِ الوِلادة.

التكوين ٣٠

١ولَمَّا رأَت راحيلُ أَنَّها لم تَلِدْ لِيَعْقوب، غارَت مِن أُخْتِها وقالَت لِيَعْقوب: «هَبْ لي بَنين، وإِلَّا فإِنِّي أَموت». ٢فغَضِبَ يَعْقوبُ على راحيلَ وقال: «أَلَعَلِّي أَنا مَكانَ اللهِ الَّذي مَنَعَ عَنكِ ثَمَرَةَ البَطْن؟». ٣قالَت: «هٰذه خادِمَتي بِلْهَة: أُدْخُلْ عَليها فتَلِدَ على رُكْبَتَيَّ ويُبْنى بَيتي أَنا أَيضًا مِنها». ٤فأَعطَته خادِمَتَها بِلهَةَ ٱمرَأَةً، فدَخَلَ علَيها يَعْقوب. ٥فحَمَلَت بِلهَةُ ووَلَدَت لِيعْقوبَ ٱبنًا. ٦فقالَت راحيل: «قد حَكَمَ اللهُ لي وٱستَجابَني فرزَقَني ٱبنًا»، ولِذٰلك سَمَّته دانًا. ٧وعادَت بِلهَةُ خادِمَةُ راحيلَ فحَمَلَت ووَلَدَتِ ٱبنًا آخَرَ لِيعْقوب. ٨فقالَت راحيل: «قد صارَعتُ أُخْتي مُصارَعاتِ اللهِ وغَلَبتُ»، وسَمَّته نَفْتالي.

٩ورَأَت لَيئَةُ أَنَّها قد تَوَقَّفَت عنِ الوِلادَة، فأَخَذَت زِلفَةَ خادِمَتَها وأَعطَتْها لِيَعْقوبَ ٱمرَأَةً. ١٠فَوَلَدَت زِلفَةُ خادِمَةُ لَيئَةَ لِيَعْقوبَ ٱبنًا. ١١فقالَت لَيئَة: «لِحُسْنِ الحَظّ»، وسَمَّته جادًا. ١٢ووَلَدَت زِلفَةُ خادِمَةُ لَيئَةَ ٱبنًا ثانيًا لِيَعْقوب. ١٣فقالَت لَيئَة: «لِهَنائي، لِأَنَّ النِّساءَ تُهَنِّئُني»، وسَمَّته أَشير.

١٤ومَضى رأُوبينُ في أَيَّامِ حِصادِ الحِنطَة، فوجَدَ لُفَّاحًا في الحَقْل، فأَتى بِه أُمَّه لَيئَة. فقالَت لَها راحيل: «أَعْطيني مِن لُفَّاحِ ٱبنِكِ». ١٥فقالَت لَها: «أَما كَفاكِ أَن أَخَذتِ زَوجي حتَّى تأخُذي لُفَّاحَ ٱبْني أَيضًا؟». قالَت راحيل: «إِذَن يَنامُ عِندَكِ اللَّيلَةَ بَدَلَ لُفَّاحِ ٱبنِكِ». ١٦وجاءَ يَعْقوبُ مِنَ البَرِّيَّةِ مَساءً، فخَرَجَت لَيئَةُ لِلِقائِه وقالَت: «أُدْخُلْ عَلَيَّ، لِأَنِّي ٱستَأجَرتُكَ بِلُفَّاحِ ٱبْني». فضاجَعَها تِلكَ اللَّيلَة. ١٧فٱستَجابَ اللهُ لِلَيئَةَ فحَمَلَت ووَلَدَت لِيَعْقوبَ ٱبنًا خامِسًا. ١٨فقالَت لَيئة: «قد أَعْطاني اللهُ أَجْري، لِأَنِّي أَعطَيتُ خادِمَتي لِزَوجي»، وسَمَّته يَسَّاكَر. ١٩وعادَت لَيئَةُ فحَمَلَت وَوَلَدتِ ٱبنًا سادِسًا لِيَعْقوب. ٢٠فقالَت لَيئَة: «قد وَهَبَ لِيَ اللهُ هِبَةً حَسَنَة، فالآنَ يُكَرِّمُني زَوجي، لِأَنِّي وَلَدتُ لَه سِتَّةَ بَنين»، وسَمَّته زَبولون. ٢١ثُمَّ وَلَدَتِ ٱبنَةً، فسَمَّتها دينَة.

٢٢وذَكَرَ اللهُ راحيلَ وٱستَجابَ لَها وفَتَحَ رَحِمَها. ٢٣فحَمَلَت ووَلَدَتِ ٱبنًا وقالَت: «قد أَزالَ اللهُ عَنِّي العار»، ٢٤وسَمَّته يُوسُفَ قائلة: «زادَني الرَّبُّ ٱبنًا آخَر!».

إغتناء يعقوب

٢٥فلَمَّا وَلَدَت راحيلُ يوسُف، قالَ يَعْقوبُ لِلابان: «اِصرِفْني فأَمضِيَ إِلى بَيتي وأَرْضي. ٢٦أَعْطِني بَنِيَّ ونِسْوَتي اللَّواتي خَدَمتُكَ بِهِنَّ فأَنصَرِف، فإِنَّكَ تَعلَمُ خِدمَتي الَّتي خَدَمتُكَ». ٢٧فقالَ لَه لابان: «إِذا نِلتُ حُظوَةً في عَينَيكَ… فقَد عَرَفتُ بِالفِراسَةِ أَنَّ الرَّبَّ قد بارَكَني بِسَبَبِكَ». ٢٨وقال: «حَدِّدْ لي أُجرَتَكَ فأُعطِيَكَ». ٢٩فقالَ لَه: «أَنتَ تَعلَمُ كَيفَ خَدَمتُكَ وكيفَ صارَت مَواشيكَ معي. ٣٠فإِنَّها كانَت قَليلةً قَبلَ مَجيئي، وقد زادَت كثيرًا، وبارَكَكَ الرَّبُّ بَعدَ مَجيئي. والآن فمَتى أَعمَلُ أَنا أَيضًا لِبَيتي؟» ٣١قال: «ماذا أُعْطيكَ؟» فقالَ يَعْقوب: «لا تُعْطِني شَيئًا، لٰكن إِذا صَنَعتَ لي هٰذا الأَمْر، فأَنا أَعودُ إِلى رِعايَةِ غَنَمِكَ وأَسهَرُ علَيها.

٣٢أَمُرُّ اليَومَ في غَنَمِكَ كُلِّها، وتَعزِلُ مِنْها كُلَّ أَسوَدَ مِنَ الضَّأن وكُلَّ أَبلَقَ وأَرقَطَ مِنَ المَعْز، فيَكونُ ذٰلك أُجْرَتي. ٣٣وتَشهَدُ ليَ ٱستِقامَتي غَدًا: إِذا حَضَرتَ لِأَمرِ أُجْرَتي، فكُلُّ ما لَيسَ بِأَبلَقَ أَو أَرقَطَ مِنَ المَعزِ وأسوَدَ أَيضًا مِنَ الضَّأن فهو مَسْروقٌ عِنْدي». ٣٤قالَ لابان: «أَجل، فَلْيَكُنْ كما قُلتَ». ٣٥وعَزَلَ في ذٰلك اليَومِ التُّيوسَ المُخَطَّطَةَ والبَلْقاءَ وكُلَّ عَنْزٍ رَقْطاءَ وبَلْقاء، وكُلَّ ما فيه بَياضٌ، وكُلَّ أَسوَدَ مِنَ الضَّأن، فسَلَّمَها إِلى أَيْدي بَنيه. ٣٦وجَعَلَ مَسيرةَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ بَينَهم وبَينَ يَعْقوب، ورَعى يَعْقوبُ غَنَمَ لابانَ الباقِيَة.

٣٧وأَخَذَ يَعْقوبُ عِصِيَّ حَوْر رَطْبَةً ولَوزٍ ودُلْب، وقَشَّرَ فيها خُطوطًا بِيْضًا، كاشِطًا عنِ البَياضِ الَّذي على العِصِيّ. ٣٨وجَعَلَ العِصِيَّ الَّتي قَشَّرَها تُجاهَ الغَنَمِ في الحِياضِ في مَساقي الماء حَيث كانَت تَرِدُ الغَنَم، لِكَي تَوحَمَ علَيها إِذا جاءَت لِتَشرَب. ٣٩فكانَت تَوحَمُ الضَّأنُ على العِصِيِّ فتَلِدُ صِغارًا مُخَطَّطَةً ورَقْطاءَ وبَلْقاء. ٤٠وفَرَزَ يَعْقوبُ الضَّأنَ فوجَّهَ الغَنَمَ نحو كُلِّ مُخَطَّطٍ وأَسوَدَ مِن مَواشي لابان، وبِذٰلِك جَعَلَ لِنَفْسِه قُطْعانًا على حِدَة، ولَم يَجعَلْها مع مَواشي لابان. ٤١وكانَ يَعْقوبُ، كُلَّما وَحِمَتِ الغَنَمُ القَوِيَّة، يَضَعُ العِصِيَّ تُجاهَها في الحِياضِ لِتَوحَمَ علَيها. ٤٢وإِذا كانَتِ الغَنَمُ ضَعيفة، لا يَضَعُ العِصِيَّ تُجاهَها، فتَكونُ الضَّعيفَةُ لِلابان والقَوِيَّةُ لِيَعْقوب. ٤٣فٱغتَنى الرَّجُلُ جِدًّا جِدًّا وصارَت لَه غَنَمٌ كَثيرة وخادِماتٌ وخُدَّامٌ وجِمالٌ وحَمير.

التكوين ٣١

هَرَب يَعْقوب

١وسَمِعَ يَعْقوبُ بَني لابانَ يقولون: «قد أَخَذَ يَعْقوبُ كُلَّ ما لِأَبينا، ومِمَّا لِأَبينا جَمَعَ هٰذه الثَّروَةَ كُلَّها». ٢ورأَى يَعْقوبُ وَجهَ لابان، فإذا بِه لَيسَ معَه كما كانَ أَمْسِ فما قَبْلُ. ٣فقالَ الرَّبُّ لِيَعْقوب: «اِرْجِعْ إِلى أَرضِ آبائِكَ ومَسقَطِ رأسِكَ، وأَنا أَكونُ معَكَ». ٤فأَرسَلَ يَعْقوبُ ودَعا راحيلَ ولَيئَةَ إِلى الحَقْل، حَيثُ كانَت ماشِيَتُه. ٥وقالَ لَهُما: «إِنِّي أَرى وَجهَ أَبيكُما، لا كما كانَ أَمْسِ فما قَبْلُ، ولٰكِنَّ إِلٰهَ أَبي كانَ معي. ٦وأَنتُما تَعلَمانِ أَنِّي خَدَمتُ أَباكُما بِكُلِّ طاقَتي. ٧وأَبوكُما خَدَعَني وغَيَّرَ أُجْرَتي عَشْرَ مَرَّات، ولم يَدَعْه اللهُ يُسيءُ إِلَيَّ. ٨إِن قالَ: الرُّقْطُ تَكونُ أُجرَتَكَ، وَلَدَت جَمِيعُ الغَنَمِ رُقْطًا. وإِن قالَ: المُخطَّطَةُ تَكونُ أُجرَتَكَ، وَلَدَت جَميعُ الغَنَمِ مُخَطَّطَةً. ٩فأَخَذَ اللهُ ماشِيَةَ أَبيكُما وأَعْطاني إِيَّاها. ١٠ولَمَّا كانَ وَقتُ وحامِ الغَنَمِ، رَفَعتُ عَينَيَّ ورأَيتُ في المَنامِ أَنَّ التُّيوسَ النَّازِيَةَ على الغَنَمِ مُخَطَّطَةٌ ورَقْطاءُ ونَمْراء. ١١فقالَ لي ملاكُ اللهِ في الحُلْم: يا يَعْقوب. قُلتُ: هاءَنَذا. ١٢قال: اِرفَعْ عَينَيكَ وٱنظُرْ: جَميعُ التُّيوسِ النَّازِيَةِ على الغَنَمِ مُخَطَّطَةٌ ورَقْطاءُ ونَمْراء، فإِنِّي قد رَأَيتُ كُلَّ ما يَصنَعُه لابانُ بِكَ. ١٣أَنا الإِلٰهُ الَّذي تَراءى لَك في بَيتَ إِيل حَيثُ مَسَحتَ النُّصُبَ بِالزَّيت ونَذَرتَ لي نَذْرًا. والآن قُمْ فٱخرُجْ مِن هٰذه الأَرض وٱرجِعْ إِلى مَسقَطِ رَأسِكَ».

١٤فأَجابَت راحيلُ ولَيئَةُ وقالَتا له: «هل بَقِيَ لَنا نَصيبٌ ومِيراثٌ في بَيتِ أَبينا؟ ١٥أَلَسْنا عِندَه بِمَنزِلَةِ غُرَباء وقد باعَنا وأَكَلَ ثَمَنَنا؟ ١٦فكُلُّ الغِنى الَّذي أَخَذَه اللهُ مِن أَبينا هو لَنا ولِبَنينا. والآن فكُلُّ ما قالَه اللهُ لَكَ فٱفعَلْه».

١٧فقامَ يَعْقوبُ وحَمَلَ بَنيه ونِساءَه على الجِمال. ١٨وساقَ جَميعَ ماشِيَتِه (وجَميعَ الأَمْوالِ الَّتي ٱقتَناها، الماشِيَةَ الَّتي ٱمتَلَكَها في فدَّانَ أَرام)، لِيَذهَبَ إِلى إِسحٰق أَبيه إِلى أَرضِ كَنْعان. ١٩وكانَ لابانُ قد مضى لِيَجُزَّ غَنَمَه، فسَرَقَت راحيلُ أَصْنامَ مَنزِلِ أَبيها. ٢٠وخَدَعَ يَعْقوبُ لابانَ الأَرامِيّ، ولم يُخْبرْه بِفِرارِه. ٢١وهَرَبَ بِكُلِّ ما لَه وقامَ فَعَبَرَ النَّهْرَ وٱتَّجَهَ نَحوَ جَبَلِ جِلْعاد.

لابان يُلاحق يعقوب

٢٢فأُخبِرَ لابانُ في اليَوْمِ الثَّالِثِ أَنَّ يَعْقوبَ قد فَرَّ. ٢٣فأَخَذَ إِخوَتَه معَه وجَدَّ في إِثْرِه مَسيرةَ سَبعَةِ أَيَّام، فأَدرَكَه في جَبَلِ جِلْعاد. ٢٤فأَتى اللهُ لابانَ الأَرامِيَّ في الحُلْمِ لَيلًا وقالَ له: «إِيَّاكَ أَن تُكَلِّمَ يَعْقوبَ بِخَيرٍ أو شَرّ». ٢٥وأَدرَكَ لابانُ يَعْقوب، وكانَ يَعْقوبُ قد نَصَبَ خَيمَتَه في الجَبَل، فَنَصَبَ لابانُ خَيمَتَه في جَبَلِ جِلْعاد.

٢٦فقالَ لابانُ لِيَعْقوب: «ماذا صَنَعتَ؟ قد خَدَعتَني وسُقْتَ بِنتَيَّ كأَسْرى حَرْب. ٢٧لِمَ هَرَبتَ خُفيَةً وخَدَعتَني ولَم تُخْبِرْني فأُشيِّعَكَ بٱبتِهاجٍ وأَغانِيَّ ودُفٍّ وكِنَّارة؟ ٢٨ولَم تَدَعْني أُقَبِّلُ بَنِيَّ وبناتي، وفي هٰذا تَصَرَّفتَ بِغَباوة. ٢٩إنَّ في يَدي أَن أَصنَعَ بِكُم سُوءًا، لَولا أَنَّ إِلٰهَ أَبيكم قد كلَّمَني البارِحَةَ قائلًا: إِيَّاكَ أَن تُكَلِّمَ يَعْقوبَ بِخَيرٍ أَو شَرّ. ٣٠والآن إِنَّما ٱنصَرَفتَ لِأنَّكَ ٱشتَقتَ كَثيرًا إِلى بَيتِ أَبيكَ، فلِمَ سَرَقتَ آلِهَتي؟».

٣١فأَجابَ يَعْقوبُ وقالَ لِلابان: «لِأَنِّي تَخَوَّفتُ وقُلتُ: «لَعَلَّكَ تَغتَصِبُ بِنتَيكَ مِنّي. ٣٢وأَمَّا آلِهَتُكَ، فمَن وُجِدَت معَه فلا يَحْيا. أَثبِتْ ما هو لَكَ في ما هو معي أَمامَ إِخوَتِنا وخُذْه». ولَم يَكُنْ يَعْقوبُ يَعلَمُ أَنَّ راحيلَ قد سَرَقَتها. ٣٣فدَخَلَ لابانُ خَيمَةَ يَعْقوب وخَيمَةَ لَيئَة وخَيمَةَ الخادِمَتَين، فلَم يَجِدْ شَيئًا. وخَرَجَ مِن خَيمَةِ لَيئَة ودَخَلَ خَيمَةَ راحيل. ٣٤وكانَت راحيلُ قد أَخَذَت أَصْنامَ المَنزِل وجَعَلَتها في رَحْلِ الجَمَل وجَلَسَت فَوقَها. فجَسَّ لابانُ الخَيمَةَ كُلَّها فلَم يَجِدْ شَيئًا. ٣٥فقالَت راحيلُ لِأَبيها: «لا يَغْضَبْ سَيِّدي إِن كُنتُ لا أَستَطيعُ أَن أَقومَ أَمامَكَ، فقَد حَدَثَ لي ما يَجْري لِلنِّساء». ففَتَّشَ فلَم يَجِدْ أَصْنامَ المَنزِل.

٣٦فغَضِبَ يَعْقوبُ وخاصَمَ لابانَ وخاطَبَه قال: «ما ذَنْبي وما خطيئَتي حتَّى جَدَدتَ في إِثْري؟ ٣٧وقد جَسَسْتَ جَميعَ أَثاثي، فماذا وَجَدتَ مِن جَميعِ أَثاثِ بَيتِكَ؟ ضَعْه هٰهُنا أَمامَ إِخْوَتي وإِخْوَتِكَ، ولْيَحكُموا بَينَنا كِلَينا. ٣٨لي عِشْرونَ سَنَةً معكَ، ونِعاجُكَ وعِنازُكَ لم تُسقِطْ، ومِن كِباشِ غَنَمِكَ لم آكُل. ٣٩فَريسةً مُمَزَّقَةً لم أُحضِرْ إِلَيكَ، بل كُنتُ أَنا أُعَوَّضُ مِنها، ومِن يَدي كُنتَ تَطلُبُها، سَواءٌ أَخُطِفَت في النَّهار أَم في اللَّيل. ٤٠وكانَ الحَرُّ يأكُلُني في النَّهار والبَردُ في اللَّيل، وهَجَرَ النَّومُ عَينَيَّ. ٤١وهاءَنَذا لي عِشْرونَ سَنَةً في بَيتِكَ: خَدَمتُكَ أَربَعَ عَشْرَةَ سَنَةً بِبِنتَيكَ وسِتَّ سِنينَ بِغَنَمِكَ، وغَيَّرتَ أُجْرَتي عَشْرَ مرَّات. ٤٢ولَولا أَنَّ إِلٰهَ أَبي، إِلٰهَ إِبْراهيم ومَهابةَ إِسحٰقَ معي، لَكُنتَ الآنَ قد صَرَفتَني فارِغًا. وقد نَظَرَ الرَّبُّ إِلى مَشَقَّتي وتَعَبِ يَدَيَّ وحَكَمَ حُكمَه البارِحة».

معاهدة بين يعقوب ولابان

٤٣فأَجابَ لابانُ وقالَ لِيَعْقوب: «البَناتُ بَناتي والبَنونَ بَنِيَّ والغَنَمُ غَنَمي، وكُلُّ ما تَراه هو لي، فماذا تُراني اليَومَ أَفعَلُ بِبَناتي وبالبَنينَ الَّذينَ وَلَدنَهم؟ ٤٤والآن فهلُمَّ نَقطَعُ عَهْدًا أَنا وأنتَ ولْتَكُنْ هٰذه الحِجارَةُ شاهِدًا بَيني وبَينَكَ».

٤٥فأَخَذَ يَعْقوبُ حَجَرًا وأَقامَه نُصُبًا. ٤٦وقالَ يَعْقوبُ لإِخوَتِه: «اِجْمَعوا حِجارةً»، فجَمَعوا حِجارةً وجَعَلوها كَومةً وأَكَلوا طَعامًا فَوقَ الكَومة. ٤٧وسمَّاها لابانُ «يَجَرَ سَهْدوتا»، وسمَّاها يَعْقوبُ «جِلْعاد». ٤٨وقالَ لابان: «هٰذه الكَومةُ تَكونُ شاهِدًا بَيني وبَينَكَ اليَوم»، ولِذٰلك سُمِّيَت جِلْعادَ ٤٩والمِصْفاة، لِأَنَّه قال: «يُراقِبُ الرَّبُّ بَيني وبَيْنكَ، إِذا تَوارى كُلُّ واحِدٍ مِنَّا عن صاحِبِه. ٥٠إِن أَسأتَ مُعامَلَةَ بِنتَيَّ أَوِ ٱتَّخَذْتَ عَلَيهِما نِساءً، وإِن لَم يَكُنْ بَينَنا أَحَدٌ، فٱنْظُر: اللهُ شاهِدٌ بَيني وبَينَكَ». ٥١وقالَ لابانُ لِيَعْقوب: «هٰذه هي الكَومةُ وهٰذا هو النُّصُبُ الَّذي وَضَعتُ بَيني وبَينَكَ. ٥٢هٰذه الكَومةُ شاهِدٌ والنُّصُبُ شاهِدٌ على أَنِّي لا أَتَخَطَّى هٰذه الكَومةَ إِلَيكَ وأَنَّكَ لا تَتَخَطَّى هٰذه الكَومةَ وهٰذا النُّصُبَ إِلَيَّ لِلشَّرّ. ٥٣إِلٰهُ إِبْراهيمَ وإِلٰهُ ناحورَ يَحكُمُ بَينَنا». وحَلَفَ يَعْقوبُ بِمَهابةِ أَبيه إِسْحٰق. ٥٤وذَبَحَ يَعْقوبُ ذَبيحةً في الجَبَل ودَعا إِخْوَتَه لِيَأكُلوا طَعامًا، فأكَلوا وباتوا في الجَبَل.

التكوين ٣٢

١وبَكَّرَ لابانُ في الصَّباح فقَبَّلَ بَنيه وبَناتِه وبارَكَهم، وٱنصَرَفَ لابانُ راجِعًا إِلى بَيتِه. ٢ومَضى يَعْقوبُ في طَريقِه فواجَهَته مَلائِكَةُ الله. ٣فقالَ يَعْقوبُ لَمَّا رَآهم: «هٰذا مُعَسكَرُ الله»، وسَمَّى ذٰلكَ المكانَ مَحْنائيم.

يعقوب يستعدّ للقاء عيسو

٤وأَوفَدَ يَعْقوبُ رُسُلًا قُدَّامَه إِلى عِيسو أَخيه، إِلى أَرضِ سِعير، في بَرِّيَّةِ أَدوم. ٥وأَوصاهُم قائِلًا: «هٰكذا قولوا لِسَيِّدي عِيسو: «كَذا قالَ عَبدُكَ يَعْقوب: إِنِّي نَزَلتُ بِلابان فأَقَمتُ إِلى الآن. ٦وقد صارَ لي بَقَرٌ وحَميرٌ وغَنَمٌ وخُدَّامٌ وخادِمات، وأَوفَدتُ مَن يُخبِرُ سَيِّدي، لأَنالَ حُظوَةً في عَينَيكَ».

٧فَرجَعَ الرُّسُلُ إِلى يَعْقوبَ قائلين: «قد ذَهَبْنا إِلى أَخيكَ عِيسو، فإِذا هو قادِمٌ لِلِقائِكَ ومعَه أَربَعُ مِئَةِ رَجُل».

٨فخافَ يَعْقوبُ جِدًّا وضاقَ بِه الأَمر، فقَسَمَ القَومَ الَّذينَ معه والغَنَمَ والبَقَرَ والجِمالَ إِلى فَريقَين، ٩وقال: «إِن خَرَجَ عِيسو على أَحَدِ الفَريقَينِ فضَرَبَه، نجا الفَريقُ الآخَر». ١٠ثُمَّ قالَ يَعْقوب: «يا إِلٰهَ أَبي إِبْراهيم وإِلٰهَ أَبي إِسحٰق، الرَّبَّ الَّذي قالَ لي: اِرجِعْ إِلى أَرضِكَ وإِلى مَسقَطِ رأسِكَ، وأَنا أُحسِنُ إِلَيك، ١١أَنا دونَ أَن أَستَحِقَّ كُلَّ ما صَنَعتَ إِلى عَبدِكَ مِنَ المَراحِمِ والوَفاء، لِأَنِّي بِعَصايَ عَبَرتُ هٰذا الأُردُنّ، والآن قد أَصبَحتُ فَريقَين. ١٢فأَنقِذْني مِن يَدِ أَخي، مِن يَدِ عِيسو، فإِنِّي أَخافُ مِنه أَن يَأتِيَ فيَضرِبَني أَنا والأُمَّ مع البَنين. ١٣وأَنتَ قد قُلتَ: إِنِّي أُحسِنُ إِلَيكَ إِحْسانًا وأَجعَلُ نسلَكَ كَرَمْلِ البَحْرِ الَّذي لا يُحْصى لِكَثرَتِه». ١٤وباتَ هُناكَ تِلكَ اللَّيلَة.

١٥وأَخَذَ مِمَّا صارَ في يَدِه هَدِيَّةً لِعيسو أَخيه: مِئَتَي عَنزَةٍ وعِشْرينَ تَيسًا ومِئَتَي نَعجَةٍ وعِشْرينَ كَبْشًا ١٦وثَلاثينَ ناقةً مُرضِعًا مع أَولادِها وأَربَعينَ بَقَرَةً وعَشَرَةَ ثيرانٍ وعِشْرينَ حِمارةً وعَشَرَةَ جِحاش، ١٧وسَلَّمَها إِلى أَيدي خُدَّامِه قَطيعًا كُلًّا على حِدَة، وقالَ لِخُدَّامِه: «تَقَدَّموا أَمامي وأَبْقوا مَسافةً بَينَ قَطيعٍ وقَطيع». ١٨وأَوصى الأَوَّلَ قائِلًا: «إِن صادَفَكَ عيسو أَخي وسأَلَكَ فقال: لِمَن أَنتَ وإِلى أَينَ تَمْضي ولِمَن هٰذا الَّذي أَمامَك؟ ١٩فقُلْ: لِعَبدِكَ يَعْقوب، وهو هَدِيَّةٌ مُرسَلَةٌ إِلى سَيِّدي عيسو، وهاهَوذا أَيضًا وراءَنا». ٢٠وأَوصى الثَّاني بِمِثلِ ذٰلك، والثَّالِثَ أَيضًا، وهٰكذا سائرَ الماضينَ وَراءَ القُطْعانِ قائلًا: «كَذا تَقولونَ لِعيسو إِذا وَجَدتُموه، ٢١وقولوا أَيضًا: هُوَذا عَبدُكَ يَعْقوبُ أَيضًا وَراءَنا». لِأَنَّه قال: «أَستَعْطِفُه أَوَّلًا بِالهَدِيَّةِ المُتَقَدِّمَةِ أَمامي، وبَعدَ ذٰلك أَنظُرُ وَجهَه، لَعَلَّه يُكرِمُ وَجْهي». ٢٢فتَقَدَّمَته الهَدِيَّة، وباتَ هو تِلكَ اللَّيلَةَ في المُخَيَّم.

مصارعة الله

٢٣وقامَ في تِلكَ اللّيلَة فأَخَذَ ٱمرَأَتَيه وخادِمَتَيه وبَنيه الأَحَدَ عَشَر فعَبَرَ مَخاضَةَ يَبُّوق. ٢٤أَخَذَهم وعَبَّرَهمُ الوادي وعَبَّرَ ما كانَ لَه. ٢٥وبَقِيَ يَعْقوبُ وَحدَه.

٢٦فصارَعَه رَجُلٌ إِلى طُلوعِ الفَجْر. ورأَى أَنَّه لا يَقدِرُ علَيه، فلَمَسَ حُقَّ وَرِكِه، فٱنخَلَعَ حُقُّ وَرِكِ يَعْقوبَ في مُصارَعَتِه لَه. ٢٧وقال: «اِصرِفْني، لِأَنَّه قد طَلَعَ الفَجْر». فقالَ يَعْقوب: «لا أَصرِفُكَ أَو تُبارِكَني». ٢٨فقالَ له: «ما ٱسمُكَ؟» قالَ «يَعْقوب». ٢٩قال: «لا يَكونُ ٱسمُكَ يَعْقوبَ فيما بَعْد، بل إسْرائيل، لِأَنَّكَ صارَعتَ اللهَ والنَّاسَ فغَلَبتَ». ٣٠وسأَلَه يَعْقوبُ قال: «عَرِّفْني ٱسمَكَ». فقال: «لِمَ سُؤَالُكَ عَنِ ٱسْمي؟»، وبارَكَه هُناك.

٣١وسمَّى يَعْقوبُ المَكانَ فَنوئيلَ قائِلًا: «إِنِّي رأَيتُ اللهَ وَجْهًا إِلى وَجْه، ونَجَت نَفْسي». ٣٢وأَشرَقَت لَه الشَّمسُ عِندَ عُبورِه فَنوئيل، وهو يَعرُجُ مِن وَرِكِه. ٣٣ولِذٰلِك لا يَأْكُلُ بَنو إِسْرائيلَ عِرْقَ النَّسا الَّذي في حُقِّ الوَرِكِ إِلى هٰذا اليَوم، لأَنَّه لَمَسَ حُقَّ وَرِكِ يَعْقوبَ على عِرْقِ النَّسا.

التكوين ٣٣

يعقوب يلتقي عيسو

١ثُمَّ رَفَعَ يَعْقوبُ عَينَيه ونَظَر، فإِذا عيسو مُقبِلٌ ومعه أَربَعُ مِئَةِ رَجُل. فوزَّعَ يَعْقوبُ الأَولادَ على لَيئَةَ وراحيلَ والخادِمَتَين، ٢وجَعَلَ الخادِمَتَينِ وأَولادَهُما في المُقدَّمَة، ثُمَّ لَيئَةَ وأَولادَها، ثُمَّ راحيل، ويوسُفَ أَخيرًا. ٣أَمَّا هو فتَقَدَّمَهم وسَجَدَ إِلى الأَرضِ سَبعَ مَرَّاتٍ حتَّى دَنا مِن أَخيه. ٤فبادَرَ عِيسو إِلى لِقائِه وعانَقَه وأَلْقى بِنَفْسِه على عُنُقِه وقَبَّلَه وبَكَيا. ٥ورَفَعَ عيسو عَينَيه فرأَى النِّساءَ والأَولادَ فقال: «ما هٰؤُلاءِ معَكَ؟» قال: «الأَولادُ الَّذينَ رَزَقَهُمُ اللهُ عَبدَكَ». ٦فتَقَدَّمَتِ الخادِمَتانِ وأَولادُهما وسَجَدوا. ٧ثُمَّ تَقَدَّمَت لَيئَةُ أَيضًا وأَولادُها وسَجَدوا. وأَخيرًا تَقدَّمَ يُوسفُ وراحيلُ وسَجَدا.

٨فقالَ عيسو: «ماذا أَردتَ من كُلِّ هٰذا الحَشْدِ الَّذي صادَفتُه؟» قال: «أَن أَنالَ حُظوَةً في عَينَي سَيِّدي». ٩قالَ عيسو: «إِنَّ عِنْدي كثيرًا، فما لَكَ يَبْقى لَكَ، يا أَخي». ١٠قالَ يَعْقوب: «لا، إِنْ نِلْتُ حُظوَةً في عَينَيكَ فٱقبَلْ هَدِيَّتي مِن يَدي، فإِنِّي رَأَيتُ وَجهَكَ كَما يُرى وَجْهُ الله ورَضيتَ عَنِّي. ١١فٱقبَلْ هَدِيَّتي الَّتي جِئتُ بِها إِلَيكَ، فإِنَّ اللهَ قد أَنعَمَ علَيَّ، وعِنْدي مِن كُلِّ شَيء». وأَلَحَّ علَيه فقَبِل.

يَعقوب يفارق عيسو

١٢ثُمَّ قالَ له عيسو: «نَرحَلُ ونَمْضي وأَسيرُ أَمامَكَ». ١٣فقالَ له: «سَيِّدي يَعلَمُ أَنَّ الأَولادَ ضِعافُ البِنيَة، والغَنَمَ والبَقَرَ الَّتي عِنْدي مُرضِعات، فإِن أجهَدتُها يَومًا واحِدًا هَلَكَتِ الغَنَمُ كُلُّها. ١٤فليَتَقَدَّمْ سَيِّدي عَبدَه، وأَنا أَسيرُ رُوَيدًا في أَثَرِ الماشِيَةِ الَّتي أَمامي وفي أَثَرِ الأَولاد، حتَّى أَصِلَ إِلى سَيِّدي في سِعير». ١٥فقالَ عيسو: «أَترُكُ وَرائي عِندَكَ مِنَ القَومِ الَّذينَ معي». قال: «لِماذا؟ حَسْبي أَنِّي نِلتُ حُظوَةً في عَينَي سَيِّدي». ١٦فرَجَعَ عيسو في ذٰلك اليَومِ في طَريقِه إِلى سِعير، ١٧ورَحَلَ يَعْقوبُ إِلى سُكُّوت، فبَنى لَه بَيْتًا وصَنَعَ لِماشِيَتِه أَكْواخًا. ولِذٰلك سُمِّيَ المكانُ سُكُّوت.

الوصول إلى شكيم

١٨ثُمَّ وَصَلَ يَعْقوبُ سالِمًا إِلى مَدينَةِ شَكيمَ الَّتي بأَرضِ كَنْعان، حينَ عادَ مِن فَدَّانَ أَرام، فخَيَّمَ قُبالَةَ المَدينة. ١٩وٱشْتَرى قِطعَةَ الحَقْلِ الَّتي نَصَبَ فيها خَيمَتَه مِن بَني حَمورَ أَبي شَكيم بِمِئَةِ قَسيطة. ٢٠وأَقامَ هُناكَ مَذبَحًا ودَعاه بِٱسْمِ إِيل، إِلٰهِ إِسْرائيل.

التكوين ٣٤

إغتصاب دينة

١وخَرَجَت دِينةُ بِنتُ لَيئَةَ الَّتي وَلَدَتها لِيَعْقوب، لِتَرى بَناتِ البَلَد. ٢فرآها شَكيمُ بْنُ حَمورَ الحُوِيّ، رَئيسِ البَلَد، فأَخَذَها وضاجَعَها وٱغتَصَبَها. ٣وتعلَّقَت نَفْسُه بِدينةَ بِنتِ يَعْقوب وأَحَبَّ الفَتاةَ وخاطَبَ قَلْبَها. ٤وكَلَّمَ شَكيمُ حَمورَ أَباه قائلًا: «خُذْ لي هٰذه الفُتَيَّةَ زَوجَةً». ٥وسَمِعَ يَعْقوبُ أَنَّ شَكيمَ قد دَنَّسَ دِينَةَ ٱبنَتَه، وكانَ بَنوه مع ماشِيَتِه في البَرِّيَّة، فسَكَتَ حتَّى رَجَعوا.

وفاق زواجيّ بَين بني يعقوب وبني حمور

٦فخَرَجَ حَمورُ أَبو شَكيمَ إِلى يَعْقوبَ لِيُخاطِبَه. ٧وجاءَ بَنو يَعْقوبَ مِنَ الحَقْل، ولَمَّا سَمِعوا بِالأَمْر، شَقَّ على القَوم وغَضِبوا جِدًّا، لأَنَّ شَكيمَ قد صَنَعَ فاحِشَةً في إِسْرائيل، إِذ ضاجَعَ ٱبنَةَ يَعْقوب، ومِثْلُ ذٰلك لا يُصنَع. ٨فتكَلَّمَ حَمورُ معَهم قائلًا: «إِنَّ شَكيمَ ٱبْني قد تَعَلَّقَت نَفسُه بِٱبنَتِكم، فأَعطوه إِيَّاها زَوجَةً، ٩وصاهِرونا: أَعْطونا بَناتِكم وٱتَّخِذوا بَناتِنا، ١٠وأَقيموا معَنا، وهٰذه الأَرضُ أَمامَكم، أَقيموا فيها وجولوا وتَمَلَّكوا». ١١وقالَ شَكيمُ لأَبيها وإِخوَتِها: «أَنالُ حُظوَةً في عيونِكم، وما يَطلُبونَه مِنِّي أُعْطيه. ١٢أَكثِروا عَلَيَّ المَهْرَ والعَطِيَّةَ جِدًّا، فأُعْطِيَكم كما تَطلُبونَ مِنِّي، وأَعْطوني الفَتاةَ زَوجَةً».

١٣فأَجابَ بَنو يَعْقوبَ شَكيمَ وحَمورَ أَباه وكَلَّموهما بِمَكْرٍ لِأَنَّ شَكيمَ دَنَّسَ دِينةَ أُختَهم، ١٤وقالوا لَهما: «لا نَستَطيعُ أَن نَصنَعَ هٰذا: أَن نُعْطِيَ أُخْتَنا لِرَجُلٍ أَقَلف، لِأَنَّه عارٌ عندنا. ١٥ولا نُوافِقُكم على ذٰلك إِلَّا إِذا صِرتُم مِثْلَنا بِأَن يُختَنَ كُلُّ ذَكَرٍ مِنكم، ١٦فنُعْطيكم بَناتِنا ونَتَّخِذُ بَناتِكم ونُقيمُ عِندكم ونَصيرُ شَعْبًا واحدًا. ١٧وإِن لم تَسمَعوا لَنا ولم تَختَتِنوا، نَأخُذُ ٱبنَتَنا ونَمْضي».

١٨فحَسُنَ كَلامُهم في عَينَي حَمورَ وشَكيمَ ٱبْنِه. ١٩ولم يَلبَثِ الفَتى أَنْ صَنَعَ ذٰلك، لِأَنَّه كانَ مَشْغوفًا بِٱبْنَةِ يَعْقوب، وكانَ هو أَوجَهَ أَهْلِ بَيتِ أَبيه كُلِّهم.

٢٠فلَمَّا دَخَلَ حَمورُ وشَكيمُ ٱبنُه بابَ مَدينَتِهما، خاطَبا أَهْلَها قائِلَين: ٢١«إِنَّ هٰؤُلاءِ القَومَ مسالِمونَ لَنا فيُقيمونَ في البَلَد ويَجولونَ فيه، والأَرضُ واسِعةُ الأَطْرافِ أَمامَهم، فنَتَّخِذُ بَناتِهِم أَزْواجًا ونُعْطيهم بَناتِنا. ٢٢ولا يُوافِقُنا القَومُ على أَن يُقيموا مَعَنا ونَصيرَ شَعْبًا واحِدًا، إِلَّا إِذا خُتِنَ كُلُّ ذَكَرٍ مِنّا، كما هم مَخْتونون. ٢٣أَفَلا تَصيرُ مَواشيهِم ومُقتَنَياتُهم وجَميعُ بَهائِمِهم لَنا؟ فَلْنُوافِقْهم على هٰذا فيُقيموا مَعنا». ٢٤فسَمِعَ لِحَمورَ وشَكيمَ ٱبنِه كُلُّ مَن خَرَجَ مِن بابِ مَدينَتِه وٱختَتَنَ كُلُّ ذَكَرٍ مِنهم، كُلُّ الخارجينَ مِن بابِ مَدينَتِه.

إنتقام شمعون ولاوي

٢٥وكانَ في اليَومِ الثالِثِ وهُم مُتَأَلِّمونَ أَنَّ ٱبنَي يَعْقوب شِمْعونَ ولاويَ، أَخَوَي دِينة، أَخَذَا كُلُّ واحِدٍ سَيفَه ودَخَلا المَدينةَ آمِنَين، فقَتَلا كُلَّ ذَكَر، ٢٦وحَمورُ وشَكيمُ ٱبنُه قَتَلاهُما بِحَدِّ السَّيف، وأَخذا دِينةَ مِن بَيتِ شَكيمَ وخَرَجا. ٢٧ثُمَّ دَخَلَ بَنو يَعْقوبَ على القَتْلى وسَلَبوا ما في المَدينة بِسَبَبِ تَدْنيسِ أُخْتِهم. ٢٨وأَخَذوا غَنَمَهم وبَقَرَهم وحَميرَهم وكُلَّ ما في المَدينةِ وما في الحَقْل. ٢٩وسَبَوا كُلَّ ثَروَتِهم وجَميعَ أَطْفالِهِم ونسائِهِم وسَلَبوا كُلَّ ما في البُيوت.

٣٠فقالَ يَعْقوبُ لشِمْعونَ ولاوي: «قد جَلَبتُما الشَّقاءَ علَيَّ وسَوَّدتُما وَجْهي عِنْدَ أَهْلِ البَلَد مِن كَنْعانِيِّينَ وفَرِزِّيِّين، وأَنا نَفَرٌ مَعْدود، فيَجتَمعونَ عَلَيَّ ويَضرِبونَني فأَهلِكُ أَنا وبَيتي». ٣١فقالا: «أَكَزانِيَةٍ تُعامَلُ أُختُنا؟».

التكوين ٣٥

يعقوب في بيت إيل

١ثُمَّ قالَ اللهُ لِيَعْقوب: «قُمْ فٱصعَدْ إِلى بَيتَ إيل وأَقِمْ هُناكَ وٱصنَعْ هُناكَ مَذبَحًا للهِ الَّذي تَراءى لَكَ عِندَ هَرَبِكَ مِن وَجْهِ عيسو أَخيك».

٢فقالَ يَعْقوبُ لِأَهْلِهِ وسائِرِ مَن معَه: «أَزيلوا الآلِهَةَ الغَريبةَ الَّتي في وَسْطِكم وٱطَّهِروا وأَبدِلوا ثِيابَكم، ٣وهَلُمُّوا نَصعَدُ إِلى بَيتَ إِيل وأَصنَعُ هُناكَ مَذبَحًا للهِ الَّذي ٱستَجابَني في يَومِ شِدَّتي وكانَ معي في الطَّريقِ الَّذي سَلَكتُه». ٤فسلَّموا إِلى يَعْقوبَ جَميعَ الآلِهَةِ الغَريبةِ الَّتي عِندَهم والحَلَقاتِ الَّتي في آذانِهم، فطَمَرَها يَعْقوبُ تَحتَ البَلُّوطَةِ الَّتي عِندَ شَكيم، ٥ثُمَّ رَحَلوا، فحَلَّ رُعْبُ اللهِ على المُدُنِ الَّتي حَولَهم فلم يُطارِدْ أَهلُها بَني يَعْقوب.

٦وجاءَ يَعْقوبُ إِلى لُوزَ الَّتي في أَرضِ كَنْعان (وهي بَيتَ إِيل) هو وجَميعُ القَومِ الَّذينَ معه. ٧وبَنى هُناكَ مَذبَحًا ودَعا المكانَ إِلٰهَ بَيتَ إيل، لِأَنَّه هُناكَ تَجَلَّى لَهُ اللهُ حينَ هَرَبَ مِن وَجهِ أَخيه. ٨وماتَت دَبورةُ، مُرضِعَةُ رِفقَة، فدُفِنَت أسفَلَ بَيتَ إِيلَ تَحتَ البَلُّوطة، فسُمِّيَ المَكانُ بَلُّوطةَ البُكاء.

٩وتَراءى اللهُ لِيَعْقوبَ أَيضًا، بَعدَما رَجَعَ مِن فَدَّانَ أَرام، فبارَكَه. ١٠وقالَ لَه الله: «اِسمُكَ يَعْقوب، لَن تُسَمَّى بَعدَ اليومِ يَعْقوب، بل إِسرائيلَ يَكونُ ٱسمُكَ»، فسَمَّاه إِسْرائيل.

١١وقالَ لَه الله: «أَنا اللهُ القَدير. إِنْمِ وٱكثُرْ. أُمَّةٌ وجُمْهورُ أُمَمٍ تَخرُجُ مِنكَ، ومُلوكٌ مِن صُلْبِكَ يَخرُجون. ١٢والأَرضُ الَّتي أَعْطَيتُها لإِبْراهيمَ وإِسحٰق لكَ أُعْطيها، ولِنَسلِكَ مِن بَعدِكَ أُعْطي الأَرض». ١٣ثُمَّ ارتَفَعَ اللهُ عنه في المَكانِ الَّذي خاطَبَه فيه.

١٤فنَصَبَ يَعْقوبُ في المَكانِ الَّذي خاطَبَه فيه نُصُبًا مِن حَجَر وسَكَبَ يَعْقوبُ عليه سَكيبًا وصَبَّ علَيه زَيتًا. ١٥وسَمَّى يَعْقوبُ ذٰلكَ المَكانَ الَّذي خاطَبَه اللهُ فيه بَيتَ إِيل.

مَولد بَنْيامين ووفاة راحيل

١٦ثُمَّ رَحَلوا مِن بَيتَ إِيل. وبَينَما هم على مسافةٍ مِن أَفْراتة، وَلَدَت راحيل وعَسُرَت وِلادَتُها. ١٧فلَمَّا عَسُرَت وِلادَتُها، قالَت لَها القابِلة: «لا تَخافي، فإِنَّ هٰذا أَيضًا ٱبنٌ لَكِ». ١٨وكانَ قَبلَ أَن تَفيضَ نَفسُها، لِأَنَّها ماتَت، قد سَمَّته «بِن أُوني»، وأَمَّا أبوه فسَمَّاه بَنْيامين. ١٩وماتَت راحيل ودُفِنَت في طريقِ أَفْراتة (وهي بَيتَ لَحم). ٢٠ونَصَبَ يَعْقوبُ نُصُبًا على قَبرِها، وهو نُصُبُ قَبرِ راحيلَ إِلى اليَوم.

رأُوبين يرتكب فاحشة

٢١ثُمَّ رَحَلَ إِسْرائيل ونَصَبَ خَيمَتَه وراءَ مِجدَل عيدِر. ٢٢وحَدَثَ، إِذ كانَ إِسْرائيلُ ساكِنًا في تلكَ الأَرض، أَنَّ رأُوبينَ ذَهَبَ فضاجَعَ بِلْهَةَ، سُرِّيَّةَ أَبيه. فسَمِعَ بِذٰلك إِسْرائيل.

بنو يعقوب الاثنا عشر

٢٣وكانَ بنو يَعْقوبَ ٱثنَي عَشَر. بَنو لَيئَة: رَأُوبين، بِكرُ يَعْقوب، وشِمْعون ولاوي ويَهوذا ويَسَّاكَر وزَبولون. ٢٤وبَنو راحيل: يوسُف وبَنْيامين. ٢٥وبنو بِلْهَةَ، خادِمةِ راحيل: دان ونَفْتالي. ٢٦وبَنو زِلْفَة، خادِمَةِ لَيئَة: جاد وأَشير. هٰؤُلاءِ بَنو يَعْقوبَ الَّذينَ وُلِدوا لَه في فَدَّانَ أَرام.

وفاة إِسحٰق

٢٧وقَدِمَ يَعْقوبُ على إِسْحٰقَ أَبيه في مَمْرا، في قِريَةَ أَرْبَع (وهي حَبْرون)، حَيثُ نَزَلَ إِبْراهيمُ وإِسْحٰق. ٢٨وكانَ عُمْرُ إِسْحٰقَ مِئَةً وثَمانينَ سَنَة. ٢٩وفاضَت رُوحُ إِسْحٰقَ ومات، وٱنضَمَّ إِلى أَجْدادِهِ شَيخًا قد شَبِعَ مِنَ الحَياة. ودَفَنَه ٱبناه عيسو ويَعْقوب.

التكوين ٣٦

نِساء عيسو وأولاده في كنعان

١وهٰذه سُلالةُ عيسو، وهو أَدوم. ٢اِتَّخَذَ عيسو نِساءَه مِن بَناتِ كَنْعان: عادةَ بِنْتَ أَيلونَ الحِثِّيّ، وأُهليبامةَ بِنْتَ عانةَ، حَفيدةِ صِبْعونَ الحورِيّ، ٣وبَسمَةَ بِنْتَ إِسْماعيل، أُختَ نَبايوت. ٤فوَلَدَت عادةُ لِعيسو أَليفاز، وبَسمَةُ وَلَدَت رَعوئيل، ٥وأُهْليبامةُ وَلَدَت يَعوش ويَعْلام وقورَح. هٰؤُلاءِ بَنو عيسو الَّذينَ وُلِدوا لَه في أَرضِ كَنْعان.

هِجرَة عيسو

٦وأَخَذَ عيسو نِساءَه وبَنيه وبَناتِه وكُلَّ نَفْسٍ في بَيتِه وماشِيَتِه وكُلَّ بَهائِمِه وسائِرَ مُقْتَناه الَّذي ٱقتَنى في أَرضِ كَنْعان، وٱنتَقَلَ إِلى أَرضٍ بَعيدةٍ عن وَجهِ يَعْقوبَ أَخيه، ٧لِأَنَّ مالَهُما كانَ أكثَرَ مِن أَن يُقيما معًا، ولم تَكُنْ أَرضُ غُربَتِهِما تَسَعُهما بِسَبَبِ مَواشيهِما. ٨وأَقامَ عيسو بِجَبَلِ سِعير، وعيسو هو أَدوم.

سُلالة عيسو في سِعير

٩وهٰذه سُلالةُ عيسو، أَبي أَدومَ، في جَبَلِ سِعير.

١٠هٰذه أَسْماءُ بَني عِيسو: إِليفازُ ٱبنُ عادةَ، ٱمرَأَةِ عيسو، ورَعوئيلُ ٱبنُ بَسمَة ٱمرَأَةِ عيسو.

١١وبَنو أَليفاز: تَيمان وأَومار وصَفْوٌ وجَعْتام وقَناز. ١٢وكانَت تِمْناعُ سُرِّيَّةً لِأَليفازَ بنِ عيسو، فوَلَدَت لِأَليفازَ عَماليق. هٰؤُلاءِ بَنو عادةَ ٱمرَأَةِ عيسو.

١٣وهٰؤُلاءِ بَنو رَعوئيل: نَحَت وزارَح وشَمَّة ومِزَّة. هٰؤُلاءِ بنو بَسمَةَ ٱمرَأَةِ عيسو.

١٤وهٰؤُلاءِ بَنو أُهْليبامةَ بِنتَ عانَةَ ٱبنِ صِبْعونَ ٱمرَأَةِ عيسو: وَلَدَت لِعيسو يَعوش ويَعْلام وقورَح.

زعماء أدوم

١٥وهٰؤُلاءِ زُعَماءُ بَني عيسو. بَنو أَليفاز، بِكْرُ عيسو: الزَّعيمُ تَيمان والزَّعيمُ أَومار والزَّعيمُ صَفْوٌ والزَّعيمُ قَناز، ١٦والزَّعيمُ جَعْتام والزَّعيمُ عَماليق. هٰؤُلاءِ زُعَماءُ أَليفازَ في أَرضِ أَدوم، هٰؤُلاءِ بَنو عادة.

١٧وهٰؤُلاءِ بَنو رَعوئيلَ بنِ عيسو: الزَّعيمُ نَحَت والزَّعيمُ زارَح والزَّعيمُ شمَّة والزَّعيمُ مِزَّة. هٰؤُلاءِ زُعَماءُ رَعوئيلَ في أَرضِ أَدوم، هٰؤُلاءِ بَنو بَسْمَةَ ٱمرَأَةِ عيسو.

١٨وهٰؤُلاءِ بَنو أُهْليبامةَ ٱمرَأَةِ عيسو: الزَّعيمُ يَعوش والزَّعيمُ يَعْلام والزَّعيمُ قورَح. هٰؤلاءِ زُعَماءُ أُهْليبامةَ بِنتِ عانةَ ٱمرَأَةِ عيسو.

١٩هٰؤُلاءِ بَنو عيسو وهٰؤُلاءِ زُعَماؤهم: هٰذا هو أَدوم.

سُلالة سِعير الحوريّ

٢٠هٰؤُلاءِ بَنو سِعيرَ الحوريّ، سُكَّانِ الأَرض: لُوطان وشُوبال وصِبْعون وعانة ٢١ودِيشون وإِيصَر ودِيشان، هٰؤُلاءِ زُعَماءُ الحورِيِّينَ بَني سِعيرَ في أَرضِ أَدوم. ٢٢وبَنو لُوطان: حُوري وهَيمام، وأُختُ لُوطان: تِمْناع. ٢٣وهٰؤُلاءِ بَنو شُوبال: عَلْوان ومَنحَت وعَيبال وشَفوٌ وأُوتام. ٢٤وهٰذانِ ٱبنا صِبْعون: أَيَّة وعانة (وعانةُ هٰذا هو الَّذي وَجَدَ المياهَ الحارَّةَ في البَرِّيَّة، حينَ كانَ يَرْعى حَميرَ صِبْعونَ أَبيه). ٢٥وهٰؤُلاءِ بَنو عانة: ديشون، وأُهْليبامة، بِنتُ عانَة. ٢٦وهٰؤُلاءِ بَنو ديشون: حَمْدان وأَشْبان ويَتْران وكَرَان. ٢٧وهٰؤُلاءِ بَنو إِيصَر: بِلْهان وزَعْوان وعَقان. ٢٨وهٰذانِ ٱبنا دِيشان: عُوص وأَران.

٢٩وهٰؤُلاءِ زُعَماءُ الحورِيِّين: الزَّعيمُ لُوطان والزَّعيمُ شوبال والزَّعيمُ صِبْعون والزَّعيمُ عانة، ٣٠والزَّعيمُ ديشون والزَّعيمُ إِيصر والزَّعيمُ دِيشان. هٰؤُلاءِ زُعَماءُ الحورِيِّينَ بِحَسَبِ لائِحَةِ زُعَمائِهِم في أَرض سِعير.

ملوك أدوم

٣١وهٰؤُلاءِ المُلوكُ الَّذينَ مَلَكوا في أَرضِ أَدوم، قَبلَ أَن يَملِكَ مَلِكٌ في بَني إِسْرائيل، ٣٢مَلَكَ في أَدومَ بالَعُ بْنُ بَعور، وٱسمُ مَدينَتِه دِنْهابة. ٣٣وماتَ بالَع، فمَلَكَ مَكانَه يوبابُ بنُ زارَحَ مِن بُصْرَة. ٣٤وماتَ يوباب، فمَلَكَ مَكانَه حوشامُ مِن أَرضِ التَّمانِيِّين. ٣٥وماتَ حوشام، فمَلَكَ مَكانَه هَدَدُ بنُ بَدَدَ الَّذي كَسَرَ مِدْيَنَ في حُقولِ موآب، وٱسمُ مَدينَتِه عَوِيت. ٣٦وماتَ هَدَد، فمَلَكَ مَكانَه سَمْلَةُ مِن مَسْريقة. ٣٧وماتَ سَمْلَة، فمَلَكَ مَكانَه شاوُلُ مِن رَحَبَةِ النَّهر. ٣٨وماتَ شاوُل، فمَلَكَ مَكانَه بَعْلَ حانانُ بنُ عَكْبور. ٣٩وماتَ بَعْلَ حانانُ بنُ عَكْبور، فمَلَكَ مَكانَه هَدَد، وٱسمُ مَدينَتِه فاعو. وٱسمُ ٱمرَأَتِه مَهيطَبْئيلُ بِنْتُ مَطرِدَ حَفيدةِ ميذَهَب.

زُعماء أدوم مرّة أُخرى

٤٠وهٰذه أَسْماءُ زُعَماءِ عيسو بِعَشائِرِهم وأَماكِنِهِم وأَسْمائِهِم: الزَّعيمُ تِمْناع والزَّعيمُ عَلْوَة والزَّعيمُ يَتيت، ٤١والزَّعيمُ أُهْليبامة والزَّعيمُ إِيلة والزَّعيمُ فِينون ٤٢والزَّعيمُ قَناز والزَّعيمُ تَيمان والزَّعيمُ مِبْصار ٤٣والزَّعيمُ مَجْديئيل والزَّعيمُ عِيرام. هٰؤُلاءِ زُعَماءُ أَدومَ بِحَسَبِ مَساكِنِهم في أَرضِ مِلْكِهم. وهو عيسو أَبو الأَدومِيِّين.

التكوين ٣٧

١وسَكَنَ يَعْقوبُ في الأَرضِ الَّتي نَزَلَ فيها أَبوه في أَرضِ كَنْعان.

٤. سيرة يوسف

يوسف وإخوته

٢وهٰذه سيرةُ يَعْقوب: لَمَّا كانَ يوسفُ ٱبنَ سَبْعَ عَشرَةَ سَنَةً وكانَ يَرْعى الغَنَمَ مع إِخْوَته – وهو شابّ – مع بَني بِلْهَةَ وبَني زِلْفَة، اِمرَأَتَي أَبيه، أَخبَرَ يوسفُ أَباهم عنهُم خَبَرًا شَنيعًا.

٣وكانَ إِسْرائيلُ يُحِبُّ يوسفَ على جَميعِ بَنيه لِأَنَّه ٱبنُ شَيخوخَتِه، فصَنَعَ له قَميصًا مُوشًّى. ٤ورأَى إِخوَتُه أَنَّ أَباه يُحِبُّه على جَميعِ إِخْوَتِه، فأَبغَضوه ولم يَستَطيعوا أَن يُكَلِّموه بِمَوَدَّة.

٥ورأَى يوسفُ حُلْمًا فأَخبَرَ بِه إِخْوَتَه، فٱزدادوا بُغْضًا لَه. ٦قال لهم: «اِسمَعوا هٰذا الحُلْمَ الَّذي رَأَيتُه: ٧رَأَيتُ كأَنَّنا نَحزِمُ حُزَمًا في الحَقْل، فإِذا حُزْمَتي وَقَفَت ثُمَّ ٱنتَصَبَت فأَحاطَت حُزَمُكم بِحُزْمَتي وسَجَدَت لَها». ٨فقالَ لَه إِخْوَتُه: «أَتُراكَ تملِكُ علَينا أَو تَتَسَلَّطُ علَينا؟» وٱزدادوا أَيضًا بُغْضًا لَه بِسَبَبِ أَحْلامِه وأَقْوالِه. ٩ورأَى أَيضًا حُلْمًا آخَر، فقَصَّه على إِخوَتِه وقال: «رَأَيتُ حُلْمًا أَيضًا كأَنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ وأَحَدَ عَشَرَ كَوكَبًا ساجِدةٌ لي». ١٠ولَمَّا قَصَّه على أَبيه وإِخوَتِه، وَبَّخَه أَبوه وقالَ لَه: «ما هٰذا الحُلْمُ الَّذي رَأَيتَه؟ أَتُرانا نأتي أَنا وأُمُّكَ وإِخوَتُكَ فنَسجُدُ لَكَ إِلى الأَرض؟» ١١فحَسَدَه إِخْوَتُه، وأَمَّا أَبوه فكانَ يَحفَظُ هٰذا الأَمْر.

يوسف يبيعه إِخوته

١٢ومَضى إِخوَتُه لِيَرعَوا غَنَمَ أَبيهم عِندَ شَكيم. ١٣فقالَ إِسْرائيلُ لِيوسُف: «أَلا يَرْعى إِخوَتُكَ عِندَ شَكيم؟ هَلُمَّ أُرسِلُكَ إِلَيهم». قالَ لَه: «هاءَنذا». ١٤فقالَ له: «اِمْضِ فٱفتَقِدْ سَلامةَ إِخوَتِكَ وسَلامةَ الغَنَم، وٱئتِني بالخَبَر». وأَرسَلَه مِن وادي حَبْرون، فأَتى يوسفُ شَكيم.

١٥فصادَفَه رَجُلٌ وهو تائِهٌ في الحَقْل، فسأَلَه الرَّجُلُ قائلًا: «عمَّا تَبحَث؟» ١٦قال: «أَبْحَثُ عن إِخوَتي، أَخبِرْني أَينَ يَرعَون». ١٧فقالَ الرَّجُل: «قد رَحَلوا مِن هٰهُنا، وقد سَمِعتُهم يَقولون: نَمْضي إلى دوتائين». فمَضى يوسفُ في إِثْرِ إِخوَتِه فَوجَدَهم في دوتائين.

١٨فلَمَّا رأَوه عن بُعْدٍ قَبلَ أَن يَقتَرِبَ مِنْهم، تآمَروا علَيه لِيُميتوه. ١٩قالَ بَعضُهم لِبَعْض: «ها هُوَذا صاحِبُ الأَحْلامِ مُقبِل. ٢٠والآن تَعالَوا نَقتُلُه ونَطرَحُه في إِحْدى الآبار ونقولُ إِنَّ وَحْشًا ٱفتَرَسَه، ونَرى ما يَكونُ مِن أَحْلامِه».

٢١فسَمِعَ رَأُوبين، فخَلَّصَه من أَيْديهم قائلًا: «لا نَقتُلْ نَفْسًا». ٢٢وقالَ لَهم رأُوبين: «لا تَسفِكوا دَمًا، اِطْرَحوه في هٰذه البِئرِ الَّتي في الحَقْل ولا تُلْقوا أَيدِيَكم علَيه»، ومُرادُه أَن يُخَلِّصَه مِن أَيديهِم ويَرُدَّه إِلى أَبيه. ٢٣فلَمَّا وَصَلَ يوسفُ إِلى إِخوَتِه، نَزَعوا عنه قَميصَه، القَميصَ المُوَشَّى الَّذي علَيه. ٢٤وأَخَذوه وطَرَحوه في البِئر، وكانَتِ البِئرُ فارِغَةً لا ماءَ فيها. ٢٥ثُمَّ جَلَسوا يَأكُلون.

ورَفَعوا عُيونَهم ونَظَروا، فإِذا بِقافِلَةٍ مِنَ الإِسْماعِيلِّينَ مُقبِلَةٌ مِن جِلْعاد، وجِمالُهم مُحَمَّلَةٌ صَمْغَ قَتادٍ وبَلَسانًا ولاذَنًا، وهم سائِرونَ لِيَنزِلوا بِها إِلى مِصْر. ٢٦فقالَ يَهوذا لإِخوَتِه: «ما الفائِدَةُ مِن أَن نَقْتُلَ أَخانا ونُخفِيَ دَمَه؟ ٢٧تَعالَوا نَبيعُه لِلإِسْماعيلِيِّين، ولا تَكُنْ أَيدينا علَيه لِأَنَّه أَخونا ولَحمُنا». فسَمِعَ لَه إِخوَتُه.

٢٨فمَرَّ قَومٌ مِديَنِيُّونَ تُجَّار فٱنتَشَلوا يوسفَ وأَصعَدوه مِنَ البِئر وباعوه لِلإِسْماعِيلِيِّينَ بِعِشْرينَ مِنَ الفِضَّة، فأَتَوا بِيُوسفَ إِلى مِصْر. ٢٩ورَجَعَ رأُوبينُ إِلى البِئْر فإِذا يوسفُ لَيسَ في البِئرِ فمَزَّقَ ثِيابَه. ٣٠ورَجَعَ إِلى إِخوَتِه وقال: «الوَلَدُ لَيسَ مَوجودًا، وأَنا إِلى أَينَ أَمْضي؟».

٣١فأَخَذوا قَميصَ يوسُف وذَبَحوا تَيسًا مِنَ المَعِزِ وغَمَسوا القَميصَ في الدَم. ٣٢وبَعَثوا بالقَميصِ المُوَشَّى وأَوصَلوه إِلى أَبيهِمِ وقالوا: «وَجَدْنا هٰذا. أُنظُرْ: أَقَميصُ ٱبنِكَ هو أَم لا؟». ٣٣فَنَظَرَ إِلَيه وقال: «هو قَميصُ ٱبْني. وَحشٌ ضارٍ أَكَلَه. اِفْتُرِسَ يوسفُ ٱفتِراسًا». ٣٤ومَزَّقَ يَعْقوبُ ثِيابَه وشَدَّ مِسْحًا على حَقْوَيَه وحَزِنَ على ٱبنِه أَيَّامًا كَثيرة. ٣٥وقامَ جَميعُ بَنيه وجَميعُ بَناتِه يُعَزُّونَه، فأَبى أَن يَتَعَزَّى وقال: «إِنِّي أَنزِلُ حَزينًا إِلى ٱبني، إِلى مَثْوى الأَموات»، وبَكى عَلَيه أَبوه.

٣٦وباعَه المِديَنِيُّونَ في مِصْرَ لِفوطيفار، خَصِيِّ فِرْعَونَ ورَئيسِ الحَرَس.

التكوين ٣٨

قِصَّة يهوذا وتامار

١وكانَ في ذٰلكَ الزَّمانِ أَنَّ يَهوذا نَزَلَ مِن عِندِ إِخوَتِه ومالَ إِلى رَجُلٍ عَدُلَّامِيٍّ يُقالُ لَه حِيرة. ٢ورأَى يَهوذا هُناكَ بِنتَ رَجُلٍ كَنْعانِيٍّ ٱسمُه شُوع، فَتَزَوَّجَها ودَخَلَ علَيها. ٣فحَمَلَت ووَلَدَتِ ٱبنًا فسَمَّاه عِيرًا. ٤ثُمَّ حَمَلَت أَيضًا ووَلَدَتِ ٱبنًا فسَمَّته أَونان. ٥وعادَت أَيضًا فوَلَدَتِ ٱبنًا وسَمَّته شِيلة. وكانَ في كازيبَ حينَ وَلَدَته.

٦وٱتَّخَذَ يَهوذا زَوجَةً لِعيرٍ بِكْرِه ٱسمُها تامار. ٧وكانَ عِيرٌ، بِكْرُ يَهوذا، شِرِّيرًا في عَينَيِ الرَّبّ، فأَماتَه الرَّبّ. ٨فقالَ يَهوذا لِأَونان: «أُدخُلْ على ٱمرأَةِ أَخيك وقُمْ بِواجِبِ الصِّهْرِ وأَقِمْ نَسْلًا لِأَخيك». ٩وعَلِمَ أَونانُ أَنَّ النَّسْلَ لا يَكونُ لَه، فَكانَ إِذا دَخَلَ على ٱمرَأَةِ أَخيه، اِستَمْنى على الأَرض، لِئَلَّا يَجعَلَ نَسْلًا لِأَخيه. ١٠فقَبُحَ ما فَعَلَه في عَينَيِ الرَّبّ، فأَماته أَيضًا. ١١فقالَ يَهوذا لِتامارَ كَنَّتِه: «أَقيمي أَرمَلَةً في بَيتِ أَبيكِ حتَّى يَكبَرَ شِيلَةُ ٱبني». لِأَنَّه كانَ يقول: «يُخْشى أَن يَموتَ هو أَيضًا كأَخَوَيه». فمَضَت تامارُ وأَقامَت في بَيتِ أَبيها.

١٢ومَضَت مُدَّةٌ طَويلة، ماتَتِ ٱبنَةُ شُوع، اِمرَأَةُ يَهوذا، وعِندَما تَعَزَّى يَهوذا، صَعِدَ إِلى جُزَّازِ غَنَمِه في تِمْنَة هو وحِيرة، صاحِبُه العَدُلَّامِيّ. ١٣وأُخبِرَت تامارُ وقيلَ لَها: «هُوَذا حَمْوُكِ صاعِدٌ إِلى تِمْنَة، لِيَجُزَّ غَنَمَه» ١٤فخَلَعَت ثِيابَ إِرْمالِها مِن علَيها وتَغَطَّت بِالخِمار وٱحتَجَبَت بِه وجَلَسَت في مَدخَلِ العَينَينِ على طَريقِ تِمْنَة، لِأَنَّها رَأَت أَنَّ شِيلَةَ قد كَبِرَ ولَم تُزَوَّجْ بِه.

١٥فرآها يَهوذا فحَسِبَها بَغِيًّا، لِأَنَّها كانَت مُغَطِّيَةً وَجهَها. ١٦فمالَ إِلَيها إِلى الطَّريقِ وقال: «هَلُمَّ أَدخُلُ علَيكِ»، لِأَنَّه لم يَعلَمْ أَنَّها كَنَّتُه. فقالَت: «ماذا تُعْطيني حتَّى تَدخُلَ عَلَيَّ؟» ١٧قال: «أَبعَثُ بِجَدْيِ مَعْزٍ مِنَ الماشِيَة». قالَت: «أَعْطِني رَهْنًا إِلى أَن تَبعَث». ١٨قال: «ما الرَّهْنُ الَّذي أُعْطيكِه؟» قالت: «خاتَمُكَ وعِقالُكَ وعَصاكَ الَّتي بِيَدِكَ». فأَعْطاها ودَخَلَ علَيها، فحَبِلَت مِنه. ١٩ثُمَّ قامَت فَمَضَت ونَزَعَت خِمارَها مِن علَيها ولَبِسَت ثِيابَ إِرْمالِها.

٢٠وبَعَثَ يَهوذا بِجَدْيِ مَعزٍ مع صاحِبِه العَدُلَّامِيّ لِيَستَرِدَّ الرَّهْنَ مِن يَدِ المَرأَة، فلَم يَجِدْها. ٢١فسَأَلَ أَهْلَ المَكانِ عن مُقامِها قائلًا: «أَينَ البَغِيُّ الَّتي كانَت عِندَ العَينَينِ على الطَّريق؟» قالوا: «ما كانت هٰهُنا قَطُّ بَغِيٌّ». ٢٢فرَجَعَ إِلى يَهوذا وقال: «لم أَجِدْها، وأَهْلُ المَكانِ أَيضًا قالوا: ما كانَت هٰهُنا قَطُّ بَغِيٌّ». ٢٣فقالَ يَهوذا: «لِتَحتَفِظْ بِما عِندَها لِئَلَّا نَصيرَ سُخرِيَّة، فإِنِّي قد أَرسَلتُ الجَدْيَ، وأَنتَ لم تَجِدْها».

٢٤وبَعدَ مُضِيِّ نَحوِ ثَلاثةِ أَشهُرٍ، أُخبِرَ يَهوذا وقيلَ لَه: «قد بَغَت تامارُ كَنَّتُكَ، وها هي حامِلٌ مِنَ البَغاء». فقالَ يَهوذا: «أَخرِجوها فتُحرَق». ٢٥فبَينَما هي مُخرَجَة، بَعَثَت إِلى حَميها قائلةً: «مِنَ الرَّجُلِ الَّذي هٰذه الأَشياءُ لَه أَنا حامِل». وقالت: «أُنْظُرْ لِمَنْ هٰذا الخاتَمُ والعِقالُ والعَصا». ٢٦فنَظَرَ إِلَيْها يَهوذا وقال: «هي أَبَرُّ مِنِّي، لِأَنِّي لم أُزَوِّجْها لِشيلَةَ ٱبني». ولم يَعُدْ بَعدَ ذٰلك يَدخُلُ عَلَيها.

٢٧ولَمَّا حانَ وَقتُ وِلادَتِها، إِذا بِتَوأَمَينِ في بَطِنها. ٢٨ولَمَّا وَلَدَت، أَخرَجَ أَحَدُهُما يَدَه، فأَخَذَتِ القابِلَةُ خَيطًا قِرمِزِيًّا فعَقَدَته علَيها وقالَت: «هٰذا خَرَجَ أَوَّلًا». ٢٩فلَمَّا رَدَّ يَدَه، خَرَجَ أَخوه فقالت: «يا لَكَ مِن ثَغرَةٍ ثغَرتَها!» فسُمِّيَ فارَص. ٣٠وبَعدَ ذٰلكَ خَرَجَ أَخوه الَّذي على يَدِه الخَيطُ القِرمِزِيّ، فسُمِّيَ زارَح.

التكوين ٣٩

يوسف في بدء إقامته بمصر

١أَمَّا يوسُفُ فأُنزِلَ إِلى مِصر، فٱشتَراه فوطيفار، خَصِيُّ فِرعَونَ ورئيسُ الحَرَس، رَجُلٌ مِصرِيٌّ، مِن أَيدي الإِسْماعِيلِيِّينَ الَّذينَ نَزَلوا بِه إِلى هُناك. ٢وكانَ الرَّبُّ مع يوسف، فكانَ رَجُلًا ناجِحًا، وأَقامَ بِبَيتِ سَيِّدِه المِصريّ. ٣ورأَى سَيِّدُه أَنَّ الرَّبَّ معَه وأَنَّ جَميعَ ما يَعمَلُه يُنجِحُه الرَّبُّ في يَدِه. ٤فنالَ يوسفُ حُظوَةً في عَينَيه وخَدَمَه. فأَقامَه على بَيتِه، وكُلُّ ما كانَ لَه جَعَلَه في يَدِه. ٥وكانَ، مُنذُ أَقامَه على بَيتِه وكُلِّ ما هو لَه، أَنَّ الرَّبَّ بارَكَ بَيتَ المِصرِيِّ بِسَبَبِ يوسف، وكانَت بَركَةُ الرَّبِّ على كُلِّ ما هو لَه في البَيتِ وفي الحَقْل. ٦فتَرَكَ كُلَّ ما كانَ لَه في يَدِ يوسف، ولَم يَكُنْ يَهتَمُّ معه بِشَيءٍ إِلَّا بِالطَّعامِ الَّذي كانَ يَتناوَلُه. وكانَ يُوسفُ حَسَنَ الهَيئةِ وجَميلَ المَنظَر.

يوسف والغاوية

٧وكانَ بَعدَ هٰذه الأَحْداثِ أَنَّ ٱمرَأَةَ سَيِّدِه طَمَحَت عَينُها إِلى يوسفَ وقالت: «ضاجِعْني». ٨فأَبى وقالَ لِٱمرَأَةِ سَيِّده: «هُوَذا سَيِّدي لا يَهتَمُّ معي بِشَيءٍ مِمَّا في البَيت، وكُلُّ ما هو لَه قد جَعَلَه في يَدي. ٩ولَيسَ هو أَكبَرَ مِنِّي في هٰذا البَيت، ولَم يُمسِكْ عَنِّي شَيئًا غَيرَكِ لِأَنَّكِ زَوجَتُه. فكَيفَ أَصنَعُ هٰذه السَّيِّئَةَ العَظيمةَ وأَخْطَأُ إِلى الله؟» ١٠وكَلَّمَته يَومًا بَعدَ يَوم، فلَم يَسمَعْ لَها أَن يَنامَ بِجانِبِها لِيَكونَ معها.

١١فٱتَّفَقَ في بَعضِ الأَيَّامِ أَنَّه دَخَلَ البَيتَ لِيَقومَ بِعَمَلِه، ولَم يَكُنْ هُناكَ في البَيتِ أَحَدٌ مِن أَهْلِه. ١٢فأَمسَكَت بِثَوبِه قائِلَةً: «ضاجِعْني». فتَرَكَ ثَوبَه بِيَدِها وفَرَّ هارِبًا إِلى خارِج. ١٣فلَمَّا رأَت أَنَّه قد تَرَكَ ثَوبَه بِيَدِها وهَرَبَ إِلى الخارِج، ١٤صاحَت بِأَهْلِ بَيتِها وقالَت لَهم: «اُنْظُروا! لقَد جاءَنا بِرَجُلٍ عِبْرانِيٍّ لِيتَلاعَبَ بِنا. أَتاني لِيُضاجِعَني، فصَرَختُ بِصَوتٍ عالٍ. ١٥فَلمَّا سَمِعَني قد رَفَعتُ صَوتي وصَرَختُ، تَرَكَ ثَوبَه بِجانِبي وفَرَّ هارِبًا إِلى خارِج».

١٦ووَضَعَت ثَوبَه بِجانِبِها حتَّى قَدِم سَيِّدُه إِلى بَيتِه. ١٧فكَلَّمَته بِمِثْلِ هٰذا الكَلام وقالَت: «أَتاني الخادِمُ العِبْرانِيُّ الَّذي جِئتَنا بِه لِيَتَلاعَبَ بي. ١٨وكانَ، عِنْدَما رَفَعتُ صَوتي وصَرَخْتُ، أَنَّه تَرَكَ ثَوبَه بِجانِبي وهَرَبَ إِلى خارِج» ١٩فلَمَّا سَمِعَ سَيِّدُه كَلامَ ٱمرَأَتِه الَّذي أَخبَرَته بِه قائِلَةً: «كَذا صَنَعَ بي خادِمُكَ»، غَضِبَ علَيه غَضَبًا، ٢٠فأَخَذَ يُوسفَ سَيِّدُه وجَعَلَه في السِّجْن، حَيثُ كانَ سُجَناءُ المَلِكِ مَسْجونين.

يوسف في السجن

فكانَ هُناكَ في السِّجْن. ٢١وكانَ الرَّبُّ مع يوسف وأَمالَ إِلَيه رَحمَتَه. وأَنالَه حُظوَةً في عَينَي رَئيسِ السِّجْن. ٢٢فجَعَلَ رَئيسُ السِّجْنِ في يَدِ يوسفَ جَميعَ السُّجَناءِ الَّذينَ في السِّجْن، وكُلُّ ما كانوا يَصنَعونَه هُناكَ كانَ هو يُدَبِّرُه. ٢٣ولَم يَكُنْ رَئيسُ السِّجْنِ يَهتَمُّ بِشَيءٍ مِمَّا تَحتَ يَدِ يُوسف، لِأَنَّ الرَّبَّ كانَ معَه، ومَهْما صَنَعَ كانَ الرَّبُّ يُنجِحُه.

التكوين ٤٠

يوسف يفسّر أَحلام رؤساء فرعون

١وكانَ بَعدَ هٰذه الأَحْداثِ أَنَّ ساقِيَ مَلِكِ مِصْرَ والخَبَّازَ أَجرَما إِلى سَيِّدِهِما مَلِكِ مِصْر. ٢فسَخَطَ فِرعَونُ على كِلا خَصِيَّيه رَئيسِ السُّقاةِ ورَئيسِ الخَبَّازين، ٣وأَوقَفَهما في بَيتِ رَئيسِ الحَرَسِ في السِّجْنِ حَيثُ كانَ يوسفُ مَسْجونًا. ٤فأَلحَقَ رَئيسُ الحَرَسِ بِهِما يوسف فقامَ بِخِدمَتِهما، وظلَّا مَوقوفَينِ مُدَّةً.

٥فرَأَيَا كِلاهُما حُلْمًا في لَيْلَةٍ واحِدَة، كُلُّ واحِدٍ حُلْمَه (ولِكُلِّ حُلْمٍ تَفْسيرُه) ساقي مَلِكِ مِصْرَ وخَبَّازُه المَسْجونانِ في السِّجْن. ٦فأَتاهُما يوسُفُ في الصَّباح، فإِذا هما حَزينَان. ٧فسأَلَ خَصِيَّي فِرعَونَ اللَّذَينِ معه والمَوقوفَينِ في بَيتِ سَيِّدِه وقال: «ما بالُ وَجهَيكُما مُكتَئِبَينِ اليَوم؟» ٨فقالا لَه: «رأَينا حُلْمًا، ولَيسَ لَنا مَن يُفَسِّرُه». فقالَ لَهما يوسف: «أَلَيْسَ أَنَّ للهِ التَّفْسير؟ قُصَّا عَلَيَّ».

٩فقَصَّ رَئيسُ السُّقاةِ حُلمَه على يوسفَ وقالَ لَه: «رأَيتُ كأَنَّ جَفنَةَ كَرْمٍ أَمامي، ١٠وفي الجَفنَةِ ثَلاثَةُ قُضبانٍ وكأَنِّي بِها أَزهَرَت ونَما زَهرُها وأَنضَجَت عَناقيدُها عِنَبًا. ١١وكانَت كَأْسُ فِرعَونَ في يَدي فأَخَذتُ العِنَبَ وعَصَرتُه في كأسِ فِرعَون ووَضَعتُ الكَأسَ في يَدِه». ١٢فقالَ لَه يوسف: «هٰذه تَفْسيرُه: القُضْبانُ الثَّلاثَةُ هي ثَلاثَةُ أَيّام. ١٣فبَعْدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ يَرفَعُ فِرعَونُ رَأسَكَ ويَرُدُّكَ إِلى وَظيفَتِكَ وتُناولُ فِرعَونَ كأسَه كالعادَةِ السَّابِقَة حينَ كُنتَ ساقِيَه. ١٤وإِذا حَسُنَ أَمرُكَ فتَذَكَّرْني وٱصنَعْ إِلَيَّ رَحمَةً وٱذكُرْني لَدى فِرعَونَ وأَخرِجْني مِن هٰذا البَيت، ١٥لِأَنِّي قد خُطِفتُ مِن أَرضِ العِبْرانِيِّين، وهٰهُنا أَيضًا وَضَعوني في السِّجْنِ مِن غيرِ أَن أَفعَلَ شَيئًا».

١٦ولَمَّا رأَى رئيسُ الخَبَّازينَ أَنَّ التَّفْسيرَ كانَ خَيرًا، قالَ لِيُوسف: «رأَيتُ أَنا أَيضًا في حُلْمٍ كأَنَّ ثَلاثَ سِلالٍ مِنَ الخُبزِ الأَبيَضِ على رأسي، ١٧وفي السَّلَّةِ العُلْيا مِن جَميعِ أَطعِمَةِ فِرعَون مِمَّا يَصنَعُه الخَبَّاز، والطُّيورُ تأكُلُه مِنَ السَّلَّةِ الَّتي على رأسي». ١٨فأَجابَ يوسفُ وقال: «هٰذا تَفْسيرُه: السِّلالُ الثَّلاثُ هي ثَلاثَةُ أَيَّام. ١٩فبَعدَ ثَلاثَةِ أَيَّام يَرفَعُ فِرعَونُ رَأسَكَ فَوقًا ويُعَلِّقُكَ على خَشَبَة، فتَأكُلُ الطُّيورُ لَحمَكَ مِن علَيكَ».

٢٠فكانَ في اليَومِ الثَّالِث، يَومِ مَولِدِ فِرعَون، أَنَّه صَنَعَ مأدُبَةً لِجَميعِ حاشِيَتِه، فَرَفَعَ رأسَ رَئيسِ السُّقاة ورأسَ رَئيسِ الخَبَّازين بَينَ حَشَمِه. ٢١فَرَدَّ رَئيسَ السُّقاةِ إِلى سِقايَتِه فوَضَعَ الكأسَ في يَدِ فِرعَون. ٢٢وأَمَّا رَئيسُ الخَبَّازين فعَلَّقَه، فكانَ كُلُّ شَيءٍ بِحَسَبِ تَفْسيرِ يوسفَ لَهُما. ٢٣ولم يَتَذَكَّرْ رَئيسُ السُّقاة يوسفَ فنَسِيَه.

التكوين ٤١

أحلام فرعون

١وكانَ بَعدَ مُضِيِّ سَنَتَينِ مِنَ الزَّمانِ أَنَّ فِرعونَ رأَى حُلْمًا، إِذ هو واقِفٌ عِندَ النِّيل. ٢فإِذا بِسَبْعِ بَقَراتٍ صاعِدَةٌ مِنه وهي حِسانُ المَنظَرِ وسِمانُ الأَبْدان، فَرَعَت في مَنبِتِ القَصَب، ٣وبِسَبْعِ بَقَراتٍ أُخَرَ صاعِدَةٌ وراءَها مِنَ النِّيل وهي قِباحُ المَنظَرِ وهَزيلَةُ الأَبْدان، فَوَقَفَت بِجانِبِ البَقَرات الأُخَرِ على شاطِئِ النِّيل. ٤فأَكَلَتِ البَقَراتُ القِباحُ المَنظَرِ الهَزيلةُ الأَبْدانِ السَّبْعَ البَقَراتِ الحِسانِ المَنظَرِ السِّمان. وٱستَيقَظَ فِرعَون.

٥ثُمَّ نامَ فحَلَمَ ثانِيَةً وإِذا بِسَبْعِ سَنابِلَ قد نَبَتَت في ساقٍ واحِدَة، وهي سِمَانٌ جَيِّدة، ٦وبسَبْعِ سَنابِلَ هَزيلةٍ قد لَفَحَتها الرِّيحُ الشَّرقِيَّة نَبَتَت وراءَها. ٧فٱبتَلَعَتِ السَّنابِلُ الهزيلَةُ السَّبْعَ السَّنابِلَ السَّمينَةَ المُمتَلِئَة. وٱستَيقَظَ فِرعونُ، فإِذا هو حُلْم.

٨فلَمَّا كانَ الصَّباح، اِضطَرَبَت نَفسُه، فأَرسَلَ ودَعا جَميعَ سَحَرَةِ مِصْر وجَميعَ حُكَمائِها. فَقَصَّ فِرعَونُ علَيهِم حُلْمَه فلَم يَكُنْ مَن يُفَسِّرُه لِفِرعَون. ٩فكَلَّمَ رَئيسُ السُّقاةِ فِرعَونَ وقال: «إِنِّي أَعتَرِفُ اليَومَ بِأَخْطائي. ١٠إِنَّ فِرعَونَ كانَ قد سَخِطَ على عَبْدَيه، فأَوقَفَني في بَيتِ رَئيسِ الحَرَسِ، أَنا ورَئيسَ الخبَّازين. ١١فرَأَينا كِلانا حُلْمًا في لَيلَةٍ واحِدة ولِكُلِّ حُلْمٍ تَفْسيرُه. ١٢وكانَ معَنا هُناك شابٌّ عِبْرانِيٌّ، خادِمٌ لِرَئيسِ الحَرَس، فقَصَصْنا علَيه ففَسَّرَ لَنا حُلْمَينا، فَسَّرَ لِكُلِّ واحِدٍ مِنَّا حُلْمَه. ١٣وكما فَسَّرَ لَنا كان: فرَدَّني المَلِكُ إِلى وظيفَتي وذاكَ علَّقَه».

١٤فأَرسَلَ فِرعَونُ ودَعا يوسف، فأَسرَعوا بِه مِنَ السِّجْن. فَحَلَقَ ذَقْنَه وأَبدَلَ ثِيابَه ودَخَلَ على فِرعَون. ١٥فقالَ فِرعَونُ لِيُوسف: «قد رَأَيتُ حُلْمًا، ولم يَكُنْ مَن يُفَسِّرُه، وقَد سَمِعتُ عَنكَ أَنَّكَ إِذا سَمِعتَ حُلْمًا تُفَسِّرُه». ١٦فأَجابَ يوسفُ فِرعَونَ وقال: «لا أَنا، بَلِ اللهُ يُجيبُ فِرعَونَ الجَوابَ السَّليم».

١٧فقالَ فِرعَونُ لِيُوسف: «حَلَمتُ وإِذا بي واقِفٌ على شاطِئِ النِّيل، ١٨وقد صَعِدَ مِنَ النِّيلِ سَبْعُ بَقَراتٍ سِمانِ الأَبْدانِ حِسانِ الهَيئات، فَرَعَت في مَنبِتِ القَصَب. ١٩وإِذا سَبْعُ بَقَراتٍ أُخَرَ قد صَعِدَت وَراءَها ضِعافًا قِباحَ الهَيئاتِ جدًّا هَزيلَةَ الأَبْدان لم أَرَ في أَرضِ مِصْرَ كُلِّها مِثْلَها في القُبْح. ٢٠فأَكَلَتِ البَقَراتُ الهَزيلةُ القِباحُ السَّبْعَ البَقَراتِ الأُولى السِّمان، فدَخَلَت في أَجْوافِها ٢١ولم يُعْرَفْ أَنَّها قد دَخَلَت فيها، وبَقِيَ مَنظَرُها قَبيحًا كما كانَ أَوَّلًا، وٱستَيقَظتُ. ٢٢ثُمَّ رأَيتُ في حُلْمي سَبْعَ سَنابِلَ قد نَبَتَت في ساقٍ واحِدَةٍ مُمتَلِئَةً جَيِّدة، ٢٣وسَبْعَ سَنابِلَ جافَّةً هَزيلَةً قد لَفَحَتها الرِّيحُ الشَّرقِيَّة نَبَتَت وَراءَها. ٢٤فٱبتَلَعَتِ السَّنابِلُ الهَزيلةُ السَّبْعَ السَّنابِلَ الجَيِّدة. فأَخبَرتُ بِذٰلِك السَّحَرَة فلم يَكُنْ مَن يُجيبُني».

٢٥فقالَ يوسفُ لِفِرعَون: «حُلْمُ فِرعَونَ واحِد: ما سَيَصنَعُه اللهُ أَخبَرَ بِه فِرعَون. ٢٦السَّبْعُ البَقَراتُ الجَيِّدَةُ هي سَبْعُ سِنين، والسَّبْعُ السَّنابِلُ الجَيِّدَةُ هي سَبْعُ سِنين: هو حُلْمٌ واحِد. ٢٧والسَّبْعُ البَقَراتُ الهَزيلةُ القِباحُ الصَّاعِدَةُ وراءَها هي سَبْعُ سِنين، والسَّبْعُ السَّنابِلُ الهَزيلَةُ الَّتي لَفَحَتها الرِّيحُ الشَّرقِيَّةُ تَكونُ سَبْعَ سِني مَجاعة. ٢٨هو الكَلامُ الَّذي قُلتُه لِفِرعَونَ، إِنَّ اللهَ كَشَفَ لِفِرعَونَ ما هو صانِعُه: ٢٩ها هي سَبْعُ سِنينَ آتِيَةٌ فيها شِبَعٌ عَظيمٌ في كُلِّ أَرضِ مِصر. ٣٠تَأتي مِن بَعدِها سَبْعُ سِني مَجاعة، فيُنْسى كُلُّ الشِّبَعِ في أَرْضِ مِصْر وتُتْلِفُ المجاعَةُ هٰذه الأَرض، ٣١فلا يَعودُ يُعرَفُ ما هو الشِّبَعُ في هٰذه الأَرض بِسَبَبِ المجاعةِ الآتيَةِ بَعدَه لِأَنَّها ستَكونُ شَديدَةً جِدًّا. ٣٢وأَمَّا تَكْرارُ الحُلْمِ على فِرعَونَ مَرَّتَين، فلأَنَّ الأَمرَ مُقَرَّرٌ من لَدُنِ الله، وسيَصنَعُه عاجِلًا.

٣٣والآن، لِيَبحَثْ فِرعَونُ عن رَجُلٍ فَهيمٍ حَكيمٍ يُقيمُه على أَرضِ مِصْر، ٣٤وَلْيَسْعَ فِرعَونُ ويُوكِّلْ وُكَلاءَ على هٰذه الأَرضِ ويَأخُذْ خُمْسَ غَلَّةِ أَرضِ مِصْرَ في سَبْعِ سِني الشِّبَع، وَلْيَجْمَعوا كُلَّ طَعامِ سِني الخَيرِ الآتِيَة ٣٥ويَخزُنوا قَمحَها تَحتَ يَدِ فِرعَونَ طَعامًا في المُدُنِ ويَحفَظوه. ٣٦فيَكونُ الطَّعامُ مَؤونَةً لِهٰذه الأَرض لِسَبْعِ سِني المَجاعَةِ الَّتي ستَكونُ في أَرضِ مِصْر، فلا تَفْنى هٰذه الأَرضُ بِالمَجاعة».

ترقية يوسف

٣٧فحَسُنَ الكَلامُ في عَينَي فِرعَون وعَينَي حاشِيتِه كُلِّها. ٣٨فقالَ فِرعَونُ لِحاشِيَتِه: «هل نَجِدُ مِثْلَ هٰذا رَجُلًا فيه رُوحُ الله؟» ٣٩وقالَ فِرعَونُ لِيُوسف: «بَعدَما ما أَعلَمَكَ اللهُ هٰذا كُلَّه، فلَيسَ هُناكَ فَهيمٌ حَكيمٌ مِثْلُكَ. ٤٠أَنتَ تَكونُ على بَيتي وإِلى كَلِمَتِكَ يَنْقادُ كُلُّ شَعْبي، ولا أَكونُ أَعظَمَ مِنكَ إِلَّا بِالعَرْش». ٤١وقالَ فِرعَونُ لِيُوسف: «أُنظُرْ: قد أَقَمتُكَ على كُلِّ أَرضِ مِصْر». ٤٢ونَزَعَ فِرعَونُ خاتَمَه مِن يَدِه وجعَلَه في يَدِ يوسف، وأَلبَسَه ثِيابَ كَتَّانٍ ناعِم وجَعَلَ طَوقَ الذَّهَبِ في عُنُقِه، ٤٣وأَركَبَه مَركَبَتَه الثَّانِيَة، ونادَوا أَمامَه: «اِحذَرْ». وهٰكذا أَقامَه على كُلِّ أَرضِ مِصْر.

٤٤وقالَ فِرعَونُ لِيُوسف: «أَنا فِرعَون، بِدونِكَ لا يَرفَعُ أَحَدٌ يَدَه ولا رِجلَه في كُلِّ أَرضِ مِصْر». ٤٥وسَمَّى فِرعَونُ يوسفَ «صُفْنَة فعْنِئَح»، وزَوَّجَه أَسْنات، بِنْتَ فوطيفارَع، كاهِنِ أُون. وطافَ يوسفُ في كُلِّ أَرضِ مِصْر.

٤٦وكانَ يوسفُ ٱبنَ ثَلاثينَ سَنَةً، حينَ مَثَلَ أَمامَ فِرعَونَ، مَلِكِ مِصْر. وخَرَجَ يوسفُ من أَمامِه وتَجَوَّلَ في أَرضِ مِصْرَ كُلِّها. ٤٧ثُمَّ أَخرَجَتِ الأَرضُ في سَبْعِ سِني الشِّبَعِ أَكْداسًا أَكْداسًا. ٤٨فجَمَعَ كُلَّ غِلالِ السَّبْعِ السِّنينَ الَّتي كانَ فيها الشِّبَعُ في أَرضِ مِصْر وجَعَلها طَعامًا في المُدُن، جاعِلًا في كُلِّ مَدينَةٍ غِلالَ ما حَولَها مِنَ الحُقول. ٤٩فخَزَنَ يوسفُ مِنَ القَمْحِ ما يُعادِلُ رَمْلَ البَحْرِ كَثرَةً، حَتَّى أَهمَلَ إِحصاءَه، لِأَنَّه لم يَكُنْ يُحْصى.

إبنا يوسف

٥٠ووُلِدَ لِيُوسفَ ٱبْنانِ قَبلَ أَن تأتيَ سَنَةُ المَجاعة، وهُما اللَّذانِ وَلَدَتْهُما أَسْنات، بِنْتُ فوطيفارَع، كاهِنِ أُون. ٥١فسَمَّى يوسفُ البِكْرَ مَنَسَّى، قائِلًا: «إِنَّ اللهَ قد أَنْساني كُلَّ عَنائي وبَيتَ أَبي كُلَّه». ٥٢وسَمَّى الثَّاني أَفْرائيم، قائلًا: «إِنَّ اللهَ قد أَنْماني في أَرضِ شَقائي».

٥٣وٱنتَهَت سَبْعُ سِني الشِّبَعِ الَّذي كانَ في أَرضِ مِصْر، ٥٤وبدأت سَبْعُ سِنِي المجاعَةِ تأتي كَما قالَ يوسف. فكانَت مَجاعةٌ في جَميعِ الأَراضي، وأَمَّا كُلُّ أَرضِ مِصْرَ فكانَ فيها خُبْزٌ. ٥٥فلَمَّا جاعَت كُلُّ أَرضِ مِصْر، صَرَخَ الشَّعْبُ إِلى فِرعَونَ لِأَجلِ الخُبْز. فقالَ فِرعَونُ لِجَميعِ المِصرِيِّين: «إِذْهَبوا إِلى يوسف، فما يَقُلْه لَكُم فٱصنَعوه». ٥٦وكانَتِ المَجاعَةُ على كُلِّ وَجهِ الأَرض. ففَتَحَ يوسفُ كُلَّ ما أُودِعَ، فباعَ لِلمِصرِيِّين. وٱشتَدَّتِ المَجاعَةُ في أَرضِ مِصْر. ٥٧وقَدِمَ أَهْلُ الأَرضِ بِأَسرِها إِلى مِصْرَ لِيَشتَرُوا حَبًّا مِن يوسف، لِأَنَّ المَجاعَةَ كانَت شَديدةً في الأَرضِ كُلِّها.

التكوين ٤٢

اللقاء الأوّل بين يوسف وإخوته

١فلَمَّا عَلِمَ يَعْقوبُ أَنَّ الحَبَّ مَوجودٌ في مِصْر، قالَ لِبَنيه: «ما بالُكم تَنظُرونَ بَعضُكم إِلى بَعض؟» ٢وقال: «إِنِّي قد سَمِعتُ أَنَّ الحَبَّ مَوجودٌ في مِصْر، فٱنزِلوا إِلى هُناكَ وٱشتَروا لَنا حَبًّا فنَحْيا ولا نَموت». ٣فنَزَلَ عَشَرَةٌ مِن إِخوَةِ يوسفَ لِيَشتَروا قَمْحًا مِن مِصْر. ٤وأَمَّا بَنْيامين، أَخو يوسف، فلَم يُرسِلْه يَعْقوبُ مع إِخوَتِه، لِأَنَّه قال: «يُخْشى أَن يَلحَقَه سوء».

٥وأَتى بَنو إِسْرائيلَ في مَن أَتى لِيَشتَروا حَبًّا، لِأَنَّ المَجاعَة كانَت في أَرضِ كَنْعان. ٦وكانَ يوسفُ هو المُسَلَّطَ على تِلكَ الأَرض والبائعَ حَبًّا لِكُلِّ شَعْبِ تِلكَ الأَرض. فجاءَ إِخوَتُه وسَجَدوا له بِوُجوهِهِم إِلى الأَرض. ٧ولَمَّا رأَى يوسفُ إِخوَتَه عَرَفَهم، ولٰكِنَّه تَنَكَّرَ لَهم وكَلَّمَهم بِقَساوةٍ وقالَ لهم: «مِن أَينَ قَدِمتُم؟» قالوا: «مِن أَرضِ كَنْعان، لِنَشتَرِيَ طَعامًا».

٨وعَرَفَ يوسفُ إِخوَتَه، وأَمَّا هُم فلَم يَعْرِفوه. ٩فتَذَكَّرَ يوسفُ الأَحْلامَ الَّتي حَلَمَها بِهِم، فقالَ لَهم: «أَنتُم جَواسيس، إِنَّما جِئتُم لِتَرَوا ثُغورَ هٰذه الأَرض». ١٠فقالوا له: «لا يا سَيِّدي، إِنَّما جاءَ عَبيدُكَ لِيَشتَروا طَعامًا. ١١كُلُّنا بَنو رَجُلٍ واحِد، نحن مُستَقيمون، ولَيسَ عَبيدُكَ بِجَواسيس». ١٢فقالَ لَهم: «كَلَّا، بل إِنَّما جِئتُم لِتَرَوا ثُغورَ هٰذِه الأَرض». ١٣قالوا: «عَبيدُكَ ٱثْنا عَشَرَ أَخًا، نَحنُ بَنو رَجُلٍ واحِدٍ في أَرضِ كَنْعان. هُوَذا الصَّغيرُ اليَومَ عِندَ أَبينا، وواحِدٌ لا وُجودَ لَه». ١٤فقالَ لَهم يوسف: «بلِ الأَمرُ كما تَحَدَّثتُ إِلَيكم قائلًا: أَنتُم جَواسيس. ١٥وبِهٰذا تُمتَحَنون: وحَياةِ فِرعَونَ لا خَرَجتُم مِن هٰهُنا أَو يَجيءَ أَخوكُمُ الأَصغَرُ إِلى هٰهُنا. ١٦إِبعَثوا واحِدًا مِنكُم يَأتي بِأَخيكم، وأَنتُم تُسجَنونَ حَتَّى يُمتَحَنَ كَلامُكم هل أَنتُم صادِقون، وإِلَّا فَوَحَياةِ فِرعَونَ إِنَّكم لَجَواسيس». ١٧فأَوقَفَهم ثَلاثَة أَيَّام.

١٨وفي اليَومِ الثَّالِث قالَ لَهم يوسف: «إِصنَعوا هٰذا فتَحْيَوا، لِأَنِّي أَتَّقي الله. ١٩إِن كُنتُم مُستَقيمين، فأَخٌ واحِدٌ مِنكُم يُسجَنُ في سِجنِكم. أَمَّا أَنتُم فٱذهَبوا وخُذوا حَبًّا لِبُيوتِكُمُ الجائِعَة، ٢٠وأتوا بِأَخيكُمُ الصَّغيرِ إِلَيَّ لِيَتَحَقَّقَ كَلامُكم ولا تَموتوا». فصَنَعوا كذٰلك. ٢١وقالَ بَعضُهم لِبَعض: «إِنَّنا حَقًّا مُذنِبونَ إِلى أَخينا: رأَينا نَفسَه في شِدَّةٍ عِندَما ٱستَرحَمَنا فلَم نَسمَعْ لَه. لِذٰلِك نالَتْنا هٰذه الشِّدَّة». ٢٢فأَجابَهم رأُوبينَ قائلًا: «أَلَم أَقُلْ لَكم: لا تَخطَأُوا إِلى الوَلَد، وأَنتُم لم تَسمَعوا، لِذٰلِك يُطالَبُ الآنَ بِدَمِه». ٢٣ولم يَكونوا يَعلَمونَ أَنَّ يوسفَ يَفهَمُ ذٰلك، إِذ كانَ هُناكَ تُرجُمانٌ بَينَه وبَينَهم. ٢٤فتَحَوَّلَ عنهُم وبَكى، ثُمَّ عادَ إِلَيهِم وخاطَبَهم وأَخَذَ مِن بَينِهم شِمْعونَ فقيَّدَه أَمامَ أَعيُنِهم.

عودة بني يعقوب إلى كنعان

٢٥وأَمَرَ يوسفُ أَن تُملَأَ أَوعِيَتُهم قَمْحًا وتُرَدَّ فِضَّةُ كُلِّ واحِدٍ إِلى كيسِه وأَن يُعطَوا زادًا لِلطَّريق، فصُنِعَ لَهم كذٰلِك. ٢٦وحَمَلوا حَبَّهم على حَميرِهم وساروا مِن هُناك. ٢٧وفَتَحَ أَحَدُهم كيسَه لِيُلقِيَ عَلَفًا في المَبيتِ لِحِمارِه، فرأَى فِضَّتَه في فَمِ كيسه. ٢٨فقالَ لإِخوَتِه: «قد رُدَّت فِضَّتي، وها هي في كيسي». فخانَتهُم قُلوبُهم وقالوا بَعضُهم لِبَعضٍ مُرتَعِشين: «ماذا فَعَلَ اللهُ بِنا؟».

٢٩وجاءُوا يَعْقوبَ أَباهم في أَرضِ كَنْعان وأَخْبَروه بكُلِّ ما جَرى لَهم ٣٠وقالوا: «قد خاطَبَنا الرَّجُلُ سَيِّدُ تِلكَ الأَرضِ بِقَساوة وعَدَّنا جَواسيسَ في تِلكَ الأَرض، ٣١فقُلْنا له: نَحنُ مُستَقيمون، ولَسْنا بِجَواسيس، ٣٢نحنُ ٱثْنا عَشَرَ أَخًا بَنو أَبٍ واحِد، أَحَدُنا لا وُجودَ له، والصَّغيرُ اليَومَ عِندَ أَبينا في أَرضِ كَنْعان. ٣٣فقالَ لَنا الرَّجُلُ سَيِّدُ تِلكَ الأَرض: بِهٰذا أَعلَمُ أَنَّكم مُستَقيمون: دَعوا عِنْدي أَخًا مِنكُم وخُذوا لِبُيوتِكمُ الجائِعة وٱنصَرِفوا، ٣٤وأتوني بأَخيكُمُ الصَّغير فأَعلَمَ أَنَّكم لَستُم بِجَواسيسَ وأَنَّكم مُستَقيمون، فأُعطيَكم أَخاكم وتَجولونَ في هٰذه الأَرض».

٣٥وبَينَما هم يُفَرِّغونَ أكْياسَهم، إِذا بصُرَّةِ فِضَّةِ كُلِّ واحِدٍ في كيسِه. فلَمَّا رأَوا صُرَرَ فِضَّتِهم هم وأَبوهم، خافوا. ٣٦فقالَ لَهم يَعْقوبُ أَبوهم: أَفقَدتُموني أَولادي: يوسفُ لا وُجودَ لَه وشِمْعونُ لا وُجودَ لَه، وبَنيامينُ تأخُذونَه، وعَلَيَّ نَزَلَت هٰذه كُلُّها».

٣٧فكَلَّمَ رأُوبينُ أَباه قائِلًا: «إِن لم أَعُدْ به إِلَيكَ، فٱقتُلْ وَلَدَيَّ. سَلِّمْه إِلى يَدي وأَنا أَرُدُّه إِلَيك». ٣٨قال: «لا يَنزِلُ ٱبْني مَعَكم، لِأَنَّ أَخاه قد مات، وهو وَحدَه بَقِيَ، فإِن نالَه سوءٌ في الطَّريقِ الَّذي تَذهَبونَ فيه أَنزَلتُم شَيبَتي بِحَسرَةٍ إِلى مَثْوى الأَمْوات».

التكوين ٤٣

بنو يعقوب مع بنيامين في مصر

١وكانَتِ المَجاعَةُ شَديدَةً في تِلكَ الأَرض. ٢فلَمَّا ٱنتَهَوا مِن أَكلِ الحَبِّ الَّذي أَتَوا به مِن مِصْر، قالَ لَهم أَبوهم: «إِرجِعوا فٱشتَروا لَنا قَليلًا مِنَ الطَّعام». ٣فكَلَّمَه يَهوذا قائِلًا: «إِنَّ الرَّجُلَ أَنذَرَنا إِنذارًا قائلًا: لا تَرَونَ وَجْهي إِلَّا وأَخوكُم مَعَكم. ٤فإِن أَرسَلتَ أَخانا معَنا، نَزَلْنا وٱشتَرَينا لَكَ طَعامًا. ٥وإِن لم تُرسِلْه، لا نَنزِل، لِأَنَّ الرَّجُلَ قالَ لَنا: لا تَرَونَ وَجْهي إِلَّا وأَخوكم معَكم». ٦فقالَ إِسْرائيل: «ولِماذا أَسأَتُم إِلَيَّ فأَخبَرتُمُ الرَّجُلَ أَنَّ لَكم أَخًا أَيضًا؟» ٧قالوا: «إِنَّ الرَّجُلَ سأَلَ أَسئِلَةً عنَّا وعن عشيرَتِنا وقال: هل أَبوكُم لا يَزالُ حَيًّا وهل لكم أخٌ؟ فأَخبَرناه بِحَسَبِ هٰذا الكلام. فهَل كُنَّا نَعلَمُ أَنَّه سيَقول: أَحضِروا أَخاكم؟» ٨وقالَ يَهوذا لإِسْرائيلَ أَبيه: «أَرسِلِ الفَتى معي حَتَّى نَقومَ ونَمضِيَ ونَحْيا ولا نَموت، نحنُ وأَنتَ وعِيالُنا. ٩أَنا أضمَنُه، مِن يَدي تَطلُبُه. إِن لم أَعُدْ بِه إِلَيكَ وأُقِمْه أَمامَكَ، فأَنا مُذنِبٌ إِلَيكَ طولَ الزَّمان. ١٠إِنَّه لَو لم نَتَوانَ، لكُنَّا الآنَ قد رَجَعْنا مَرَّتَين».

١١فقالَ لَهم إِسْرائيلُ أَبوهم: «إِن كانَ الأَمرُ كذٰلك، فٱصنَعوا هٰذا: خُذوا مِن أَطيَبِ مُنتَجاتِ الأَرضِ في أَوْعِيَتِكم وٱذهَبوا بِهَدِيَّةٍ إِلى الرَّجُل، شَيءٍ مِنَ البَلَسان وشَيءٍ مِنَ العَسَل وصُمْغِ قَتاد ولاذَنٍ وفُستُقٍ ولَوز. ١٢وخُذوا في أَيديكُم فِضَّةً أُخْرى، والفِضَّةُ المَرْدودَةُ في أَفْواهِ أَكْياسِكم رُدُّوها بأَيديكم، لعَلَّ ذٰلك كانَ خَطَأً. ١٣وخُذوا أَخاكُم وقوموا فٱرجِعوا إِلى الرَّجُل. ١٤واللهُ القَديرُ يَهَبُ لَكم رَحمَةً أَمامَ الرَّجُل فيُطلِقَ لَكُم أَخاكُمُ الآخَرَ وبَنيامين. وأَمَّا أَنا فإِن فَقَدتُهما أَكُونُ فَقَدتُهُما».

اللقاء في بيت يوسف

١٥فأَخَذَ القَومُ تِلكَ الهَدِيَّةَ وأَخَذوا في أَيديهِم ضِعْفَ الفِضَّةِ وبَنْيامين، وقاموا ونَزَلوا إِلى مِصْر ووَقَفوا أَمامَ يوسف. ١٦فلَمَّا رأَى يوسفُ بَنْيامينَ معَهم، قالَ لِقَيِّمِ بَيتِه: «أَدخِلِ القَومَ البَيتَ وٱذبَحْ حَيَوانًا وأَصلِحْه، فإِنَّ القَومَ يأكُلونَ معي عِندَ الظُّهْر». ١٧فصَنَعَ الرَّجُلُ كما قالَ يوسف وأَدخَلَ القَومَ بَيتَ يوسف.

١٨فخافوا حينَ أُدخِلوا بَيتَ يوسفَ وقالوا: «إِنَّما نَحنُ مُدخَلونَ بِسَبَبِ الفِضَّةِ الَّتي رُدَّت في أَكْياسِنا أَوَّلًا، لِيَهجُموا علَينا ويوقِعوا بِنا ويأخُذونا عَبيدًا معَ حَميرِنا». ١٩فتَقَدَّموا إِلى قَيِّمِ البَيت وكَلَّموه عِندَ بابِ البَيت ٢٠وقالوا: «العَفْوَ، يا سَيِّدي، إِنَّنا نَزَلْنا أَوَّلًا لِنَشتَرِيَ طَعامًا، ٢١وكانَ لَمَّا وَصَلْنا إِلى المَبيتِ وفتَحْنا أَكْياسَنا، أَنَّنا وَجَدنا فِضَّةَ كُلِّ واحِدٍ في فَمِ كيسِه، فَضَّتَنا بِوَزنِها، فعُدْنا بِها في أَيدينا. ٢٢وأَتَينا بِفِضَّةٍ أُخْرى لِنَشتَرِيَ طَعامًا، ونَحنُ لا نَعلَمُ مَنِ الَّذي جَعَلَ فِضَّتَنا في أَكْياسِنا». ٢٣فقال: «كونوا في سَلام، لا تَخافوا. إِنَّ إِلٰهكم وإِلٰهَ أَبيكُم رزَقَكُم كَنْزًا في أَكْياسِكُم. وأَمَّا فِضَّتُكُم فقد صارَت عِندي». ثُمَّ أَخرَجَ إِلَيهم شِمْعون.

٢٤وأَدخَلَ الرَّجُلُ القَومَ بَيتَ يوسف وأَعْطاهم ماءً، فغَسَلوا أَرجُلَهُم، وأَعْطى عَلَفًا لحَميرِهِم. ٢٥وهَيَّأُوا الهَدِيَّةَ حتَّى يأتِيَ يوسفُ عِندَ الظُّهْر، لِأَنَّهم سَمِعوا بِأَنَّهم هُناكَ سَيَأكُلونَ الطَّعام.

٢٦ولَمَّا قَدِمَ يوسفُ إِلى البَيت، قَدَّموا لَه الهَدِيَّةَ الَّتي في أَيديهم، وسَجَدوا له إِلى الأَرض. ٢٧فسَأَلَ عن سَلامَتِهم، ثُمَّ قال: «هل أَبوكُمُ الشَّيخُ الَّذي ذَكَرتُموه في سلام ولا يَزالُ حَيًّا؟» ٢٨قالوا: «عَبدُكَ أَبونا في سَلام ولا يَزالُ حَيًّا» وٱنحَنَوا وسَجَدوا. ٢٩ورَفَعَ يوسفُ عَينَيه ورأَى بَنْيامينَ أَخاه ٱبنَ أُمِّه، فقال: «أَهٰذا أَخوكُمُ الصَّغيرُ الَّذي ذَكَرتُموه لي؟» وأَضاف: «أَنعَمَ اللهُ علَيكَ، يا بُنَيَّ». ٣٠ثُمَّ أَسرَعَ يوسف، وقدِ ٱحتَرَقَت أَحْشاؤُه شَوقًا إِلى أَخيه ورَغِبَ في البُكاء، فدَخَلَ الغُرفَةَ وبَكى هُناكَ. ٣١ثُمَّ غَسَلَ وَجهَه وخَرَجَ وتَجَلَّدَ وقال: «قَدِّموا الطَّعام». ٣٢فقَدَّموا لَه وَحدَه، ولَهم وَحدَهم، ولِلمِصرِيِّينَ الآكِلينَ عِندَه وَحدَهم، لِأَنَّ المِصرِيِّينَ لا يَجوزُ لَهم أَن يأكُلوا مع العِبرانِيِّين، لِأَنَّه قَبيحةٌ عِندَ المِصرِيِّين. ٣٣وجَلَسوا أَمامَه، البِكْرُ بِحَسَبِ بِكرِيَّتِه والصَّغيرُ بِحَسَبِ صِغَرِه. وكانوا يَنظُرونَ بَعضُهم إِلى بَعض مَبْهوتين. ٣٤ثُمَّ قَدَّم لَهم حِصَصًا مِمَّا أَمامَه، فكانَت حِصَّةُ بَنْيامينَ خَمْسَةَ أَضعافِ حِصَّةِ كُلِّ واحِدٍ مِنهُم. وشَرِبوا معه وسَكِروا.

التكوين ٤٤

كأس يوسف في كيس بنيامين

١ثُمَّ أَمَرَ يوسفُ قَيِّمَ بَيتِه وقالَ له: «اِملَأْ أَكْياسَ القَومِ طَعامًا قَدْرَ ما يَستَطيعونَ حَمْلَه وٱجعَلْ فِضَّةَ كُلِّ واحِدٍ في فَمِ كيسِه، ٢وٱجعَلْ كأسي، كأسَ الفِضَّة، في فَمِ كيسِ الصَّغير، مع ثَمَنِ حَبِّه». فصَنَعَ بِحَسَبِ كَلامِ يوسفَ الَّذي قالَه لَه.

٣فلَمَّا أَضاءَ الصُّبْح، صُرِفَ القَومُ مع حَميرِهم. ٤فبَعدَ أَن خَرَجوا مِنَ المَدينَةِ ولَم يُبعِدوا، قالَ يوسفُ لِقَيِّمِ بَيتِه: «قُمْ فٱسْعَ في أَثَرِ القَوم، فإِذا أَدرَكتَهم فقُلْ لَهم: لِمَ كافَأتُمُ الخَيرَ بِالشرّ؟ ٥أَلَيست هٰذه هي الَّتي يَشرَبُ بِها سَيِّدي ويَتَكَهَّنُ بِها؟ قد أَسأْتُم في ما صَنَعتُم».

٦فأَدرَكَهم وقالَ لَهم ذٰلك الكلام. ٧فقالوا له: «لِماذا يَتَكَلَّمُ سَيِّدي بِمِثْلِ هٰذا الكلام؟ حاشَ لعَبيدِكَ أَن يَصنَعوا مِثْلَ هٰذا الأَمْر. ٨فإِنَّ الفِضَّةَ الَّتي وَجَدْناها في أَفْواهِ أَكْياسِنا رَدَدْناها إِلَيكَ مِن أَرضِ كَنعان، فكَيفَ نَسرِقُ من بَيتِ سَيِّدِكَ فِضَّةً أَو ذَهَبًا؟ ٩مَن وُجِدَت معَه الكأسُ مِن عَبيدِكَ فَلْيَمُتْ، ونَحنُ أَيضًا نَكونُ لِسَيِّدي عَبيدًا». ١٠قال: «أَجل، وبِحَسَبِ قَولِكم فلْيَكُنْ: مَن وُجِدَت معه الكأس، يَكونُ لي عَبْدًا، وأَنتُم تَكونونَ بَراء». ١١فأَسرَعوا وحَطَّ كُلُّ واحِدٍ كيسَه على الأَرض، وفَتَحَ كُلُّ واحِدٍ كيسَه. ١٢ففَتَّشَهم مُبتَدِئًا بِالأَكبَر، حَتَّى ٱنتَهى إِلى الأَصغَر، فوُجِدَتِ الكَأْسُ في كيسِ بَنْيامين. ١٣فمَزَّقوا ثِيابَهم وحَمَّلَ كُلُّ واحِدٍ حِمارَه ورَجَعوا إِلى المَدينة.

١٤ودَخَلَ يَهوذا وإِخوَتُه بَيتَ يوسف وهو لم يَزَلْ هُناك، وٱرتَمَوا أَمامَه إِلى الأَرض. ١٥فقالَ لَهم يوسف: «ما هٰذا الصَّنيعُ الَّذي صَنَعتُم؟ أَما عَلِمتُم أَنَّ رَجُلًا مِثْلي يَتَكَهَّن؟» ١٦فقالَ يهوذا: «ماذا نَقولُ لِسَيِّدي؟ بِماذا نَتَكَلَّمُ وبِماذا نَتَبَرَّأ؟ قد كَشَفَ الله ذَنْبَ عَبيدِك. ها نَحنُ عَبيدٌ لِسَيِّدي، نَحنُ ومَن وُجِدَتِ الكأْسُ في يَدِه». ١٧قالَ يوسف: «حاشَ لي أَن أَصنَعَ هٰذا! بَلِ الرَّجُلُ الَّذي وُجِدَتِ الكأسُ في يَدِه هو يَكونُ لي عَبْدًا، وأَمَّا أَنتُم فٱصعَدوا بِسَلامٍ إِلى أَبيكم».

توسُّط يهوذا

١٨فتَقَدَّمَ إِلَيه يَهوذا وقال: «يا سَيِّدي، أَرْجو أَن يَقولَ عَبْدُكَ كَلِمَةً على مِسمَعِ سَيِّدي، ولا تَغْضَبْ على عَبدِكَ، فإِنَّكَ مِثلُ فِرعَون. ١٩كانَ سَيِّدي قد سَأَلَ عَبيدَه قائِلًا: هل لَكم أَبٌ أَو أَخ؟ ٢٠فقُلْنا لِسَيِّدي: لَنا أَبٌ شَيخ، ولَه ٱبنُ شَيخوخةٍ صَغير قد ماتَ أَخوه وبَقِيَ هو وَحدَه لِأُمِّه، وأَبوه يُحِبُّه. ٢١فقُلْتَ لِعَبيدِكَ: إِنزِلوا بِه إِلَيَّ لِأُلقِيَ نَظَري علَيه. ٢٢فقُلْنا لِسَيِّدي: لا يَقدِرُ الفَتى أَن يَترُكَ أَباه، وإِن تَرَكَه يَموتُ أَبوه. ٢٣فقُلتَ لِعَبيدِك: إِن لم يَنزِلْ أَخوكُم الصَّغيرُ مَعَكم فلا تَعودونَ تَرَونَ وَجْهي. ٢٤فكانَ لَمَّا صَعِدْنا إِلى عَبْدِكَ أَبي، أَنَّنا أَخبَرْناه بِكَلامِ سَيِّدي. ٢٥وقالَ أَبونا: إِرجِعوا فٱشْتَروا لَنا قَليلًا مِنَ الطَّعام. ٢٦فقُلْنا: لا نَقدِرُ أَن نَنزِل. أَمَّا إِن كانَ أَخونا الصَّغيرُ مَعَنا فنَنزِل، لِأَنَّنا لا نَقدِرُ أَن نَرى وَجهَ الرَّجُل، ما لم يَكُنْ أَخونا الصَّغيرُ معَنا. ٢٧فقالَ لنا عَبدُكَ أَبي: أَنتُم تَعلَمونَ أَنَّ ٱمرَأَتي وَلَدَت لِيَ ٱبنَين، ٢٨فخَرَجَ أَحَدُهُما مِن عِنْدي فقُلتُ: إِنَّه قَدِ ٱفتُرِسَ وإِلى الآنَ لم أَرَه. ٢٩فإِن أَخَذتُم هٰذا أَيضًا مِن أَمامي فأَصابَه سُوءٌ، أَنزَلتُم شَيبَتي بِالشَّقاءِ إِلى مَثْوى الأَموات. ٣٠والآن إِذا عُدتُ إِلى عَبدِكَ أَبي والفَتى لَيسَ معَنا، ونَفسُه مُتَعَلِّقةٌ بِنَفْسِه، ٣١فيَكونُ أَنَّه، عِندَما يَرى أَنَّ الفتى لَيسَ معَنا، يَموتُ ويُنزِلُ عَبيدُكَ شَيبَةَ عَبدِكَ أَبينا بِحَسرَةٍ إِلى مَثْوى الأَموات، ٣٢لِأَنَّ عَبدَكَ قد ضَمِنَ الفَتى لِأَبي قائلًا: إِن لم أَعُدْ بِه إِلَيك، أَكونُ مُذنِبًا إِلى أَبي طولَ الزَّمان. ٣٣فلْيَبْقَ عَبدُكَ الآنَ مَكانَ الفَتى عَبدًا لِسَيِّدي ويَصعَدِ الفَتى مع إِخوَتِه. ٣٤فإِنِّي كَيفَ أَصعَدُ إِلى أَبي والفَتى لَيسَ معي؟ لا شاهَدتُ الشَّقاءَ الَّذي يَحِلُّ بِأَبي!».

التكوين ٤٥

يوسف يعرّف نفسه إلى إخوته

١فلم يَستَطِعْ يوسفُ أَن يَملِكَ نَفْسَه أَمامَ جَميعِ القائِمينَ عِندَه، فصَرَخ: «أَخرِجوا جَميعَ القَومِ مِن عِنْدي». فلَم يَبْقَ عِندَه أَحَدٌ، حينَ عَرَّفَ نَفْسَه إِلى إِخوتِه. ٢فأَطلَقَ صَوتَه بالبُكاء، فسَمِعَته مِصرُ وسَمِعَه بَيتُ فِرعَون.

٣وقالَ يوسفُ لإِخوَتِه: «أَنا يوسف. أَلا يَزالُ أَبي حَيًّا؟» فلم يَستَطِع إِخوَتُه أن يُجيبوه، لِأَنَّهُم ٱرتَعَدوا أَمامَه. ٤فقالَ يوسفُ لإِخَوَتِه: «تَقَدَّموا إِلَيَّ» فتَقَدَّموا. فقال: «أَنا يوسفُ أَخوكمُ الَّذي بِعتُموه لِلمِصرِيِّين. ٥والآن فلا تَكتَئِبوا ولا تَغضَبوا لِأَنَّكم بِعتُموني هُنا، فإِنَّ اللهَ قد أَرسَلَني أَمامَكم لِأُحيِيَكم. ٦وقَد مَضَت سَنَتا مَجاعةٍ في وَسَطِ الأَرض، وبَقِيَت خَمْسُ سِنينَ دونَ حَرْثٍ ولا حِصاد. ٧فأَرسَلَني اللهُ قُدَّامَكم لِيَجعَلَ لَكم بَقِيَّةً في هٰذه الأَرض ولِيُحيِيَكم، لِنَجاةٍ عظيمة. ٨فالآن لم تُرسِلوني أَنتُم إِلى هٰهُنا، بَلِ اللهُ أَرسَلَني وهو قد صَيَّرَني كأَبٍ لِفِرعَون وكسَيِّدٍ على بَيتِه كُلِّه وكمُتَسَلِّطٍ على كُلِّ أرضِ مِصْر.

٩فأَسرِعوا وٱصعَدوا إِلى أَبي وقولوا لَه: «كَذا قالَ ٱبنُكَ يوسف: قد جَعَلَني اللهُ سَيِّدًا لِجَميعِ المِصرِيِّين، فٱنزِلْ إِلَيَّ ولا تُبطِئْ. ١٠فتُقيمُ في أَرضِ جاسان، وتَكونُ قَريبًا مِنِّي أَنتَ وبَنوكَ وبَنو بَنيكَ وغَنَمُكَ وبَقَرُكَ وكُلُّ ما هو لَكَ. ١١وأَعولُكَ هُناك، إِذ قد بَقِيَ خَمْسُ سِنينَ مجاعةً، لِئَلَّا يَنالَكَ العَوَز، أَنتَ وأَهلُكَ وكُلُّ ما هو لَكَ. ١٢وها إِنَّ عُيونَكم وعَينَي أَخي بَنْيامينَ تَرى أَنَّ فَمي هو الَّذي يُخاطِبُكم. ١٣فأَخبِروا أَبي بِكُلِّ مَجْدي في مِصْر وبِكُلِّ ما رَأَيتُموه، وأَسرِعوا فٱنزِلوا بِأَبي إِلى هٰهُنا».

١٤ثُمَّ أَلْقى بِنَفْسِه على عُنُقِ بَنْيامينَ أَخيه فبَكى، وبَكى بَنْيامينُ على عُنُقِه. ١٥وقَبَّلَ سائِرَ إِخوَتِه وبَكى على أَعْناقِهِم. وبَعدَ ذٰلك تَحدَّثوا إِلَيه.

دعوة فرعون

١٦وبَلَغَ الخَبَرُ بيتَ فِرعَون وقيل: «قد جاءَ إِخوَةُ يوسف». فحَسُنَ ذٰلك في عَينَي فِرعَونَ وعُيونِ حاشِيَته. ١٧فقالَ فِرعَونُ لِيُوسف: «قُلْ لإِخوَتِكَ: إِصنَعوا هٰذا: حَمِّلوا دَوابَّكُم وٱنطَلِقوا وٱذهَبوا إِلى أَرضِ كَنْعان، ١٨وخُذوا أَباكُم وأَهْلَكم وتَعالَوا إِلَيَّ، فأُعْطِيَكم خَيرَ أَرضِ مِصْر، وتأكُلوا دَسَمَ الأَرض. ١٩وأَنتَ مُكَلَّفٌ بِأَن تَأمُرَهم هٰذا الأَمْر: إِصنَعوا هٰذا: خُذوا لَكم مِن أَرضِ مِصْرَ عَجَلاتٍ لِأَطفالِكم ونِسائِكم، وٱحمِلوا أَباكُم وتَعالَوا: ٢٠ولا تَأسَفْ عُيونُكم على أَثاثِكم، فإِنَّ خَيرَ مِصْرَ كُلِّها هو لَكم».

العودة إلى كنعان

٢١فصَنَعَ كذٰلك بَنو إِسْرائيل، وأَعْطاهم يوسفُ عَجَلاتٍ بِأَمرِ فِرعَون، وأَعْطاهم زادًا لِلطَّريق. ٢٢وأَعْطى كُلَّ واحِدٍ مِنْهم حُلَلَ ثِياب، وأَعْطى بَنْيامينَ ثَلاثَ مِئَةٍ مِنَ الفِضَّةِ وخَمْسَ حُلَلِ ثِياب. ٢٣وبَعَثَ إِلى أَبيه بِهٰذا: عَشَرَةِ حَميرٍ مُحَمَّلَةٍ مِن خَيرِ ما في مِصْر، وعَشْرِ حَمائِرَ مُحَمَّلَةٍ قَمْحًا وخُبْزًا وزادًا لِأَبيه لِلطَّريق. ٢٤ثُمَّ صَرَفَ إِخوَتَه فمَضَوا. وقالَ لهم: «لا تَتَخاصَموا في الطَّريق».

٢٥فصَعِدوا مِن مِصْر ووَصَلوا إِلى أَرضِ كَنْعان، إِلى يَعْقوبَ أَبيهم. ٢٦وأَخبَروه فقالوا: «إِنَّ يوسفَ لا يَزالُ حَيًّا، بل هو مُسَلَّطٌ على كُلِّ أَرضِ مِصْر». فجَمَدَ قَلْبُه، لِأَنَّه لم يُصَدِّقْهم. ٢٧ثُمَّ حَدَّثوه بكُلِّ ما كَلَّمَهم بِه يوسف، ورأَى العَجَلاتِ الَّتي بَعَثَ بِها يوسفُ لِتَحمِلَه. فانتَعَشَت رُوحُ يَعْقوبَ أَبيهم، ٢٨وقالَ إِسْرائيل: «حَسْبي أَنَّ يوسفَ ٱبْني لا يَزالُ حَيًّا. أَمْضي وأَراه قَبْلَ أَن أَموت».

التكوين ٤٦

يعقوب يرحل إلى مصر

١فَرَحَلَ إِسْرائيلُ بِكُلِّ ما لَه حَتَّى جاءَ بِئْرَ سَبْع، فذَبَحَ ذَبائِحَ لإِلٰهِ أَبيه إِسْحٰق. ٢فكَلَّمَ اللهُ إِسْرائيلَ في رُؤًى لَيلِيَّةٍ وقال: «يَعْقوب، يَعْقوب!». قال: «هاءَنَذا». ٣قال: «أَنا اللهُ، إِلٰهُ أَبيكَ. لا تَخَفْ أَن تَنزِلَ إِلى مِصْر، فإِنِّي سأجعَلُكَ هُناكَ أُمَّةً عَظيمة. ٤أَنا أَنزِلُ معَكَ إِلى مِصْر، وأَنا أُصعِدُكَ مِنْها، ويوسفُ هو الَّذي يُغمِضُ عَينَيك». ٥فقامَ يَعْقوبُ مِن بِئْرَ سَبْع، وحَمَلَ بَنو إِسْرائيلَ يَعْقوبَ أَباهم وأَطْفالَهم ونِساءَهم على العَجَلاتِ الَّتي بَعَثَ بِها فِرعَونُ لِتَحمِلَه.

٦وأَخَذوا ماشِيَتَهم ومُقْتَنَياتِهِم الَّتي ٱقتَنَوها في أَرضِ كَنْعان، وقَدِموا إِلى مِصْر، يَعْقوبُ وكُلُّ ذُرِّيَّتِه معَه: ٧بَنوه وبَنو بَنيه وبَناتُه وبَناتُ بَنيه وسائِرُ ذُرِّيَّتِه جاءَ بِهم معَه إِلى مِصْر.

سلالة يعقوب

٨وهٰذه أَسْماءُ بَني إِسْرائيلَ الَّذينَ دَخَلوا مِصْر، يَعْقوبُ وبَنوه. بِكْرُ يَعقُوبَ رَأُوبين. ٩وبَنو رأُوبين: حَنوك وفَلُّو وحَصْرون وكَرْمي. ١٠وبَنو شِمْعون: يَموئيل ويامين وأُوهَد وياكين وصُوحَر وشاوُلُ ٱبنُ الكَنْعانِيَّة. ١١وبَنو لاوي: جِرْشُون وقَهات ومَراري. ١٢وبَنو يَهوذا: عِير وأَونان وشِيلة وفارَص وزارَح (وماتَ عِيرٌ وأَونانُ في أَرضِ كَنْعان)، وٱبْنا فارَص، حَصْرون وحامول. ١٣وبَنو يَسَّاكَر: تُولاع وفُوَّة ويَشوب وشِمْرون. ١٤وبَنو زَبولون: سارَد وإِيلون ويَحَلْئيل. ١٥هٰؤُلاءِ بَنو لَيئَةَ الَّذينَ وَلَدَتهم لِيَعْقوبَ في فَدَّانَ أَرامَ مع دِينَةَ ٱبنَتِه، جَميعُ نُفوسِ بَنيه وبَناتِه ثَلاثةٌ وثَلاثون.

١٦وبَنو جاد: صِفون وحَجِّي وشَوني وأَصْبون وعِيري وأَرودي وأَرْئيلي. ١٧وبَنو أَشير: يِمْنَة ويِشْوَة ويِشْوي وبَريعة وسارَحُ أُختُهم، وٱبنا بَريعة: حابَر ومَلْكيئيل. ١٨هٰؤُلاءِ بَنو زِلْفَةَ الَّتي أَعْطاها لابانُ لِلَيئَةَ ٱبنَتِه، وما وَلَدَته لِيَعقوب سِتَّةَ عَشَرَ نَفْسًا.

١٩وٱبْنا راحيلَ ٱمرَأَةِ يَعْقوب: يوسفُ وبَنْيامين. ٢٠ووُلِدَ لِيُوسفَ في أَرضِ مِصْر مَن وَلَدَت لَه أَسْنات بِنتُ فوطيفارَع، كاهِنِ أُون: مَنَسَّى وأَفْرائيم. ٢١وبَنو بَنْيامين: بالَع وباكَر وأَشْبيل وجيرا ونَعْمان وإيحي ورُوش ومُفِّيم وحُفِّيم وأَرْد. ٢٢هٰؤُلاءِ همُ البَنونَ الَّذينَ وَلَدَتْهم راحيلُ لِيَعْقوب، جَميعُهم أَربَعَة عَشَرَ نَفْسًا.

٢٣وٱبْنُ دان: حُوشيم. ٢٤وبَنو نَفْتالي: يَحْصيئيل وجوني ويِصْر وشِلِّيم. ٢٥هٰؤُلاءِ بَنو بِلْهَةَ الَّتي أَعْطاها لابانُ لِراحيلَ ٱبنَتِه، جَميعُ مَن وَلَدَته لِيَعْقوبَ سَبعَةُ أَنفُس.

٢٦فجَميعُ النُّفوسِ الَّذينَ لِيَعْقوب والقادِمينَ إِلى مِصْر والخارِجينَ مِن صُلْبِه، سِوى نِسْوةِ بَنيه، سِتَّةٌ وسِتُّونَ نَفْسًا. ٢٧وٱبنا يوسفَ اللَّذانِ وُلدا لَه في مِصْرَ نَفْسان. فمَجْموعُ النُّفوسِ الَّذين من بَيتِ يَعْقوب والَّذينَ دَخَلوا مِصْر: سَبْعونَ نَفْسًا.

إستقبال يوسف

٢٨فأَرسَلَ يَعْقوبُ يَهوذا قُدَّامَه إلى يوسف، لِيَدُلَّه على أَرضِ جاسان. ثُمَّ جاءُوا أَرضَ جاسان. ٢٩فشَدَّ يوسفُ على مَركَبَتِه وصَعِدَ لِيُلاقِيَ إِسْرائيلَ أَباه في جاسان. فلَمَّا ظَهَرَ لَه أَلْقى بِنَفْسِه على عُنُقِه وبَكى على عُنُقِه طَويلًا. ٣٠فقالَ إِسْرائيلُ لِيُوسف: «دَعْني أَموتُ الآن، بَعدَما رأَيتُ وَجهَكَ، لِأَنَّكَ لا تَزالُ حَيًّا».

٣١ثُمَّ قالَ يوسفُ لإِخوَتِه ولِبَيتِ أَبيه: «أَنا صاعِدٌ إِلى فِرعَون لِأُخبِرَه وأَقولَ له: إِنَّ إِخوَتي وبَيتَ أَبي الَّذينَ كانوا في أَرضِ كَنْعان قد قَدِموا إِلَيَّ. ٣٢والقَومُ رُعاةُ غَنَم، لِأَنَّهم كانوا أَصْحابَ ماشِيَة، وقد أَتَوا بِغَنَمِهِم وبَقَرِهم وحَميرِهم وكُلِّ ما لَهم. ٣٣فإِذا ٱستَدْعاكم فِرعَونُ وقالَ لَكم: ما حِرفَتُكم؟ ٣٤فقولوا: كانَ عَبيدُكَ ذوي ماشِيَةٍ مُنذُ صِغَرِهم إِلى الآن، نَحنُ وآباؤُنا جَميعًا، وذٰلك لِتُقيموا بِأَرضِ جاسان»، لِأَنَّ كُلَّ راعي غَنَمٍ هو عِندَ المِصرِيِّينَ قَبيحة.

التكوين ٤٧

مقابلة فرعون

١فذَهَبَ يوسفُ إِلى فِرعَون وأَخبَرَه وقال: «إِنَّ أَبي وإِخوَتي قد قَدِموا مِن أَرضِ كَنْعانَ بِغَنَمِهِم وبَقَرِهم وكُلِّ ما لَهم، وها هُم في أَرضِ جاسان». ٢وأَخَذَ خَمسَةً مِن إِخوَتِه فقَدَّمَهم أَمامَ فِرعَون. ٣فقالَ فِرعَونُ لِإِخوَةِ يوسف: «ما حِرفَتُكم؟» فقالوا لِفِرعَون: «عَبيدُكَ رُعاةُ غَنَمٍ، نَحنُ وآباؤُنا جَميعًا». ٤وقالوا له: «جِئْنا لِنَنزِلَ بِهٰذِه الأَرض، إِذ لَيسَ لِغَنَمِ عَبيدِكَ مَرْعًى مِنِ ٱشتِدادِ المَجاعَةِ في أَرضِ كَنْعان. فدَعْ عَبيدَكَ يُقيمونَ بِأَرضِ جاسان». ٥آفقالَ فِرعَونُ لِيوسف: ٦ب«لِيُقيموا بِأَرضِ جاسان، وإن كُنتَ تَعلَمُ أَنَّ فيهِم أَصْحابَ مَهارَة فأَقِمْهم وُكلاءَ على ماشِيَتي».

رواية ثانية لمقابلة فرعون

٥بقَدِمَ يَعْقوبُ وبَنوه إِلى مِصْرَ إِلى يوسف. فلَمَّا عَلِمَ فِرعَونُ مَلِكُ مِصْرَ بِهٰذا، قالَ لِيوسف: «أَبوكَ وإِخوَتُك قد قَدِموا إِلَيكَ. ٦آفهٰذه أَرضُ مِصْرَ أَمامَكَ، فأَقِمْ أَباكَ وإِخوَتَكَ في أَجوَدِ أَراضيها». ٧وأَدخَلَ يوسفُ يَعْقوبَ أَباه فأَقامَه أَمامَ فِرعَون، فبارَكَ يَعْقوبُ فِرعَون. ٨فقالَ لَه فِرعَون: «كم أَيَّامُ سِني حَياتِكَ؟» ٩فقالَ لَه يَعْقوب: «أَيَّامُ سِني إِقامَتي في الأَرضِ مِئَةٌ وثَلاثونَ سَنَة. قَليلةً ورَديئةً كانَت أَيَّامُ سِني حَياتي، ولم تَبلُغْ أَيَّامَ سِني حَياةِ آبائي، أَيَّامَ إِقامَتِهم في الأَرض». ١٠وبارَكَ يَعْقوبُ فِرعَون وخَرَجَ مِن أَمامِه. ١١وأسكَنَ يوسفُ أَباه وإِخوَتَه وأَعْطاهم مِلْكًا في أَرضِ مِصْر، في أَجوَدِ أَرضٍ مِنْها، هي أَرضُ رَعَمْسيس، كَما أَمَرَ فِرعَون.

١٢وزَوَّدَ يوسفُ أَباه وإِخوَتَه وسائِرَ أَهْلِه بِالخُبزِ بِحَسَبِ عِيالِهِم.

سياسة يوسف الزراعيّة

١٣ولم يَكُنْ خُبزٌ في الأَرضِ كُلِّها، لِأَنَّ المَجاعَةَ ٱشتَدَّت كَثيرًا حتَّى أُنْهِكَ أَهْلُ مِصْرَ وكَنْعانَ مِنَ المَجاعة. ١٤وجَمَعَ يوسفُ كُلَّ الفِضَّةِ الَّتي في أَرضِ مِصْرَ وفي أَرضِ كَنْعانَ بِالحَبِّ الَّذي كانوا يَشتَرونَه، وأَدخَلَها بَيتَ فِرعَون.

١٥فلَمَّا نَفِدَتِ الفِضَّةُ من أَرضِ مِصْرَ ومِن أَرضِ كَنْعان، أَقبَلَ المِصرِيُّونَ كُلُّهم إِلى يوسفَ قائلين: «أَعْطِنا خُبزًا، فلِماذا نَموتُ أَمامَكَ؟ فإِنَّ الفِضَّةَ قد نَفِدَت». ١٦فقالَ لَهم يوسف: «إِذا كانَت فِضَّتُكم قد نَفِدَت، فهاتوا ماشِيَتَكم، أَبِعْكم خُبْزًا بِماشِيَتِكم». ١٧فجاءُوا يوسفَ بِماشِيَتِهم، فأَعْطاهم خُبزًا بِالخَيلِ وبِالماشِيَةِ مِنَ الغَنَمِ والبَقَرِ والحَمير، أَطعَمَهم خُبزًا بِكُلِّ ماشِيَتِهم في تِلكَ السَّنة.

١٨فلَمَّا ٱنتَهَت تِلكَ السَّنَة، جاءُوا في السَّنَةِ الثانِيَة وقالوا له: «لا نُخْفي على سَيِّدِنا أَنَّ الفِضَّةَ قد نَفِدَت وأَنَّ قُطْعانَ البَهائِم هيَ عِندَ سَيِّدِنا، ولَم يَبْقَ أَمامَه إِلَّا أَبْدانُنا وأَراضينا. ١٩فلِماذا نَموتُ أَمامَ عَينَيكَ نَحنُ وأَراضينا؟ إِشتَرِنا نَحنُ وأَراضِيَنا بالخُبْز، فنَصيرَ بِأَراضينا عَبيدًا لِفِرعَون. وأَعْطِنا بَذْرًا فنَحْيا ولا نموت ولا تَصيرَ أَراضينا قَفْرًا».

٢٠فٱشتَرى يوسفُ جَميعَ أَراضي مِصْرَ لِفِرعَون، لِأَنَّ المِصرِيِّينَ باعوا كُلُّ واحِدٍ مِنْهم حَقْلَه، لِأَنَّ المَجاعَة ٱشتَدَّت عَلَيهم، فصارَتِ الأَرضُ لِفِرعَون. ٢١وأَمَّا الشَّعْبُ فٱستَعبَدَه مِن أَقْصى حُدودِ مِصْرَ إِلى أَقْصاها. ٢٢إِلَّا أَنَّ أَراضِيَ كَهَنَتِهم لم يَشتَرِها، لِأَنَّها كانَت لِلكَهَنَةِ أَرْزاقٌ مِن قِبَلِ فِرعَون، فكانوا يأكُلونَ أَرْزاقَهُمُ الَّتي أَجْراها لَهم فِرعَون، ولِذٰلِك لم يَبيعوا أَراضِيَهم.

٢٣وقالَ يوسفُ لِلشَّعْب: «ها إِنِّي قدِ ٱشتَرَيتُكمُ اليَومَ أَنتُم وأَراضِيَكم لِفِرعَون. فخُذوا لَكُم بَذْرًا تَزرَعونَه في الأَرض. ٢٤فإِذا خَرَجَتِ الغِلال، تُعْطونَ مِنها الخُمُسَ لِفِرعَون، والأَربَعَةُ الأَخْماسُ تَكونُ لَكم بَذْرًا لِلحُقولِ وطَعامًا لَكم ولِأَهلِ مَنازِلِكم وطَعامًا لِعِيالِكم». ٢٥قالوا: «قد أَحيَيتَنا، فلْنَنَلْ حُظْوَةً في عَينَي سَيِّدِنا ونَكونَ عَبيدًا لِفِرعَون». ٢٦فجَعَلَ يُوسفُ ذٰلك فَريضَةً على أَرضِ مِصْرَ إِلى هٰذا اليَوم: أَن يُؤَدُّوا الخُمُسَ لِفِرعَون مِمَّا لَيسَ بِأَراضي الكَهَنَةِ فَقَط، فإِنَّها لم تَصِرْ لِفِرعَون.

وصيّة يَعقوب الأخيرة

٢٧وأَقامَ إِسْرائيلُ في أَرضِ مِصْر، في أَرضِ جاسان، فتَمَلَّكوا فيها ونَمَوا وكَثُروا جِدًّا. ٢٨وعاشَ يَعْقوبُ في أَرضِ مِصْرَ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَة، فصارَ كُلُّ عُمْرِه مِئَةً وسَبْعًا وأَربَعينَ سَنَة. ٢٩ولَمَّا دَنا أَجَلُ إِسْرائيل، دعا ٱبنَه يوسفَ وقالَ له: «إن نِلْتُ حُظوَةً في عَينَيكَ، فضَعْ يَدَكَ تَحتَ فَخِذي وٱصنَعْ إِلَيَّ رَحمَةً ووفاءً: لا تَدفِنِّي بِمِصْر، ٣٠بل إِذا ٱضَّجَعتُ مع آبائي فٱحمِلْني مِن مِصْرَ وٱدِفِنِّي في مَقبَرَتِهم». قال: «سأفعَلُ كَما قُلْتَ». ٣١فقالَ له: «اِحلِفْ لي!». فحَلَفَ لَه يوسف. فسَجَدَ إِسْرائيلُ على رَأسِ السَّرير.

التكوين ٤٨

يعقوب يتبنّى ابنَي يوسف ويباركهما

١وكانَ بَعدَ هٰذه الأَحْداثِ أَن قيلَ لِيُوسف: «إِنَّ أَباكَ مريض». فأَخَذَ معَه ٱبنَيه مَنَسَّى وأَفرائيم. ٢وأُخبِرَ يَعْقوبُ وقيلَ له: «هُوذا ٱبنُكَ يوسفُ قادِمٌ إَلَيكَ». فٱستَجمَعَ إِسْرائيلُ قِواه وجَلَسَ على السَّرير. ٣وقالَ يَعْقوبُ لِيوسف: «إِنَّ اللهَ القَديرَ تَراءى لي في لوزَ في أَرضِ كَنْعان وبارَكَني. ٤وقالَ لي: ها أَنا أُنْميكَ وأُكَثِّرُكَ وأَجعَلُكَ جَماعةَ شُعوب وأُعْطي نَسلَكَ هٰذه الأَرضَ مِن بَعدِكَ مِلْكًا أَبَدِيًّا. ٥والآن فٱبْناكَ اللَّذانِ وُلِدا لَكَ في أَرضِ مِصْرَ قَبلَ قُدومي إِلَيكَ إِلى مِصْرَ هُما لي. أَفْرائيمُ ومَنَسَّى، مِثْلَ رَأُوبينَ وشِمْعون، يَكونانِ لي. ٦ومَن وُلِدَ لَكَ بَعدَهما مِنَ البَنين فإِنَّه يَكونُ لَكَ ويُسَمَّى بِٱسمِ أَخَوَيه في ميراثِه.

٧وأَمَّا أَنا فَفي عَودَتي مِن فَدَّان ماتَت بِقُرْبي راحيلُ في أَرضِ كَنْعان، في الطَّريق، على مسافةٍ مِن أَفْراته، فدَفَنْتُها هُناكَ في طريقِ أَفْراته، وهي بَيتَ لَحْم».

٨ورأَى إِسْرائيلُ ٱبنَي يوسف، فقال: «مَن هٰذان؟» ٩فقالَ يوسفُ لِأَبيه: «هُما ٱبْنايَ اللَّذانِ رَزَقَني اللهُ إِيَّاهما هٰهُنا». قال: «أَدْنِهِما مِنِّي لِأُبارِكَهما». ١٠وكانَت عَينا إِسْرائيلَ قد ثَقُلَتا مِنَ الشَّيخوخة، ولم يَكُنْ يَقدِرُ أَن يُبصِر. فأَدْناهُما يوسُفُ مِنه فقَبَّلَهما وٱحتَضَنَهما. ١١وقالَ إِسْرائيلُ لِيُوسف: «لم أَكُنْ أَحسَبُ أَنِّي سأَرى وَجهَكَ، وهُوَذا قد أَراني اللهُ نَسلَكَ أَيضًا». ١٢ثُمَّ أَخرَجَهما يوسُفُ مِن بَينِ رُكبَتَيه وسَجَدَ بِوَجهِه إِلى الأَرض.

١٣وأَخَذَ يوسفُ الاِثْنَين، أَفْرائيمَ بِيَمينِه إِلى يَسارِ إِسْرائيل، ومَنَسَّى بِيَسارِه إِلى يَمينِ إِسْرائيل، وأَدْناهما مِنه. ١٤فمَدَّ إِسْرائيلُ يُمْناه فجَعَلها على رأسِ أَفْرائيمَ وهو الأصغَر، ويَسارُه جَعَلَها على رأس مَنَسَّى، مُخالِفًا بَينَ يَدَيه، معَ أَنَّ مَنَسَّى كانَ هو البِكْر. ١٥وبارَكَ يوسفَ وقال:

«اللهُ الَّذي سارَ أَمامَه أَبَوايَ إِبْراهيمُ وإِسْحٰق

اللهُ الَّذي رَعاني مُنْذُ كُنتُ إِلى هٰذا اليوم

١٦المَلاكُ الَّذي خَلَّصَني مِن كُلِّ سوءٍ

يُبارِكُ الوَلَدَين.

وَلْيُدْعَيا بِٱسْمي وبِٱسمِ أَبَوَيَّ إِبْراهيمَ وإِسْحٰق وَلْيَنْميا كَثيرًا في وَسَطِ الأَرض».

١٧ورأَى يوسفُ أَنَّ أَباه جَعَلَ يُمْناه على رأسِ أَفْرائيم، فساءَ ذٰلك في عَينَيه، فأَمسَكَ بِيَدِ أَبيه لِيَنقُلَها عن رَأسِ أَفْرائيمَ إِلى رأس مَنَسَّى. ١٨وقالَ يوسفُ لِأَبيه: «لا هٰكذا، يا أَبَتِ، لأَنَّ هٰذا هو البِكْر، فٱجعَلْ يُمْناكَ على رأسِه». ١٩فأَبى أَبوه وقال: «قد عَرَفتُ، يا بُنَيَّ، قد عَرَفت. إِنَّ هٰذا أَيضًا يَكونُ شَعْبًا، وهو أَيضًا يَعظُم، ولٰكِنَّ أَخاه الأَصغَرَ يَعظُمُ أَكثَرَ منه ويَكونُ نَسلُه جُمْهورَ أُمَم».

٢٠وبارَكَهما في ذٰلك اليومِ وقال:

بِكُما يُبارِكُ إِسرائيلُ ويَقولون:

يَجعَلُكَ اللهُ مِثْلَ أَفْرائيم ومِثْلَ مَنَسَّى».

وهٰكذا قَدَّمَ أَفْرائيمَ على مَنَسَّى.

٢١وقالَ إِسْرائيلُ لِيُوسف: «هاءَنَذا أَموت. وسَيَكونُ اللهُ مَعَكُم ويَرُدُّكم إِلى أَرضِ آبائِكُم. ٢٢وأَنا قد أَعطَيتُكَ «شَكيم» عِلاوَةً على إِخوَتِكَ، وهو الَّذي أَخَذتُه مِن يَدِ الأَمورِيّين بِسَيفي وقَوسي».

التكوين ٤٩

بَرَكات يعقوب

١ثُمَّ دَعا يَعْقوبُ بَنيه وقال: إِجتَمِعوا لِأُنبِئَكم بِما يَكونُ لَكم في لاحِقِ الأَيَّام.

٢اِجتَمِعوا وأَصْغوا يا بَني يَعْقوب

أَصْغوا إِلى إِسْرائيلَ أَبيكم.

٣رأُوبين، أَنتَ بِكْري

قُوَّتي وأَوَّلُ رُجولَتي.

فاضِلٌ في الشُّموخ، فاضِلٌ في العِزّ.

٤فُرتَ كالماء: لَن تَفضُل

لِأَنَّكَ عَلَوتَ مَضجَعَ أَبيك

حينَئِذٍ دَنَّستَ فِراشي عَلَيَّ.

٥شِمْعونُ ولاوي أَخَوان

سُيوفُهما آلاتُ عُنْف

٦مَجلِسُهُما لا تَدخُلْه نَفْسي

وإِلى جماعَتِهما لا يَنضَمَّ قَلْبي

لِأَنَّهما في سُخْطِهما قَتَلا أُناسًا

وفي هَواهما عَقَرا ثيرانًا

٧مَلْعونٌ سُخْطُهما فإِنَّه شَديد

وغَضَبُهما فإِنَّه قاسٍ.

أُقَسِّمُهما في يَعْقوب

وأُبَدِّدُهما في إِسْرائيل.

٨يَهوذا، إِيَّاكَ يَحمَدُ إخوَتُكَ

يَدُكَ على رَقبَةِ أَعْدائِكَ

يَسجُدُ لَكَ بَنو أَبيكَ.

٩يَهوذا شِبْلُ أَسَدٍ

مِنَ الِٱفتِراسِ صَعِدتَ يا بُنَيَّ.

جَثَمَ ورَبَضَ كالأَسَدِ واللَّبُؤَة

فمَن ذا يُقيمُه؟

١٠لا يَزولُ الصَّولَجانُ مِن يَهوذا

ولا عَصا القِيادةِ مِن بَينِ قَدَمَيه

إِلى أَن يأتِيَ صاحِبُها وتُطيعَه الشُّعوب.

١١رابِطٌ بِالجَفْنَةِ جَحشَه

وبأَفضَلِ كَرمةٍ ٱبنَ حِمارتِه.

غَسَلَ بالخَمْر لِباسَه

وبِدَمِ العِنَبِ ثَوبَه.

١٢عَيناهُ أَشَدُّ ظُلمةً من الخَمْر

أَسنانُه أَشَدُّ بَياضًا مِنَ اللَّبَن.

١٣زَبولونُ سواحِلَ البِحارِ يَسكُن

ومَتْنَ السُّفُنِ يَركَب

وحُدودُه في جِوارِ صَيدون.

١٤يَسَّاكَرُ حِمارٌ صُلْبُ العود،

رابِضٌ بَينَ الزَّرائِب

١٥وقد رأَى الرَّاحةَ ما أَجوَدَها

والأَرضَ ما أَروَعها

فأَحْنى كَتِفَه لِلْحَمْلِ وصارَ لِلسُّخرَةِ عَبْدًا.

١٦دانٌ يَحكُمُ لِقَومِه كأَحَدِ أَسْباطِ إِسْرائيل.

١٧يَكونُ دانٌ ثُعْبانًا على الطَّريق

وقَرْناءَ على السَّبيل.

يَلسَعُ عُرْقوبَ الفَرَس

فَيَسقُطُ الرَّاكِبُ إِلى الوَراء.

١٨خَلاصَكَ ٱنتَظَرتُ يا ربّ.

١٩جادٌ يَغْزوه الغُزاة

وهو يَغْزو في أَعْقابِهم.

٢٠أَشيرُ خُبزُه دَسِم

وهو يُعْطي مَآكِلَ مُلوكٍ فاخِرة.

٢١نَفْتالي أَيِّلةٌ سارِحة

تَلِدُ شَوادِنَ ظَريفة.

٢٢يوسفُ غَرسَةٌ خَصيبة

غَرسَةٌ خَصيبةٌ على عَين

لَها أَغْصانٌ تَسلَّقَتِ السُّور.

٢٣تَحَدَّاه أَصْحابُ السِّهام

ورَمَوه وٱضطَهَدوه

٢٤لٰكِنَّ قَوسَه ثَبَتَت

وسَواعِدَ يَدَيه تَشَدَّدَت

مِن يَدَي عَزيزِ يَعْقوب

مِنِ ٱسمِ الرَّاعي، حَجَرِ إِسْرائيل.

٢٥مِن إِلٰهِ أَبيكَ – فلْيُعِنْكَ –

ومِنَ القَدير – فَلْيُبارِكْكَ -:

بَرَكاتُ السَّماءِ مِنَ العَلاء

وبَركاتُ الغَمْرِ الرَّابِضِ في أَسْفَل

وبَرَكاتُ الثَّدْيَينِ والرَّحِم.

٢٦بَرَكاتُ أَبيكَ تفوق

بَرَكاتِ الجِبالِ الأَزلِيَّة

ومُنْيَةَ التِّلالِ القَديمة

ولْتَكُنْ على رأسِ يوسُف

وعلى قِمَّةِ رأسِ النَّذيرِ بَينَ إِخوَتِه.

٢٧بَنْيامينُ ذِئبٌ مُفتَرِس

في الصَّباحِ يأكلُ الفَريسة

وفي المَساءِ يُقَسِّمُ الغَنيمة».

٢٨هٰؤُلاءِ كُلُّهم أَسْباطُ إِسْرائيلَ الِٱثْنا عَشَر، وهٰذا ما قالَ لَهم أَبوهم. وبارَكَهم: كُلُّ واحِدٍ بَرَكَتَه بارَكَهم.

وفاة يعقوب

٢٩وأَوصاهُم يَعْقوبُ وقالَ لَهم: «أَنا مُنضَمٌّ إِلى أَجدادي. فٱدْفِنوني مع آبائي في المَغارةِ الَّتي في حَقْلِ عَفْرونَ الحِثِّيّ. ٣٠المَغارةِ الَّتي في حَقْلِ المَكْفيلة، بِإِزاءِ مَمْرا، في أَرضِ كَنْعان، والَّتي ٱشتَراها إِبْراهيمُ مع الحَقْلِ مِن عَفْرونَ الحِثِّيّ، مِلكَ قَبْرٍ. ٣١هُناكَ دُفِنَ إِبْراهيمُ وسارةُ ٱمرَأَتُه، وهُناكَ دُفِنَ إِسْحٰقُ ورِفقَةُ ٱمرَأَتُه، وهُناكَ دَفَنتُ لَيئَة. ٣٢شِراءُ الحَقْلِ والمَغارةِ الَّتي فيه كانَ من بَني حِثّ».

٣٣فلَمَّا ٱنتَهى يَعْقوبُ مِن وَصِيَّته لِبَنيه، ضَمَّ رِجلَيه على السَّرير، وفاضَت روحُه، وٱنضَمَّ إِلى أجداده.

التكوين ٥٠

جناز يعقوب

١فٱرتَمى يوسفُ على وَجهِ أَبيه وبَكى علَيه وقبَّلَه. ٢وأَمَرَ خُدَّامَه الأَطِبَّاءَ أَن يُحَنِّطوا أَباه، فحَنَّطَ الأَطِبَّاءُ إِسْرائيل. ٣ودامَ ذٰلك أَرْبَعينَ يَومًا، لِأَنَّه كَذٰلك تَدومُ أَيَّامُ التَّحْنيط.

وبَكى علَيه المِصرِيُّونَ سَبْعينَ يَومًا. ٤ولَمَّا ٱنقَضَت أَيَّامُ البُكاءِ علَيه، كَلَّمَ يوسفُ بَيتَ فِرعَونَ وقال: «إن نلْتُ حُظْوَةً في عُيونِكم، فتَكَلَّموا على مَسامِعِ فِرعون وقولوا له: ٥إنَّ أَبي قَدِ ٱستَحلَفَني وقالَ لي: هاءَنَذا أَموت، ففي قَبْري الَّذي حَفَرتُه لي في أَرضِ كَنْعان، هُناكَ ٱدفِنِّي. والآن دَعْني أَصعَدُ فأَدفِنُ أَبي وأَعود». ٦فقالَ فِرعَون: «إِصعَدْ فٱدفِنْ أَباكَ كَما ٱستَحلَفَكَ».

٧فصَعِدَ يوسفُ لِيَدفِنَ أَباه، وصَعِدَ معه جَميعُ حاشِيَةِ فِرعَونَ شُيوخِ بَيتِه، وجَميعُ شُيوخِ أَرضِ مِصْر، ٨وجَميعُ آلِ يوسف وإِخوَتُه وآلُ أَبيه، وتَرَكوا عِيالَهم وغَنَمَهم وبَقَرَهم في أَرضِ جاسان. ٩وصَعِدَت معه مَركَباتٌ وفُرْسان: فكانَ المَوكِبُ عَظيمًا جِدًّا.

١٠فَوَصَلوا إِلى بَيدَرِ الشَّوكَةِ الَّذي في عِبْرِ الأُردُنّ، ونَدَبوه هُناكَ نَدْبًا عَظيمًا وبَليغًا جِدًّا، وأَقامَ يوسفُ لِأَبيه مَناحةً سَبعَةَ أَيَّام. ١١فرَأَى سُكَّانُ أَرضِ كَنْعانَ المَناحةَ في بَيدَرِ الشَّوكة فقالوا: «هٰذه مَناحةٌ عَظيمةٌ لِلمِصرِيِّين». ولِذٰلِك سُمِّيَ المَكانُ مَناحةَ المِصرِيِّين، وهي في عِبْرِ الأُردُنّ.

١٢وصَنَعَ لِيَعْقوبَ بَنوه كَما أَوصاهم. ١٣فحَمَلوه إِلى أَرضِ كَنْعان ودَفَنوه في مَغارةِ حَقْلِ المَكْفيلةِ الَّتي ٱشتَراها إِبْراهيمُ مع الحَقْلِ مِلْكَ قَبْرٍ مِن عَفْرونَ الحِثِّيّ، إِزاءَ مَمْرا.

١٤ثُمَّ رَجَعَ يوسفُ، بَعدَ أَن دَفَنَ أَباه، إِلى مِصْرَ هو وإِخوَتُه وسائِرُ مَن صَعِدَ معه لِدَفْنِ أَبيه.

من وفاة يعقوب إلى وفاة يوسف

١٥فلَمَّا رأَى إِخوَةُ يوسفَ أَن قد ماتَ أَبوهم، قالوا: «لَعَلَّ يوسفَ يَحقِدُ علَينا ويُكافِئُنا على الشَّرِّ الَّذي فَعَلْناه بِه». ١٦فأَرسَلوا مَن قالَ لِيُوسف: «إِنَّ أَباكَ أَوصانا قَبلَ مَوتِه وقال: ١٧«كَذا تَقولونَ لِيُوسف: أَرْجو أن تَغفِرَ لإِخوَتِكَ ذَنبَهم وخَطيئَتَهم، فقَد فَعَلوا بِكَ سوءًا. والآن أَسألُكَ أَن تَصفَحَ عن ذَنْبِ عَبيدِ إِلٰهِ أَبيك». فبَكى يوسفُ حينَ قيلَ لَه ذٰلك.

١٨وجاءَ إِخوَتُه أَيضًا فٱرتَمَوا أَمامَه وقالوا: «ها نَحنُ عَبيدٌ لَكَ». ١٩فقالَ لَهم يوسف: «لا تَخافوا. أَلَعَلِّي أَنا مَكانَ الله؟ ٢٠أَنتُم نَوَيتُم عَلَيَّ شَرًّا، واللهُ نَوى بِه خَيرًا، لِكَي يَصنَعَ ما تَرَونَه اليَوم لِيَهَبَ الحَياةَ لِشَعبٍ كَثير. والآن لا تَخافوا: أَنا أَعولُكم أَنتُم وعِيالَكم». ٢١وعَزَّاهم وخاطَبَ قُلوبَهم.

٢٢وأَقام يوسفُ بِمِصْرَ هو وبَيتُ أَبيه. وعاشَ يوسفُ مِئَةً وعَشْرَ سِنين. ٢٣ورأَى يوسفُ مِن بَني أَفْرائيمَ الجيلَ الثَّالِث، وقَد وُلِدَ أَيضًا على رُكبَتَيه بَنو ماكيرَ بْنِ مَنَسَّى. ٢٤وقالَ يوسفُ لإِخوَتِه: «هاءَنَذا أَموت، واللهُ سيَفتَقِدُكم ويُصعِدُكم مِن هٰذه الأَرضِ إِلى الأَرضِ الَّتي أَقسَمَ علَيها لإِبْراهيمَ وإِسْحٰقَ ويَعْقوب. ٢٥وٱستَحلَفَ يوسفُ بَني إِسْرائيلَ وقال: «إِنَّ اللهَ سَيفتَقِدُكم، فأَصعِدوا عِظامي مِن هٰهُنا».

٢٦وماتَ يوسفُ وهو ٱبنُ مِئَةٍ وعَشْرِ سِنين. فحَنَّطوه وجُعِلَ في تابوتٍ بِمِصْر.